الراحل عصام العباسي شاعر وطني فلسطيني ، وعاشق في سمفونية الشعر الفلسطيني السياسي الملتزم . لم يأخذ حقه ونصيبه الوافر من النقاد والباحثين والدارسين ، اللهم الا شذرات ونتف صغيرة هنا وهناك .
قضى عصام عمره فقيراً صامداً صابراً مكابراً ومنافحاً عن حق شعبه ، وحق الانسان في الحرية والحياة الشريفة والكريمة .
قرض الشعر وكتب المقال الأدبي والسياسي وعمل في الصحافة ، واتصف بالدماثة والطيبة وخفة الدم وروح الدعابة والفكاهة ونظافة اليد والنقاء الثوري .
امتزج بتراب الوطن ، وعانق ربى الجليل والكرمل وبحر حيفا ، وهتف للروابي الخضراء ، وداعب اغصان الزيتون والسنديان والزعتر البري وبرتقال يافا الحزبن .
وحين كان يعمل في مؤسسة " البيادر " المقدسية ويكتب الكلمة الأخيرة لمجلة " البيادر" الأدبية ، التي كان لها شأن في العملية الثقافية والابداعية الفلسطينية والحراك الأدبي في المناطق المحتلة ، روى المرحوم عصام العباسي الحكاية التالية : " تعرفت في حياتي الصحفية على رجل اصبح في عالم الغيب ، وادهشتني موهبته الصحافية التي يتمتع بها ، مع انه لا يعمل في الصحافة ، بل في مهنة بعيدة عن الصحافة والأدب والفكر ، وعرفت منه انه منذ طفولته عشق الصحافة وتمنى العمل فيها حتى تمكن من الانخراط في احدى الصحف الوطنية حيث ابدى مهاراته وتأكد البعض ممن اطلعوا على عمله من انه يبشر بمستقبل باهر ، ولكن اجور الصحافيين ورواتبم ولا سيما المبتدئين منهم كانت ضئيلة ، فذهب الى صاحب الجريدةًيشرح له وضعه ويطالب بتحسين وضعه ورفع راتبه ، فلم يكن من صاحب الجريدة الا ان القى عليه محاضرة قيمة ملخصها ان الكاتب لا يجود ويجيد ويبدع الا اذا تضور جوعاً وشقى وعانى . فوهض صاحبي رحمة الله عليه من امام صاحب الجريدة .
حقاً، لقد صدق المثل اعطي الجوز لم ليس له اسنان ، وترك الصحافة الى غير رجعة مفضلاً ان يتعلم مهنة تقيه التضور جوعاً والشقاء والمعاناة " .
صدق صاحب عصام العباسي ، وحسناً ما فعل ، وكان على حق وصواب حين قرر اعتزال الكتابة وترك الصحافة التي لا تطعم ولا تسمن او تغني عن جوع .
فكم من صاحب قلم لا يعتاش من قلمه وفكره وابداعه ، وكم من كاتب لا يجد في جيبه ثمن فاتورة الكهرباء ؟ وكم من صحافي لم يتقاض معاشه الشهري منذ فترة ، او يتسول على ابواب المؤسسات الاعلامية ودور الصحافة باحثاً عن فتات وعمل يعود عليه بالمنفعة المادية ليتمكن من اعالة اسرته ، التي تصحو في الصباح الباكر ولا تجد ما يكفيها لسد الرمق من احتياجات يومية ضرورية ..!
قديماً قالت العرب : " من لا يأكل لا يفكر " و" لا تسألوا من ليس في بيته دقيق فان عقله زائل " .
تذكرت حكاية عصام العباسي هذه عندما التقيت بأحد المعارف القدامى ، وكنت عائداً الى بيتي مشياً على الاقدام وبيدي اكياس ثقيلةً ملأتها بالمواد التموينية ، فقال وهو يبتسم : كل هذا سببه انك كاتب وتتعاطى الكتابة .
وعلى الفور بادلته الابتسامة ووافقته الرأي .
ويظل السؤال الذي يلح دائماً : الى متى يظل الكاتب يعطي ويكتب ويعاني الفقر ويتضور جوعاً ولا يتقاضى اجراً لقاء كتاباته ..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق