الرابطة الكلدانية -- مسيرة واهداف/ يوحنا بيداويد

بعد فترة قرابة سنة من النقاشات وتقديم المقترحات حول الاهداف وفقرات النظام الداخلي حول فكرة تأسيس الرابطة الكلدانية التي طرحها غبطة البطريرك ساكو، عقد المؤتمر التأسيسي في مدينة عنكاوا من 1-3 تموز الماضي. لقد شارك فيه غبطة البطريرك نفسه مع سبعة أساقفة وثلاثة كهنة وأكثر من 55 شخصية قومية وثقافية وممثل مؤسسة. بعد ثلاثة أيام اختتم المؤتمر في بيان ختامي أعلن فيه تأسيس الرابطة الكلدانية واعلن عن أهدافها وبنود دستورها، التي ركزت بصورة عامة على بناء البيت الكلداني ودعوة ابنائه للتحمل المسؤولية التاريخية في توحيد الجهود والاهداف للدفاع عن حريتهم وممارسة طقوس عبادتهم والحفاظ على هويتهم المتمثلة بالتراث والتقليد والعادات والقيم والملابس والطعام والشعر والقصص والغناء والرقص وشتى أنواع الفنون ونشاطات الحياتية التي تقوم بها أي مجموعة بشرية  الاخرى مع الاحتفاظ بفتح باب الحوار والتواصل مع بقية الاخوة من ابناء شعبنا من الاشوريين والسريان. الذين شاركوا وسيشاركون في المصير دائما

شخصيا كنت أحد الذين يحلم بتأسيس مؤسسة كلدانية عالمية مثل الرابطة الكلدان قبل عقد من الزمن، وما افرحني أكثر هو ان الدعوة جاءت رئيس اعلى سلطة في كنيستنا، من غبطة ابينا البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الكلي الطوبى وشارك فيها سبعة الأساقفة المشاركين الذين جميعهم يشكلون اعلى سلطة روحية وأخلاقية لمجتمعنا الكلداني.

من الأمور الأخرى التي افرحتني كثير أيضا هو مشاركة نخبة كبيرة من ممثلي المؤسسات المدنية لأبناء شعبنا في الوطن والمهجر في المؤتمر  وخرجوا بنتائج إيجابية، اهمها الإصرار على مواصلة تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم جميعا في هذه الحقبة من الزمن في المهجر والوطن.

 بعد مرور ثمانية أشهر من تشكيل هيئة عليا للرابطة، قام ممثلي ومسؤولي فروعها في العالم بعدة نشاطات وندوات ومقالات وتصريحات وزيارات ومشاركات في المؤتمرات وكتابة البيانات والتسجيل رسميا في بعض الدول. على الرغم من هذه النشاطات الان انها مسيرة الرابطة تحتاج الى دعم واسناد نضج الفكر ونقل نفحة روحها الى جميع الكلدان في العالم كي يدركوا فعلا أهمية هذا المشروع الكبير والمصيري لهذا الشعب الذي فرض عليه الأصدقاء والاعداء معا التشتت والموت والاندثار او الزوال من وجه التاريخ.

يجب ان نتعلم من تاريخ الشعوب المجاورة من التكتلات الاجتماعية الاخرى، نتعلم ان النجاح لا يأتي بدون تعب وعمل وتضحية وسهر وتواضع وقبول الاخر النجاح لا يتحقق والحقوق لا يتم الحصول عليها. نتعلم لا يأس في الحياة حتى في زمن الموت (الحب في زمن كوليرا). نعم مرت قرون طويلة على طمس وضمور حضارتنا ووجودنا كأمة وكشعب له موقعه من الوجود المادي. ولكننا نعرف احيانا كلما قطعت جذوع الشجرة او فروعها كلما امتدت جذورها تحت الأرض الى مسافات ابعد ويقوى اصرارها أكثر فأكثر لانبثاق ساق جديد، لهذا يجب ان يكون للإنسان امل، امل في مستقبل زاهر وامل في قضية مهمة يحبها أكثر من أي شيء اخر الا وهي ذاته الكبرى، اي الانا الجامعة.
كأي شخص لي رؤيتي الخاصة بمستقبل الرابطة ودورها لقيادة مجتمعنا في الوطن والمهجر. كما اريد ان انوه، قد لا يتفق معي كثير من الاخوة المثقفين والناشطين الكلدان، ولكن من باب ابداء حرية الراي كغيري، اعبر هنا عن رؤيتي الشخصية في هذا الموضوع.
كما قلت عدة مرات في السابق نحن أبناء الكنيسة الشرقية، التي كان لها شعبا مؤمنا واحدا متجانسا من عدة شعوب، لقد انصهرت هذه الشعوب فيها بفعل الايمان واتحدت تحت سقف الكنيسة الشرقية (الكنيسة النسطورية) التي اتخذت اسماء عديدة. ولكننا اليوم كلدان، ربما فعلا من الكلدان الذين تعود جذورهم الى بابل وعظمتها او الى نينوى وشهرتها او ربما نحن بقايا من سبايا اليهود على يد نبوخذ نصر او غيرهم. ولكن في كل الاحوال اليوم لدينا هوية موثقة على الاقل لها قرابة 500 سنة تحت اسم الكلدان الكاثوليك. نحن لا نستطيع الادعاء بأشياء غير مثبتة علميا او تاريخيا ونحن نعيش في عصر هو في قمة الحضارة والتقدم، لأننا لا نتعرف مثل غيرنا بالخرافة او التحريف او قبول التأويل غير المعقول، فكما اخوتنا الاشوريين حملوا اسمهم الاشوري منذ النصف الاول من القرن التاسع العشر والاخوة السريان لهم اسم السريان بفضل لغتهم المنتشرة منذ زمن بعيد كذلك لنا اسم يعود على الأقل قبل 500 سنة. لكن في كل الأحوال نحن جميعا أصحاب ما بين النهرين القدماء وان هذه الحضارة أسسها اجدادنا جميعا بدون استثناء!.

صحيح هذه الهوية متأثرة بالثوب الديني ولكن نشاطاتها في الحياة كلها ليست نشاطات دينية، لدينا نشاطات ثقافية واجتماعية ورياضية، لدينا تراث ولدينا عادات وقيم كأي مجموعة بشرية أخرى لها وجود.

مسيرة
بلا شك بعض من هذه العادات والقيم هي مشتركة مع الاثنيات الأخرى التي نعيش بينها، هذا طبيعي في علم الاجتماع حسب قاعدة التبادل الحضاري.
في الآونة الاخيرة كثر الحديث والانتقادات عن أسباب التي جعلت الكنيسة الكلدانية ان تفكر بتأسيس رابطة كلدانية، تجمع أبناء شعبها في الوطن والمهجر بأواصر قوية ومهمة منها الايمان مع حماية الهوية، هوية هذا المجتمع الذي هو أبناء الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. وعلى الرغم من الانتقادات المعارضة هناك الكثير من ابناء شعبنا الكلداني شعر لأول مرة انه يجب ان يسال ويجيب بين نفسه من هو؟ وماذا يريد؟ ولماذا حلت بنا هذه الويلات عبر التاريخ؟ هل كان ذلك بسبب موقف الكنيسة او لاهوتها؟ ام بسبب قلة الثقافة والوعي القومي؟ ام بسبب الشعور بالضعف في المقدرة (القوة)؟ ما هو الحل لمستقبل أفضل لنا جميعا ومعا؟.
 من المفارقات بعض الكلدان الذين يحسبون أنفسهم أكثر حرصا على مستقبل الكلدان انتقدوا غبطة البطريرك والمؤسسيين والعاملين في الرابطة حتى اليوم، ولكن كثير من الاخوة الاشوريين والسريان يرون ترميم وبناء البيت الكلداني هو قوة وسند ودعامة قوية لهم قوميا وانسانيا. وكنسيا.

الاهداف
من اهم الأسباب التي ارها شخصيا كانت وراء تفكير غبطة ابينا البطريرك مار لويس ساكو لتأسيس الرابطة طبعا ظهور بوادر تلاشي وجودنا من صفحة التاريخ بسبب الوضع السياسي في بلاد الرافدين، وكذلك هجرة اكثر من نصفهم الى المهجر وبعد بروز بكل وضوح مخططات تعمل على قلع المسيحية او القوميات الصغيرة من وطنها الأصلي، (من اهم هذه الأسباب) هو الدافع عن وجود الباقيين  وحماية حقوقهم الوضعية كمواطنين وكأصحاب الأرض الاصلاء كذلك حماية هويتهم وايمانهم وتقاليدهم في المهجر، هذه الاواصر، هذه القيم لها اهمية كبيرة في حماية الانسان الشرقي من الذوبان في مذيبات الحضارة الغربية الكثيرة والمملوءة من السموم والامراض الخطرة. من خلال عمل الرابطة يتم حماية اخوتنا في الوطن الام وفي المهجر من الضياع عن طريق الحافظ على حق الفكر وحرية التعبير عن الراي، بالتالي الحفاظ على قيم مجتمعنا بين افراده، الامر الذي هو جوهر رسالة الكنيسة المسيحية.

في الختام نقول إذا كان لنا الكلدان جميعا الإرادة، أؤمن نستطيع الحفاظ على هويتنا ووجودنا من خلال الالتزام باستراتيجية موحدة، واهداف موضوعية شاملة وعمل وتضحية من قبل الجميع بإخلاص والتفاني في الرابطة الكلدانية ومؤسساتها المستقبلية.
 الرابطة الكلدانية هو بيت جميع الكلدان في العالم، ابوابه مفتوحة لكل مهتم بمصير ابناء شعبنا وبعوائلهم، بل هي سند لأخوتنا الاشوريين والسريان وكل المسيحيين لهذا يجب ان تتوحد جهود جميع الاحزاب والاتحادات والمؤسسات والجمعيات والنوادي الثقافية والاجتماعية والرياضية والاعلامية لدعم الرابطة وتحقيق اهدافها، التي اهمها الهوية 

 اتمنى ان يفكر جميع اخوتنا الكلدان في كل انحاء العالم في هذا السؤال، كيف سيكون مصير ابناء شعبنا بعد جيلين او ثلاثة من كل النواحي؟ ليس فقط من الناحية الاقتصادية وانما من ناحية الايمان والاخلاق والحياة الاجتماعية التي هي مهمة؟ هل سيكون احفادنا في زمن العولمة والمجتمع  بلا هويات يكونون أفضل؟ هل المجتمع الغربي الذي نعيش بينه في حالة صحية الان؟ إذا كان للغرب حضارة تكنولوجية متطورة ولكنهم يفتقرون الى الاواصر الاجتماعية القوية في العائلة هل ستحل العلوم التكنلوجية مشاكلهم الاجتماعية في القريب العاجل؟ خوفي تكون اجيالنا القادمة من ابنائنا اسوء بكثير من ابناء الغربيين الذين لهم مشاكل (القمار والمخدرات والسرقة والجريمة والكابة والانتحار) بسبب فقدان الهوية (او مثل اجيال اليونان والايطاليين والشرق الاوسط من ضمنهم أبناء شعبنا الذين نسمع عن مشاكلهم اليوم في المهجر) في الانحلال الخلقي بعد خسارتنا قيمنا وتقاليدنا حتى ايماننا المسيحي تحت مطرقة العولمة ومعها سنخسر هويتنا بل انسانيتنا  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق