هذا عنوان الكتاب الصادر مؤخرا عن دار الصدى، ويقع الكتاب في (182) صفحة، ويوزع مجانا مع مجلة دبي الثقافية/ العدد (129) لشهر شباط/ 2016، قدم له بمقدمة تحليلية الناقد والمترجم المغربي د. رشيد بنحدو، وتتشكل مادته من استفتاء قامت به مجلة (Caracteres) الفرنسية وهي مجلة دولية للشعر، ونشرت إجابات الشعراء أو أجزاء منها باللغة الفرنسية في المجلة، ويوضح المترجم أهمية نقل الاستفتاء "للقراء العرب الذين تعوزهم اللغة الفرنسية" لما يعكسه الاستفتاء من "محاور التفكير والجدل السائدين راهنا حول فن الشعر في الغرب"، كما ويراهن المترجم على أنّ هذا الكتاب "سيجعل شعراءنا العرب الشباب حصريا ينظرون إلى الشعر نظرة واقعية وموضوعية، تقطع مع اعتقاد بعض أسلافهم الراسخ بأن قوله (أي الشعر) هبة أو امتياز وقف على العرب".
يتيح هذا الكتاب لواحد وأربعين من الشاعرات والشعراء الفرنسيين أن يعبروا عن وجهة نظرهم تجاه الشعر، من خلال حوار ممتد وطويل جاء ضمن عشرة أسئلة متنوعة، وناقش هؤلاء الشعراء علاقة الشعر بالمجتمع، وواجبات المجتمع تجاه الشاعر والشعر، والنزعة الفردية والجماعية في كتابة الشعر وإبداعه، وعلاقة الشعر بالسياسية وبالوجود والأفكار الوجودية الكبرى، وعلاقة الشاعر والقارئ من جهة وعلاقة الشاعر بالناشر من جهة ثانية، وموقف الشعراء من اللغة والسوريالية، وتوسيع الإمكانيات الروحية للغة الشعرية.
لقد جاءت آراء الشعراء متباينة فيما قدموه من إجابات، متعارضة أحياناً من النقيض إلى النقيض، مطولة حينا وحينا مبتسرة، جادّة مرات، وساخرة مرات أخرى، ولكنهم بوصفهم شعراء فقد تحدثوا عن مسائل في غاية الحساسية، وكشفوا عن مشاكل معقدة في تلقي الشعر، الذي صار مهملا ومُعْرَضاً عنه من القارئ والناشر على حدٍّ سواء، وأكد كثير منهم تلك "المكانة الوضيعة" للشاعر في المجتمع، مع أن الشاعر أحيانا يتحمل جزءا من المسؤولية من وجهة نظر بعضهم، والبعض يرى أن "النزعة الاستهلاكية المادية" السائدة في المجتمع أدت إلى تقهقر منزلة الشاعر، ذلك الكائن المعقد الروحي الذي "يعطي الحياة حياة أخرى". كما انتقد كثير من الشعراء المناهج المدرسية وطرق التدريس التي لا تعامل الشعر بالطريقة التي يجب أن تؤثر في الطلاب، ما رسخ هذه النظرة المستقرة في المجتمع تجاه الشعراء وأشعارهم. لقد كشف الحوار عن أزمة في الشعر لأن هناك أزمة أخلاقية وروحية، دفعت العديد من الشعراء إلى الوحدة والانعزالية والغوص في الذاتية والانغراس في غموض القصيدة كنوع من هروب الشاعر من مواجهة الحقيقة المتمثّلة بهذا العزوف الحاطّ من شأن الشاعر والشعر.
ومع أن هذا الكتاب الحواري المهم يشخص المشكلة ولا يضع حلولا إذ لا حلول يمكن أن تكون صالحة لترميم صورة "الشعر في زمن اللا شعر"، ورغما عن ذلك استطرد بعض الشعراء للحديث حول زيادة مقروئية الشعر، ولعل أول تلك الحلول يتمثل في أن يكون الشاعر نبض المجتمع والنَّاس ويتحسس مشاكلهم، ويتخذ مواقف دون أن يخضع خضوعا آليا للسياسة ويصبح خادما لها، كما أن على الشاعر أن يخفف من ذاتيته وتهويماته الغامضة ليستطيع المتلقي التواصل الفعّال معه، وكذلك على السياسة والمجتمع أن يخدما الشعر والشاعر ويعيدا له مكانته، وعلى المنابر الإعلامية المختلفة من تلفزيون وصحافة منح الشعر فرصة للظهور والتعريف به، مشيرا بعضهم إلى أهمية الشبكة العنكبوتية في الانفلات من تلك الأزمة المستفحلة.
إن ما كشف عنه الشعراء خلال هذا الاستفتاء حريٌّ أن نتوقف عنده مليّا، فقد تقاطع الحديث مع مسائل تخصّ الشعر العربي الراهن، فالزمن ليس زمن الشعر العربي عموما كما هو حال الشعر الفرنسي أو الغربي، فالعزوف عن الشاعر وشعره أصبح ظاهرة كونية، عدا أن ما يعانيه الأدب العربي من انفجار الرواية في المشهد الثقافي العربي وتهافت الناشرين لنشر الروايات وتوسل الشاعر بالرواية وتراجعه عن الالتزام بقصيدته والإخلاص لها، له ما يماثله في المشهد الثقافي الغربي، والفرنسي هنا كحالة مدروسة ولكنها ليست خاصة، فقد أظهر الكتاب أن مأزق الإبداع إنساني، وهذا ما يمنح الكتاب أهمية مضاعفة.
يتيح هذا الكتاب لواحد وأربعين من الشاعرات والشعراء الفرنسيين أن يعبروا عن وجهة نظرهم تجاه الشعر، من خلال حوار ممتد وطويل جاء ضمن عشرة أسئلة متنوعة، وناقش هؤلاء الشعراء علاقة الشعر بالمجتمع، وواجبات المجتمع تجاه الشاعر والشعر، والنزعة الفردية والجماعية في كتابة الشعر وإبداعه، وعلاقة الشعر بالسياسية وبالوجود والأفكار الوجودية الكبرى، وعلاقة الشاعر والقارئ من جهة وعلاقة الشاعر بالناشر من جهة ثانية، وموقف الشعراء من اللغة والسوريالية، وتوسيع الإمكانيات الروحية للغة الشعرية.
لقد جاءت آراء الشعراء متباينة فيما قدموه من إجابات، متعارضة أحياناً من النقيض إلى النقيض، مطولة حينا وحينا مبتسرة، جادّة مرات، وساخرة مرات أخرى، ولكنهم بوصفهم شعراء فقد تحدثوا عن مسائل في غاية الحساسية، وكشفوا عن مشاكل معقدة في تلقي الشعر، الذي صار مهملا ومُعْرَضاً عنه من القارئ والناشر على حدٍّ سواء، وأكد كثير منهم تلك "المكانة الوضيعة" للشاعر في المجتمع، مع أن الشاعر أحيانا يتحمل جزءا من المسؤولية من وجهة نظر بعضهم، والبعض يرى أن "النزعة الاستهلاكية المادية" السائدة في المجتمع أدت إلى تقهقر منزلة الشاعر، ذلك الكائن المعقد الروحي الذي "يعطي الحياة حياة أخرى". كما انتقد كثير من الشعراء المناهج المدرسية وطرق التدريس التي لا تعامل الشعر بالطريقة التي يجب أن تؤثر في الطلاب، ما رسخ هذه النظرة المستقرة في المجتمع تجاه الشعراء وأشعارهم. لقد كشف الحوار عن أزمة في الشعر لأن هناك أزمة أخلاقية وروحية، دفعت العديد من الشعراء إلى الوحدة والانعزالية والغوص في الذاتية والانغراس في غموض القصيدة كنوع من هروب الشاعر من مواجهة الحقيقة المتمثّلة بهذا العزوف الحاطّ من شأن الشاعر والشعر.
ومع أن هذا الكتاب الحواري المهم يشخص المشكلة ولا يضع حلولا إذ لا حلول يمكن أن تكون صالحة لترميم صورة "الشعر في زمن اللا شعر"، ورغما عن ذلك استطرد بعض الشعراء للحديث حول زيادة مقروئية الشعر، ولعل أول تلك الحلول يتمثل في أن يكون الشاعر نبض المجتمع والنَّاس ويتحسس مشاكلهم، ويتخذ مواقف دون أن يخضع خضوعا آليا للسياسة ويصبح خادما لها، كما أن على الشاعر أن يخفف من ذاتيته وتهويماته الغامضة ليستطيع المتلقي التواصل الفعّال معه، وكذلك على السياسة والمجتمع أن يخدما الشعر والشاعر ويعيدا له مكانته، وعلى المنابر الإعلامية المختلفة من تلفزيون وصحافة منح الشعر فرصة للظهور والتعريف به، مشيرا بعضهم إلى أهمية الشبكة العنكبوتية في الانفلات من تلك الأزمة المستفحلة.
إن ما كشف عنه الشعراء خلال هذا الاستفتاء حريٌّ أن نتوقف عنده مليّا، فقد تقاطع الحديث مع مسائل تخصّ الشعر العربي الراهن، فالزمن ليس زمن الشعر العربي عموما كما هو حال الشعر الفرنسي أو الغربي، فالعزوف عن الشاعر وشعره أصبح ظاهرة كونية، عدا أن ما يعانيه الأدب العربي من انفجار الرواية في المشهد الثقافي العربي وتهافت الناشرين لنشر الروايات وتوسل الشاعر بالرواية وتراجعه عن الالتزام بقصيدته والإخلاص لها، له ما يماثله في المشهد الثقافي الغربي، والفرنسي هنا كحالة مدروسة ولكنها ليست خاصة، فقد أظهر الكتاب أن مأزق الإبداع إنساني، وهذا ما يمنح الكتاب أهمية مضاعفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق