السبت، 10 أكتوبر 2015

غاز مصر/ هادي حمودة

ما من أحد ينكر أن اكتشاف حقل الغاز الجديد شروق في مصر قد أثلج قلوبنا فعلا خاصة و أننا دولة حرمت من مصادر الطاقة و ذات تعداد سكاني كبير و نطمع في تحسين مستوى الدخل و النهوض بالاقتصاد.

إلا أن ذات الحقل المكتشف و طريقة إدارته و الاستفادة منه و إدارته كمورد طبيعي للدولة بل للأمة هو ما يثير قلقي بشدة الذي لا أستطيع أن أخفيه منذ الإعلان عن الاكتشاف. هنا لا أتحدث فقط عن الغاز كمورد سيتم تصديره أو استهلاكه محليا، و إنما أريد أن أتحدث عن أفاق إدارة ذلك المورد خاصة و إن كان مهولا حسبما أعلن.
 نقطتي بوضوح و تساؤلاتي، هل سيتم احسان إدارة هذا المورد لتحقيق عدة أهداف أهمها من وجهة نظري هدفين:
الأول: هو الارتقاء بالاقتصاد المصري، و ليس بصورة تصدير الغاز الخام و مجرد الاستفادة بعائداته، و إنما هل سيتم بيعه للسوق المحلي بما ينهض بالصناعة المصرية التي لطالما كانت متعطشة للطاقة منذ أن دخلت مصر عصر الصناعة منذ أيام محمد علي باشا؟
إن لم يستخدم الغاز المهول الحجم المكتشف في إمداد مصر بالوقود الهام للصناعات الموجودة، بل و استحداث أنواع جديدة من الصناعات الهامة فأعتقد أننا سنكون كلنا مذنبين في حق الفرصة التي أتيحت لنا بفضل الله و عونه. الارتقاء بالاقتصاد المصري أيضا يعني الارتقاء في عملية التنويع موارد الدخل عن طريق تنمية قطاعات اقتصادية عديدة تدر دخلا وفيرا على الأمة، مثل تحسين البنية التحتية، و الاستثمار في المجالات البنكية و المالية، و المجال اللوجستي، و تحسين الزراعة و القطاع الزراعي، و الصناعات القائمة عليها، و غيره و غيره مما يطول سرده. لكن في حقيقة الأمر أريد أن أطرح سؤلا هاما، هو إلى متى لن تتمكن دولة بحجم مصر من أن تكتشف مواردها بنفسها، إلى متى سنظل نستجلب الشريك الأجنبي لكي يكتشف لنا و يشاركنا القوت و المورد و القرار؟ نعم أعلم أنه لابد من ذلك لضعف الامكانيات و الخبرات في مجالات عديدة، لكن سبب طرحي لهذا السؤال هو أنني أعلم جيدا أن الطريق لتحقيق السيادة الوطنية الكاملة – حتى و إن كانت رأسمالية فردية حرة أو احتكارية من قبل الدولة – لا يبدأ إلا بإصلاح التعليم و الخبرات الفردية و الجماعية في سوق العمالة و هذا ما لا أرى أننا قد بدأناه حتى الآن أو لم يعلن عن أية خطط عن هذا الأمر مطلقا! هذا يبدأ بإصلاح النظم التعليمية و تبادل الخبرات و إرسال البعثات للتدرب و التعلم من الغرب، و قد أثبت التاريخ مدى سرعة تعلم المواطن المصري و مدى براعته و إمكانية النهوض السريعة التي يمكن أن يحققها المواطن المصري الذي بات متعطشا للعمل و النجاح و فرص الحياة الكريمة، و لانزال نذكر التجربة المصرية في عهد محمد علي لا لنقلدها من حيث الشكل، و إنما لتكون الدليل الحي على ثقة المصريين في أنفسهم و قدراتهم اللا محدودة و لكي نتعلم من أخطائها السياسية و الاقتصادية لكي نتلافاها.
و قبل أن أنهي كلامي عن هذه النقطة، أود أن أذكرنا جميعا بمثال حي نراه و نسمع أخباره يوميا و هي التجربة الروسية في إساءة إدارة موارد الدولة و الاعتماد على مصدر دخل يكاد يكون واحد و أوحد و هو تصدير الغاز و البترول الخام مع الاعتماد الذي كان متناميا على الشراكات الأجنبية مما وضع الاقتصاد الروسي في أحد أحلك أزماته في أيامنا هذه و لا أحد يعلم كيف ستكون العاقبة لذلك، عاقبة الاعتماد المفرط على مصادر دخل محدودة و عدم تطوير القطاعات الاقتصادية الأخرى، و عاقبة الشراكات الأجنبية المفرطة و عدم تدعيم البنية التحتية البشرية و زيادة فرص الاعتماد على النفس، و لكي يتعرف القارئ على مدى فداحة الثمن الذي يدفعه الاقتصاد الروسي من جراء ذلك أرجو منه مطالعة دراستي المختصرة التي أعددتها عن هذا و بعنوان "اقتصاد الدومينو، الخطايا الأربع التي اقترفها الاقتصاد الروسي في حق نفسه" و التي أنشرها على أجزاء على شكل مقالات على موقع جريدتنا هذه.
الهدف الثاني: إن كان الكم المكتشف كبير أو مهولا بحق كما تردد بعض وسائل الاعلام الأجنبية و الوطنية منها، هل سيتنبه صناع القرار في مصر و رجال السياسة و الديبلوماسية إلى أهمية استغلال الفرصة سياسيا كي تطأ مصر أول خطواتها على طريق إيجاد دور دولي لها عبر قوتها و قدرتها على التأثير على سوق الطاقة بما يؤثر على المواقف الدولية للدول و التي منها روسيا، و الولايات المتحدة و أوروبا. هل تنيه السادة المسؤولون إلى أهيمة إيجاد المدخل للساحة الدولية و تعزيز ثقل مصر الدولي، و لا سيما أن الطريق بات ممهدا لذلك على ظل الخلافات الأوروبية الأمريكية مع روسيا التي هي من أكبر مصدري الغاز الطبيعي في العالم، و العقوبات الاقتصادية عليها، و موقف الروس أنفسهم و كذا الغرب من الأزمة السورية، و داعش، و العراق و إيران. هل نفكر كيف نستغل هذا المورد بما يعزز دورنا في تحقيق مصالحنا الاستراتيجية مع و في و عبر هذه البلاد؟ و هل هناك أية سيناريوهات عن كيفية إدارة هذا الملف الهام لإيجاد نوع من التوازنات أو الحلول للمشاكل في سوريا و الملف الإيراني و الدول الحاضنة و كذا الداعمة للإرهاب، و عن كيفية إيجاد دور مصري سياسي دولي بما يحقق رؤيتها أمنها.
أتمنى أن لايكون أقصى ما يفرحنا أن مصر ستستغني عن استيراد الغاز خلال خمس أعوام و كان الله بالسر عليم، و "نكفي على الخبر ماجور" و نكتشف بعد فترة أن الغاز قد تم إساءة إدارته واستنزافه و تبديده لحساب هذا أو ذاك تحت ذريعة الحفاظ على الأمن القومي بمفهومه المباركي القديم، و يكون المستفيد الوحيد من كل ذلك هو الخواجة، أو أبناء عمومتنا المعروفين. و في النهاية أقول لصانعي القرار تذكروا أن الله جل و على يقول في كتابه الكريم:" بل الانسان على نفسه بصيرة و لو ألقى معاذيره" صدق الله العظيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق