تجيبها كدة، تجيبها كدة، هي كدة/ هادي حمودة

خسائر البورصة، انخفاض سعر صرف الجنية، نزيف الاحتياطي النقدي، خراب السياحة كل هذا في رأيي ليس هو رأس المشكلة التي نمر بها اليوم، و إنما هن انعكاسات الحالة السياسية التي تمر بها مصر. و أول نقطة ذات تأثير مباشر هي أزمة الطائرة الروسية، و التي بمتابعتي لما يجري بخصوصها في روسيا كنت و قبل أن يعلن الرئيس الروسي بوتين عن تحطمها نتيجة عمل إرهابي، كنت قد وصلت إلى قناعة شديدة أن روسيا ستصل إلى ذلك الاستنتاج لا محالة و أن تيار الإعلام الروسي الداعم لهذه الفكرة كان في تصاعد مستمر، في ذات الوقت كنت قد أرسلت للسفارة المصرية و المكتب الإعلامي المصري في موسكو تقريرا مصورا لإحدى القنوات الروسية عن الحالة في شرم الشيخ و الذي ساءني بشدة لتصاعد نبرة الاتهامات المهينة لمصر على سبيل التقصير و سبيل الانفلات الأمني، لكن من خبرتي الشخصية أرى أن التقرير قد احتوى عدة نقاط قد تكون صحيحة بعيدا عن حادث الطائرة و انعكاساته التي سنناقشها بعد أن أفرغ من مناقشة ما أرى أنه صحيحا و الذي يمكن ربطه أو عدم ربطه بالحادث،
ما أراه صحيحا في التقارير الروسية الإعلامية هي حالة الانفلات و طلب الرشاوي، و عدم التدقيق في عملية التفتيش للأجانب، و السماح لهم بتجاوز بعض القوانين الخاصة بالسلامة و الأمن و خاصة بمقابل مادي، و الإكراميات، ناهينا عن السلوكيات المنفرة للأفراد العاملة في ذلك المجال خاصة  من الباعة و المناديب و المصورين و ما إلى ذلك، و كل هذا صحيح و كل مصري يعلمه بصورة أو بأخرى ناهينا عن تجاربنا الشخصية مع سلطات أمن المطارات من عمليات الابتزاز و الشحادة حتى من المصريين العائدين من الخارج، كانت هذه نبذة عن المنفرات التي احتوتها تقارير القنوات الروسية و التي أؤكد غالبيتها. 
 لن أخوض في تفاصيل أخرى تحدثت عنها القنوات الروسية من أن أفراد الأمن على اتفاق مع جماعات إرهابية و تواصل و أشياء مهينة و مبالغ فيها بينما غضب الرئيس السيسي عندما انتقده أحد الإعلاميين و لا أدافع عنه و لا أهاجمه و ليس بسبب السيسي – كرئيس طبعا و ليس بشخصه - و إنما لتحفظي على حالة إعلامنا، و إن كان من حقه أن ينتقد طالما لم يجرح و يخرج عن نطاق الأدب العام، و طالما أن الإعلام الروسي و الذي هو إعلام زمبلك أيضا و طبعا موجه، قد خرج عن نطاق الموضوعية و الأدب، و طبقا لما عندي من معلومات أن السلطات المصرية المختصة على علم بتلك التقارير الصحافية الروسية، لكن كما هي العادة لا يزالوا يدرسون و يتابعون، لكي يتحفظوا في نهاية الأمر... 
أما عن حادث الطائرة و بعد أن أعلمت بأن السلطات المختصة المصرية تتابع الموقف و أن و أن ، من كلام السَّلطة إياه لم أرى من السلطات المصرية إلا حالة من الارتباك و الارتجال، و أتساءل أهكذا هو الحال الذي يكون تحت المتابعة! إذا فلماذا يتفاجأ مسؤولينا من الخطوات الروسية الإستباقية  و أقول الفردية للنظام الروسي التي وصلت إلى حد منع شركة كبيرة بحجم شركة مصر للطيران من الهبوط في مطار "دوماديدوفو" الروسي! أي متابعة و أي سياسة يتحدث عنها مسؤولينا! لا أكذب و لا أؤكد أي شيء عن حادثة الطائرة و لكن سؤالي للسادة المسؤولين، أو حتى لرئاسة الجمهورية لماذا هذا الاندهاش، لماذا هذه الميوعة، لماذا تحافظون أنتم على ما لا يحافظ عليه الغير، لماذا كل شيء عندنا و كل سياساتنا و ردودنا هي "نجري اتصالات مكثفة على أعلى المستويات، حفاظا على العلاقات التاريخية بين البلدين"، بينما تضرب البلاد الأخرى عرض الحائط بمكانة مصر التي لا وجود لها إلا في إعلامنا "إعلام الزمبلك الجبار"، و تضرب عرض الحائط بمسؤولينا، و مصالحنا، و حتى صورتنا أمام العالم، بينما نحن نرفض الحديث، و لا نتسرع، و يتحدث رئيس دولتنا عن مصداقيتنا، التي لا تهم العالم من الأساس. و ها هي النتيجة، نتيجة الديبلوماسية المصرية الفذة، إهانة لمصر، و مصالحها، و سمعتها، و انفضاض من حولها بينما لا أحد يتبنى وجهة نظرنا سوى إعلامنا الداخلي الذي لا أثر و لا تأثير له. 
أضيف.. وفروا على أنفسكم جهدكم الإعلامي في إعلام المصريين في الداخل بما لا يلتفت و لن يلتفت إليه أحد من الأطراف الخارجية، و الذي لا وجود له لا على صفحات الجرائد العالمية و لا على شاشات تلفاز العالم، كفانا "هري"، إن إعلامكم لن يعيد السياحة، و لن يصلح البورصة، و لن يرجع مصر لمكانتها التي ضخمها الإعلام في الأيام السابقة، بدءا من عاصفة الحزم، و ضرب داعش في ليبيا، و العلاقات المصرية الروسية التي بدأ الروس يتلاعبون بها فرديا و بنبرة استعلائية تزداد يوما بعد يوم، و مكانة مصر مع أوروبا ، ثم نفيق لنرى أن المملكة المتحدة لم تستحي عن إعلان منع سفر مواطنيها لشرم الشيخ في وجود الرئيس السيسي نفسه في لندن، و الذي لم يملك سوى أن يتفهم! 
 أقول لمسؤولينا، معنى أن يظهر الرئيس بوتين بنفسه ليعلن مثل ذلك الإعلان، هو أن الأمور قد تخطتكم، و تخطت متباعاتكم، و تحليلاتكم، و عليكم أن تفيقوا و ترحمونا و ترحموا أنفسكم و بلادكم من الأمل الوردي ، انتهت القضية، سواء بأن روسيا تود أن تستثمر تلك الحادثة سياسيا حتى و لو على حساب مصر "المحتاجة" بما يخدم مصالحها في سوريا، و أوكرانيا، و أزمة العقوبات الأوروبية عليها بعد ضم إقليم القرم و تقسيم أوكرانيا، و موقفها العالمي، و بما تهدئ به روسيا من حالة السخط الغربي و خاصة لتواصلها مع مصر في ظل تضاؤل الموارد الروسية و حالة الغلاء و الأزمة الإقتصادية التي تمر بها، و كذلك لرفع شعبية الرئيس بوتين في الداخل الذي تعود على تلك الأساليب لرفع مستوى شعبيته و هذا بالمتابعة الدقيقة لحال روسيا الداخلي حتى و لو على حساب أصدقائه و لو على حساب دول أخرى و مصداقيتها مثل مصر، لكن هناك احتمالات أخرى لا تزال، كاحتمال آخر أننا على علم بالأدلة الروسية التي ذكرت في اجتماع الرئيس بوتين و وزرائه، لكن قد نكون محرجين و ندفن رؤوسنا في الرمل كما كانت العادة في الأيام الخوالي، أو أننا لا نعلم أي شيء عن أي شيء، و هناك اختراق أو قصور في أداء مؤسساتنا الأمنية التي لم تتوصل إلى ما توصلت إليه المخابرات الروسية من على بعد الآف الأميال عن سيناء و مصر، و في فترة زمنية قصيرة للغاية، بل يمتد الاختراق ليشمل أنظمة مخابرات أجنبية تتحرك بحرية على أرض مصر و تجمع و تحلل المعلومات عما يحدث في مصر بصورة أفضل مما يمكن لأجهزتنا الأمنية أن تقوم به. على العموم كل الاحتمالات أسوء من بعضها البعض و قد ينعكس كل ذلك على مصر بأن تكون عرضة للمساومات السياسية و العسكرية لاحقا.
ماذا أقول، الحوجة مرة طبعا، كما أني كنت أتوقع أن يأتي أصحابنا بتوع مسافة السكة برد ما لرد اعتبار مصر بأن يقوموا مثلا بتسيير قوافل سياحية عربية لمصر على سبيل الدعم و التأييد السياسي، و ليس تسولا منهم، لكن حتى مسافة السكة ليست بكافية لكي تسترد مصر مكانتها الحقيقية، و لكن أقول للرئيس، يا ريس عندما قلت أنك ورثت تركة كبيرة من  الأمور المفقود السيطرة عليها، صدقناك و نصدقك و لازلنا، و لكنك اهدرت شيئا هام جدا و كذا فعل الإعلامي الذي خرج علينا بمقولته أن انسوا السيسي، نسيتم أن حجم تطلعات المصريين أكبر بكثير من السرعة التي نسير بها، بالرغم من عدم بطئها حقا و لا يمكن أن يلام شعب على تطلعاته. هل نسيتم أن هناك مواقف جديدة تستطيع أن تغير من الموروث المر الذي ورثناه من التبعية و الحاجة و الرضوخ، هل نسيتم أننا لا يرضينا أن تباع و تشترى مصر في ألاعيب سياسية خارجية و يكون رد فعلنا هو التفهم، و الحفاظ على العلاقات، و أو التحفظ، هل نسيتم أنه إن كان هناك تقصير من جانبنا لابد أن نعلم به كي نعالجه. كلها تساؤلات نود أن نسمع إجابات لها و هذا من حقنا.
حقيقة لا أعلم ماذا تتخيل إدارتنا، هل تتخيل أنها بقادرة على إعادة الزمن للوراء أو إيقاف الزمن عند نقطة محددة بعد أن تسارعت الأحداث بدرجة أبعد بكثير من قدرتنا على التفاعل بغير الاندهاش و التحفظ في حالة إذا ما ثبت أن الطائرة سقطت لأسباب فنية، بمعنى آخر هل تتخيل إدارتنا أن الرئيس بوتين سيأتي بعد شهور ليعتذر عن تسرعه في حالة إثبات أن الطائرة سقطت لأسباب فنية!!! هل يعقل هذا؟؟ هل تستطيع الإدارة المصرية المتحفظة، و المهادنة و الوديعة أن تتحرك بأسرع من الاندهاش و التحفظ قبل أن تزداد دهشتهم عندما نجد أننا مطالبون بدفع تعويضات جراء هذه الحادثة مما قد يجر تبعات أخرى؟ و هل قامت إدارتنا بتحضير نفسها للأسوء من قبيل عدم إتمام صفقات السلاح مع الجانب الروسي، و التي قد يضغط علينا بها، بعد أن منع مصر للطيران من الهبوط في روسيا بالفعل و تعامل معنا من منطق استعلائي أحادي الجانب، و قد تبدى ذلك واضحا حتى في خطابه الهلامي الذي لا نعلم ماذا يعني به و الذي هو محرج لمصر بكل المقاييس و الغير ديبلوماسي و اللبق مثلنا و مثل خطاباتنا و الذي احتوى على تلميحات غير محددة المعالم بل و تهديدات. أم الارتجال هو سيد الموقف كالعادة، و الاندهاش و الغموض هما المسيطران علينا هنا ؟ حقيقة لا أحد يعلم و المهم  أن ما حدث قد حدث، أي أن الطائرة أسقطتها قنبلة سواء رضينا أم لم نرضى، سواء علمنا أم لم نعلم، سواء تحفظنا أم لم نتحفظ هذا ببساطة معنى استباق الرئيس بوتين للأحداث، و هذا ما يفعله من لا يرتجل الخطط مثلنا، و لنفعل ما نستطيع فعله، فهو كدة!!
طبعا و أحمد الله، أن ثبت لي أن الإدارة لا تقرأ لمثلي و إنما هي محمومة بمتابعة إعلاميي الزمبلك إياهم الذين يتبارون الآن في إظهار وطنيتهم للنظام  و لكن للأسف لن يجدي كل ذلك لأن المملكة المتحدة، و روسيا، و أمريكا، و فرنسا، و غيرهم لا يعنيهم شأن إعلامنا الفذ الجبار، لذلك فهم "بيهروا" على الفاضي و في الفاضي، و لأنني كما قلت في بداية مقالي روسيا أرادتها كذلك و كان ذلك واضحا لي وضوح الشمس، يعني تجيبها كدة، تجيبها كدة، هي كدة و مافيش غير كدة ، و لإن مصر لا تقرر، و لا يسمع لقرارها طبعا إنطلاقا من مكانتها الجبارة التي يصورها الإعلام الفذ، لكن ماذا أنتم بفاعلين يا مسؤولين، أمنكم من يستطيع أن يخرج علينا كما خرج بوتين و رئيس مخابراته، و وزرائه على شعبهم و قرروا ما قرروا دون حتى أن يشاوروكم؟ أم أن الحوجة مرة ، أقصد العلاقات التاريخية مرة.

hady.hamdy@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق