يظن السفسطة نقدا.. الغيطاني احتراف التسلق بالأخذ بتلابيب كبار الأدباء/ ابو يونس الطيب

سَفسَطة الغيطاني لم تحدث أي أزمة كما ادعي بل كانت مجرد زوبعة في فنجان لا أكثر ولا اقل, كل ما في الأمر ان الكثير من قراء الأديبة مستغانمي أدلوا بآرائهم فيما قيل وهي أراء وتعقيبات قراء قد تخطئ وقد تصيب ولكنها كانت كلها منطقية و أكثر رصانة خلت من أسلوب السفسطائيّة لأنها نابعة عن عشق حقيقي لمنتوج أدبي  يجمع الكثير من أقطاب الأدب على انه ظاهرة قلبت موازين واقع الرواية العربية.. وإلا بما نفسر رواج هذه المادة في السوق الأدبي وتهافت الناس على قراءتها .
وعلى العكس نجد أن كل ما  جاء في مقال الشتم والسباب للغيطاني هو مادة مستهلكة تم تداولها والتطرق  إليها من طرف الكثير من الكتاب والكاتبات الذين لم يتمكنوا في مواقف معينة من كبت مشاعر الغيرة والحسرة  فانتهجوا نهج الغيطاني الذي لجأ إلى ما يمسى بالحيل العقلية عن غير وعي لتخفيف حدة التوتر التي تولدت لديه بفعل الإحباط الناتج عن عدم قدرته على تحقيق غريزة الشهرة التي يبدو أن جرعاتها قوية لديه فراح يفرغ ما في أجوافه  من أقوال مموهة مائعة يريد  بها التدليس والتلبيس على بعض الفايسبوكيين ولعل ما عقب به احدهم مؤيدا سَفسَطة الغيطاني بالقول باللهجة المصرية : "يخرب دماغك " كأنه ادر ك ان صاحبه فعلا مصاب بمرض البارانويا حين توهم انه مضطهد وان الناس أساءت فهمه وراح يخلط الأوراق ويلعب لعبة القفز ليواري سوءات ما يفرزه من ألفاظ نابية
كان يمكن ان يقبل حديثة عن الجانب الأخلاقي للرواية " ذاكرة الجسد" لو انه اعتمد المعيار الأخلاقي في تحليله وبين ذلك علنا ولكنه اكتفى  بالهمز واللمز لأنه أدرك يقينا ان  كل مطلع منصف على نشرياته الإباحية قارئا كان او ناقدا سيكشف لا محالة تدليسة واختباءه وراء الأمانة العلمية والأخلاقية
لقد سبق وان تعرضت مستغانمي إلى كل ما ذكره القديطاني بل وأكثر من ذلك بكثير فهو لم يأت بأي جديد ولاشك أن القارئ الحصيف أدرك هذه الوهميات كلها فالقول بان القباني وراء الشهرة سبقه الكثير من المشككين ومن بينهم  الأديبة التونسية آمال مختار التي حاولت في نوبة غيرة وتحسر أن ترجع نجاح أحلام إلى رسالة القباني الذي رأت انه إنما قرأ "ذاكرة الجسد" بصورة اعتباطية معدمة بذلك حس الذوق لدى شاعر  تميز بشاعرية أحدثت ثورة في أذواق القراء وأنا اعتقد جازما ان لا احد يخالفني الرأي  في ان القباني ما كان ليقول ما قال لو لم ترقه الرواية  وهو الشاعر الثائر الذي لا يتردد في قول ما يرى دون مجاملة , ولاشك أيضا أن ما من  احد قرأ ولو بيتا للقباني سيقبل مقارنه القياس السَفْسَطِيّ للغرياني بأقوال واراء شاعر القرن  ويكفي لإسقاط  كلام كل هماز لماز  قوله في رواية ذاكرة الجسد  '' تمنيت لو كنت أنا من كتب هذه الرواية ''.
 حاول الغيطاني في رده المستهتر أن يقحم في لعبته أراء كل المعقبين واضعا إياهم في خانة النقاد جميعا  فراح  يعيد إلى الأذهان ما وقع  من أحداث مؤسفة  بين شعبين يتقاسمان كل المقومات لغة وتاريخيا وقومية من اجل جلدة خنزير ربما منفوخة بهواء فاسد  فساد عقله .
ولا أظن أن عملية عرض جزئيات من أي رواية والحكم على بعضها بالركاكة هكذا وعلى البعض الأخر بأنها مجرد نصائح وخواطر وحكم  ستجعل من النكرة  خصما وناقدا لا يشق له غبار فهي في حقيقتها  قياس مخادع قد ينطلي لبسه على بعض القراء الذين لا يدركون حقيقة الأشياء فالمفاصلة  بين تراكيب الجمل ، ومحاولة نفي القيمة الدلالية لجزيئات النص وتراكيبه في صوره العامة  ، هو طمس للمعنى العام ونحن هنا لسنا بصدد نفي تذوق التراكيب بصفة مفردة وإنما لأننا بهكذا فعل سنكون قد أهملنا السياق على حساب النسق.
وفرضا أننا قبلنا هذا التجزيء والتبعيض الذي  انتهجه الغيلاني فإننا حتما سوف نصنف  كل الروايات العربية الحديثة تصنيفا آخر في انتظار ما تنظير الغيطاني يوما  وسوف  سنعرض بعض ما جاء في رواية "الآن هنا "لعبد الرحمن منيف ص9 حيث نقرا ما يلي
"إن الإنسان وهو يعثر على نفسه في الآخرين ويحدد ما هو قوي ومشترك بينه وبينهم يتحول الى طفل صغير " وفي الصفحة 71 نفرا :" إننا حين نتأمل الجسد نزداد قناعة أن الحياة تعني الكثير وهي شديدة القوة والتناسق والجمال وان ما وهبناه وربما بالصدفة يجب ان نحرص عليه حتى اللحظة الأخيرة " وها هو للطاهر وطار  في "تجربة في العشق" يسرد الآتي:" لا يتفتّق عنه، سوى خيال، غير مسئول، ولا حتى لبق، عملية البحث عن القطرة الأولى التي كانت السبب في نشوء البحر، أي بحر من البحار، وحتى عن الوادي أو النهر، الـذي كـان مصبه، الأصل الأول فيه. البحر.
فهل هذه يا ترى حكما أم خواطر أم تجارب ذاتية ونحن هنا ما أردنا أن نحط من قيمة هؤلاء الكتاب الكبار لأننا ندرك أن الصنعة الروائية العربية  الحديثة  لم تخرج عن سياق التطور ونسق الأفكار بل نجدها مهدت لذلك التمازج السردي في تماسه وتماهيه مع ما تعرفه الرواية العالمية  " كالتراوح بين السرد السيري والسرد الروائي التخيلي ، وكالقفز خارج السرد الروائي إلي شكل مقالي ، أو إلي تأملات نظرية عامة قد تكون لها طابع فلسفي "(1)
 لقد حاول الغيطاني جاهدا ان يركب جملا  أقحم فيها مصطلحات نقدية لاعطائها المصداقية ضاربا عرض الحائط كل اطر وتقنيات المدارس النقدية ويحدد  تعريفا  لماهية الرواية فراح يحصرها   في حيز ضيق جاعلا من الكتابة حرفة للمجانين مثله حيث  قال"  فالكتابة في نهاية الأمر تجريب، وتجديد، واشتعال وجنون ينبع من أرض الشك،" منفردا بذلك بإعطاء تعريف محدد للرواية في حين عظماء النقد والكتابة لم يجمعوا على تعريف محدد فتضاربت آراؤهم وتعريفاتهم الأمر الذي جعل  ميخائيل باختين يرى أن تعريف الرواية لم يجد  جوابا بعد بسبب تطورها الدائم " ويقول "قولدمان"بهذا الصدد " أن هذا اللون من الأدب يعيد النظر في كل الأشكال التي استقر فيها "

فالرواية العصرية  ظلت وماتزال منفتحة على فضاءات الحداثة وافاقها مرتكزة على تطور العلوم الانسانية بكل انواعها  .وظل التعريف بصفة عامة والرواية الجديدة بصفة خاصة على انه فن نثري تخيلي بالدرجة الأولى طويل – نسبيا – بالنسبة إلى القصة يعكس عالما من الأحداث والعلاقات الواسعة والمغامرات المثيرة بإدخال كل أنواع الأجناس التعبيرية سواء كانت أدبية فنية " قصص –أشعار مقاطع كوميدية رسم موسيقية نحت"  أو غير فنية نصوص علمية فلسفية تاريخية دينية دراسات سلوكية ..." (2 )
 لد حاول الغيطاني من توهمه انه ناقد محترف ان يحصر مهمة الناقد في القدح والتطاول  دون التطرق للموضوعية معتقدا ان الاختباء وراء الأمانة العلمية والمسؤولية الأدبية يكفي لان يكون شفيعا لما يتقوله من اقوال وان نشر مقاله بجريدة الفجر الجزائرية  سيغطي على المزاجية التي تميزت بها فسفطسته  والحقيقة أن النقد يظل أداة واحدة ويبرز من حيث هو كفعل لأسباب عديدة لعل أهمها أن يأتي النقد لعوامل شخصية أو لإثبات الوجود ، أو لتعكر في المزاج أو لاعتقاد من توهم بصواب الرأي، وقد يأتي النقد ليحُط ّمن قيمة ومكانة الآخر (3 ) أو يكون الناقد مأجورا أو حسب الطلب وفي كل الأحوال فان هذا النوع من النقد الذي قد يصنف ضمن النقد المزاجي الذي ومهما حاولنا أن نخرجه من دائرة النقد "النزيه" فانه سيظل يخدم الأدب والأدباء ، شريطة أن يشتمل عناصر نقد موضوعية تحمل حقائق لا يمكن تجاهلها ، فالمعيار هنا إذا هو جوهر النقد وليس سببه. وما يحمله من ثبوت سيشفع له فيما ظهر من اجله ،

في النهاية و ليصنع العِلْهِز راح الغيطاني يخلط  الأوراق جميعها وينصب نفسه مدافعا عن خالد "ملك الراي التالف " متخذا منه ومن عفنه الصورة النمطية للأديب الجزائري  ربما هنا قد نعذره لأمر واحد وهو عدم تمكنه من اللهجة الجزائرية التي يتغنى بها معشوقه خالد  ومعاني الألفاظ التي يستعملها فالمقارنة بينه وبين ما ينتجهه أدباؤنا لا يمكن ان يقبله لبيب فالعفن يظل عفنا ولن يمتزج بماء الذهب ابدا مهما حاول أمثال الغيطاني 
**
الجزائر 21 يناير 2016
01 "المشهد الروائي العربي" مجموعة أبحاث ، المجلس الأعلى للثقافة ص420 - القاهرة 2008م بمناسبة انعقاد ملتقي القاهرة الرابع للإبداع الروائي العربي
 .02 مجلة كلية الأدب واللغات خصائص الفعل السردي في الرواية العربية الجديدة الدكتور بعيطيش يحيا  ص6
 03 كتاب الغربال للأديب ميخائيل نعيمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق