يا أسمر اللّون ... باغتْتها نسيماتٌ باردةٌ ، سحبتْ الغطاء تدثّر ولديها ، وبعينٍ نصف مغمضةٍ تنبّهتْ للوقت .. ياااااه أوشك الصّبح أن يشرقَ ، قالتْ في سرّها ، وهي تطرد عنها سطوة النوم اللّذيذ . رشقتْ وجهها برذاذ الماء ، ثمّ استدارتْ على عجلٍ ،لتنثر بعض الحبّ المجروش في قنّ الدجاج ، لمّا تعالتْ صيحات الدّيك تعلن بدء رحلة يومٍ جديدٍ ، بعد أن خلع اللّيل بردته القديمة ،الملوّثة بالأحلام الواهمةِ،المعطوبة على الغالب. واتّجهتْ نحو المطبخ ، ترفع الغطاء النديّ عن المعجن ، تتأكّد من تخمّر الخليط بطرف إصبعها ، أيقنتْ بخبرتها صلاحيتها الآن للشواء، زجّتْ الصينيّة في الفرن ، فاحتْ أنفاس الحلوى في صحن الدّار ، شمّرتْ ثوبها الطويل بزنّارٍ قماشيٍّ ، تقيه من البلل ، وهي ترشّ الماء على الأرض وأحواض الزّرع ، غرّد الحسّون ، فشرعتْ تغنّي لوجه رجلٍ راحلٍ ، إلاّ من أعطافها .. تظنّ حدّ اليقين بأنه قربها الآن ، تعدّ له قهوة الصّباح ، وتهيئ له الجلسة الصباحية، برائحة الورد الذي كانت تجدله بين ضفائرها .. (يا أسمر اللّون ...يا أسمراني ..... ، تعباااااااااان يا قلب خيّو ...........هواك رماني ، يا بو عيون وساع ...حطّيت بقلبي اوجاع.. بعطيك سبع رباع خيّو من العين رسمالي ..) وابتلعت مع دموعها مابقي من الكلمات . صينيّة الهريسة باتتْ شهيّة الشّواء كقرص شمس الصّباح ،حملتها على رأسها بعد أن أغرقتها بالقطر ، وقطّعتها . اطمأنّتْ إلى باب بيتها بعد أن أرتجته بأمانٍ ، تشقّ الزّحام إلى رأس الشّارع في حارتها ، قرب الشّجرة العتيقة . تلقّفتها عيناه بحبّ مزمنٍ : هاتها أحملها عنك ثقيلةٌ هي .. _لا شكراً ...لا أريد أن أتعبك .. أصرّ مادّاً يده ، يجذب الصينيّة نحو رأسه: هاتها حرامٌ أن يتعب هذا الرّأس الجميل ، ويحمل مالا يطيق ، لو أنّك تعقّلتِ ، وقبلتِ بي زوجاً أمَا ارتحتِ من هذا الشّقاء ..؟؟!!! أم أنك ما زلتِ تحنّين إلى أسمر اللّون الذي سرق قلبي حيّاً ، وميتاً ؟؟ قطّبتْ حاجبيها ، وكانت قد وصلت إلى المكان المقصود ، ثمّ أمسكتْ بكفّة الميزان ، وبين الحزم والمزاح ، وجهتها نحوه ، لحظة كان يهمّ بفتح الطاولة الصغيرة المغلقة ليثبّت عليها الصينية : _اصمتْ وإلاّ ... قالتها ضاحكةً ثمّ أردفت: عمر أنت أخي ، بل كلّ أهلي ، أنت المخلص ،الوفيّ ،الذي ما غيّره الزّمان.. _ولن أتغيّر ، منذ طفولتي أحبّك ، رغم كلّ محطّات عمري التي عبرتها ، أحبك ، ولكن ...وآاااه من لكن ، بقي الحلم حلماً ، وبقي قلبك رهيناً لفارسك الأسمر..حتى بعد أن صار ظلاً نائماً. _ ولداي.. عمر.. ولداي ، وأميّ المشلولة ، هم أمانةٌ في عنقي ، والدّرب طويلٌ .. طويلٌ ، والكسب قليلٌ ..قليلٌ،والقلب المتيّم مأسورٌ لحبّ أوّل يسكن الضلوع ، وليس له خيار. قطع حديثهما توافد الصّبية مهرولين نحو المدرسة القريبة من مكانها، امتدّتْ الأيدي تدفع بالقروش القليلة إليها ، تتوافق مع تحيّة الصّباح التي باتتْ كطقوسٍ يوميّةٍ بين صحبةٍ طيّبة ، حميمةٍ تجمعها بهم ، وتغوص في أنسجتهم بودّ ، وتحنانٍ. كان يرقبها بطرف عينه ، وهي تقسم لقيمات تطعم بها أفواهاً فقيرةً ، عذبة الأنفاس، لا تمتلك الثّمن .. _ لن يتبقّى على هذا الحال إلاّ القليل من الهريسة يا سعديّة ، يقول لها مشفقاً _ الرّزق على الله يا عمر ، كلّهم أولادي ، أحسّهم كلّهم أولادي ، صغاراً ، وشباباٌ ، آااه لو يسعهم هذا الحضن !!!. تركها مزروعة في قلبه ومضى . نال منها التعب ، كم تؤلمها فقراتُ ظهرها ..!!؟؟ اعتدلتْ في جلستها ، تفرك عنقها ، حتى أسفل ظهرها ، تغمض عينيها ، تتحسّس الليرات المعدودات، ترى .. هل تكفي متطلّبات ما يلزمها..؟؟ اخترقها صوتٌ مزلزلٌ ،لا يشبه الأصوات التي ألفتها ، وتراكض أقدامٍ مضطربةٍ حولها ، عجّتْ الأرصفة بالغبار ، ساد الهرج ، والمرج ، فقطع أصوات الحياة الآمنة. هبّتْ مستفسرةً عمّا يدور حولها ، لم تستبن طلاسم ما قيل أمامها من تبرير ..، كلّ فتية الحيّ يحبّونها ، يعرفونها ، ولكنهم لم يسمعوها ، وهي تقف عرض الشارع ، محاولةً الفصل بينهم. لعلع الرّصاص كأمطارٍ رماديّةٍ أسالت لونها الأحمر على الإسفلت ، على الرّصيف ، على الجدران ، تؤرّخ لجرحٍ كبيرٍ. صرخت: كفاية يا أولادي بالله عليكم ، كفى ...مهما كان الخلاف ،هناك حلول منصفة ، عادلة ،اسمعوني أرجوكم .. ضاع صوتها وسط الجموع الهادرة بحنقٍ ، وغضبٍ ، كأمواج نارٍ لاهبةٍ ، تأكل حشاشة الأرض ، وأجساد الحشود المتصارعة. اختلّ توازنها ، ارتمتْ على قارعة الطريق ، وتبعثرتْ الحلوى بين الأقدام ،معجونة بالوحل ، وما تنبّهوا إليها. وقفتْ من جديدٍ ، تلمّ بعض قوّتها ،المستمدّة من قلبها المرتجف حبّاً، لم تيأس ، راحتْ تجذب هذا ، وذاك : _انظروا إليّ ...اسمعوني : أرجوكم : أنتم إخوة ، أبناء هذا الحيّ الطيّب ، وحين تسيل الدّماء ، لا قاتل، ولا مقتول، لا غالب أو مغلوب..من يمتلك القوّة ، أو من لا يمتلك إلاّ صدره الأعزل. كلّكم مقتولون ...كلّكم .. ازداد الموقف ضراوةً ، وعنفاً ، وتناثرتْ أشلاء قابيل ، وهابيل معاً ، وحطّ الغراب بجناحيه ينعق في الخراب . واختفى صوت سعديّة ، وغاب ..وغاب ..حتى تلاشى ، سمعتْ وقع أقدامٍ تتباعد عنها،وارتحل بصرها إلى بقعة ضياء، تحمل معها قطع حلوى ،تلقم بها أفواهاً فقيرةً ،وادعةً ،كأكمام الزّهر ، تعرفها جيدا،وصوتا سكن أذنها ، أحبّها منذ الطفولة ،تميّزه بدرايةٍ يناديها: سعديّة ...سعديّة ...أولادك قتلوك يا سعديّة ، أولادك قتلوكِ ، يردّ ثوبها المنحسر عنها ، يضمّ جسداً بارداً إلاّ من بعض دمٍ يدفق بدفء الحبّ ، والخير. وهناك ...عند الوادي البعيد ، عانقتْ وجهاً أسمر اشتاقته طويلا ، تهمس له : يا أسمر اللّون ...يا أسمراني ...تعباااان يا قلب خيّو ..هواك رماني ..
واحده من حكايات سمو ألاميره البارعه في وصف ألاحداث ألمأساويه ألداميه ألتي تفتك بألانسان العربي منذ عدة عقود - من ألمستفيد ،، من ،،، من ،، دمنا يراق - أولادنا يشردون - أموالنا تهدر لتذهب الى جيوب قتلتنا وهم يضحكون علينا ،،اخ يقتل اخيه بل وامه وأبيه ،، حكام لاهون وبالمناصب والكراسي مغرمون لايهم من يموت جوعاً او يقتل في وضح ألنهار - ألكل يعرف أن ألاعداء هم من يوقد نار الحرب ،،، وعجباً أن يتفرج ألحكام وعلى الحرير ينامون وبكل وقاحة علينا يخطبون ،، حسبنا ألله ونعم الوكيل ،، كلنا الى ربنا منقلبون ،، وسيعلم ألذين ظلموا أي منقلب ينقلبون - دمت وسلمت سمو الاميره �� إيمان ألدرع ��
ردحذف