" شعرية اللغة عند شاعر المنافي" هو عنوان لكتاب صادر قبل فترة وجيزة عن مجمع القاسمي للغة العربية وآدابها ، للدكتور صلاح محاجنة من قرية مصمص ، الذي سبق وصدر له دراسة مطولة حول الشاعر الفلسطيني " مطلق عبد الخالق" .
وهذا الكتاب عبارة عن دراسة اسلوبية في شعر راشد حسين ، ويقع في ٣١٣ صفحة من الحجم الكبير ، وهو من تصميم واخراج السيدة سائدة ابو صغير ، مديرة قسم الاصدارات والنشر في اكاديمية القاسمي .
ويهدي المؤلف كتابه الى " كل من احب الوطن ، وعشق ترابه ، ونشأ على ارضه . الى زوجتي الغالية التي مدت لي يد العون في كل وقت وآن ، وأبنائي الأحبة على ما بذلوه معي من وقت وجهد وعناء ".
وكما جاء في المقدمة فإن الدراسة تستقرئ اسلوب شاعر فلسطين راشد حسين ( ١٩٣٦- ١٩٧٧) ولغته الشعرية باعتباره احد رواد الشعر المقاوم داخل الوطن بعد العام ١٩٤٨ ، حيث ترك بصماته على الشعر السياسي والوطني الذي تصدى لمحاولة النيل من روح التمرد والمقاومةً، فكان مدرسة في الوطنية والقومية . كما تستقصي الدراسة الظواهر البارزة في استعمالاته اللغوية واستخدامه العناصر القديمة وتأثره بالموروث الديني والتناص القرآني .
ويرى د. صلاح محاجنة أن شعر راشد مزيج من الرومانسية والواقعية ، وكان لراشد مشروعان ، شعري وسياسي وطني .
يتكون الكتاب من خمسة فصول :
الفصل الأول : ويتحدث فيه عن سيرة راشد ، مولده ، نشأته ، عائلته ، دراسته ، بداياته مع الشعر ، الاطر السياسية والثقافية . كذلك يتطرق الى مضامين شعره ويرى أن راشد حسين في أشعاره يركز على المأساة الفلسطينية تحت الاحتلال وفي الشتات الفلسطيني ، فكتب الشعر لكل الناس وفي كل المواضيع . كتب القصيدة السياسية والاجتماعية ، وقصائد الحب والغزل وابدع في كل هذه الابواب . وقد آمن أن الأدب للحياة ، للشعب ، للمستقبل ، للتوعية السياسية والفكرية والثقافية . ثم يتناول اسلوبه في الكتابة الشعرية في سنوات الخمسين فيلحظ أن اسلوب الشعر العمودي الكلاسيكي هو الطاغي على قصائده ، في حين اعتمد اسلوب التفعيلة في سنواته الأخيرة .
وفي الفصل الثاني يستعرض الخلفية الاجتماعية والسياسية والثقافية في قصائد راشد ، فيذكر أن راشد حسين عالج مشاكل مجتمعنا كالفقر والجهل والمرض والزعامات الزائفة ، وتعليم الفتيات ، والمساواة بين الجنسين ، وقضايا الزواج والمهور ، ومشاكل الشباب العامل والمثقف . وايضاً عالج قضايا شعبه السياسية والقومية ، والظلم الفادح الذي لحق بشعبنا الفلسطيني .
بينما في الفصل الثالث يأتي على اسلوبه العام وعناوين قصائده ودلالاتها وصوره الشعرية ، موضحاً أن راشد حسين استخدم لغة خاصة في كل صوره الشعرية تنسجم مع المعنى الذي تشير اليه هذه الصورة ، فحيناً نجد لغة رصينة فخمة تساهم في تشكيل الصورة الشعرية ، واحياناً نجد لغة سهلة بسيطة تساعد هي الاخرى في تكوين الصورة الشعرية .
اما في الفصل الرابع فيتطرق للظواهر اللغوية ومدلولاتها وتأثير القرآن والشعر القديم على لغته الشعرية ، كما يتحدث عن معجمه الشعري والترديد والتغجير اللغوي ودائرية القصيدة لديه واسلوبه الساخر وغزله ومفرداته العامية الشعبية والغريبة والرمزية في شعره .
وفي الفصل الخامس يعرض الى اسلوبه اللغوي ولغته الحوارية والخطابية وانشائه الطلبي وبنائه الشعري اللفظي وقلبه المكاني ، اضافة الى التشبيه والتكرار كظاهرة ايقاعية حداثية والوانه واستخدامه الافعال المضارعة والرباعية المضعفة وفعل الامر ولغته التحريضية والحماسية . ثم يقدم مختارات من شعر راشد حسين في موضاعات والوان متعددة .
ويصل د . صلاح محاجنة في خاتمة كتابه الى الاستنتاج أن راشد حسين يحتل موقعاً وموقفاً ادبياً متميزاً في العالم العربي بصفته رائد المقاومة الفلسطينية ، وأنه يستمد مادته الشعرية من الوقائع التاريخية التي تتطابق الى حد كبير مع سيرة حياته الذاتية ، ويعبر عن مواقفه الوطنية الاصيلة بلغة شعرية أخاذة ، سهلة التغلغل الى عقول القراء والسامعين ، وسريعة التأثير على نفوسهم . وقد استخدم لغة مقاومة ولغة غضب ورفض تقطر دماً والماً . وان انتاج راشد قوبل بالتصدي والمعارضة من قبل السلطات والزعامة العربية المتخاذلة ، ونتيجة لذلك اسدل عليه وعلى شعره ستار من التعتيم الكامل ولم ينل انتاجه خطأ ولو يسيراً من اهتمام الباحثين والدارسين ، الا بعد وفاته باكثر من ثلث قرن .
وبعد ، فإن كتاب " شعرية اللغة عند شاعر المنافي " للدكتور صلاح محاجنة هو كتاب قيم ويثري حركتنا الادبية ، ويشكل اضافة نوعية للمكتبة الفلسطينية التي تفتقر للابحاث والدراسات الأدبية والنقدية . وبدوري احيي الدكتور صلاح على جهوده المباركة واشد على يديه واتمنى له مواصلة البحث والاستقراء لما فيه خدمة ادبنا وثقافتنا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق