سهيرُ! قُرّة عيني أنت وتاجي/ يوسف ناصر

  (إلى العزيزة سهير ناصر شحادة في قصّتها " أريد أمي".!)
                                           
        .. " أريد أمّي"!  صرخة زوبعة صمّاء ، ونداء عاصفة حمراء لا تهبّ إلاّ من القلوب المتوقّدة بالمحبّة ..والمشتعلة بالحنان .!
        "أريد أمّي".!  نهر حنان ساخن ينثال من صدركِ ولا يجفّ.. وبحر عاطفة زاخر يمتدّ من أقصى الأرض إلى أقصاها، ويصطخب تحت أضلعك.. ويُغرق من عبابه كلّ من يقف على الشاطئ .!
        "أريد أمّي" ! نداءٌ أعمق من الملائكة ! وأكبر من النور ! وأطول من المحبّة!
        .. لا تعجبي سهير ! ألقاك ، وللوقت يهبّ منك شذًا أذكى من كلّ شذًا في الأرض.. إنّه شذا أمّك المعطّرة بطهارتها..!
         .. أسمعك فيسقط في سمعي تغريد الهزار الذي كان يقيم في لسانها .. أراك فأتمثّل تلك الريحانة النديّة التي لا يستطيع الموت أن يدفن أريجها ! .. إنّها تسمعك في الملأ الأعلى تطلبينها في " أريد أمّي" ! فيخرج  ذلك الأريج فوّاحًا من أعماق التراب كلّ صباح، ويطوف الفضاء عاليًا ثمّ يأتيك ويرفّ بأجنحته فوقك.. يباركك ، ويحمل إليك كلّ سلام وتحيّة ..!
   ..كانت أمّك زهرة من زهرات كفرياسف الغرّاء، أنت شذاها الفوّاح ، وشمعة مشتعلة من شمَعات الجليل المِشماخ، أنت نورها السطّاع.! كانت إذا مشت حُقّ للنجوم أن تمشي وصيفاتٍ أمامها ، وإن جلستْ في وقارها وجب على الكواكب أن تكون تاجًا فوق رأسها، وقلادة تطوّق عنقها..!
       .. قسا الزمان، فغابت مع الصدّيقين والصدّيقات في الأخدار السماويّة، فعشتِ محرومةً من وهج حنانها، وعطْشى إلى ينبوع عاطفتها، وجَوْعى إلى خبز محبّتها..! وما " أريد أمّي" إلاّ صيحة قلم كئيب، وهتاف قلب كسير بفراقها الموجع..!
           حقٌّ لك هذا البوح الصريح في " أريد أمّي".! وما كشفتِ للناس من كنوز نفيسة في صدور الأمّهات في هذا العالم، وحاجتهم دائمًا إلى ينابيعها المتدفّقة في أعماقها.. بلى ! إنّ الله يوم خلق ما في السموات وما في الأرض، عمل بقدرة صغيرة من قدراته لصنعها ، لكنّه حين خلق الأمّ احتاج إلى كلّ قدراته لصنع قلب صغير في صدرها..!
       .. يمكن أن نصنع يا سهير أمًّا في أجمل دمية في العالم ، ولكنّ تلك الأمّ تبقى تمثالاً.. ليس في صدره قلبها.. ولا تحت أضلعه حنانها.. ولا في ثغره قبلتها.. ولا في ساعديه ضمّتها ..ولا في هيئته أنفاسها ورائحتها..!
      .. حفظكِ العليّ القدّوس مع أسرتك أُمًّا طاهرة ينبتُ في أرضها خير غرس من الشبّان اللطفاء.. والفتيان النجباء ..!
     حفظك العليّ القدّوس قرينةً لزوج تقيّ جعل صدره هيكلاً للسيّد المسيح له المجد ..يشهد له في الأرض بأخلاقه .. ويسير على هداه بفضائله .. ويتبعه مع تلاميذه في تخوم بحر الجليل، ويأكل معهم دائمًا من خبز تلك الموعظة السماويّة على الجبل.! جزاه السيد المسيح كلّ خير على إيمانه وورعه، وحرسه قامةً شامخةً، وذخيرةً نفيسةً من ذخائر البلاد. 
      سهير يا نفحة من نفحات أُخيّتي الحبيبة حيث ترقد في ذلك الضريح الأريج ..! حفظكِ الله ورعاكِ قلمًا يانعًا يرتفع كلّ يوم في يدك شجرةً باسقةً تُلقي ثمراتها شهدًا فوق العابرين ، ولا تُقطع ولا تذبل سرْمدًا ..!
                                                  كفرسميع
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق