المنصب شرف وأمانة ومسؤولية/ كميل العيد

يروى أن الصحابي الجليل أبا ذر الغفارى طلب من الرسول الكريم أن يعينه والياً على إحدى الولايات، فوجده الرسول - صلى الله عليه وسلم - غير مستوف للشروط الخاصة ليصبح والياً فأبى عليه ذلك وقال له (يا أبا ذر إنك ضعيف، وإني أحب إليك ما أحبه لنفسي، وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها).
فالمنصب أمانة وشرف وأخلاق ومسؤولية وقوة، وهو وديعة في يد شاغله، يسأل عنها أمام الله والناس، وإذا فرط الإنسان بهذه الوديعة يكون خائناً للأمانة وللعهد وغداراً لوطنه وأهله وناسه. فلا يجوز أن يتولى المناصب إلا القوي الأمين النزيه صاحب الخبرة والشكيمة والقادر على اتخاذ القرارات الصعبة في الأوقات الحرجة والقادر على تنفيذ الأحكام ومحاسبة القوي قبل الضعيف. فعملية اختيار العاملين وخاصة القادة، لا بدَّ من أدائها بالشكل السليم وأن تتم عبر دراسة وتقييم لقدرات المرشح للمنصب وطاقاته الذهنية والعقلية والبدنية ومدى توافقها مع المنصب الذي قد يشغله، فلا بد من وضع الرجل المناسب في المكان الذي يناسب خبراته وقدراته وإلا فشل وأفشل المنصب وألحق الضرر بالمصلحة العامة. 
وهنا لا بد من التأكيد على الذين يتولون المناصب العامة، أن يتمتعوا بقدر كبير من القدرة على العدل والمساواة بعيداً عن المحاباة والمسايرة، وأن يحكموا بالعدل، ولو كان ذلك على أقرب الناس إليهم، كما أن على أصحاب المناصب والنفوذ، أن يتمتعوا بالرفق والرحمة تجاه الناس، فالمواطن في هذه الظروف الصعبة بحاجة إلى رعاية وبشاشة سمحة وقلب كبير، يحمل همومه، ويبذل قصارى جهده في رعايته، وإلا انفضت الناس من حولهم ، كما جاء في الآية القرآنية: "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر". وهذا درس يجب أن يكون حاضراً عند كل أصحاب المناصب، إن كانوا حقيقة يحبون وطنهم ، ويخشون على بلدهم وناسهم، فعليهم أن يكونوا متفانين في خدمة الرعية مستخدمين الكلمة الطيبة معها، لما لها من أثر في نفوس البشر. لذلك وبعد أن وصل بعض مسؤولي الغفلة غير الكفؤ لبعض المناصب الحساسة في الحزب والدولة لا بد من إعادة الدراسة والتقييم واستبعاد من لم تثبت قدراتهم الإدارية وملكاتهم الذهنية وخبراتهم وصفاتهم الأخلاقية مناسبتهم للموقع الذي يشغلونه واختيار الأصلح بدلاً منهم وبحسب ما يتطلبه المنصب من مؤهلات لنتمكن من النهوض وتجاوز المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد. 
إن الشيء المثير للقلق في هذه الأيام تفريط البعض في أمانة المسؤولية الملقاة على عاتقهم واستنزافهم للوطن من خلال مناصبهم فيما الكثير من السوريين ينزفون الدم من أجل بقاء الوطن، نعم هناك مجموعة من اللا بشر، استغلوا حالة الحرب التي نعيشها فتسللوا إلى بعض المناصب والمواقع وبدؤوا يهدمون من الداخل عن دراية، أو من دون دراية، فالتقوا شاؤوا أم أبوا مع الأدوات الاستعمارية، وتحولوا إلى منفذين لمخططاتها. 
المنصب ليس جاهاً ومصالح، إنه أمانة ومسؤولية وعلى أصحاب المناصب أن يشكروا الله، لأن حاجة الناس إليهم من نعم الله وبأدائهم ودرجة أمانتهم، ترتفع مراتبهم أمام الله والبشر، وإن خانوا الأمانة أصبحوا بالحضيض تلاحقهم اللعنات أينما اتجهوا.
kamilaleidna@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق