الحج المقدس والموت المكدس/ رحال لحسيني

الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام، كان لإبقاء الدين الجديد عليه بتثمين قدسية الكعبة والحج إليها أثر بالغ في قبوله من طرف أشد المعارضين له من قادة قريش الذين أحسوا بتهديد مصالحهم الاقتصادية بعد تحجيم نفوذهم السياسي والاجتماعي، الناتج عن اتساع قاعدة ونفوذ الدين الجديد الذي التحق به حتى أبنائهم وعبيدهم.
كم يدر موسم الحج من الأموال الطائلة على بلاد العرب المسماة اليوم بالسعودية نسبة للعائلة الحاكمة فيها..
كم من المسلمين عبر العالم يثوقون لأداء هذه الفريضة وكم يكلفهم ذلك؟
كل أمم وشعوب الأرض تزور أماكنها المقدسة متى استطاعت إليها سبيلا..!
هناك مقدسات دينية أخرى لغير المسلمين وحتى “غير السماوية”، قد تبدو غير ذات أهمية ولا يليق بأصحابها إنفاق مدخراتهم عليها، لكن معتنقيها يدودون عنها ويزورون أماكنها، وينجزون طقوسهم المترتبة عنها، دون أن ينتج عن قيامهم بها وعن تجمعهم – إلا لماما- مآسي ووفيات بالجملة بسبب التدافع أو التمييز أو “الشغب” أو تقود ممارستهم لها للتذمر أو الاحتجاج.
صحيح أن الموت قد يصادف أصحابه أينما حلوا وارتحلوا، وأن الوفيات وسط الحجاج تكون سنوية ويتمناها بعضهم للظفر بمقعد في الجنة، ويحلم عدد منهم بذلك، لكن أن تحدث بالمئات وتزهق الأرواح، في نفس الوقت، بشكل مجاني، فالأمر يتجاوز الرغبة المفترضة في الموت المقدس إلى جريمة حقيقية، مهما كانت المبررات.
سيستمر المسلمون في الحلم بأداء مناسك الحج، وفي كل الظروف. وسيحلمون، مادام الحلم متاحا وممكنا، بأن تصان كرامتهم وحقوقهم وحياتهم وجثثهم أيضا… بألا تكدس فوق بعضها في انتهاك صارخ حتى لحرمة الأموات، في مشاهد مروعة….
إن الكشف عن الحقيقة الكاملة في مأساة حج سنة 1436 هجرية ومساءلة المسؤولين عنها وإنصاف ضحاياها وعائلاتهم سيكون مدخلا لمنع تكرارها في اتجاه إعادة الدفء والبهجة المفترضة عند الإقبال على أداء هذا الركن المقدس وأنسنة ظروف وشروط ومحيط أدائه وتثمين عمقه الروحي، نحو الابتعاد عن الموت والعنف والتشدد والألم والترهيب والخراب المتسع، الذي غمر -على يد الغلاة والقتلة والمجرمين ومستغلي الشعور الديني للظفر بمكاسب دنيوية جمة…- مناحي متعددة لممارسة هذا الدين العظيم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق