يقول البعض إن العالم العربي لن يتطور، ولن تستقر أوضاعه، من دون منع استخدام الدين في السياسة وأصحاب هذا الرأي يقولون: إن الأحزاب والجماعات الإسلامية السياسية لم تستطع ترويض نفسها ولم يستطع الآخرون ترويضها للتحول إلى العمل المدني، ويستشهدون بما حصل في العراق والسودان واليمن وغزة وسورية وفي مصر منذ عصر الانتداب البريطاني إلى عصر مرسي وبعده السيسي . ويقولون بأن المكان التي تستوطنه هذه الجماعات سيتحول إلى بؤرة عنف وخراب.
أصحاب هذا الرأي قد يكونون على صواب من بحسب المشهد والمخرجات بنسبة معينة ولكن لماذا لا ينطبق هذا الفعل على الأحزاب الدينية في أوروبا في هذا العصر ؟ ثم ألم ترتكب الجماعات المسيحية ورجال الكنيسة في أوروبا وفي بلادنا بحق المسيحيين وغيرهم جرائم تفوق الجرائم التي ارتكبتها الكثير من الجماعات الإسلامية في عصرنا؟.
للإجابة لا بد من تحديد ماهية مواصفات الجماعات والأحزاب الإسلامية العاملة على الساحة العربية؟ ولمصلحة من تعمل؟. فتاريخياً عندما ظهرت جماعة الإخوان المسلمين في مصر كان ظهورها برعاية الإنكليز ولم تقم بأي عملية ضد المستعمر البريطاني فيما قامت بعشرات التصفيات ضد شخصيات وطنية مصرية. أما الجماعات الإسلامية ومن ضمنها القاعدة وكما تؤكد هيلاري كلينتون في مذكراتها فهي صناعة سعودية خليجية برعاية أمريكية، ومهمتها بعد أفغانستان إلحاق الضرر بأي محاولات تنويرية في المجتمعات العربية والإسلامية وخاصة في بلاد الشام لأن هذه الأنظمة تعلم علم اليقين بأن التنوير في سورية وبلاد الشام إن حصل فسيشع ويصل إلى كانتونات الخليج العربي ويقلبها رأساً على عقب. بتعبير آخر: إن خلفية وتمويل الجماعات والأحزاب الإسلامية في معظمها خليجي وسعودي بتوجيه من أجهزة استخبارات دولية وهي في نفس الوقت غير مسموح لها العمل على أراضي داعميها فهي جماعات للتصدير فقط وإذا تجرأت بعض هذه التنظيمات والجماعات على الخروج عن سلطة ولي أمرها فهذا سببه إما انتهاء دورها , أو لعدم إحراج راعيها في المحافل الدولية , أو بسبب وجود مالك جديد لها تتناغم معه بشكل أفضل . فالأحزاب الإسلامية العربية مملوكة قالباً ومضموناً لكانتونات الخليج العربي والسعودية ودول أخرى.
أما لجهة الحق في المشاركة السياسية فليس من السهل على أي شخص يؤمن بحق الغير في المشاركة أن يقف عثرة في وجه أي قوى سياسية تريد أن يكون لها دور في بناء المجتمع ولكن المشكلة في الجماعات والأحزاب الإسلامية الموجودة اليوم بأنها مرتهنة في برامجها وفي مصالحها لقوى خارجية تريد أن تبقى البلاد العربية ولا سيما بلاد الشام بلاد فاشلة وفقيرة ومتخلفة ما يسهل بقاءها تحت عباءتها. وإذا ما حاول البعض الخروج عن الطاعة وسلوك مسلك الأحزاب الدينية الأوروبية سيجد على يمينه من يكفره ويخرجه من الحزب والدين كما حصل مع الإخواني المصري عبد المنعم أبو الفتوح عندما قدم برنامجاً مختلفاً بشكل بسيط اعتبر خروجاً عن مبادئ الحزب فتم إقصاؤه بتهمة الخروج عن الجماعة.
إذاً ما الحل؟. شعبنا مؤمن بالله ووطني وربما تستهوي البعض منه العلامة التجارية المتعلقة بالإسلام السياسي وهو سلوك منتظر في مجتمع متدين!!.. ولكن هل الحل بمنع الأحزاب الدينية، ولاسيما أن هذا المنع لم يقف عائقاً في طريق وصول هذه الأحزاب وتغلغلها في الطبقات الشعبية الفقيرة والمهمشة من خلال الإعانات وبرامج المساعدات التي توفرها لهذه الطبقات؟.
الحل بدعم القوى الدينية العلمانية وتقديم المساعدة لها ومساعدتها على إنشاء أحزاب دينية قادرة على المساهمة في فصل الدين عن الدولة من خلال مراجعتها وقراءتها النقدية للتراث الديني , وبحيث تتبنى ربط الدين بالمجتمع وفصله عن وسخ السياسة , وعلى الجميع تقديم العون لأي حزب ديني يتبنى المفهوم العلماني في ادارة الشأن العام ويجتهد في حرية التعبير وحقوق المواطنة وحق العمل وتقاضي الأجر وحرية الجهر بالرأي والاعتقاد وممارسة الطقوس ويتبنى مبادىء حقوق الانسان والقبول بالآخر .
إننا بحاجة لأحزاب دينية محافظة تضع التنمية والتعليم والعدالة الاجتماعية في سلم أولياتها , وتؤسس لبرامج تقوم على معالجة مشكلة الفقر وتعدد الزوجات وتحديد النسل والاجهاض والكثير من القضايا التي تصنع الحراك داخل المجتمع.....
في أوروبا، معظم السياسيين ورؤساء الجمهوريات يذهبون للصلاة أيام الآحاد والأعياد، متأبطين الإنجيل وكتيبات الصلاة وممسكين بأيدي أطفالهم، فهم مؤمنون بشكل عام، وهو سلوك منتظر منهم في مجتمع أغلبيته مسيحيون. لكن انتخابهم يتم وفق مواقفهم من القضايا المختلفة، بما فيها تلك التي ربما فيها طرح الموقف من الإجهاض والمثليين والمهاجرين وغيرها . ففي الديمقراطية لا توجد أحزاب تدعي أنها تمثل الدين، ولا أحزاب تزعم احتكار الوطنية وترفض وطنية غيرها. لأن جميعها يعمل في ظل نظام علماني وفي ظل تكافؤ فرص وسيادة القانون.
وختاماً لا بد من الإقرار بوجود تجارب لأحزاب إسلامية غير عربية حققت نجاحاٌ جيداً في ادارة البلاد والعباد والسبب يكمن في برامجها ومشاريعها المعلنة ولكونها أحزاباً محافظة أكثر مما هي دينية مثل موقفها ضد الإجهاض أو تعدد الزوجات أو تحديد النسل وهي لم تستخدم الدين في شعاراتها، أو وعودها، لأن ذلك يعتبر استغلالاً لدين الأغلبية ضد بقية المنافسين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق