1 - المقدمة :
لك أن أن تقول ما تقول ، ارفع من تشاء ، اخفض من تشاء ، وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، والخلود الإنساني رزق ما بعده رزق ، يسعى إليه كلّ ذي لبٍّ بصير ، وعقلٍ كبير ، وعبقريةٍ فذّة ، وألمعية نادرة ، وللحياة ضربات حظها دون عهد مسبق ، ولا تخضع لمنطق ، تغلف خيرها بشرها ، وتدسّ شرّها بخيرها ، تمدّك على سنوات الآلام اللئام ، و تخدعك بلحظات اللذات التي تمر مرور الكرام :
وَالدهـرُ يُعطِـي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُـهُ *** إِرثاً وَيَمنَعُـهُ مِن حَيثِ يُـطمِعُــهُ
إلى أين أريد أن أصل في نهاية هذه الفقرة ؟ لاريب أنك لقفتها وهي طائرة ، والعنوان وهو الغاية والمرام ...!!
نعم أريد أن أصل ، وأنت معي ، إن رافقتني ، لشاعر الواحدة ، بل أهم واحد ، ألا وهو الملهم البغدادي الخالد ، القاصد أميره الأندلسي الجاحد البائد ، فخلد ذكره ، وباع عمره في بلاد الغربة الأندلسية كمداً وغماً وحسرة ، وربما قتلاً ، فما أدراك وما أدراني ، فالقلاقل ، والانقلابات والفتن كانت قائمة على قدم وساق تلك الأيام في قرطبة ، والطايح رايح ، وسجل المؤرخون وفاته سنة (420 هـ / 1029م) ، وما كان عمره يتجاوز الثلاتين عاماً على أغلب الظن !! ، إليكم قصته وعصره و قصيدته : إنّه الشاعر العبقري - بحكم خلوده - أبو الحسن علي أبو عبد الله بن زريق الكاتب البغدادي ...
يقال والعهدة على الرواة ، كان هذا الرجل البغدادي الشاعر فقير الحال ، قليل المال ، مولعا بحب ابنة عمه ، وعشقها ، وقيل هي زوجه ، وربّما الرأي الأخير أقرب إلى الصح لقوله ، حجرٌ بعصفورين :
رُزِقـتُ مُـلكـاً فَلَم أَحسِـن سِيـاسَتَـهُ **** وَكُلُّ مَن لا يُسُـوسُ المُلكَ يَخلَعُـهُ
ولكن كانا ببداية زواجهما جزماً ، وفي شرخ شبابيهما ، فالعاطفة الشعرية قويّة ، وفي أوجّ غليانها الغريزي والنفسي والوجداني ، وما استطاع أن يحقق حلمه لإرضائها ببناء عش الزوجية اللائق بالمثالية الملائكية ...!! ، فضاق به العيش ، وسدّت أمامه الدروب لإسعاد المحبوب ، فكان الشاب الولهان ، والعاشق الحيران ، يتجول في جانب الكرخ ،فهو كرخي المولد والنشأة ، وينتقل إلى الصوب الآخرمن رصافة بغداده ، يدور على حلقات الأدب والنحو واللغة ، أو إلى المساجد ، أو المنتديات ، أو قصور الأعيان في بدايات القرن الخامس الهجري ، أو إبان العقد الثاني منه ، وأحسبه وزوجته من مواليد العقد الأخير من القرن الرابع الهجري ، وعلى حسابي الرجل لم يتجاوز الثلاثين عاماً - كما أسلفت - عندما وافته المنية قتلاً أو حتف أنفه .
2 - عصر ابن زريق البغدادي لماما ً:
أ - خلفاء بني العباس وسلاطين بني بويه الذين عاصرهم ابن زريق :
- عاصر كل حياته الخليفة العباسي :أبو العباس أحمد القادر بالله (الخليفة العباسي الخامس و العشرون)، فترة حكمه ما بين ( 381 - 422 هـ / 991 - 1031 م ) ، هذا الخليفة حكم أربعين عاماً ، وربما شاعرنا لم يزد عمره عن الثلاثين عاماً !!وهذا الخليفة العباسي عمّر طويلاً فالرجل من مواليد 336 هـ / 947م في بغداد ، واسم أمه تمني أو دمنة ، يروى أن القادر كان متديناً كثير التهجد بالليل وكثير البر والصدقات. تفقه على يد أبي بشر الهروي الشافعي
- سلاطين بني بويه :
- بهاء الدولة أبو نصر فيروز بن عضد الدولة ، حكم ما بين ( 990 م - 1013م) ، ربما عاصره أربع عشرة سنة فقط .
- شرف الدولة أبو شجاع فنا خسرو بن بهاء الدولة ، حكم ما بين : ( 1013 - 1025م)عاصره اثنتي عشرة سنة .
- جلال الدولة أبو طاهر فيروزجرد بن بهاء الدولة حكم حكم ما بين ( 1025 - 1044م ) ، عاصره فقط أربع سنوات .
ب - الحياة الثقافية في عصره
كل حياته قضاها في العصر البويهي ، ولا أخالك نسيت مقالاتي عن أبي العلاء المعري في زيارته لبغداد ما بين ( 398 - 400 هـ ) ، وكان ابن زريق البغدادي وابنة عمه أحياءً يرزقون ، فإليكم بعض فقراتها ، لعلكم تتذكرون بغداد ومجالسها وندواتها ومساجدها في بدايات نشأة ابن الزريق ...!! فمما قلت :
مهما يكن حين حط أبو العلاء المعري ّرحاله في كرخ بغداد ، وربما بعد أن ْعانى مرارة نعته بالكلب من قبل رجل عثر به معرينا ، في مجلس الشريف المرتضى عشية تأبين والده الشريف الطاهر ، وكان الشاعرفي طريقه لإلقاء قصيدة ارتجالية في رثاء الفقيد،تعد من غرر قصائده :
أودى فليتَ الحادقاتِ كفافِ *** مال المسيف وعنبر المستافِ
أجلّ الرجلان الشريفان أبا العلاء أيّما إجلال ، وقرّباه إليهما ، وضمّاه إلى مجلسهما معزّزا مكرما ً ، المهم في بدايات الأيام حنّ إلى مدينته وأهلها وقومه ، وخصوصاً لتجهاله من الجهال ، فقال في حالة خيبة وشوق :
فيا برقُ ليس الكرخُ داري وإنّما *** رماني إليهِ الدّهرُ منذُ ليال ِ
فهل ْ فيكَ منْ ماءِ المعرّةِ قطرةٌ **** تغيثُ بها ظمآن ليسَ مبال ِ
صدمة الغربة بادئ الأمر ، لاجرم تأخذ من النفوس أمراً ، بعد أن تشربت من ماء بلادانها عمراً ،
ولكن بعد أنْ عرف أهل بغداد أنّ الرجل الماثل أمامهم هو أبو العلاء المعري ، وكانت سمعته قد جابت الآفاق ، وملأتْ الدنيا ، وصكت الأسماع ، احتفى به البغدايون، وأحاطوه بما يستحق من التبجيل والتكريم ، وعرضوا عليه الأموال الطائلة للإقامة في ديارهم ، ولكن الرجل كان عفيف اليد ، عزيز النفس ، أبي الهمة ، لا يلتفت إلى الصغائر.
والحقيقة إضافة إلى حظوته في مجلس الشريفيَن ، وعلو شأنه بينهم ، تعرف على الشيخ حامد الأسفراييني كبير فقهاء الشافعية ، وعلى أغلب الظن - والشيء بالشيء يذكر - كان ابن زريق البغدادي الكرخي شافعي المذهب ، و من أصحاب هذا الأسفراييني ....
كان أبو العلاء يحضر ندوات الشعراء في جامع المنصور ، ويشارك الشعراء بشعره ، ويناقشهم ناقداً ومعلماً ومتعلماً ، وأخذ الفلسفة الهندية والفارسية ، وتأمل في حكمتيهما ، ولم يفته مجمع سابور بن أردشير (ت 416 هـ /1026م) ، وزير بهاء الدولة ابن عضد الدولة ، ومكتبته الشهيرة ما بين السورين (دار العلم) ، والتي أ ُحر ِقتْ ( 450 هـ) ، بعد دخول طغرل بك السلجوقي بسنتين ، ولابد أنك سمعت بقصيدة معرينا التي يقول فيها:
وعنـّتْ لنا في دار سابور قنية ٌ** من الورق مطراب الأصائل ِمهيال
فيا دارها بالحزن ِ,إنَّ مزارها ** قريبٌ , ولكن دونَ ذلك أهــــوال
وكان يحضر يوم الجمعة ندوة عبد السلام البصري ، صاحب خزانة الكتب ، وقرأ عنده ديوان تيم اللات وبعد أن اشتهر بين أهلها , وروى (سقط زنده) ، وشرح معناه ، فأخذ منزلته الرفيعة فيها ، وحدثت أيام زيارته اضطرابات وقلاقل ، وثار الجند بسبب ضعف الخليفة العباسي والسلطان البويهي ، وقد سبق أن ألمحنا إلى ما عاناه في حلبه و معرته ، مما حدا شاعرنا أن يتأفف من الأوضاع في القطرين المتجاورين :
إنَّ العراقَ وإنّ الشامَ مذ زمن ٍ ***قطران ما لهما للملكِ ســــلطانُ
ساسَ الأنامُ شياطينٌ مسلطة ٌ** في كلّ مصر ٍمن الوالين شيطانُ
أمّا الشريف كان شريف الطالبيين،منزلته توازي منزلة الخلافة رسميا ًوأكثرمنها اجتماعياً الشريف الرضي (ت 406هـ / 1016م) ، وهو الأخ الأصغر للمرتضى (ت 436 هـ / 1035م) , يخاطب الخليفة القادر قائلاً :
مهلاً أميرَ المؤمنبن فإننا *** في دوحةِ العلياءِ لا نتفرقُ
ما بيننا يومَالفخار ِتفاوتْ ** أبداً كلانا في المعالي مفرقُ
إلاّ الخلافة ميّزتك فإنني ***أنا عاطلٌ منها وأنتَ مطوّقُ
ومن رجالات عصره من الأعلام غير ممن مرّ ذكرهم
الدارقطني الحافظ ، الصاحب بن عباد، ، بديع الزمان الهمذاني ، أبو حيان التوحيدي، الماسرجسي ، والشعراء ابن الحجاج البغدادي ، وابن سكرة ، وأبو إسحاق الصابي...
وعلى العموم نستطيع أن نميز ثلاثة أقسام من شعراء عصره ، الشعراء والأدباء من الوزراء والأمراء والأعيان والكتاب والحجاب ، والشعراء المحترفون المرتزقة بالمديح ، أو التلويح بالهجاء ، أو الشعراء المتدرجون من الهواية والتعلم والممارسة حتى يصلوا لمرحلة الاحتراف ، وهنالك من يبقى على الهواية ، وحب الشعر للشعر ، ويبقى على مهنته الأصلية كأبي القاسم الخبز أرزّي الذي كان ييع خبر الأرز .
على ما يبدو لنا أن صاحبنا ابن زريق من القسم الثالث عجز أن يتكسب بالشعر في بغداد لجمود التكسب بالشعر أولاً ، ثم قلّ الاهتمام بالشعراء والأدباء ورعايتهم أصلاً في العصر البويهي، فلم تعد بغداد ساحة لأبي تمام والبحتري وأبي نؤاس وأبي العتاهية ودعبل وأبي حنيفة والكسائي ، ولا البصرة بقت منارة للجاحظ وبشار والأصمعي الفراهيدي وابن المقفع ومن قبل للفرزدق ...ولا الكوفة حافظت على مركزها ليسود فيها الصريع وأبو دلامة وابن العربي وابن السائب الكلبي وابن قتيبة وووو.....بغداد على الخصوص ، والعراق عموماً لم يعدا مرتعاً خصباً لطموحات النابغين والموهوبين ...!!
3 - الهجرة إلى بلاد الأندلس :
مهما يكن من أمر، ما بين الخوف من تقلبات الدنيا، وغدرها والأماني ، والعوز والفاقة و عشق الغواني ، والتجوال ما بين القصور والأزقة والمباني ، والأفكار والمعاني ، تفتق ذهنه بالرحيل من وطنه ، والتغرب عن أهله ، والهروب من عصره وزمنه البويهي ، وهو الكرخي الشافعي ، وكأنّي به ، يكرر البيتين المنسوبين للإمام الشافعي ( توفي 204 هـ) متأثراً بهما ، بل وضمنهما !! :
تَغَرَّبْ عَنِ الأَوْطَانِ فِيْ طَلَبِ العُلَى *** وسافِرْ ففي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِـدِ
تَفَرُّجُ هَـمٍّ، واكتِسَـابُ مَعِيْشَـــــــةٍ ***وَعِــــلْمٌ ، وآدابٌ، وصُحْبَـةُ مَاجِـدِ
وعلى أغلب ظني سافر شاعرنا عدة مرات متهجولاً قبل تملّك زوجه حسب نصّه، وخاب مسعاه ، وذهبت جهوده أدراج الرياح ، لذلك عندما همّ وكرّ مرّة أخرى ، وجد قيداً يقيّده ، وقراره مرهوناً بإرادة الحبيب ، وتلهف أقرب قريب ، فأخذت هذه الزوجه تلومه على فكرة تغربه وهجرته ، وثارت ثائرتها لطلبه المحال ، وحاله أحسن من حال ، وأنت الأدرى كيف كان شدّ الرحال هولاً من الأهوال ، تعجز عن تحمّله الرجال الجبال ، فكيف بفقير حال !! ، اقرأ معي رجاء ، وتأمل في الأبيات ، وما ذهبت إليه :
لا تَعـذَلِيـه فَإِنَّ العَـذلَ يُـولِعُـــهُ ****قَد قَلتِ حَقـاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَـعُـهُ
جـاوَزتِ فِي لومـهِ حَـداً أَضَـرَّ بِـهِ **مِن حَيـثَ قَـدَّرتِ أَنَّ اللوم يَنفَعُـهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً***** وَأَدمُعِـــــي مُستَهِـلّاتٍ وَأَدمُـعُهُ
ما آبَ مِن سَفَـــرٍ إِلّا وَأَزعَـــجَهُ *** رَأيُ إِلــى سَفَـــرٍ بِالعَــــزمِ يَزمَــعُهُ
إِذا الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيــلِ غِنىً ** وَلَو إِلى السَندِ أَضحى وَهُوَ يُقطــعُهُ
بقى صراخ زوجه ، وأدمعها ، وإطلالتها القمرية ، تفض مضاجعه ، في حلّه وترحاله ، عند مخدعه ، وإبان صحوته ، وضميره يحفّزه تارةً ، ويؤنبه أخرى :
إِنّـي لَأَقـطَـعُ أيّـامِـي وَأنفـقُـهـــا *****بِحَسـرَةٍ مِنــهُ فِي قَـلبِي تُـقَـطِّعُـهُ
بِـمَن إِذا هَـجَـعَ الـنُـوّامُ بِـتُّ لَـهُ ***** بِلَوعَـــةٍ مِنهُ لَيلي لَستُ أَهـجَـعُــهُ
لا يَطمِئـنُّ لِجَنـبـي مَضـجَعٌ وَكَذا ****** لا يَطمَئِـنُّ لَـهُ مُـذ بِنتُ مَضجَعُـهُ
فكّر بالغروب ، ولكن إلى أين الهروب ؟ بغداد ضاقت عليه برحابها ، وسعة أفقها ، زوجته تجرّه ، والمهر يكرّه ، والديون تلاحقه ، تتوارد الخواطر على ذهنه المتعب الكليل ، أألى الشام ، وحلبها المعطاء ، موئل المتنبي ، ومحط آمال الشعراء والأدباء حتى الفارابي ؟!! ولكن أين سيف الدولة ؟!، وقد بلعه الزمان ( 356 هـ) ، كما بلع من بعده سعد الدولة ( 382 هـ) ، وابنه أبا الفضائل ( 392 / 1002م ) ، وسقطت الدولة الحمدانية ، وهو طفل يحبو ، ثم توالى على الشهباء الفاطميون بلؤلؤهم ، والروم ، وصالح بن مرداس ، والقوم فوضى لا سراة لهم .
أمّا التوجه إلى مصر ، مشكلة فيها خطر ، مصر ليست مصر الخصيب حتى يذهب إليها ، كما ذهب إليها أبو نؤاس !! ، هنا الآن الحاكم بأمر الله المنصور الفاطمي ، حاكمهم السادس ، حكم ما بين (996 - 1021 م ) ، وكان طوال فترة حكمه على علاقة متوترة مع الخلافة العباسية ببغداد ، إذ أراد العباسيون الحد من نفوذه الإسماعيلي ، وخصوصاً ، وصل به الأمر أن يتقمص منزلة الإلوهية ، ومقام النبوة ، اقراّ ، كيف خاطب الشاعر الشهير ابن هانئ الأندلسي ( ت 363 هـ) الخليفة المعز لدين الله الفاطمي :
ما ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ* فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ
و كأنّما أنتَ النبيُّ محـــمّدٌ ****** وكأنّما أنصاركَ الانصارُ
أنتَ الذي كانتْ تُبشِّرنَا بهِ **** في كُتْبِها الأحبـــارُ والأخبارُ
كان الحاكم بأمر الله أكثر سلطوية ، وتعجرفاً ، وغروراً ووطموحاً من سلفه المعز ، لذلك زاد التوتر في العلاقات حتى قامت الخلافة العباسية بإصدار مرسوم شهير في عام 1011 وفيه نص مفاده أن الحاكم بأمر الله ليس من سلالة علي بن أبي طالب.
لأنّه رجل بغدادي كرخي ، شافعي المذهب ، ولربما من أقطابهم ، ضاقت به بفداد البويهية ، كما ضاقت بغيره من رجالات الأدب والشعر ، إلا كا أسلفنا للطبقة العليا من الوزراء والكتاب والأعيان ، أو المحترفين الكبار ، ولو أنّ عبقرياً بوزن أبي حيان التوحيدي ، هاجر أواخر حياته ، واضطر لأكل الحشائش ، أما بلاد الشام ، ومصر الكنانة ، فوقعا بين المرداسيين والفاطميين ، بعد سقوط دولتي الحمدانيين والأخشيديين ، توهم أن أصلح الحلول التوجه لبلاد الأندلس بقايا الأمويين ، وحضارتهم المزدهرة الثرية ، الخصبة ، وما درى :
إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة **** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ
في عصره حكم قرطبة :
عبد الرحمن المرتضى ، حكم ما بين 1021- 1022 م
- عبد الرحمن بن هشام المستظهر بالله ، حكم ما بين 1022 - 1023 م
- محمد المستكفي ، حكم ما بين 1023 - 1024 م/ 414 - 416 هـ ،أبو عبد الرحمن
وهوالخليفة الحادي عشر للأندلس
ولاّه أهل قرطبة الخلافة بعد مقتل المستظهر بالله في 3 ذي القعدة 414 هـ، وظل خليفة لنحو عام ونصف أمضاها في إرضاء شهواته، إلى أن بلغته أنباء زحف جيش يحيى المعتلي بالله على قرطبة، فغادرها متخفيًا في زي امرأة في 25 ربيع الأول 416 هـ، ثم قتله بعض مرافقيه في رحلة فراره في 12 ربيع الآخر 416 هـ ظنًا منهم أنه يحمل مالاً
- هشام بن محمد المعتد بالله ما بين 1027 - 1031 م
4 - موته كمدا ، وكدراً ... أو قتل خلسة ...كابن هانئ الأندلسي من قبله ...!!
أ- لماذا تذهب بي الظنون أن ابن زريق قد قتل خلسة ...!!
بقي المعتد بالله العامين الأولين من خلافته في ألبونت، ثم انتقل إلى قرطبة في ذي الحجة 420 هـ. في خلافته، كان الأمر والنهي لرجل من وزرائه يدعى الحكم بن سعيد القزاز، الذي أساء معاملة القرطبيين، واستأثر بكل سلطة. فاستغل أمير أموي يدعى أمية بن عبد الرحمن بن هشام بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر والمعروف بالعراقي غضب القرطبيين، وفتك بالحكم القزاز في ذي القعدة 422 هـ، ثم هاجم القصر هو والعامة، ففر منه المعتد بالله بأهله، وهو يناشد المهاجمين حقن دمه. ثم رأى أهل قرطبة إبطال الخلافة بالكلية ،فخلعوا هشام في 12 ذي الحجة 422 هـ، ونفي جميع الأمويين من المدينة. أما هشام المعتد بالله فلجأ إلى جوار سليمان بن هود صاحب لاردة حتى توفي في صفر 428 هـ
في مثل هذه الظروف القلقة ، الحرجة ، المضطربة ، ما بين الكراهية والولاء للأمويين ، يأتي رجل من آخر الدنيا ، بل من العراق ، ومن بغداد بالذات ، وبغداد وما أدراك ما بغداد في ذلك العصر ، ؟ وهيمنتها السياسية ، فهي عاصمة العباسيين ، ومنزلتها الروحية لدى العرب والمسلمين ، يأتي هذا الشاعر من البعيد المقدس ليمدح خليفة مزعزعاً ، واهياً ، له من الإعداء ما له ، بل لبيت الخلافة كلّه ، ففي تلك الأيام سقطت الخلافة بسبب ثورة البربر ونشوء ملوك الطوائف الذين قسموا الدولة إلى أكثر من 12 دويلة، منها غرناطة وإشبيلية والمرية وبلنسية وطليطلة وسرقسطة والبرازين وبطليوس......
وعلى ما يبدو لي حسّ الرجل بالمخاطر المحيطة به ، وأنياب المنايا تلاحقه ، فسكب في ليلة ليلاء كل لواعج النفس ، وخوالجها في لحظات ملهمة مشبّعة بصدق العاطفة ، وحرارة الشوق للذكريات والحنان ، ومرّت عليه صرخات الوداع ، ووجه القمر المّاع ( وتنسب الأبيات لغيره ، وضمنها) :
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغــــدادَ لِي قَمَــراً***** بِالكَرخِ مِن فَلَـــكِ الأَزرارَ مَطلَــعُهُ
وَدَّعتُــــهُ وَبـــوُدّي لَــــو يُوَدِّعُـــنِي*** صَفــوُ الحَيــــاةِ وَأَنّـــي لا أَودعُـهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً***** وَأَدمُعِـــــي مُستَهِــــــلّاتٍ وَأَدمُــعُهُ
الله الله على هذه الرقّة التعبيرية ، والصياغة البلاغية ، والتخيلات الشاعرية...
نعم ربّما مات كمداً وهمّاً ، وهذا احتمال أراه بعيداً ، لأن العاشق الشاعر الولهان ، لا يغلق أبواب الأمل ، والغريزة تدفعه للحياة ، لا للموت ...!! وهذه القصيدة الخالدة ، لا يمكن أن تختلج في نفس عاجزة ، يائسة ، قانطة من الحياة ، بل كلها نبض وحيوية ، وجمال ، وعشق وحياة ... على أغلب ظني ، أن شاعرنا الخالد لقى نفس مصير ابن هانئ الأندلسي الذي وُجِد في سانية من سواني برقة مخنوقاّ بتكة سراويله ...!!
5 - القصيدة الواحدة الخالدة ، وتنسب له قصيدة أخرى :
تفنن الأدباء ، ومؤرخوهم في كيفية تقديم هذه الخريدة الفريدة لقرائهم ، ومتذوقي الشعر، فقيل عنها ( اليتيمة ) ،لأن الشاعر تركها لوحدها ، ونعتوها بـ (الفراقية) ، لأن بعدها تمّ الفراق ، والآخرون قالوا ( عينية ابن زريق) ، وهي تسمية مألوفة كلاميتي العرب والعجم ، وسينية البحتري ، ونونية ابن زيدون ، واشتهرت بـ ( لا تعذليه) ....إليك إياها ، و رفقاً بها ...
من البسيط
1 - لا تَعــــذَلِيه فَإِنَّ العَــــذلَ يُولِعُـــهُ***قَد قَلــتِ حَقاً وَلَكِـــن لَيـــسَ يَسمَـعُهُ
2 - جاوَزتِ فِي لَومـهِ حَـداً أَضَرَّبِــهِ **** مِن حَيثَ قَدّرتِ أَنَّ اللـَــــومَ يَنفَـــعُهُ
3 - فَاستَعمِلِي الرِفـق فِي تَأِنِيبِهِ بَــدَلاً ****مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
4 - قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُــــهُ*****فَضُيَّقَت بِخُطُـــوبِ المَهــرِ أَضلُـعُهُ
5 - يَكفِيهِ مِن لَـوعَةِ التفنيـــدِ أَنَّ لَــهُ*** مِـنَ النَـــوى كُـــلَّ يَـــومٍ ما يُروعُـــهُ
6 - ما آبَ مِن سَفَـــرٍ إِلّا وَأَزعَـــجَــهُ***** رَأيُ إِلــى سَفَـــرٍ بِالعَــــزمِ يَزمَـــعُهُ
7 - كَأَنَّما هُــوَ فِي حِـــلِّ وَمُرتحَـــلٍ ****** مُوَكَّــــلٍ بِفَضـــــاءِ الأَرضِ يَذرَعُـهُ
8 - إِذا الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيــلِ غِنىً **** وَلَو إِلى السَندِ أَضحى وَهُوَ يُقطــعُهُ
9 - تأبى المطـــامعُ إلا أن تُجَشّــــمهُ **** للـــرزق ســعياً ولكـن ليس يجمَــعُهُ
10 - وَما مُجاهَدَةُ الإِنســـانِ تَوصِـــلُهُ ****رزقَاً وَلادَعَــــــةُ الإِنســـانِ تَقطَـعُهُ
11 - قَد قسَّــمَ اللَهُ بَينَ الخَـلقِ رزقَهُمُ **** لَم يَخلُــــق اللَهُ مخلـــــوقاً يُضَيِّـــعُهُ
12 - لَكِنَّهُـم كُلِّفُـوا حِـرصـاً فلَستَ تَـرى***** مُستَرزِقـاً وَسِـوى الغاياتِ تُقنُعُـهُ
13-وَالحِرصُ في الرِزقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت * بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغـيَ المَرءِ يَصـرَعُـهُ
14 - وَالدهـرُ يُعطِـي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُـهُ *** إِرثاً وَيَمنَعُـهُ مِن حَيثِ يُـطمِعُــهُ
15 - اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغــــدادَ لِي قَمَــراً***** بِالكَرخِ مِن فَلَـــكِ الأَزرارَ مَطلَــعُهُ
16 - وَدَّعتُــــهُ وَبـــوُدّي لَــــو يُوَدِّعُـــنِي*** صَفــوُ الحَيــــاةِ وَأَنّـــي لا أَودعُـهُ
17 - وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً***** وَأَدمُعِـــــي مُستَهِــــــلّاتٍ وَأَدمُــعُهُ
18 - لا أَكُذبُ اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ **** عَنّــــــي بِفُـــرقَتِــــهِ لَكِــن أَرَقِّــــعُهُ
19 - إِنّي أَوَسِّـعُ عُـذري فِي جَنـايَـتِــهِ ******بِالبينِ عِنــهُ وَجُـرمـي لا يُوَسِّعُـهُ
20 - رُزِقـتُ مُـلكـاً فَلَم أَحسِـن سِيـاسَتَـهُ **** وَكُلُّ مَن لا يُسُـوسُ المُلكَ يَخلَعُـهُ
21 - وَمَن غَـدا لابِسـاً ثَـوبَ النَعِـيـم بِلا ******* شَـكـرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنـزَعُـــهُ
22 - اِعتـَضـتُ مِن وَجـهِ خِـلّي بَعدَ فُرقَتِهِ *****كَأسـاً أَجَـرَّعُ مِنهـا ما أَجَـرَّعُـهُ
23 - كَم قـائـِلٍ لِي ذُقـتُ البَينَ قُـلـتُ لَهُ ****** الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبـي لَسـتُ أَدفَـعُــهُ
24 - أَلا أَقـمـتَ فَـكـانَ الـرُشـدُ أَجمَعُهُ ******* لَو أَنَّنِي يَـومَ بانَ الـرُشـدُ اتبَعُــهُ
25 - إِنّـي لَأَقـطَـعُ أيّـامِـي وَأنفـقُـهـــا *******بِحَسـرَةٍ مِنــهُ فِي قَـلبِي تُـقَـطِّعُـهُ
26 - بِـمَن إِذا هَـجَـعَ الـنُـوّامُ بِـتُّ لَـهُ ****** بِلَوعَـــةٍ مِنهُ لَيلي لَستُ أَهـجَـعُــهُ
27 - لا يَطمِئـنُّ لِجَنـبـي مَضـجَعٌ وَكَذا ******* لا يَطمَئِـنُّ لَـهُ مُـذ بِنتُ مَضجَعُـهُ
28 - ما كُنتُ أَحسَـبُ أَنَّ الدهـرَ يَفجَعُـنِي ***** بِهِ وَلا أَنَّ بِـي الأَيّــامَ تَـفجـعُــهُ
29 - حَتّى جَـرى البَينُ فِيما بَينـَنـا بِيَـدٍ ***** عَسـراءَ تَمنَعُـنِي حَـظّـي وَتَمـنَعُـهُ
30 - قَد كُنتُ مِن رَيـبِ دهرِي جازِعاً فَرِقاً ** فَلَم أَوقَّ الَّذي قَد كُـنـتُ أَجـزَعُــهُ
31 - بِاللَهِ يا مَـنـزِلَ العَيشِ الَّذي دَرَسـت *******آثـارُهُ وَعَـفَـت مُـذ بِنـتُ أَربُعُـهُ
32 - هَـل الـزَمـانُ مَعِيـدُ فِيـكَ لَذَّتُـنــــــا *****أَم اللَيالِي الَّتـي أَمضـَتـهُ تُـرجِعُــهُ
33 - فِي ذِمَّـةِ اللَهِ مِن أَصبَـحَـت مَنزلَهُ****** وَجـادَ غَيثٌ عَلى مَغـنـاكَ يُمـرِعُــهُ
34 - مَن عِنـدَهُ لِي عَهـدُ لا يُضـيّـعُـــــهُ***** كَمــــا لَهُ عَهـدُ صِـدقٍ لا أُضـَيّـِعُــهُ
35 - وَمَن يُـصَـدِّعُ قَـلبـي ذِكـــــــرَهُ وَإِذا*****جَـــــرى عَلى قَلبِـهِ ذِكـرييُصَـدِّعُـهُ
يذكر الرواة أن شاعرنا العملاق مدح أحد الأمراء بقصيدة عصماء ، وهذا مما لا أشكّ فيه ،وإلا لماذا تجشم عناء السفر والتغرب ، ولأن مَن ينظم مثل هذه القصيدة الخالدة لقادر على نظم غيرها ، وغيرها ، ولاريب له قصائد أخرى نظمها في بغداد قبل رحيله وهجرته ، ولكن عصره كان ميتاً جامداً ، كاد أن يضيع فيه أكبر عبقري في تاريخنا النثري ، وأعني أبا حيان التوحيدى ، بالرغم من وجوده ببطون الكتب ، وذكره الحموي بإجلال ، وأشار إلى عبقريته الفذة المستشرق السويسري الألماني آدم متز ... ، آخر حياة هذا التوحيدي ، هرب لبلاد فارس ، واضطر لأكل الحشيش ، ثم قصة ألف ليلة وليلة ، ظهرت في عصر شاعرنا ، من مؤلفها ، أو مؤلفيها ؟!!!! ولا تندهش عندما أقول : ربما ابن زريق البغدادي ، اسم مستعار لشاعر كتب عنه الرواة ، وأغفل ...!!
أما رواية طلب الأمير من عماله أن يذهبوا إلى الخان الذى يعيش فيه ابن زريق ليطمئنوا عليه .. فإذا بهم يجدوه ميتاً تكسو ملامحه الحزن .. وعلى جسدة غلالة رقيقة مهلهلة وبجوارة رقاقة جلد مكتوباً عليها هذه القصيدة الرائعة . التى يشكو فيها نفسه لنفسه مجسدة مشاعر الألم والندم والحنين ... فهذه الرواية أشك في صحتها ، إنها موضوعة للتغطية عن أمرٍ ما ، أو أمور شتى ، منها مقتله خلسة ...!! ما كل في تاريخنا تاريخ ، والله أعلم بخفايا الأمور وأسرارها .
6 - القصيدة والشاعر وبعض ما أورد مؤرخو الأدب حولهما :
أ - المستشرق الألماني كارل بروكلمان هو الذي حدد تاريخ وفاته سنة 420 هـ في تاريخ أدبه العربي .
ب - معاصره أبو حيان التوحيدي (310 - 414 هـ / 922 - 1023 م) ، ينقل بيتين من قصيدة ابن زريق في ( إمتاعه ومؤانسته) ، ولم ينسبهما لأي أحدٍ ، والرجل مات قبل رحلة ابن رشيق لأندلسه ...!! والبيتان هما:
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغــــدادَ لِي قَمَــراً***** بِالكَرخِ مِن فَلَـــكِ الأَزرارَ مَطلَــعُهُ
وَدَّعتُــــهُ وَبـــوُدّي لَــــو يُوَدِّعُـــنِي*** صَفــوُ الحَيــــاةِ وَأَنّـــي لا أَودعُـهُ
ج - معاصره صاحب ( يتيمة الدهر في شعراء أهل العصر) : عبد الملك بن محمد بن إسماعيل (350 هـ - 429 هـ / 961 1038م) الذي يُعرف بأبي منصور الثعالبي النيسابوري ، ينسب أربع أبيات من قصيدة ابن رشيق البغدادي للوأواء المشقي ، وهو : أبو الفرج محمد بن أحمد الغساني الدمشقي (المتوفي 385 هـ) ، أي ربما توفي قبل ولادة شاعرنا البغدادي ، والثعالبي ثقة ، حجة في تاريخ الأدب ، والأبيات هي :
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغــــدادَ لِي قَمَــراً***** بِالكَرخِ مِن فَلَـــكِ الأَزرارَ مَطلَـعُهُ
وَدَّعتُــــهُ وَبـــوُدّي لَــــو يُوَدِّعُـــنِي*** صَفــوُ الحَيــــاةِ وَأَنّـــي لا أَودعُـهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً***** وَأَدمُعِـــــي مُستَهِــــــلّاتٍ وَأَدمُــعُهُ
لا أَكُذبُ اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ **** عَنّــــــي بِفُـــرقَتِــــهِ لَكِــن أَرَقِّــــعُهُ
وثبّت الدكتور سامي الدهان محقق ديوان الوأواء الأبيات الأربعة في وصلات تابعة للديوان ، وليس في الأصل ، وهذه لا تقلل من شأن رائعة ابن رشيق الخالد ، وربما الشاعر نفسه ضمنها لقصيدته ، أو ألحقت بها من بعد لتشابه البحر والقافية ...!!
د - في ( الوافي بالوفيات ) لصلاح الدين الصَّفديّ : هو صلاح الدين أبو الصَّفاء خليل بن أيبك بن عبد الله الألبَكِي الفاري الصَّفديّ الدِّمشقيّ الشَّافعيّ. (صفد، 696 هـ - دمشق، 10 شوَّال 764 هـ) ، يذكر عن شاعرنا ، وقصيدته ما يستحق الذكر والتعقيب ، يقول : )
علي بن زريق
ابن زريق الكاتب علي بن زريق، الكاتب البغدادي، له القصيدة التي مدح بها العميد أبا نصر وزير طغرلبك التي قال فيها أبو عبد الله الحميدي: قال لي أبو محمد علي بن أحمد ابن حزم : يقال : من تختم بالعقيق، وقرأ لأبي عمرو وتفقه للشافعي، وحفظ قصيدة ابن زريق، فقد استكمل الظرف. والقصيدة المذكورة : من البسيط :
لا تعذليه فإن العذل يولعه *** قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه
ينقل القصيدة ، ويقول بعد ختامها :
وقلت: وقد مر في ترجمة أحمد بن جعفر الدبيثي له قصيدة في وزنها ورويها، وأراها أحسن من هذه .
قال يرثي ديكاً : من الكامل
خطب طرقت به أمر طروق*** فظ الحلول علي غير شفيق
فكأنما نوب الزمان محيطة*****بي راصدات لي بكل طريق
انتهى النقل ، نعقب على قوله :
قصيدة ابن رشيق ( لا تعذليه) ، ليست فيها أي لمسة مدح لأي كان سوى خوالج نفسية ، ومشاعر عاطفية ، يشكو غربته ، وضنك عيشه ، وقلة رزقه ، ولوعة تغربه ، وشدّة شوقه ... ثم ذكر - كما ذكرنا - أبو حيان التوحيدي بيتين منها ، والثعالبي أربعة أبيات ، وهذا الوزير السلجوقي توفي 456 هـ ، كما يثبت ابن خلكان في (الوفيات) .
أمّا ما يرتأيه الصفدي أن قصيدة أحمد بن جعفر الدبيثي أحسن من قصيدة ابن زريق ، فهذا موكول للذوق العربي الذي خلّد قصيدة شاعرنا البغدادي بما لا يمكن القياس .
فصيدة رثاء الديك طويلة ، ولم أعثر على من نسبها إلى ابن زريق غيره ، وإن كانت له ، لا تجعلنا نتردد في اعتباره من شعراء الواحدة الواحدة ...!!
هـ - يذكر الثعالبي في (يتيمته ) ، والحموي في ( معجم بلدانه) ، ويشير كذلك ابن خلكان في ( وفياته) ، إلى شاعر وكاتب آخر يكنى ( أبو محمد ابن رشيق الكوفي الكاتب )، عاش في القرن الرابع الهجري .
و - اهتم العلماء بقصيدة ابن زريق فعارضوها وخمسوها وشرحوها؛ فممن عارضها أحمد بن جعفر الواسطي، وخمسها أحمد بن ناصر الباعوني، وشرحها علي بن عبد الله العلوي وولي الدين يكن
7 - - " لا تعذليه " الفراقية فيها ملامح من قصيدة المتنبي في رثاء جدته الفجاعية :
العلاقات الإنسانية الوجدانية المتراكمة في العقل الباطن ، أو الواعية بعقلها الظاهر قد تغربل الغرائز الجنسية ، وتخمدها لحين ، لأن الغريزة الجنسية تحتاج لزمن زاهٍ ، صاف ، خالٍ من الهموم و الأكدار ، فتبقى المشاعر الإنسانية الراقية من حنان حنون ، وذكرى طيبة ، وموقف نبيل ، وتضحية صادقة ، وصداقة صدوقة ، وعلاقة حميمة هي العالقة في الضمير والوجدان ، مهما كانت رابطة العلاقة الإنسانية ، بين زوج وزوجته كحالة ابن زريق ، أو بين أب وابنه كحالة ابن الرومي ، أو أبي الحسن التهامي ، أو بين أخ وأخيه كالجواهري وجعفر ، أو بين حفيد وجدته كحالة المتنبي العظيم ، افرأ ما يدور في خوالج متنبينا عند وفاة جدته ، إذ كان في غربته وتغربه :
ألا لا أرى الأحداث حمدا ولا ذما** فما بطشها جهلا ولا كفها حلما
إلى مثل ما كان الفتى مرجع الفتى ***يعود كما أبدي ويكري كما أرمى
لك الله من مفجوعة بحبيبها *** قتيلة شوق غير ملحقها وصما
ولو قتل الهجر المحبين كلهم *** مضى بلد باق أجدت له صرما
منافعها ما ضر في نفع غيرها *** تغذى وتروى أن تجوع وأن تظما
عرفت الليالي قبل ما صنعت بنا ***فلما دهتني لم تزدني بها علما
طلبت لها حظا ففاتت وفاتني ***وقد رضيت بي لو رضيت بها قسما
وما انسدت الدنيا علي لضيقها *** ولكن طرفا لا أراك به أعمى
فوا أسفا أن لا أكب مقبلا *** لرأسك والصدر الذي ملئا حزما
تغرب لا مستعظما غير نفسه *** ولا قابلا إلا لخالقه حكما
ولا سالكا إلا فؤاد عجاجة *** ولا واجدا إلا لمكرمة طعما
يقولون لي ما أنت في كل بلدة *** وما تبتغي ما أبتغي جل أن يسمى
وجاعله يوم اللقاء تحيتي *** وإلا فلست السيد البطل القرما
إذا قل عزمي عن مدى خوف بعده *** فأبعد شيء ممكن لم يجد عزما
المتنبي لم يكم بعيداً في زمنه عن ابن زريق البغدادي ، وإن لم يتعاصرا ، فهما عاصرا البويهيين ( المتنبي توفي ( 354 هـ / 965 م) وابن زريق توفي( 420 هـ / 1029م) الفارق بين وفاتيهما 64 سنة ميلادية فقط ، كلاهما عاصر البويهيين في بغداد كما قلنا ، ولكن المتنبي وجد ملاذاً عند سيف الدولة الحمداني المتوفي ( 356هـ/ 967م) ، وكان بلاطه يعج بالأدباء والشعراء ، ، وكانت مصر تحت حكم الأخشيديين ، ومدح كافورهم ، ، وعضد الدولة البويهي وبغداد هي بغداد ، والمتنبي لو عرف بحال ابن زريق البغدادي ، لما قال قوله :
غَاضَ الوَفَاءُ فَما تَلقاهُ في عِدَةٍ **وَأعوَزَ الصّدْقُ في الإخْبارِ وَالقَسَمِ
سُبحانَ خالِقِ نَفسي كيفَ لذّتُها ******فيـــما النّفُوسُ تَراهُ غايَةَ الألَمِ
ألدّهْرُ يَعْجَبُ من حَمْلي نَوَائِبَهُ *****وَصَبرِ نَفْسِي على أحْداثِهِ الحُطُمِ
وَقْتٌ يَضيعُ وَعُمرٌ لَيتَ مُدّتَــــهُ *****في غَــــيرِ أُمّتِهِ مِنْ سالِفِ الأُمَمِ
أتَــــــى الزّمَانَ بَنُوهُ في شَبيبَتِهِ ********فَسَرّهُمْ وَأتَينَاهُ عَلى الهَــــــرَمِ
الله يسامحك يا أبا الطيب ، دعنا عن ابن زريق ، فقد خلده الدهر ، كما خلّدك ، وأنت الأعظم ، ولكن ما أبقيت لنا ، وقد ختمته بالهرم ، وكان امرئ القيس نفسه ، أقرب لك ، منا إليك ، آخ يا زمن ، ويا زمان الوصل بالأندلسِ .....!!! يكفينا والسلام .
كريم مرزة الأسدي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع والمصادر :
() دولة الإسلام في الأندلس: عنان، محمد عبد الله الجزء الأول. مكتبة الخانجي، القاهرة.(1997).
( ) البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب : ابن عذاري، أبو العباس أحمد بن محمد (1980).. دار الثقافة، بيروت
() معجم البلدان : ياقوت الحموي ، بيروت دار احياء التراث العربي 1979م
() معجم الأدباء : ياقوت الحموي:، دار القمر للطباعة والنشر والتوزيع1980م
() الشعر بين التطور والجمود في العصرين البويهي والسلجوقي رسالة دكتوراه
نجاة محمد عبدالماجد العبَّاسي - المملكة العربية السعودية - جامعة أم القرى - كلية اللغة العربية - المشرف د. محمد نبيه حجاب - العام 1409 هـ / 1989م
() الوافي بالوفيات : الصفدي - 6 / 396 - - الوراق - الموسوعة الشاملة -
http://www.alwarraq.com
() معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة الجزء الاول - الناشر مكتبة المثنى - بيروت دار إحياء التراث العربي بيروت
() رسائل ابن حزم الأندلسي : ابن حزم - المحقق : إحسان عباس المؤسسة العربية للدراسات والنشر- 1980م - بيروت.
() مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي - عينية ابن زريق مجلة الشعر يناير 1976 القاهرة العدد الأول.
() تاريخ الأدب العربي : كارل بروكلمان ، الملحق 1 /133
يرى المستشرق الألماني كارل بروكلمان أنه توفي 420 هـ
() يتيمة الدهرأبو منصور الثعالبي 1 / 293 تحقيق الشيخ محيي الدين عبد الحميد ط 2 ينسب أربع أبيات استوع وثلاثة بعده إلى الوأواء الدمشقي المتوفي 385 هـ فقد يكون ابن رشيق ضمنهما
() يتيمة الدهر : الثعالبي - 1 /91 - موقع الوراق - الموسوعة الشاملة .
http://www.alwarraq.com
() ديوان المتنبي : أحمد بن حسين الجعفي المتنبي أبو الطيب - دار بيروت للطباعة والنشر - - 1403 هـ - 1983 م .
() تاريخ الأدب العربي ؛ عمر فروخ - دار العلم للملايين، بيروت.
() ديوان الوأواء الدمشقي : أبو الفرج محمد بن أحمد الغساني المشهور بالوأواء الدمشقي - عني بنشره وتحقيقه ووضع فهارسه د. سامي الدهان ، دار صادر ، بيروت ، ط 2 ، 1414 هـ / 1993 م.
() الموسوعة الحرة : عدة عناوين لها علاقة بالبحث .
https://ar.wikipedia.org/wiki/
لك أن أن تقول ما تقول ، ارفع من تشاء ، اخفض من تشاء ، وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، والخلود الإنساني رزق ما بعده رزق ، يسعى إليه كلّ ذي لبٍّ بصير ، وعقلٍ كبير ، وعبقريةٍ فذّة ، وألمعية نادرة ، وللحياة ضربات حظها دون عهد مسبق ، ولا تخضع لمنطق ، تغلف خيرها بشرها ، وتدسّ شرّها بخيرها ، تمدّك على سنوات الآلام اللئام ، و تخدعك بلحظات اللذات التي تمر مرور الكرام :
وَالدهـرُ يُعطِـي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُـهُ *** إِرثاً وَيَمنَعُـهُ مِن حَيثِ يُـطمِعُــهُ
إلى أين أريد أن أصل في نهاية هذه الفقرة ؟ لاريب أنك لقفتها وهي طائرة ، والعنوان وهو الغاية والمرام ...!!
نعم أريد أن أصل ، وأنت معي ، إن رافقتني ، لشاعر الواحدة ، بل أهم واحد ، ألا وهو الملهم البغدادي الخالد ، القاصد أميره الأندلسي الجاحد البائد ، فخلد ذكره ، وباع عمره في بلاد الغربة الأندلسية كمداً وغماً وحسرة ، وربما قتلاً ، فما أدراك وما أدراني ، فالقلاقل ، والانقلابات والفتن كانت قائمة على قدم وساق تلك الأيام في قرطبة ، والطايح رايح ، وسجل المؤرخون وفاته سنة (420 هـ / 1029م) ، وما كان عمره يتجاوز الثلاتين عاماً على أغلب الظن !! ، إليكم قصته وعصره و قصيدته : إنّه الشاعر العبقري - بحكم خلوده - أبو الحسن علي أبو عبد الله بن زريق الكاتب البغدادي ...
يقال والعهدة على الرواة ، كان هذا الرجل البغدادي الشاعر فقير الحال ، قليل المال ، مولعا بحب ابنة عمه ، وعشقها ، وقيل هي زوجه ، وربّما الرأي الأخير أقرب إلى الصح لقوله ، حجرٌ بعصفورين :
رُزِقـتُ مُـلكـاً فَلَم أَحسِـن سِيـاسَتَـهُ **** وَكُلُّ مَن لا يُسُـوسُ المُلكَ يَخلَعُـهُ
ولكن كانا ببداية زواجهما جزماً ، وفي شرخ شبابيهما ، فالعاطفة الشعرية قويّة ، وفي أوجّ غليانها الغريزي والنفسي والوجداني ، وما استطاع أن يحقق حلمه لإرضائها ببناء عش الزوجية اللائق بالمثالية الملائكية ...!! ، فضاق به العيش ، وسدّت أمامه الدروب لإسعاد المحبوب ، فكان الشاب الولهان ، والعاشق الحيران ، يتجول في جانب الكرخ ،فهو كرخي المولد والنشأة ، وينتقل إلى الصوب الآخرمن رصافة بغداده ، يدور على حلقات الأدب والنحو واللغة ، أو إلى المساجد ، أو المنتديات ، أو قصور الأعيان في بدايات القرن الخامس الهجري ، أو إبان العقد الثاني منه ، وأحسبه وزوجته من مواليد العقد الأخير من القرن الرابع الهجري ، وعلى حسابي الرجل لم يتجاوز الثلاثين عاماً - كما أسلفت - عندما وافته المنية قتلاً أو حتف أنفه .
2 - عصر ابن زريق البغدادي لماما ً:
أ - خلفاء بني العباس وسلاطين بني بويه الذين عاصرهم ابن زريق :
- عاصر كل حياته الخليفة العباسي :أبو العباس أحمد القادر بالله (الخليفة العباسي الخامس و العشرون)، فترة حكمه ما بين ( 381 - 422 هـ / 991 - 1031 م ) ، هذا الخليفة حكم أربعين عاماً ، وربما شاعرنا لم يزد عمره عن الثلاثين عاماً !!وهذا الخليفة العباسي عمّر طويلاً فالرجل من مواليد 336 هـ / 947م في بغداد ، واسم أمه تمني أو دمنة ، يروى أن القادر كان متديناً كثير التهجد بالليل وكثير البر والصدقات. تفقه على يد أبي بشر الهروي الشافعي
- سلاطين بني بويه :
- بهاء الدولة أبو نصر فيروز بن عضد الدولة ، حكم ما بين ( 990 م - 1013م) ، ربما عاصره أربع عشرة سنة فقط .
- شرف الدولة أبو شجاع فنا خسرو بن بهاء الدولة ، حكم ما بين : ( 1013 - 1025م)عاصره اثنتي عشرة سنة .
- جلال الدولة أبو طاهر فيروزجرد بن بهاء الدولة حكم حكم ما بين ( 1025 - 1044م ) ، عاصره فقط أربع سنوات .
ب - الحياة الثقافية في عصره
كل حياته قضاها في العصر البويهي ، ولا أخالك نسيت مقالاتي عن أبي العلاء المعري في زيارته لبغداد ما بين ( 398 - 400 هـ ) ، وكان ابن زريق البغدادي وابنة عمه أحياءً يرزقون ، فإليكم بعض فقراتها ، لعلكم تتذكرون بغداد ومجالسها وندواتها ومساجدها في بدايات نشأة ابن الزريق ...!! فمما قلت :
مهما يكن حين حط أبو العلاء المعري ّرحاله في كرخ بغداد ، وربما بعد أن ْعانى مرارة نعته بالكلب من قبل رجل عثر به معرينا ، في مجلس الشريف المرتضى عشية تأبين والده الشريف الطاهر ، وكان الشاعرفي طريقه لإلقاء قصيدة ارتجالية في رثاء الفقيد،تعد من غرر قصائده :
أودى فليتَ الحادقاتِ كفافِ *** مال المسيف وعنبر المستافِ
أجلّ الرجلان الشريفان أبا العلاء أيّما إجلال ، وقرّباه إليهما ، وضمّاه إلى مجلسهما معزّزا مكرما ً ، المهم في بدايات الأيام حنّ إلى مدينته وأهلها وقومه ، وخصوصاً لتجهاله من الجهال ، فقال في حالة خيبة وشوق :
فيا برقُ ليس الكرخُ داري وإنّما *** رماني إليهِ الدّهرُ منذُ ليال ِ
فهل ْ فيكَ منْ ماءِ المعرّةِ قطرةٌ **** تغيثُ بها ظمآن ليسَ مبال ِ
صدمة الغربة بادئ الأمر ، لاجرم تأخذ من النفوس أمراً ، بعد أن تشربت من ماء بلادانها عمراً ،
ولكن بعد أنْ عرف أهل بغداد أنّ الرجل الماثل أمامهم هو أبو العلاء المعري ، وكانت سمعته قد جابت الآفاق ، وملأتْ الدنيا ، وصكت الأسماع ، احتفى به البغدايون، وأحاطوه بما يستحق من التبجيل والتكريم ، وعرضوا عليه الأموال الطائلة للإقامة في ديارهم ، ولكن الرجل كان عفيف اليد ، عزيز النفس ، أبي الهمة ، لا يلتفت إلى الصغائر.
والحقيقة إضافة إلى حظوته في مجلس الشريفيَن ، وعلو شأنه بينهم ، تعرف على الشيخ حامد الأسفراييني كبير فقهاء الشافعية ، وعلى أغلب الظن - والشيء بالشيء يذكر - كان ابن زريق البغدادي الكرخي شافعي المذهب ، و من أصحاب هذا الأسفراييني ....
كان أبو العلاء يحضر ندوات الشعراء في جامع المنصور ، ويشارك الشعراء بشعره ، ويناقشهم ناقداً ومعلماً ومتعلماً ، وأخذ الفلسفة الهندية والفارسية ، وتأمل في حكمتيهما ، ولم يفته مجمع سابور بن أردشير (ت 416 هـ /1026م) ، وزير بهاء الدولة ابن عضد الدولة ، ومكتبته الشهيرة ما بين السورين (دار العلم) ، والتي أ ُحر ِقتْ ( 450 هـ) ، بعد دخول طغرل بك السلجوقي بسنتين ، ولابد أنك سمعت بقصيدة معرينا التي يقول فيها:
وعنـّتْ لنا في دار سابور قنية ٌ** من الورق مطراب الأصائل ِمهيال
فيا دارها بالحزن ِ,إنَّ مزارها ** قريبٌ , ولكن دونَ ذلك أهــــوال
وكان يحضر يوم الجمعة ندوة عبد السلام البصري ، صاحب خزانة الكتب ، وقرأ عنده ديوان تيم اللات وبعد أن اشتهر بين أهلها , وروى (سقط زنده) ، وشرح معناه ، فأخذ منزلته الرفيعة فيها ، وحدثت أيام زيارته اضطرابات وقلاقل ، وثار الجند بسبب ضعف الخليفة العباسي والسلطان البويهي ، وقد سبق أن ألمحنا إلى ما عاناه في حلبه و معرته ، مما حدا شاعرنا أن يتأفف من الأوضاع في القطرين المتجاورين :
إنَّ العراقَ وإنّ الشامَ مذ زمن ٍ ***قطران ما لهما للملكِ ســــلطانُ
ساسَ الأنامُ شياطينٌ مسلطة ٌ** في كلّ مصر ٍمن الوالين شيطانُ
أمّا الشريف كان شريف الطالبيين،منزلته توازي منزلة الخلافة رسميا ًوأكثرمنها اجتماعياً الشريف الرضي (ت 406هـ / 1016م) ، وهو الأخ الأصغر للمرتضى (ت 436 هـ / 1035م) , يخاطب الخليفة القادر قائلاً :
مهلاً أميرَ المؤمنبن فإننا *** في دوحةِ العلياءِ لا نتفرقُ
ما بيننا يومَالفخار ِتفاوتْ ** أبداً كلانا في المعالي مفرقُ
إلاّ الخلافة ميّزتك فإنني ***أنا عاطلٌ منها وأنتَ مطوّقُ
ومن رجالات عصره من الأعلام غير ممن مرّ ذكرهم
الدارقطني الحافظ ، الصاحب بن عباد، ، بديع الزمان الهمذاني ، أبو حيان التوحيدي، الماسرجسي ، والشعراء ابن الحجاج البغدادي ، وابن سكرة ، وأبو إسحاق الصابي...
وعلى العموم نستطيع أن نميز ثلاثة أقسام من شعراء عصره ، الشعراء والأدباء من الوزراء والأمراء والأعيان والكتاب والحجاب ، والشعراء المحترفون المرتزقة بالمديح ، أو التلويح بالهجاء ، أو الشعراء المتدرجون من الهواية والتعلم والممارسة حتى يصلوا لمرحلة الاحتراف ، وهنالك من يبقى على الهواية ، وحب الشعر للشعر ، ويبقى على مهنته الأصلية كأبي القاسم الخبز أرزّي الذي كان ييع خبر الأرز .
على ما يبدو لنا أن صاحبنا ابن زريق من القسم الثالث عجز أن يتكسب بالشعر في بغداد لجمود التكسب بالشعر أولاً ، ثم قلّ الاهتمام بالشعراء والأدباء ورعايتهم أصلاً في العصر البويهي، فلم تعد بغداد ساحة لأبي تمام والبحتري وأبي نؤاس وأبي العتاهية ودعبل وأبي حنيفة والكسائي ، ولا البصرة بقت منارة للجاحظ وبشار والأصمعي الفراهيدي وابن المقفع ومن قبل للفرزدق ...ولا الكوفة حافظت على مركزها ليسود فيها الصريع وأبو دلامة وابن العربي وابن السائب الكلبي وابن قتيبة وووو.....بغداد على الخصوص ، والعراق عموماً لم يعدا مرتعاً خصباً لطموحات النابغين والموهوبين ...!!
3 - الهجرة إلى بلاد الأندلس :
مهما يكن من أمر، ما بين الخوف من تقلبات الدنيا، وغدرها والأماني ، والعوز والفاقة و عشق الغواني ، والتجوال ما بين القصور والأزقة والمباني ، والأفكار والمعاني ، تفتق ذهنه بالرحيل من وطنه ، والتغرب عن أهله ، والهروب من عصره وزمنه البويهي ، وهو الكرخي الشافعي ، وكأنّي به ، يكرر البيتين المنسوبين للإمام الشافعي ( توفي 204 هـ) متأثراً بهما ، بل وضمنهما !! :
تَغَرَّبْ عَنِ الأَوْطَانِ فِيْ طَلَبِ العُلَى *** وسافِرْ ففي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِـدِ
تَفَرُّجُ هَـمٍّ، واكتِسَـابُ مَعِيْشَـــــــةٍ ***وَعِــــلْمٌ ، وآدابٌ، وصُحْبَـةُ مَاجِـدِ
وعلى أغلب ظني سافر شاعرنا عدة مرات متهجولاً قبل تملّك زوجه حسب نصّه، وخاب مسعاه ، وذهبت جهوده أدراج الرياح ، لذلك عندما همّ وكرّ مرّة أخرى ، وجد قيداً يقيّده ، وقراره مرهوناً بإرادة الحبيب ، وتلهف أقرب قريب ، فأخذت هذه الزوجه تلومه على فكرة تغربه وهجرته ، وثارت ثائرتها لطلبه المحال ، وحاله أحسن من حال ، وأنت الأدرى كيف كان شدّ الرحال هولاً من الأهوال ، تعجز عن تحمّله الرجال الجبال ، فكيف بفقير حال !! ، اقرأ معي رجاء ، وتأمل في الأبيات ، وما ذهبت إليه :
لا تَعـذَلِيـه فَإِنَّ العَـذلَ يُـولِعُـــهُ ****قَد قَلتِ حَقـاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَـعُـهُ
جـاوَزتِ فِي لومـهِ حَـداً أَضَـرَّ بِـهِ **مِن حَيـثَ قَـدَّرتِ أَنَّ اللوم يَنفَعُـهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً***** وَأَدمُعِـــــي مُستَهِـلّاتٍ وَأَدمُـعُهُ
ما آبَ مِن سَفَـــرٍ إِلّا وَأَزعَـــجَهُ *** رَأيُ إِلــى سَفَـــرٍ بِالعَــــزمِ يَزمَــعُهُ
إِذا الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيــلِ غِنىً ** وَلَو إِلى السَندِ أَضحى وَهُوَ يُقطــعُهُ
بقى صراخ زوجه ، وأدمعها ، وإطلالتها القمرية ، تفض مضاجعه ، في حلّه وترحاله ، عند مخدعه ، وإبان صحوته ، وضميره يحفّزه تارةً ، ويؤنبه أخرى :
إِنّـي لَأَقـطَـعُ أيّـامِـي وَأنفـقُـهـــا *****بِحَسـرَةٍ مِنــهُ فِي قَـلبِي تُـقَـطِّعُـهُ
بِـمَن إِذا هَـجَـعَ الـنُـوّامُ بِـتُّ لَـهُ ***** بِلَوعَـــةٍ مِنهُ لَيلي لَستُ أَهـجَـعُــهُ
لا يَطمِئـنُّ لِجَنـبـي مَضـجَعٌ وَكَذا ****** لا يَطمَئِـنُّ لَـهُ مُـذ بِنتُ مَضجَعُـهُ
فكّر بالغروب ، ولكن إلى أين الهروب ؟ بغداد ضاقت عليه برحابها ، وسعة أفقها ، زوجته تجرّه ، والمهر يكرّه ، والديون تلاحقه ، تتوارد الخواطر على ذهنه المتعب الكليل ، أألى الشام ، وحلبها المعطاء ، موئل المتنبي ، ومحط آمال الشعراء والأدباء حتى الفارابي ؟!! ولكن أين سيف الدولة ؟!، وقد بلعه الزمان ( 356 هـ) ، كما بلع من بعده سعد الدولة ( 382 هـ) ، وابنه أبا الفضائل ( 392 / 1002م ) ، وسقطت الدولة الحمدانية ، وهو طفل يحبو ، ثم توالى على الشهباء الفاطميون بلؤلؤهم ، والروم ، وصالح بن مرداس ، والقوم فوضى لا سراة لهم .
أمّا التوجه إلى مصر ، مشكلة فيها خطر ، مصر ليست مصر الخصيب حتى يذهب إليها ، كما ذهب إليها أبو نؤاس !! ، هنا الآن الحاكم بأمر الله المنصور الفاطمي ، حاكمهم السادس ، حكم ما بين (996 - 1021 م ) ، وكان طوال فترة حكمه على علاقة متوترة مع الخلافة العباسية ببغداد ، إذ أراد العباسيون الحد من نفوذه الإسماعيلي ، وخصوصاً ، وصل به الأمر أن يتقمص منزلة الإلوهية ، ومقام النبوة ، اقراّ ، كيف خاطب الشاعر الشهير ابن هانئ الأندلسي ( ت 363 هـ) الخليفة المعز لدين الله الفاطمي :
ما ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ* فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ
و كأنّما أنتَ النبيُّ محـــمّدٌ ****** وكأنّما أنصاركَ الانصارُ
أنتَ الذي كانتْ تُبشِّرنَا بهِ **** في كُتْبِها الأحبـــارُ والأخبارُ
كان الحاكم بأمر الله أكثر سلطوية ، وتعجرفاً ، وغروراً ووطموحاً من سلفه المعز ، لذلك زاد التوتر في العلاقات حتى قامت الخلافة العباسية بإصدار مرسوم شهير في عام 1011 وفيه نص مفاده أن الحاكم بأمر الله ليس من سلالة علي بن أبي طالب.
لأنّه رجل بغدادي كرخي ، شافعي المذهب ، ولربما من أقطابهم ، ضاقت به بفداد البويهية ، كما ضاقت بغيره من رجالات الأدب والشعر ، إلا كا أسلفنا للطبقة العليا من الوزراء والكتاب والأعيان ، أو المحترفين الكبار ، ولو أنّ عبقرياً بوزن أبي حيان التوحيدي ، هاجر أواخر حياته ، واضطر لأكل الحشائش ، أما بلاد الشام ، ومصر الكنانة ، فوقعا بين المرداسيين والفاطميين ، بعد سقوط دولتي الحمدانيين والأخشيديين ، توهم أن أصلح الحلول التوجه لبلاد الأندلس بقايا الأمويين ، وحضارتهم المزدهرة الثرية ، الخصبة ، وما درى :
إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة **** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ
في عصره حكم قرطبة :
عبد الرحمن المرتضى ، حكم ما بين 1021- 1022 م
- عبد الرحمن بن هشام المستظهر بالله ، حكم ما بين 1022 - 1023 م
- محمد المستكفي ، حكم ما بين 1023 - 1024 م/ 414 - 416 هـ ،أبو عبد الرحمن
وهوالخليفة الحادي عشر للأندلس
ولاّه أهل قرطبة الخلافة بعد مقتل المستظهر بالله في 3 ذي القعدة 414 هـ، وظل خليفة لنحو عام ونصف أمضاها في إرضاء شهواته، إلى أن بلغته أنباء زحف جيش يحيى المعتلي بالله على قرطبة، فغادرها متخفيًا في زي امرأة في 25 ربيع الأول 416 هـ، ثم قتله بعض مرافقيه في رحلة فراره في 12 ربيع الآخر 416 هـ ظنًا منهم أنه يحمل مالاً
- هشام بن محمد المعتد بالله ما بين 1027 - 1031 م
4 - موته كمدا ، وكدراً ... أو قتل خلسة ...كابن هانئ الأندلسي من قبله ...!!
أ- لماذا تذهب بي الظنون أن ابن زريق قد قتل خلسة ...!!
بقي المعتد بالله العامين الأولين من خلافته في ألبونت، ثم انتقل إلى قرطبة في ذي الحجة 420 هـ. في خلافته، كان الأمر والنهي لرجل من وزرائه يدعى الحكم بن سعيد القزاز، الذي أساء معاملة القرطبيين، واستأثر بكل سلطة. فاستغل أمير أموي يدعى أمية بن عبد الرحمن بن هشام بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر والمعروف بالعراقي غضب القرطبيين، وفتك بالحكم القزاز في ذي القعدة 422 هـ، ثم هاجم القصر هو والعامة، ففر منه المعتد بالله بأهله، وهو يناشد المهاجمين حقن دمه. ثم رأى أهل قرطبة إبطال الخلافة بالكلية ،فخلعوا هشام في 12 ذي الحجة 422 هـ، ونفي جميع الأمويين من المدينة. أما هشام المعتد بالله فلجأ إلى جوار سليمان بن هود صاحب لاردة حتى توفي في صفر 428 هـ
في مثل هذه الظروف القلقة ، الحرجة ، المضطربة ، ما بين الكراهية والولاء للأمويين ، يأتي رجل من آخر الدنيا ، بل من العراق ، ومن بغداد بالذات ، وبغداد وما أدراك ما بغداد في ذلك العصر ، ؟ وهيمنتها السياسية ، فهي عاصمة العباسيين ، ومنزلتها الروحية لدى العرب والمسلمين ، يأتي هذا الشاعر من البعيد المقدس ليمدح خليفة مزعزعاً ، واهياً ، له من الإعداء ما له ، بل لبيت الخلافة كلّه ، ففي تلك الأيام سقطت الخلافة بسبب ثورة البربر ونشوء ملوك الطوائف الذين قسموا الدولة إلى أكثر من 12 دويلة، منها غرناطة وإشبيلية والمرية وبلنسية وطليطلة وسرقسطة والبرازين وبطليوس......
وعلى ما يبدو لي حسّ الرجل بالمخاطر المحيطة به ، وأنياب المنايا تلاحقه ، فسكب في ليلة ليلاء كل لواعج النفس ، وخوالجها في لحظات ملهمة مشبّعة بصدق العاطفة ، وحرارة الشوق للذكريات والحنان ، ومرّت عليه صرخات الوداع ، ووجه القمر المّاع ( وتنسب الأبيات لغيره ، وضمنها) :
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغــــدادَ لِي قَمَــراً***** بِالكَرخِ مِن فَلَـــكِ الأَزرارَ مَطلَــعُهُ
وَدَّعتُــــهُ وَبـــوُدّي لَــــو يُوَدِّعُـــنِي*** صَفــوُ الحَيــــاةِ وَأَنّـــي لا أَودعُـهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً***** وَأَدمُعِـــــي مُستَهِــــــلّاتٍ وَأَدمُــعُهُ
الله الله على هذه الرقّة التعبيرية ، والصياغة البلاغية ، والتخيلات الشاعرية...
نعم ربّما مات كمداً وهمّاً ، وهذا احتمال أراه بعيداً ، لأن العاشق الشاعر الولهان ، لا يغلق أبواب الأمل ، والغريزة تدفعه للحياة ، لا للموت ...!! وهذه القصيدة الخالدة ، لا يمكن أن تختلج في نفس عاجزة ، يائسة ، قانطة من الحياة ، بل كلها نبض وحيوية ، وجمال ، وعشق وحياة ... على أغلب ظني ، أن شاعرنا الخالد لقى نفس مصير ابن هانئ الأندلسي الذي وُجِد في سانية من سواني برقة مخنوقاّ بتكة سراويله ...!!
5 - القصيدة الواحدة الخالدة ، وتنسب له قصيدة أخرى :
تفنن الأدباء ، ومؤرخوهم في كيفية تقديم هذه الخريدة الفريدة لقرائهم ، ومتذوقي الشعر، فقيل عنها ( اليتيمة ) ،لأن الشاعر تركها لوحدها ، ونعتوها بـ (الفراقية) ، لأن بعدها تمّ الفراق ، والآخرون قالوا ( عينية ابن زريق) ، وهي تسمية مألوفة كلاميتي العرب والعجم ، وسينية البحتري ، ونونية ابن زيدون ، واشتهرت بـ ( لا تعذليه) ....إليك إياها ، و رفقاً بها ...
من البسيط
1 - لا تَعــــذَلِيه فَإِنَّ العَــــذلَ يُولِعُـــهُ***قَد قَلــتِ حَقاً وَلَكِـــن لَيـــسَ يَسمَـعُهُ
2 - جاوَزتِ فِي لَومـهِ حَـداً أَضَرَّبِــهِ **** مِن حَيثَ قَدّرتِ أَنَّ اللـَــــومَ يَنفَـــعُهُ
3 - فَاستَعمِلِي الرِفـق فِي تَأِنِيبِهِ بَــدَلاً ****مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
4 - قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُــــهُ*****فَضُيَّقَت بِخُطُـــوبِ المَهــرِ أَضلُـعُهُ
5 - يَكفِيهِ مِن لَـوعَةِ التفنيـــدِ أَنَّ لَــهُ*** مِـنَ النَـــوى كُـــلَّ يَـــومٍ ما يُروعُـــهُ
6 - ما آبَ مِن سَفَـــرٍ إِلّا وَأَزعَـــجَــهُ***** رَأيُ إِلــى سَفَـــرٍ بِالعَــــزمِ يَزمَـــعُهُ
7 - كَأَنَّما هُــوَ فِي حِـــلِّ وَمُرتحَـــلٍ ****** مُوَكَّــــلٍ بِفَضـــــاءِ الأَرضِ يَذرَعُـهُ
8 - إِذا الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيــلِ غِنىً **** وَلَو إِلى السَندِ أَضحى وَهُوَ يُقطــعُهُ
9 - تأبى المطـــامعُ إلا أن تُجَشّــــمهُ **** للـــرزق ســعياً ولكـن ليس يجمَــعُهُ
10 - وَما مُجاهَدَةُ الإِنســـانِ تَوصِـــلُهُ ****رزقَاً وَلادَعَــــــةُ الإِنســـانِ تَقطَـعُهُ
11 - قَد قسَّــمَ اللَهُ بَينَ الخَـلقِ رزقَهُمُ **** لَم يَخلُــــق اللَهُ مخلـــــوقاً يُضَيِّـــعُهُ
12 - لَكِنَّهُـم كُلِّفُـوا حِـرصـاً فلَستَ تَـرى***** مُستَرزِقـاً وَسِـوى الغاياتِ تُقنُعُـهُ
13-وَالحِرصُ في الرِزقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت * بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغـيَ المَرءِ يَصـرَعُـهُ
14 - وَالدهـرُ يُعطِـي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُـهُ *** إِرثاً وَيَمنَعُـهُ مِن حَيثِ يُـطمِعُــهُ
15 - اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغــــدادَ لِي قَمَــراً***** بِالكَرخِ مِن فَلَـــكِ الأَزرارَ مَطلَــعُهُ
16 - وَدَّعتُــــهُ وَبـــوُدّي لَــــو يُوَدِّعُـــنِي*** صَفــوُ الحَيــــاةِ وَأَنّـــي لا أَودعُـهُ
17 - وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً***** وَأَدمُعِـــــي مُستَهِــــــلّاتٍ وَأَدمُــعُهُ
18 - لا أَكُذبُ اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ **** عَنّــــــي بِفُـــرقَتِــــهِ لَكِــن أَرَقِّــــعُهُ
19 - إِنّي أَوَسِّـعُ عُـذري فِي جَنـايَـتِــهِ ******بِالبينِ عِنــهُ وَجُـرمـي لا يُوَسِّعُـهُ
20 - رُزِقـتُ مُـلكـاً فَلَم أَحسِـن سِيـاسَتَـهُ **** وَكُلُّ مَن لا يُسُـوسُ المُلكَ يَخلَعُـهُ
21 - وَمَن غَـدا لابِسـاً ثَـوبَ النَعِـيـم بِلا ******* شَـكـرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنـزَعُـــهُ
22 - اِعتـَضـتُ مِن وَجـهِ خِـلّي بَعدَ فُرقَتِهِ *****كَأسـاً أَجَـرَّعُ مِنهـا ما أَجَـرَّعُـهُ
23 - كَم قـائـِلٍ لِي ذُقـتُ البَينَ قُـلـتُ لَهُ ****** الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبـي لَسـتُ أَدفَـعُــهُ
24 - أَلا أَقـمـتَ فَـكـانَ الـرُشـدُ أَجمَعُهُ ******* لَو أَنَّنِي يَـومَ بانَ الـرُشـدُ اتبَعُــهُ
25 - إِنّـي لَأَقـطَـعُ أيّـامِـي وَأنفـقُـهـــا *******بِحَسـرَةٍ مِنــهُ فِي قَـلبِي تُـقَـطِّعُـهُ
26 - بِـمَن إِذا هَـجَـعَ الـنُـوّامُ بِـتُّ لَـهُ ****** بِلَوعَـــةٍ مِنهُ لَيلي لَستُ أَهـجَـعُــهُ
27 - لا يَطمِئـنُّ لِجَنـبـي مَضـجَعٌ وَكَذا ******* لا يَطمَئِـنُّ لَـهُ مُـذ بِنتُ مَضجَعُـهُ
28 - ما كُنتُ أَحسَـبُ أَنَّ الدهـرَ يَفجَعُـنِي ***** بِهِ وَلا أَنَّ بِـي الأَيّــامَ تَـفجـعُــهُ
29 - حَتّى جَـرى البَينُ فِيما بَينـَنـا بِيَـدٍ ***** عَسـراءَ تَمنَعُـنِي حَـظّـي وَتَمـنَعُـهُ
30 - قَد كُنتُ مِن رَيـبِ دهرِي جازِعاً فَرِقاً ** فَلَم أَوقَّ الَّذي قَد كُـنـتُ أَجـزَعُــهُ
31 - بِاللَهِ يا مَـنـزِلَ العَيشِ الَّذي دَرَسـت *******آثـارُهُ وَعَـفَـت مُـذ بِنـتُ أَربُعُـهُ
32 - هَـل الـزَمـانُ مَعِيـدُ فِيـكَ لَذَّتُـنــــــا *****أَم اللَيالِي الَّتـي أَمضـَتـهُ تُـرجِعُــهُ
33 - فِي ذِمَّـةِ اللَهِ مِن أَصبَـحَـت مَنزلَهُ****** وَجـادَ غَيثٌ عَلى مَغـنـاكَ يُمـرِعُــهُ
34 - مَن عِنـدَهُ لِي عَهـدُ لا يُضـيّـعُـــــهُ***** كَمــــا لَهُ عَهـدُ صِـدقٍ لا أُضـَيّـِعُــهُ
35 - وَمَن يُـصَـدِّعُ قَـلبـي ذِكـــــــرَهُ وَإِذا*****جَـــــرى عَلى قَلبِـهِ ذِكـرييُصَـدِّعُـهُ
يذكر الرواة أن شاعرنا العملاق مدح أحد الأمراء بقصيدة عصماء ، وهذا مما لا أشكّ فيه ،وإلا لماذا تجشم عناء السفر والتغرب ، ولأن مَن ينظم مثل هذه القصيدة الخالدة لقادر على نظم غيرها ، وغيرها ، ولاريب له قصائد أخرى نظمها في بغداد قبل رحيله وهجرته ، ولكن عصره كان ميتاً جامداً ، كاد أن يضيع فيه أكبر عبقري في تاريخنا النثري ، وأعني أبا حيان التوحيدى ، بالرغم من وجوده ببطون الكتب ، وذكره الحموي بإجلال ، وأشار إلى عبقريته الفذة المستشرق السويسري الألماني آدم متز ... ، آخر حياة هذا التوحيدي ، هرب لبلاد فارس ، واضطر لأكل الحشيش ، ثم قصة ألف ليلة وليلة ، ظهرت في عصر شاعرنا ، من مؤلفها ، أو مؤلفيها ؟!!!! ولا تندهش عندما أقول : ربما ابن زريق البغدادي ، اسم مستعار لشاعر كتب عنه الرواة ، وأغفل ...!!
أما رواية طلب الأمير من عماله أن يذهبوا إلى الخان الذى يعيش فيه ابن زريق ليطمئنوا عليه .. فإذا بهم يجدوه ميتاً تكسو ملامحه الحزن .. وعلى جسدة غلالة رقيقة مهلهلة وبجوارة رقاقة جلد مكتوباً عليها هذه القصيدة الرائعة . التى يشكو فيها نفسه لنفسه مجسدة مشاعر الألم والندم والحنين ... فهذه الرواية أشك في صحتها ، إنها موضوعة للتغطية عن أمرٍ ما ، أو أمور شتى ، منها مقتله خلسة ...!! ما كل في تاريخنا تاريخ ، والله أعلم بخفايا الأمور وأسرارها .
6 - القصيدة والشاعر وبعض ما أورد مؤرخو الأدب حولهما :
أ - المستشرق الألماني كارل بروكلمان هو الذي حدد تاريخ وفاته سنة 420 هـ في تاريخ أدبه العربي .
ب - معاصره أبو حيان التوحيدي (310 - 414 هـ / 922 - 1023 م) ، ينقل بيتين من قصيدة ابن زريق في ( إمتاعه ومؤانسته) ، ولم ينسبهما لأي أحدٍ ، والرجل مات قبل رحلة ابن رشيق لأندلسه ...!! والبيتان هما:
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغــــدادَ لِي قَمَــراً***** بِالكَرخِ مِن فَلَـــكِ الأَزرارَ مَطلَــعُهُ
وَدَّعتُــــهُ وَبـــوُدّي لَــــو يُوَدِّعُـــنِي*** صَفــوُ الحَيــــاةِ وَأَنّـــي لا أَودعُـهُ
ج - معاصره صاحب ( يتيمة الدهر في شعراء أهل العصر) : عبد الملك بن محمد بن إسماعيل (350 هـ - 429 هـ / 961 1038م) الذي يُعرف بأبي منصور الثعالبي النيسابوري ، ينسب أربع أبيات من قصيدة ابن رشيق البغدادي للوأواء المشقي ، وهو : أبو الفرج محمد بن أحمد الغساني الدمشقي (المتوفي 385 هـ) ، أي ربما توفي قبل ولادة شاعرنا البغدادي ، والثعالبي ثقة ، حجة في تاريخ الأدب ، والأبيات هي :
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغــــدادَ لِي قَمَــراً***** بِالكَرخِ مِن فَلَـــكِ الأَزرارَ مَطلَـعُهُ
وَدَّعتُــــهُ وَبـــوُدّي لَــــو يُوَدِّعُـــنِي*** صَفــوُ الحَيــــاةِ وَأَنّـــي لا أَودعُـهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً***** وَأَدمُعِـــــي مُستَهِــــــلّاتٍ وَأَدمُــعُهُ
لا أَكُذبُ اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ **** عَنّــــــي بِفُـــرقَتِــــهِ لَكِــن أَرَقِّــــعُهُ
وثبّت الدكتور سامي الدهان محقق ديوان الوأواء الأبيات الأربعة في وصلات تابعة للديوان ، وليس في الأصل ، وهذه لا تقلل من شأن رائعة ابن رشيق الخالد ، وربما الشاعر نفسه ضمنها لقصيدته ، أو ألحقت بها من بعد لتشابه البحر والقافية ...!!
د - في ( الوافي بالوفيات ) لصلاح الدين الصَّفديّ : هو صلاح الدين أبو الصَّفاء خليل بن أيبك بن عبد الله الألبَكِي الفاري الصَّفديّ الدِّمشقيّ الشَّافعيّ. (صفد، 696 هـ - دمشق، 10 شوَّال 764 هـ) ، يذكر عن شاعرنا ، وقصيدته ما يستحق الذكر والتعقيب ، يقول : )
علي بن زريق
ابن زريق الكاتب علي بن زريق، الكاتب البغدادي، له القصيدة التي مدح بها العميد أبا نصر وزير طغرلبك التي قال فيها أبو عبد الله الحميدي: قال لي أبو محمد علي بن أحمد ابن حزم : يقال : من تختم بالعقيق، وقرأ لأبي عمرو وتفقه للشافعي، وحفظ قصيدة ابن زريق، فقد استكمل الظرف. والقصيدة المذكورة : من البسيط :
لا تعذليه فإن العذل يولعه *** قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه
ينقل القصيدة ، ويقول بعد ختامها :
وقلت: وقد مر في ترجمة أحمد بن جعفر الدبيثي له قصيدة في وزنها ورويها، وأراها أحسن من هذه .
قال يرثي ديكاً : من الكامل
خطب طرقت به أمر طروق*** فظ الحلول علي غير شفيق
فكأنما نوب الزمان محيطة*****بي راصدات لي بكل طريق
انتهى النقل ، نعقب على قوله :
قصيدة ابن رشيق ( لا تعذليه) ، ليست فيها أي لمسة مدح لأي كان سوى خوالج نفسية ، ومشاعر عاطفية ، يشكو غربته ، وضنك عيشه ، وقلة رزقه ، ولوعة تغربه ، وشدّة شوقه ... ثم ذكر - كما ذكرنا - أبو حيان التوحيدي بيتين منها ، والثعالبي أربعة أبيات ، وهذا الوزير السلجوقي توفي 456 هـ ، كما يثبت ابن خلكان في (الوفيات) .
أمّا ما يرتأيه الصفدي أن قصيدة أحمد بن جعفر الدبيثي أحسن من قصيدة ابن زريق ، فهذا موكول للذوق العربي الذي خلّد قصيدة شاعرنا البغدادي بما لا يمكن القياس .
فصيدة رثاء الديك طويلة ، ولم أعثر على من نسبها إلى ابن زريق غيره ، وإن كانت له ، لا تجعلنا نتردد في اعتباره من شعراء الواحدة الواحدة ...!!
هـ - يذكر الثعالبي في (يتيمته ) ، والحموي في ( معجم بلدانه) ، ويشير كذلك ابن خلكان في ( وفياته) ، إلى شاعر وكاتب آخر يكنى ( أبو محمد ابن رشيق الكوفي الكاتب )، عاش في القرن الرابع الهجري .
و - اهتم العلماء بقصيدة ابن زريق فعارضوها وخمسوها وشرحوها؛ فممن عارضها أحمد بن جعفر الواسطي، وخمسها أحمد بن ناصر الباعوني، وشرحها علي بن عبد الله العلوي وولي الدين يكن
7 - - " لا تعذليه " الفراقية فيها ملامح من قصيدة المتنبي في رثاء جدته الفجاعية :
العلاقات الإنسانية الوجدانية المتراكمة في العقل الباطن ، أو الواعية بعقلها الظاهر قد تغربل الغرائز الجنسية ، وتخمدها لحين ، لأن الغريزة الجنسية تحتاج لزمن زاهٍ ، صاف ، خالٍ من الهموم و الأكدار ، فتبقى المشاعر الإنسانية الراقية من حنان حنون ، وذكرى طيبة ، وموقف نبيل ، وتضحية صادقة ، وصداقة صدوقة ، وعلاقة حميمة هي العالقة في الضمير والوجدان ، مهما كانت رابطة العلاقة الإنسانية ، بين زوج وزوجته كحالة ابن زريق ، أو بين أب وابنه كحالة ابن الرومي ، أو أبي الحسن التهامي ، أو بين أخ وأخيه كالجواهري وجعفر ، أو بين حفيد وجدته كحالة المتنبي العظيم ، افرأ ما يدور في خوالج متنبينا عند وفاة جدته ، إذ كان في غربته وتغربه :
ألا لا أرى الأحداث حمدا ولا ذما** فما بطشها جهلا ولا كفها حلما
إلى مثل ما كان الفتى مرجع الفتى ***يعود كما أبدي ويكري كما أرمى
لك الله من مفجوعة بحبيبها *** قتيلة شوق غير ملحقها وصما
ولو قتل الهجر المحبين كلهم *** مضى بلد باق أجدت له صرما
منافعها ما ضر في نفع غيرها *** تغذى وتروى أن تجوع وأن تظما
عرفت الليالي قبل ما صنعت بنا ***فلما دهتني لم تزدني بها علما
طلبت لها حظا ففاتت وفاتني ***وقد رضيت بي لو رضيت بها قسما
وما انسدت الدنيا علي لضيقها *** ولكن طرفا لا أراك به أعمى
فوا أسفا أن لا أكب مقبلا *** لرأسك والصدر الذي ملئا حزما
تغرب لا مستعظما غير نفسه *** ولا قابلا إلا لخالقه حكما
ولا سالكا إلا فؤاد عجاجة *** ولا واجدا إلا لمكرمة طعما
يقولون لي ما أنت في كل بلدة *** وما تبتغي ما أبتغي جل أن يسمى
وجاعله يوم اللقاء تحيتي *** وإلا فلست السيد البطل القرما
إذا قل عزمي عن مدى خوف بعده *** فأبعد شيء ممكن لم يجد عزما
المتنبي لم يكم بعيداً في زمنه عن ابن زريق البغدادي ، وإن لم يتعاصرا ، فهما عاصرا البويهيين ( المتنبي توفي ( 354 هـ / 965 م) وابن زريق توفي( 420 هـ / 1029م) الفارق بين وفاتيهما 64 سنة ميلادية فقط ، كلاهما عاصر البويهيين في بغداد كما قلنا ، ولكن المتنبي وجد ملاذاً عند سيف الدولة الحمداني المتوفي ( 356هـ/ 967م) ، وكان بلاطه يعج بالأدباء والشعراء ، ، وكانت مصر تحت حكم الأخشيديين ، ومدح كافورهم ، ، وعضد الدولة البويهي وبغداد هي بغداد ، والمتنبي لو عرف بحال ابن زريق البغدادي ، لما قال قوله :
غَاضَ الوَفَاءُ فَما تَلقاهُ في عِدَةٍ **وَأعوَزَ الصّدْقُ في الإخْبارِ وَالقَسَمِ
سُبحانَ خالِقِ نَفسي كيفَ لذّتُها ******فيـــما النّفُوسُ تَراهُ غايَةَ الألَمِ
ألدّهْرُ يَعْجَبُ من حَمْلي نَوَائِبَهُ *****وَصَبرِ نَفْسِي على أحْداثِهِ الحُطُمِ
وَقْتٌ يَضيعُ وَعُمرٌ لَيتَ مُدّتَــــهُ *****في غَــــيرِ أُمّتِهِ مِنْ سالِفِ الأُمَمِ
أتَــــــى الزّمَانَ بَنُوهُ في شَبيبَتِهِ ********فَسَرّهُمْ وَأتَينَاهُ عَلى الهَــــــرَمِ
الله يسامحك يا أبا الطيب ، دعنا عن ابن زريق ، فقد خلده الدهر ، كما خلّدك ، وأنت الأعظم ، ولكن ما أبقيت لنا ، وقد ختمته بالهرم ، وكان امرئ القيس نفسه ، أقرب لك ، منا إليك ، آخ يا زمن ، ويا زمان الوصل بالأندلسِ .....!!! يكفينا والسلام .
كريم مرزة الأسدي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع والمصادر :
() دولة الإسلام في الأندلس: عنان، محمد عبد الله الجزء الأول. مكتبة الخانجي، القاهرة.(1997).
( ) البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب : ابن عذاري، أبو العباس أحمد بن محمد (1980).. دار الثقافة، بيروت
() معجم البلدان : ياقوت الحموي ، بيروت دار احياء التراث العربي 1979م
() معجم الأدباء : ياقوت الحموي:، دار القمر للطباعة والنشر والتوزيع1980م
() الشعر بين التطور والجمود في العصرين البويهي والسلجوقي رسالة دكتوراه
نجاة محمد عبدالماجد العبَّاسي - المملكة العربية السعودية - جامعة أم القرى - كلية اللغة العربية - المشرف د. محمد نبيه حجاب - العام 1409 هـ / 1989م
() الوافي بالوفيات : الصفدي - 6 / 396 - - الوراق - الموسوعة الشاملة -
http://www.alwarraq.com
() معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة الجزء الاول - الناشر مكتبة المثنى - بيروت دار إحياء التراث العربي بيروت
() رسائل ابن حزم الأندلسي : ابن حزم - المحقق : إحسان عباس المؤسسة العربية للدراسات والنشر- 1980م - بيروت.
() مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي - عينية ابن زريق مجلة الشعر يناير 1976 القاهرة العدد الأول.
() تاريخ الأدب العربي : كارل بروكلمان ، الملحق 1 /133
يرى المستشرق الألماني كارل بروكلمان أنه توفي 420 هـ
() يتيمة الدهرأبو منصور الثعالبي 1 / 293 تحقيق الشيخ محيي الدين عبد الحميد ط 2 ينسب أربع أبيات استوع وثلاثة بعده إلى الوأواء الدمشقي المتوفي 385 هـ فقد يكون ابن رشيق ضمنهما
() يتيمة الدهر : الثعالبي - 1 /91 - موقع الوراق - الموسوعة الشاملة .
http://www.alwarraq.com
() ديوان المتنبي : أحمد بن حسين الجعفي المتنبي أبو الطيب - دار بيروت للطباعة والنشر - - 1403 هـ - 1983 م .
() تاريخ الأدب العربي ؛ عمر فروخ - دار العلم للملايين، بيروت.
() ديوان الوأواء الدمشقي : أبو الفرج محمد بن أحمد الغساني المشهور بالوأواء الدمشقي - عني بنشره وتحقيقه ووضع فهارسه د. سامي الدهان ، دار صادر ، بيروت ، ط 2 ، 1414 هـ / 1993 م.
() الموسوعة الحرة : عدة عناوين لها علاقة بالبحث .
https://ar.wikipedia.org/wiki/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق