الاثنين، 4 أبريل 2016

ذكريات،حلم، ثورة وحب: طَلّ وشَرَر لرغيد النحاس/ عباس علي مراد

في كتابه "طلٌّ وشَرَر" يجول  دكتور رغيد النحاس بين تجارب مر بها معايناً لما يدور حوله، وما يدور في خلده وما يعتمر في فؤاده، يبرع في نقل الكلمات المصِورة حيناً والمصَورة أحياناً والمثقلة بمعانيها التي يريد النحاس أن يوصل بين ثناياها وبدون مواربة أو لفٍ ودوران ثورته، وبعكس الثورات التي ترافقها الفوضى والتدمير تنتظم رؤيته في نقداً اجتماعياً، سياسياً وثقافياً، فهو غضب وشرر حيث يلزم، وهو الطلُّ الذي يُرطب الإيجابيات، سواء على المستوى الإجتماعي أو الفردي، يقول في الصفحة 274 الزوابع ضرورية أحياناً لبلوغ الربيع الجميل، ويدلل على ذلك من خلال استثنائية الرئيس جمال عبد الناصر والذي لم تكن له مطامع سوى المطامع الوطنية رغم اعتماده على ثلّة من السفاحين على رأسهم السراج … (ص 17).
لا يجيد النحاس اللياقات حتى لو نفرّ من حوله المنافقين الذين لا يرأف بهم ومعه الحق كل الحق لأن أنصاف الحلول ما هي إلا مقدمة لمشاكل أكبر وأكثر تعقيداً.
يضع النحاس إصبعه على جراحنا في الوطن والمغتربات، أفراداً وجماعات، وهذا ما يلخصة في "حوار عربستاني"( ص 213) وحتى أنه لا يتوانى لحظة في نقده الشديد للإستقامة السياسية، والتي يرى أنها تكريس لمشروع النفاق البشري وليشهر بهذا النفاق واللاإستقامة ومن وجهة نظري، وقد  كرس دكتور النحاس في كتابه نصاً بهذا العنوان من الصفحة 76 حتى الصفحة 85.
يحث الدكتور النحاس في كتابه على المشاركة وأن لا يعيش المرء على الهامش أو بالأحرى مهمشاً نفسه خصوصاً في استراليا، ومما يعطي المصداقية لدعوته ما جاء في " طلٌّ وشَرَر" عن تجاربه بين لبنان وسوريا أو في بريطانيا وأستراليا التي يتحدث عن ديمقراطيتها التي اعتبرها أكثر من مجرد صندوق الإقتراع (صفحة 50)، وقد تحدث عن هذه الديمقراطية في أكثر من موقع، والدليل الإضافي على عدم رغبته وقوف موقف المتفرج كان اطلاقه لمجلته كلمات مع ما كلفته من جهد ومال وقت من أجل بناء جسور التواصل بي الثقافة العربية والثقافة الإنكليزية. ونرى ذلك أيضاً من خلال حرصه على أهمية التربية والثقافة في تبيان معالم الفروقات البشرية في العادات والتقاليد والمعتقدات، وفي الوقت نفسه توضيح التماثل الشديد بين جوهر البشرية، بغض النظر عن الفروقات السطحية (ص 119، مؤسسة للإستخبارات الثقافية)، وبسبب البعد الإنساني لشخص الدكتور النحاس فإلى جانب اهتماماته السياسية والإجتماعية والثقافية والفنية فتراه يطلق صرخة إنسانية بمطالبته تكريس مفهوم "الأخلاق البيئية "(ص 140). وهذا دليل الحرص على مستقبل الارض ومن عليها.
    يعبر دكتور رغيد النحاس بقارئة شوارع الشام التي نقل منها ذكرياته مع جده ووالده وحكايات التجار في أسواق المدينة، حتى أنه في الصفحة 258 خصص "جده" بعنوان خاص في كتابه.
الجانب العاطفي لا يغيب عن الكتاب، ولا يريد الكاتب أن يفوّت أي فرصة ليطلع قارئه على قوة حبه وعمق هذا الحب،  حيث يبوح بهذا الغرام مصارحاً معشوقته بما يدور بين القلوب من كلام ، ففي قصيدة "أنا… وأنتِ" صفحة 299:
….
لكنّي أعرفكِ!
أعرف من أنتِ ومن أين أنت.
بين القلوب قد يدور كلام.
أعرفكِ من أزلٍ
مرسومٍ قبل التكوين،
قبل الأرز، وقبل الأهرام،
قبل الأبجدية…
 بقي أن نقول، أن هذه المراجعة لا تغني عن قراءة الكتاب الغني بتجارب وصور إنسانية متعددة قد يكون لكل قارئ حصته من هذا "الطلّ والشَرَر".
سدني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق