من المفاهيم السيئة والمستشرية في وقتنا الراهن هو تكريس ظاهرة " المكر بأساليبه المختلفة " بحيث أصبح هذا المنحى ضمن جدولة منظومة الفكر الشخصاني الذي يحاول البعض العمل على ترسيخه وتأسيسه في التوجهات اللامرئية وخاصةً في الغرف السوداء وخلف الكواليس التي يُطلق عليها "بالاجتماعات السرية أو اللقاءات الخفية" التي تحترف استخدام وسائل التقنية الحديثة عن بعد وتوظيف اكبر قدر ممكن من أجهزة الإرسال والتنصت والاستقبال الالكتروني الحديث لتوظيف عمليات التحايل المالي الذي يضرب الاقتصاد بشكل عام، هذا عدا تجنيد العصابات والمافيات للممارسة الإجرام المنظّم كسرقة الأموال وتبيض وغسيل الأموال والسطو المسلّح بأشكاله المختلفة كما هو ملاحظ الآن من قبل المجموعات الإرهابية التي تحاول الانتشار في أرجاء المعمورة بمسميّات حسب الأمكنة والأزمنة كداعش الغربي وداعش العربي ليصبح بعد ذلك إيديولوجيا راسخة في الأذهان والتفكير لدى منظرو هذا الفكر وهو " إيديولوجيا المكر " وبدون ذلك لا يستطيع هؤلاء ممارسة حضورهم الخفي إلا بتشكيل هذه الخلايا السرطانية للاستيلاء على الأموال والثروات ونهب حقوق الآخرين باسم الدين والأخلاق الإنسانية المعتدلة التي تزهق أرواح الأبرياء وتسفك الدماء البريئة وتضرب هذا وذاك وتمارس السرقات بمهنيّة عالية ، هذا المفهوم هو السيمياء الحقيقي للتدجيل والتدليس والتضليل.
بدأت معالم هذه الظاهرة " أيديولوجيا المكر" تستفحل في مجالات عديدة وبمسميّات وصفية جديدة ومستحدثة لما يمكن تسميته بالمكر السياسي أو المكر الاقتصادي أو المكر الاجتماعي الذي يشكل أحد المنعطفات الخطيرة لهذا التنظير الخطير وتوغله في مفاصل الحياة الاجتماعية العامة. كما تتجلى تداعياته في الموضوعات السياسية والاقتصادية والإعلامية والصحفية منها لاكتساب مصلحة ما فتوظيفه أصبح مرتهنًا بمن يوظفهُ ويعمل على تداوله لمصلحته الذاتية فهؤلاء الصنوف هم منظرو سيكولوجيا المكر، تلحظ أن ابتساماتهم كثيرة وحضورهم الاجتماعي كثيف وعلاقاتهم لا حصر لها يتفننون بإظهار جميلهم للآخر ليكونوا عند حسن الظن واليقين بأنهم هم من يهتمون بإنجاز شتى الموضوعات وإيجاد حل للمشكلات المعقدة وبالتالي يكونوا على أتم الاستعداد للتنفيذ لكنهم في الأساس غير كذلك.!
أن ظاهرة إيديولوجيا المكر هو خلط للأمور ولخبطة للأفكار وتحريف للنظر وتزييف للمعلومات وقلب للموازين والرؤى المنطقية الحسابية لدى الطرف الآخر وذلك من شأنه توليد نظريات خرافية وقولبة مقولات مفاهيمية بكيفية ساحرة ومؤثرة وأكثر خطورة تعمل على شل اليقين الفكري وتحويله إلى نُظم ثقافية بائدة حيث يقوم بتبديل الرؤى الصادقة إلى رؤى كاذبة وتفتيت الصواب التصديقي إلى منهاج تشكيكي وتفكيكي وتكريس حالة المظهر الخرافي بدلاً من حقيقة الجوهر الثقافي والمثالي الذي يقوم على التطلعات التحليلية لمعرفة خلفية الحدث وما قد يتلبسه من شوائب أو فرز للحقائق المرجوة.
لكن وجود الرؤى الواعية تتعدى المكر وتفلت من ألاعيب الكيد والخداع وتعمل على فرز الأمور بعقلية استقلالية صادقة لا تنحاز إلى هذا وذاك من اجل استجلاب مصالح مادية ماكرة.
الفكر الاستقلالي هو الذي لا يخضع إلى مفهوم التيارية التي تستبطن في ثناياها نوع من التضليل والتشويه والتزييف للأمور الصحيحة، من هنا الحاجة الى فكر استقلالي لكي ينجو بصاحبه إلى بر الأمان وعندئذ ليس بالإمكان ممارسة المكر والخداع حيث ان هذا النوع من الفكر يكون سداً منيعاً أمام العواصف والتيارات التي تعمل من اجل تقديم الإغراءات والإغواءات لتغيير وجهة النظر إلى مسار آخر يعمل منظرو سيكولوجيا المكر على محاولة اقتحام منطقة الذات لرشوها بحفنة من الماديات لتقديم تنازلات عما تعتقد أو فيما تعتقد..
لا يزال أمامنا متّسع من الوقت لنراجع فيه أوراقنا ونرتبها على أساس الحس القيمي المعرفي الناصع الذي يدفع إلى تشخيص الأمور ومعرفة خلفياتها وإزالة الالتباس ومحو الرؤية الضبابية من منطلق فلسفي بعملية التمييز والفرز وإمعان الفكر التنويري وتوظيف النظر الحضوري ذو البعد الشمولي لكشف ما يدور في أروقة الحياة وثقافاتها المتشعبة والمليئة بالمشكلات والمعضلات ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق