تمهلي أيتُها الحبيبةُ تمهلي/ الأب يوسف جزراوي

 أديلايد 25/4/2016
     
يشتاقُ قلبي لحبيبةٍ قديمةٍ،  يفوحُ منها عَبقُ الحضارةِ العتيقةْ. الذكرياتُ تؤرُقني كُلّما عانقتُ وسادةَ  الليلِ المسلوبِ، تُعلقني على ألفِ جُلجُلةٍ وجُلجُلةٍ كالمصلوبِ.
اشتاقُ لحبيبةٍ....أسمُها موطني، عيناها خارطتي، تاريخُها تكويني وإنتمائي. كَم وكَم بكتها شموعُ صلاتي، مُذ دقت أسفينَ الوداعِ في نعشِ لقائي.
تتساقطُ دموعُ الإشتياقِ على مسوّدةِ كتاباتي المبعثرةِ، بين شفقٍ وغسقٍ،  تنسابُ من عينٍ ساهرةٍ، انهكتهَا محطاتُ  السفر.
يتراقصُ أمامي طيفُها، كلوحةٍ مُعلّقةٍ في الهواءِ الطلق، كاهتزازِ  اوراقِ الشجر، على  ايقاعِ العواصفِ ولحنِ المطر.
قلبي رمادٌ، لا يُدفئ ولا يُضيء. عيني مُتعبةٌ جدًا، ترمشُ كثيرًا، علّها تكنسُ ذلك الطيفَ عن  بؤبؤِ  النظر، وعبثًا أُعاينُ ملامحَ قديستيِ  بنّظّارةِ.... الغربةِ ، كملاحٍ.. يتطلعُ لغريقٍ في لُجّةِ البحر.
تمهلي أيتُها الحبيبةُ ....تمهلي وأمعِني النظر، بحالِ من طالَ بهِ الهجرُ والسهرْ، فذكراكِ غفتْ بِقُربي على ارصفةِ المهجر، وحكايةُ عشقِنا رنمتهَا  عصافيرُ ...النهر.
أيتُها الحبيبةُ
عقاربُ الساعةِ تسارعُ الخطى،
تودعُ اعوامًا وأنا بنيرانِ الفُراقِ اتلظى.
اغزلُ من جدائلِ الأيامِ ثوبَ المُلتقى.
أجوبُ الطُرقاتِ لافتشَ عن محلِ لقائِنا المُعتق.
 فمنذُ بحتُ لكِ بحبيَ المُطلق.
و فرحتي مُعتقلةٌ خلفَ قضبانِ صمتِكِ المُطبق.
في ليلٍ اهيم، ضجيجُ السياراتِ في الشوارعِ بدأ يخفتُ وزعيقُ الناسِ أخذ يتلاشى.
 خلفَ الأبوابِ غزلُ الأحبابِ؛ وأنا الولهانُ المُتيّمُ، اتشردُ مع ظلّي على غيرِ خُطى، مُترنحًا، مطعونًا  بحبِّ من تناسى ومشى.
غصَّةٌ في فميِ، وجمرةٌ في صدري، واللظىْ يكوي احشائي، على حبيبةٍ جعلتني مُشردًا اهيمُ على وجهي، وفي قلبي قارةٌ من الكلماتِ، عن غربةٍ طويلةٍ، جعلتني اتوهُ لوحدي في الازقةِ، واضعًا يديَّ المُتجلدتينِ في جيبِ بنطالي، اسمعُ وقعَ خطواتي الهادئةِ المُترنحةِ الثقيلة، مخنوقًا  بذكرياتِ ليالينا الجميلة.
فتمهلي... وتحنني .... وترأّفي ، بحالِ كاهنٍ بلغَ به الحنينُ الزُبى.
ومضى بهِ الشوقُ بطريقٍ على غير  هُدى.
       اتجولُ شاردَ الذُهنِ، أفكرُ بك، وليس في فكري مكانُ أمضي إليهِ أو استرخي فيهِ . أتطلعُ إلى الأرضِ. أركلُ بقدمي كلّ شيءٍ اراهُ أمامي، أُنقبُ عن حبيبةٍ علقتني كصورةٍ على جدرانِ الاشتياقِ. أبحثُ عنها هنا وهناك، كبحثِ أبٍ عن إبنهِ الضائعِ، ولوعةِ أمُّ.... تفتشُ عن إبنتهاِ المفقودةِ في ليلٍ شديدِ الدُجى.
وما أدراكِ أيُتها الحبيبةُ الصامتةْ، ما هو التسكعُ في لياليِ المهجرِ المُظلمةْ، سيّما وأنينُ الحبِّ يرمي الحبيبَ بحنينٍ، يذبحهُ من الوريدِ إلى الوريدْ.
فتحنني وكفاكِ تجاهُلاً.... انسيتِ أنني اودعتُ فيكِ حبلَ مشيمتي ومهدَ طفولتي، وشاهدَ قبرِِ أبي. 
قولي ، أُنطقي، اهمسي، كفاكِ صمتًا، فقد طالَ زمنُ تشرُديِ.

ولان الصمتَ  اشتكى من صمتِكِ. علقتُ صورتــــَكِ على جدرانِ الروحِ وفرشتُ لكِ في القلبِ سريرًا ، لاكحلَ عيني برويتكِ.
     بغدادُ.... يا بغداد، حكايةُ حُبٍّ لم تكتمل هي حكايتُنا، بيد أنّ عصافيرَ الحُبِّ الارجوانيّةَ ستشدو في  يومٍ ما قصّةَ عشقي لكِ، بعد أن عزفتُ ببراءةِ الطفلِ وجمالِ الزهرةِ ورقةِ النسيمِ على قيثارةِ الغربةِ، ألحانَ حنيني البغداديّة ، مُرتلاً في صوامعِ الأدبِ وهياكلِ الصلاةِ مزاميرَ  الكهنوتِ الأزليّةِ الأبديّةِ. 
فتشجعي .... وبوحي بكلمةٍ لا أكثر،
حروفُها:
أ،ح ، بـــــــ، ك.
تكلمي ....إنّها كلمةٌ لا أكثر
لاستعيدَ..... الفرحَ  والنظر.
كفرحِ الليلِ بضياءِ القمر
بغدادُ .... اجيبيني:
 اصائمةٌ  أنتِ  عن حُبّي أم مللتِ غزلَ قلمي بكِ، أم أنتِ سيّدةٌ تهوى وليس لها لسانٌ يُبادلني الحُبَّ السرمدي العذري؟
بغدادُ، يا عروسَ الشرقِ، وتاج قلبي
تكلمي .....تكلمي  واخرجي  من صمتِكِ،
كفاكِ جَفاءً، فالصبرُ ملَّ  من صبري.
ولأن الغربةَ تكادُ تسرقُ  مني صهيلَ الكلماتِ، أُناجيكِ قائلاً:
بغدادُ....أنتِ حبيبتي.... فها أنا ....أما زلتِ تذكرينَ مَن أنا؟.
بغدادُ ......ها أنا أما زلتي تذكرينَ مَن أنا؟
أُنطقي ....أُنطقي....فالعمرُ قد مضى
قولي ....نعم. وكفى.
أجل.... أنُطقي.... أُنطقي فالعمرُ  مضى
قولي: نعم..... وكفى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق