ماذا بعد التصريح الذى أدلى به فضيلة شيخ الأزهر من ميونخ/ الدكتور حمدى حمودة

فى جولة يقوم بها فضيلة شيخ الأزهر محمد الطيب ، صرح بتصريح يعد من أهم التصريحات التاريخية والتى كان ينتظرها كل المسلمون فى العالم ، فلقد أعلن ذلك وهو فى أندونيسيا ثم كرره وهو فى برلين ليؤكد ما يريد قوله ، قال فضيلته أن الأسلام له جناحين أو مذهبين مكملان لبعضهما البعض ، المذهب السنى والمذهب الشيعى وهما يصبان فى العقيدة الأسلامية اللتان انبثقا منها ..!! قال ذلك درءا للفتنة التى تؤججها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الأتحاد الأوروبى بين المذهبين لتوسيع الهوة بين المذهبين وضرب المسلمين فى كل الوطن العربى ، وهذا ارضاءا لساسة الرياض الذين يعملون ليل نهار على ارساء المذهب الوهابى التكفيرى الذى انبثقت منه كل الجماعات التكفيرية فى العالم شمالا وجنوبا .
فمثلا عملت الفتنة وتأججت فى العراق منذ القرن الماضى ، ق20 الميلادى التى أثارتها كل من الرياض وواشنطن فكانت نتيجتها حرب الخليج الأولى بين كل من العراق وايران فى 1982 والتى استمرت ثمان سنوات ذهب ضحيتها مليونيين من الجنود والمدنيين غير العاهات المستديمة والنازحين والأسرى وضرب المنشئات الحيوية فى كل من البلدين علاوة على ماأنفق من أموال طائلة على العتاد والسلاح لضرب الأقتصاد العراقى والأيرانى أولا ثم ضرب الأقتصاد الخليجى الذى كان يمول العراق بمليارات الدولارات ، كل ذلك تفكيرا شيطانيا ابتدعته واشنطن للقضاء على أكبر عدد من المسلمين مثلما حدث فى أفغانستان ، مسلمين يقتلوا بعضهم البعض عندما أنتجت الرياض وواشنطن جماعة ارهابية من المسلمين تحت مسمى القاعدة يتزعمها اسامة بن لادن الحليف والشريك والمنتج التكفيرى للوهابية الجديدة أو ( للصهيونية الأسلامية ) اليوم أصبحت الصهيونية لاتقتصر على اليهود ، ولكن أصبح هناك صهيونية مسيحية وهى التى تلقب بالصهاينة الجدد ، وأيضا الأسلامية ، لقد نجحت الفتنة بين المذهبين بعد حرب الخليج الأولى فاتخذت مثلا وشعارا لمن يريد هدم الأسلام والقضاء عليه وابادة المسلمين فى العالم .
بعد غزو واشنطن للعراق والخسارة التى لحقت بها والتى بلغت نفقاتها على حرب العراق وافغانستان 6 مليارات ترليون ونصف دولار ، مما كان سببا فى الأزمة الأقتصادية العالمية التى ضربت الولايات المتحدة وأوروبا ، والتى قررت بعدها واشنطن الحرب على دول الشرق الأوسط بالوكالة ، ففى هاتين الحربين فقدت ملايين الجنود ما بين قتيل ومصاب ، علاوة على الحالات النفسية التى مازال يعانى منها الجنود الأميركان حتى يومنا هذا ، لذلك قامت تل أبيب بالنيابة عن واشنطن بضرب لبنان فى عام 2006 وبعد مرور سبعة أيام من الحرب أعلنت وزيرة الخارجية " رايس " من اسرائيل تهنئة العالم بخارطة الشرق الأوسط الجديد ظننا منها أن قادة الصهانية كسبت الحرب ، الا أن الله خيب آمالهم ، فانهزمت تل أبيب شر هزيمة بعد 33 يوما من بداية الحرب وكانت مفاجأة للعالم وخاصة للدول العربية المعتدلة والتى منها الرياض والدوحة ، اللتان أوصى قادة اسرائيل بالأجهاز على حزب الله ليتخلص العرب منه الى الأبد شماتة فى ايران وفى الشيعة عموما ، انبهرت دول الأعتدال بتفوق حزب الله على أكبر مؤسسة عسكرية فى الشرق الأوسط ، فماذا كانت النتائج .؟
قررت واشنطن والدول الخليجية والعربية المتحالفة معها الأستمرار فى الحرب بالوكالة وذلك بعمل جماعات تكفيرية باسماء متعددة من كل بلاد العالم شرقا وغربا ، جماعات تكفيرية غير القاعدة التى غاب عنها بن لادن بموته والتى تزعمها من بعده الظواهرى ، هذه الجماعات كلها تدين بدين واحد ولمذهب واحد هو الوهابية ، لذلك اتسمت بالأرهاب والتكفير ، هذه الجماعات لم تظهر على العلن رغم تواجدها من 2006 الا بعد الحريق العربى الذى اشتعل فى بعض الدول العربية فى فبراير 20011 والذى أتى بأكله فيها ، الا سوريا التى كانت هى الدولة التى على القائمة بعد فشل الهجمة القذرة على لبنان لبث الفتنة بين أبنائها ، بين العلاويين والسنة ، على اعتبار أن العلاويين فرقة من فرق الشيعة والتى منها حزب البعث والرئيس ، وكنا قد كتبنا فى مقالات سابقة كيف عرفت هذه الفتنة فى بدايتها على انها ثورة كم زعموا ، مثل الأنتفاضات التى اشتعلت فى كل من تونس ومصر ولبيبا واليمن ، الا أن الدولة استطاعت أن توئد هذه الفتنة فى أشهرها الأولى وسيطرت على كل أنحاء البلاد ، لكن الأعداء كانوا لها بالمرصاد ، فبعد أن فشلت هذه الأنتفاضة ، ونجحت فى البلاد الأخرى ، بعثوا عن طريق تركيا والأردن والعراق الذى كان بداخله آلاف التكفيرين كخلايا نائمة لم تصدر لها الأوامر للتحرك بعد ، والتى أرادوها بسوريا أولا ثم العراق ثانيا ، فلقد دخل عن طريق أنقرة وعمان والعراق من 84 دولة عربية وغربية أكثر من سبعون ألف مسلحا مجهزين بأحدث الأسلحة التكنولوجية لسوريا من أجل ازاحة بشار والأستيلاء على السلطة وتجزئتها وتدميرها كما فعلوا فى العراق وليبيا ، ونهب مقدراتها ، وسرقة تراثها ، والعبث بحضارتها ، الا أنهم وبعد مرور خمس سنوات ونصف لم يستطيعوا أن ينالوا منها لكونها قلب العروبة والتى تحمل شعار المقاومة على أكتافها ، وهذا هو السبب الأول فى الحرب عليها فهى المقاومة التى تمد حزب الله والمقاومة الفلسطينية بكل فصائلها بالسلاح والعتاد ، علاوة على أنها حليفة لأيران ، وهذا ما أغضب دول الخليج وواشنطن قبل الأتفاق النووى الأيرانى والذى زاد من غضبهم وحقدهم بعد هذا الأتفاق على كل من ايران وسوريا خاصة الرياض ، لقد لعبت انقرة والدوحة ودبى والرياض وتل أبيب وهم حلفاء واشنطن دورا خسيسا فى الحرب على سوريا ، لكن سوريا بقت متكاتفة بشعبها وبأصدقائها وبحلفائها ايران ولبنان وموسكو والصين الدولتان اللتان رفعا الفيتو ثلاث مرات فى مجلس الأمن لعدم المساس بسوريا ومنع واشنطن من شن الحرب عليها ، وكذلك الناتو الذى حاول اردوغان مطالبته مرات ومرات بالتدخل معه لضرب سوريا ، الا أنه فشل وتراجعت واشنطن .
لقد فشلت واشنطن وتل أبيب والدول العربية المعتدلة فى ارساء خارطة الشرق الأوسط الجديد وفى تجزئة الدول التى قام فيها الحريق العربى ، ومع أن ليبيا تعانى من جرائم الجماعات الأرهابية وكذلك اليمن التى أشعلت فيها الرياض وحلفائها الحرب منذ عام كامل للتخلص من جماعة أنصار الله الذى تعده شيعيا ، وتأجيج الفتنة بين السنة وبينهم ، الا أنهم فشلوا حتى هذه اللحظة علاوة على انهم لم يستطيعوا الخروج من مستنقع اليمن الذى أوحلوا أنفسهم فيه .
لقد أدت هذه الفتنة التى هى من صنيع واشنطن وتل أبيب والرياض الى كشف المستور لنوايا هذه الدول التى خاب أملها فى الوصول الى مآربها ، فلقد استفاقت الشعوب خاصة بعد أن نعتت الرياض حزب الله اللبنانى واتهمته بأنه حزب ارهابى ، استفاقت الشعوب بعد ان فضحهم وكشف نواياهم السيد حسن نصر الله الذى أكد لكل الشعوب العربية الصديقة وغير الصديقة أن الوتر التى تلعب عليه هذه الدول على بث الفتنة بين الشعوب قد أنقطع ، وما عاد يؤتى بأكله ، لذلك بدأت واشنطن فى التخلى عن الرياض وأنقرة والسير نحو التسوية السلمية فى سوريا بين الدولة والمعارضة .
والآن وبعد التصريح الذى صرح به فضيلة شيخ الأزهر بوئد الفتنة بين السنة والشيعة ، علينا تفعيل هذا التصريح بين كل فئات الشعب فى الوطن العربى وعمل التقريب الذى سبق ونادى به فضيلته منذ عامين بين المذهبين وقد تواتر لعلمى أن فضيلته كان قد أمر بتشيكل لجنة لعمل موسوعة للتقريب بين المذهبين فى العامين السابقين ، الا ان الرياض سعت لوقف العمل بهذه الموسوعة ، واليوم نحن نطالب سماحة شيخ الأزهر بتفعيلها ، كما نطالب بتقريب وجهات النظر بين كل من مصر وطهران سياسا ودبلوماسيا واقتصاديا واستراتيجيا بما يفيد مصالح الدولتين لكونهما أكبر دولتين فى الشرق الأوسط ، حيث كانت دائما فيما قبل أئناء حكم الشاه رضا بهلوى ، الا أن الرياض التنى تقف حائلا فى التوافق بين البلدين لأسباب تمديد وارساء الفتنة بينهما ، فنحن نرى من الضرورى جدا عودة العلاقات الأيرانية المصرية الى مجراها الطبيعى وذلك لصالح القطرين ، وقد كتبنا فى هذا الشأن من قبل وشرحنا بما فيه الكفاية المنافع التى ستعود عليهما فى حالة عودة العلاقات .

Dr_hamdy@hotmail.com     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق