1 - مدخل :
تقول الشاعرة سناء الحافي من البحر الكامل :
خذني إليكَ ، أما كفى هذا الجفا ؟!!**فرحي توارى في بعادك واختفى
في وحدتي أضحى غيابك آفــةً *** تدمي ضلوعي ليت قلبك قد صفا
ليس الذي عانيتُ منه هيّنــــا **** ذنبٌ ... وما أحلى الكريم إذا عفا
ارحم فؤاداً كنت يوماً نبضــــهُ ***** لا زال ينبضُ بالمــودة والوفــا
إنّي لأعجب كيف أنّي لم أمــتْ ****من بعد هجرك ...عدْ إليَّ فقـد كفى
أ . سناء الحافي : إعلامية، شاعرة ، كاتبة ، ناشطة .
2 - المقدمة :
ليس واحدة بواحدة ، ولو أن ردّ الفضل بالفضل أفضل ، ولكن لم أتقصد الأمر أن تكون السناء انتصاراً للمرأة العربية ، كردّ جميل على حوارها المطول معي بحلقتين لصالح جريدة ( الحقيقة العراقية ) الصادرة من بغداد وذلك في الفترة ما بين 6 - 11 / 11 / 2013 م ، وربّما جاءها الإيعاز من رئاسة إدارة وتحرير الصحيفة الغراء لإجراء الحوار معي ، لأنّ من متابعتي لمسيرة الجريدة حينذاك ، ونباهتي لمواضيعها ، لمست هنالك توجّه للتركيز على الشعراء والأدباء العراقيين ، لاسيما المغتربين منهم ، وفعلاً أجرت الجريدة الموقرة عدّة حوارات من قبل ومن بعدُ مع شعراء آخرين ، ولاريب هذه مبادرات وطنية وذكية مشكورة ، لتفعيل التواصل الثقافي بين عراقي الخارج وعراقي الداخل - كما يقولون - وقد قدمت المحاورة الكريمة على لسان الجريدة ما يلي للدخول الحوار :
" عدد اليوم من صحيفة (الحقيقة ) نستضيف على مائدة الحوار شاعرا و ناقدا و باحثا عراقيا ، بزغ وهجه من النجف الأشرف ليمتد به إلى أقاصي عوالم الأدب، فاعتلى عرش النقد بكل جدارة ، و عانق الشعر بحبٍ و شغفٍ ...حريص على جودة الكلمة و غيور على قيمتها أكثر من مجايليه من الأدباء...و من مشيئةٍ توقظ لون التميز الإبداعي غاص في بحور الشعر دراسة و تحليلا ليقدّم القصيدة وفق ما تستحقه من قداسة التراث و البلاغة ،ضيفنا الشاعر و الباحث كريم مرزة الأسدي ،صدرت له عدة ...."
زمان طويل مضى ، ولا أخفيك سرّاً ، أحمل في فكري رغبة ملحة للكتابة عن المرأة العربية ، ودورها الريادي لقيادة المجتمع فعلاً ومساواة في مجتمع ساد فيه الجنس الذكوري تسلطاً ، بل استعباداً ، فوصلت أمتنا إلى ما وصلت إليه من تخلف وصراعات دامية مدمرة دون توزانٍ حيويٍّ ، كما أرادت لنا الحياة ، فقلبنا الحياة على رؤوسنا ...!!
أعرف أن المهمة صعبة جداً ، وسأتعرض لألسنة العقل الجمعي ، وفي مقدمتها ألسنة عقل المتثقفين - أو الحاسدين - الذين يتفهمون كما يفهمون ، ويفسرون كما يشتهون ...!! ونحن سائرون كما يقولون ، فالمازني نقلاً عن أديب غربي عملاق يذكر : " ليكتب الكاتب على أنّ كل الناس أعداء وخصوم " ، وأزيد وليسلك المجتهد حسب قناعاته في مجتمع مريض حتى النخاع ، (المهم شعلينا ..!! ) ، " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ، وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " .
والحق أنا لا أفهم ولا أتفهّم لماذا الرجل بعمومه ، ربّما الشرقي أكثر حدّة من الغربي قليلاً ، يريد من المرأة أن تدعمه على طول الخط ، وتبرزه ، ويتماهى أن تكون وراءه ، ولا يكلّف نفسه ، ولا يتجرأ أن يشق غبار الماضي المشوش بالأقاويل والعيب ليدعمها حين تستحق هذا الدعم ؟!! وحتى في أرقى بلدان الغرب حضارة وتفتحاً ، وأعني فرنسا حين قال الشاعر الفرنسي لويس أراغون سنة 1963: ( المرأة مستقبل الرجل ) ، قامت قيامة الرجال ، وثارت ثائرتهم ونسوا أن المرأة شريكتهم في الحياة ، تتقاسم معهم مهامها وأعباءها في البيت والعمل والوطن ، يريدونها دائماً تحت وصايتهم ، وتنزل عند كلمتهم .
3 - اقصيدة الصدفة تقودني إليها :
الصدفة لعبت دورها ، الأستاذة سناء علّقت على منشور لي في صفحة تواصلي الاجتماعي ( الفيس بوك ) ، فدخلت على صفحتها الاجتماعية ، فعثرت على قصيدتين عموديتين إحداهما من البحر المتقارب ، والأخرى من البحر الكامل ، وأنا - كما تعرفون - من الأنصار المتشددين للشعر الموزون بنوعيه العمودي والتفعيلة، فعجبتني جداً قصيدتها الكاملية الفائية، إليك إيّاها :
خذني اليك ..أما كفى هذا الجفا؟ ** فرحي توارى في بعادك واختفى
في وحدتي أضحى غيابك آفــةً *** تدمي ضلوعي ليت قلبك قد صفا
ليس الذي عانيتُ منه هيّنــــا **** ذنبٌ .. وما أحلى الكريم إذا عفا
ارحم فؤاداً كنت يوماً نبضــــهُ ***** لا زال ينبضُ بالمــودة والوفا
إنّي لأعجب كيف أنّي لم أمتْ ****من بعد هجرك ...عدْ إليَّ فقد كفى
يا من سكنت بخاطري وبمهجتي ***** ارحمْ فؤاداً هـــــام فيك وآلفا
فألفتُ فيك قصــــائدا برّاقــــــةً ***** القلب صـــاغ حروفها وتكلًفا
خذني إليكَ ..إلى مدائن لهفتــي *** فلمن أعيش و داخلي فقد الدّفا؟
قد كنتَ لي رغم الجراح عواصماً ***** كـان الفؤاد بها أميراً مُترفا
أجهضتُ نسلي طوع أمرك سيدي ** لو قيل: جارَ، يقول قلبيَ : أنصفا
فقدِ اصْطفاك القلب يا كلّ الهوى ***والقلبُ يخضع راضياً لمنِ اصْطفى
لا تبتعدْ يا دفءَ قلـــبيَ واقتربْ *****فالشـــوق محتجبٌ لقربك قــد طفا
خذ يا أميري لهفتي و تصـــــوّري **** واسكنْ بأخيلتي ودع عنك الجفـا
عانقتُ طيفكَ في الخيــــالِ فزادني *****شــــوقاً إليك فإنَّ قلـــــبيَ مدنفـا
خذني إليك فأنــت كل مذاهـــــبي ****** حوريٌـــةٌ كاــــنت تريد تعــــفّفا
ودعِ الّتعالي والغرور كلاهمـــــا****** قد يرديان بمن أضــــر وأجحفـــــا
ها قد نظمت إليك ما في خاطري ****** فلعل نبض الحرف يظهر مــــا خفا
الله الله الله ما هذه القصيدة ، كأني بالولّادة بنت الخليفة المستكفي بالله ، تصبّ براكين عشقها على الوزير المسكين المبتلي بحسّاده و زلّاته ابن زيدون .!!
4 - ولادتها ... نشأتها ...المناصب الإعلامية .. الدواوين والمؤلفات :.
سناء من مواليد وجدة 1983 م ، وأنا درّست في معاهد هذه المدينة المرتمية في أحضان الحدود الجزائرية المغربية ، ما بين 1978 - 1979م ، أخذتني الحمية الوجدية والوجدانية ، ولاسيما قد أجرت معي الأستاذة السناء حوارا موسعاً ، لم أجد نفسي إلا أن أرتجل بيتين ، معلقاً على قصيدتها أو عليها ...!! ، كما هي عادتي ، فقلت مسرعاً معارضاً مرتجلاً :
إيْهٍ سنائي قمْركِ لقدِ اخْتفى *** لا أدْرِ هلْ كانَ الصّدودُ من الجّفا ؟!!
كمْ مرّةٍ ناجيتُ نفسي هامساً *** هل بنتُ وجْدة حاورتني، قد كفى؟!!!
سؤال جزماً سيبقى دون جواب ...!! لو لم يكن لسناء سوى هذه القصيدة لكفاني أن أكتب عنها منتصراً ...!!
من هي هذه السناء الحافي ؟!!
مغربية الجنسية ، ولدت في مدينة وجدة في (5 /5 / 1983م) ، إعلامية وشاعرة عمودية ، وتكتب النص النثري ، ولها رواية، وعدة دواوين مطبوعة ، ومؤلف ، تجيد اللغات العربية والفرنسية والإنكليزية ، تنقلت في عدة أقطار عربية لغرض الدراسة ، والعمل الصحفي ، ومن هذه الأقطار السودان والبحرين والكويت والعراق والأردن ، حيث تقيم الآن بعمان.
- نالت شهادة البكالوريوس (علاقات دولية) من ( جامعة أفريقيا) - الخرطوم - السودان .
- شهادة الاعلامية المتميزة من الاتحاد الدولي للاعلام.
- تحضيررسالة ماجستير في العلوم السياسية - (دور الهيمنة الغربية / الامريكية في العلاقات الدولية) - (الجامعة العربية المفتوحة) - عمان - الأردن .
مما يدل على نشاطها الفعال في مجال الإعلام كثرة المهام التي شغلتها في عدة أقطار عربية منها :
رئيس قسم الاعلام و العلاقات العامة /– مكتب اعلامي - أم درمان - السودان -
- مدير مكتب جريدة الحقيقة العرقية - عمان .
- مدير قسم التحقيقات و الحوارات مجلة كل الناس.
- رئيس تحرير مجلة أصيلة الأدبية البحرينية.
- محررة صفحة الحوارات و التحقيقات بجريدة الصباح الكويتية.
- الناطق الاعلامي لجمعية الصحراء المغربية للتنمية و التعاون: مرئي - ورقي
إعداد برامج اجتماعية و ثقافية و تحقيقات استقصائية.
- كاتبة بزاوية اسبوعية بجريدة القدس العربي.
- كاتبة زاوية أسبوعية بجريدة الشرق السعودية.
- محررة بجريدة الرؤية الاماراتية.
المؤلفات:
. - مجاميع شعرية : غواية امرأة - شمس النساء - حورية المنافي - عروس الرماد
- كتاب الإصلاح السياسي في المغرب ( آفاق و تطلعات).
: - لها قيد الطبع
رواية و ديوان شعري.
5 - أضواء خاطفة على قصائد سناء ، وقصص قصيدة جداً:
من عناوين دواوينها تشمّ طيب مسك العطر الباريسي لحورية المنافي ، ولون مخملها الوردي لغواية مخدعها الملائكي ، وملمسها الأنثوي ... أنوثة تامة ، مغرية حتى الأمومة ، مشوبة بطعم مرارة اللاموقف الرجولي ، وملح الرماد الأنثوي ... لندخل - وأنت معي - محرابها ، وسعة رحابها ، كي نلمس توجّسها من أن تعطي دون أن تأخذ ، أو أن تلتزم باللاملتزم ، فالعناوين لم تأتِ من فراغ ، أو مجرد اشتهاء ، بل تجارب حياة ، وفلسفة وجود ، الحال لا يبقى على حال ، هذا هو الإنسان ، (وأين عن طينتنا نعدّي !!) - كما يقول ابن الرومي - ، إليك بعض ما تتوجس به السناء المرأة ، بل كل أنوثة مدفوعة بغريزة الأمومة للاستقرار والهناء ، وتزيد دوافع الغريزة التراكمات المخزونة في اللاوعي والوعي عقبى التجارب الإنسانية لمسيرة المرأة كتابع للتسلط الذكوري ...!! فمن بحر كاملها التام ، تتلوى بين الوجد المتفاني والهجران المتواري ، ولا أراها هنا إلا مدفوعة بغريزة أنثوية خالصة ، إنّه لها وحدها وكفى !! :
خذني اليك ..أما كفى هذا الجفا؟ ** فرحي توارى في بعادك واختفى
في وحدتي أضحى غيابك آفــةً *** تدمي ضلوعي ليت قلبك قد صفا
ليس الذي عانيتُ منه هيّنــــا **** ذنبٌ ... وما أحلى الكريم إذا عفا
ارحم فؤاداً كنت يوماً نبضــــهُ ***** لا زال ينبضُ بالمــودة والوفــا
إنّي لأعجب كيف أنّي لم أمــتْ ****مـن بعد هجرك ...عدْ إليَّ فقد كفى
وفي قصص قصيدة جداً ، نقرأ هذا المقطع باستعارته المكنية الرائعة ( البحر) :
إذا كَانَ مِنْ عُقُوقِ الْبَحْر
ألاّ يُعيدُ دَائِماً إِلى الْبَرّ غَرْقَاه ..!!
شبهت حبيبها أو عشيقها ، وربما زوجها ، فما أدراك ، ومن أدراني ، فالمرأة لا يعرف سرّها إلا الذي خلقا ...! أقول جعلته بحراً عاقاً لا يعيد غرقاه ، أيّ جردّت إنسانيته ، ومنحته صفة البحر ، أشهد الله قد رفعته ، وبالغت في حقه ، بارك الله فيها ، من يكون بحجم البحر ؟!! ولكن كبسته من بعد ، ورمته بالعقوق ، وأخالني قد ذرفت الدموع ، لمفارقة الموضوع ، ولا أدري متى أعادت المرأة من يغرق ببحر عينيها ، أويقتل بسهام لحاظها ...!!:
إنّ العيون التي في طرفها حورٌ **** قتلننا ثم لم يحيين قتلانا...!!
يصرعنَ ذا اللُّبِّ حتى لا حراكَ بهِ**وَهُـنَّ أضعفُ خلقِ الله أركانا
اقرأ وواصل مسيرة المقطع وتأمل رجاءً :
أَعْتَرِف لِأَجْلِ النِّصْفِ الّذِي يُحِبّك
وَ النَصْف الآخَر الّذِي يَتَعَذّب
أنّي ضَبَطْتُ نَفْسِي مُتَلَبّسَةً بِحُبِّك
إِكْراماً...لإيقَاعِ النّزَواتِ
فَكَيْفَ أَدَّخِرُ نَزِيفَ عُمْري في بَوْتَقَةٍ
لِأَكْسِبَ رِهانَ إِذْلالِي
هنا تعترف - بلا لبس ولا مواربة ، ولا أخذ ولا رد ، وهي ما بين الوجد واوجع - بالحب ، ولا تزيد ، إلا بكلمة عابرة : (إِكْراماً...لإيقَاعِ النّزَواتِ) .
لا ندري بأعماقها ، ولا مدى إيقاع نزواتها ، وعلى أي وترٍ تضرب نغمات إيقاعها ، جزماً كغيرها من التساء الشاعرات العاشقات ، ستقول : إنه لرجل الأحلام ، أو لرجل بعد لم تلده أمه ...!!
لا أحسب هذا الحب الأنثوي الجارف مجرد نزوات عابرة ، وأهواء طارئة ، بل هو مشيئة القدر الأنثوي إبان حدوث شرخ طارئ لزلزلة الترابط العشقي أو عقد الكيان الأسرى المتفاهم عليه ، ففي معظم الحالات ، تضحي المرأة ، وتتخذ في صراعها الموقف الرزين الذي يتطلع إلى الاستقرار العاطفي والأسري بتوازن رهيب
أَعْتَرِف لِأَجْلِ النِّصْفِ الّذِي يُحِبّك
وَ النَصْف الآخَر الّذِي يَتَعَذّب
أنّي ضَبَطْتُ نَفْسِي مُتَلَبّسَةً بِحُبِّك
فَكَيْفَ أَدَّخِرُ نَزِيفَ عُمْري في بَوْتَقَةٍ
لِأَكْسِبَ رِهانَ إِذْلالِي
وعلى الضفة الأخرى في أحيانٍ كثيرة ، يميل الجنس الذكوري إلى اللاموقف العبثي من هذا الصراع ، ومن هنا نكسب نقطة لصالح انتصارنا للمرأة ، ساستشهد لك ببعض ما جادت به قريحة سنائنا في لحظات إبداعية تندفع فيها العاطفة أكثر مما يضبطها العقل ، لتفتح لنا الأفق الأنثوي للتوازن الدقيق في تسيير دفّة العش الملائكي ...!!
فمن قصيدتها ( كنّا معاً) ، من البحر البسيط ، تقول :
كنّا معاً ...شطرنا هجرٌ وريح صبا *** والشّطرُ ثانيِهِ مجدافا لمن رغبا
وقِبلةٌ من هموم الحب وجهتنـــــا ****هناك قلبي علــــى أعتابها صلبا
إنّي أُعاتبُ أحلاماً مقنّـــــــــــعةً ****كانـــتْ لنا حبل ودٍّ .. أصبحَتْ لُعبا
محتالةٌ في بلاد الوهم كنت أنا *****أحتلّ فيــــها ضفافاً.... نهرها نضبا
كنّا معاً والهوى طفل نداعبــه ****فكيــــفَ أصبح صافي ودّنــــا كـــذبا ؟
دائماً المناصفة ، والتوازن حاضرة في حياتها ، الشطر الأول هجر ، وريح صبا ، والشطر الثاني مجداف للمسيرة ، وبالتاي هي الضحية في بلاد الوهم، فالنهر قد نضبا ، والودّ قد كذبا ،
شاعرتنا تتغزل بلوعة المتيم الولهان ، يودّ كلّ رجل أن يحظي بمثل هذا الوجد الأنثوي الفتان ، ولكن الله يعطي ما شاء لمن لا يشاء ، في العصور القديمة الجاهلي ، الأموي ، العباسي ، الشاعرات يذكرن أسماء من يعشقن من الرجال ، تذكرت العباسة ، وهي من هي ، أخت الرشيد ، وهي علية بنت الخليفة المهدي ، وكانت شاعرة غاية الجمال واللباقة والأدب (160 - 210 هـ / 777 - 825 م) ، ومحنتها قي الموقف الصعب بين بين ، وقيل حتى مقتل جعفر بن يحيى البرمكي كان بسببها ، إذ زوجها الرشيد منه ، وطلب عدم الاقتراب منها ...!! المهم مما يروى عنها : قد خاطبت حبيبها (طل) ، وهو غلام جميل في قصر الخلافة ، ولما شاع أمرها ، صيرته ( ظل) ، بالأبيات التالية من مجزوء الكامل المرفل :
سـلِّم على ذاكَ الغزال ***الأغـيـدُ الحسـنُ الـدَّلالِ
سـلِّم عـليـه وقـل لــه *** يا غِـل ألـبـابَ الرجـالِ
خليتَ جسمي ضاحياً *** وسكنتَ في ظلِّ الحجالِ
وبـلَـغـتَ مـنِّي غـايـةً *** لم أدرِ فيها ما احتيالـي
والولّادة بنت المستكفي (994 - 1091م)، تلهفاً لحبيبها ابن زيدون ، وقيل للوزير أبي جعفر أحمد بن سعيد، قالت تتغزل:
أغارُ عليكَ من عينيَّ ومنِّي *** ومنكَ ومن زمانِكَ والمكانِ
ولو أني خبـأتُـكَ في عيوني *** إلى يـومِ القيامـةِ مـا كفـَّاني
بل ذهبت بعيداً هذه الأميرة الحسناء الولّادة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس بغزلها المفتوح !!!:
اشتهرت ببيتين شهيرين من الشعر قيل أنها كانت تكتب كل واحد منهما على جهة من ثوبها :
أنا والله أصلح للمعالـــي****وأمشي مشيـــتي وأتيه تيهاً
أمكّنُ عاشقي من صحن خد***وأعطي قبلتي من يشتهيها
نعود إلى شاعرتنا وقصيدة لها وسمتها بـ (عروس الرماد) - من الكامل - تقول ببعض أبياتها :
قدرٌ ودار مع الزمـان دوار**** وتكسّرتْ بيد الهوى اﻻعمارُ
هي ضحكةٌ كانتْ وغاب بريقها ** فتنهدتْ بفم الرؤى الأشعارُ
وابتل ثوب العرس من دمع الندى* فتخاصمت بمدارها اﻻطيارُ
كنّا وظلّ الريح يجمع خطونــــا **** وبفيئــــه تتنفس اﻻنوارُ
حتى اعتلى قلبي براق زمانه *** ومشت تسوق سنينه اﻻفكار
فتآلفت روحي بروح تنهـــدي *** فتنهدت مـن شوقها اﻻزهارُ
كنّا اشتعلنا فانطفت سكراتنـــــــا ***واذا الحريق يجره التيـــارُ
انا لست اخر من تعيش لحلمها ****واليـه تحكي سرّها السمار
نعم قدر يدور ، وهوى يجور،وأشعار تثور،وكأنما سناء قد أُلهِمت أنفاس شوقي، ورؤاه حين يقول :
لك أَن تلوم، ولي من الأَعذار**أن الهوى قدرٌ من الأقدارِ
ما كنت أسلمُ للعيون سلامتي*وأَبيحُ حادثة َ الغرام وَقاري
وطَرٌ تَعَلَّقَه الفؤادُ وينقضي**والنفسُ ماضية ٌ مع الأوطار
يا قلبُ، شأْنَك، لا أَمُدُّك في الهوى*أبداً ولا أدعوك للأقصار
ونعم مرّة أخرى - يا سناء - : (هي ضحكةٌ كانتْ وغاب بريقها ) ، هذي هي الدنيا ، ومن يعرف أسرارها ، وصدق المعري ، وما كان ملحداً حين قال :
ضَحِكنا وَكانَ الضِحكُ مِنّا سَفاهَةً ***وَحُقَّ لِسُكّانِ البَسيطَةِ أَن يَبكوا
يُحَطِّمُنا رَيبُ الزَمانِ كَأَنَّنـــــا ****زُجــــاجٌ وَلَكِن لا يُعادُ لَـــهُ سَبكُ
الله الأعلم بأسرار خلقه ، ونحن نختم ما أبدع خلقه ، من جمالٍ وخيالٍ ، وكلامٍ وسلامْ ، وهذا ختامْ
كريم مرزة الأسدي
تقول الشاعرة سناء الحافي من البحر الكامل :
خذني إليكَ ، أما كفى هذا الجفا ؟!!**فرحي توارى في بعادك واختفى
في وحدتي أضحى غيابك آفــةً *** تدمي ضلوعي ليت قلبك قد صفا
ليس الذي عانيتُ منه هيّنــــا **** ذنبٌ ... وما أحلى الكريم إذا عفا
ارحم فؤاداً كنت يوماً نبضــــهُ ***** لا زال ينبضُ بالمــودة والوفــا
إنّي لأعجب كيف أنّي لم أمــتْ ****من بعد هجرك ...عدْ إليَّ فقـد كفى
أ . سناء الحافي : إعلامية، شاعرة ، كاتبة ، ناشطة .
2 - المقدمة :
ليس واحدة بواحدة ، ولو أن ردّ الفضل بالفضل أفضل ، ولكن لم أتقصد الأمر أن تكون السناء انتصاراً للمرأة العربية ، كردّ جميل على حوارها المطول معي بحلقتين لصالح جريدة ( الحقيقة العراقية ) الصادرة من بغداد وذلك في الفترة ما بين 6 - 11 / 11 / 2013 م ، وربّما جاءها الإيعاز من رئاسة إدارة وتحرير الصحيفة الغراء لإجراء الحوار معي ، لأنّ من متابعتي لمسيرة الجريدة حينذاك ، ونباهتي لمواضيعها ، لمست هنالك توجّه للتركيز على الشعراء والأدباء العراقيين ، لاسيما المغتربين منهم ، وفعلاً أجرت الجريدة الموقرة عدّة حوارات من قبل ومن بعدُ مع شعراء آخرين ، ولاريب هذه مبادرات وطنية وذكية مشكورة ، لتفعيل التواصل الثقافي بين عراقي الخارج وعراقي الداخل - كما يقولون - وقد قدمت المحاورة الكريمة على لسان الجريدة ما يلي للدخول الحوار :
" عدد اليوم من صحيفة (الحقيقة ) نستضيف على مائدة الحوار شاعرا و ناقدا و باحثا عراقيا ، بزغ وهجه من النجف الأشرف ليمتد به إلى أقاصي عوالم الأدب، فاعتلى عرش النقد بكل جدارة ، و عانق الشعر بحبٍ و شغفٍ ...حريص على جودة الكلمة و غيور على قيمتها أكثر من مجايليه من الأدباء...و من مشيئةٍ توقظ لون التميز الإبداعي غاص في بحور الشعر دراسة و تحليلا ليقدّم القصيدة وفق ما تستحقه من قداسة التراث و البلاغة ،ضيفنا الشاعر و الباحث كريم مرزة الأسدي ،صدرت له عدة ...."
زمان طويل مضى ، ولا أخفيك سرّاً ، أحمل في فكري رغبة ملحة للكتابة عن المرأة العربية ، ودورها الريادي لقيادة المجتمع فعلاً ومساواة في مجتمع ساد فيه الجنس الذكوري تسلطاً ، بل استعباداً ، فوصلت أمتنا إلى ما وصلت إليه من تخلف وصراعات دامية مدمرة دون توزانٍ حيويٍّ ، كما أرادت لنا الحياة ، فقلبنا الحياة على رؤوسنا ...!!
أعرف أن المهمة صعبة جداً ، وسأتعرض لألسنة العقل الجمعي ، وفي مقدمتها ألسنة عقل المتثقفين - أو الحاسدين - الذين يتفهمون كما يفهمون ، ويفسرون كما يشتهون ...!! ونحن سائرون كما يقولون ، فالمازني نقلاً عن أديب غربي عملاق يذكر : " ليكتب الكاتب على أنّ كل الناس أعداء وخصوم " ، وأزيد وليسلك المجتهد حسب قناعاته في مجتمع مريض حتى النخاع ، (المهم شعلينا ..!! ) ، " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ، وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " .
والحق أنا لا أفهم ولا أتفهّم لماذا الرجل بعمومه ، ربّما الشرقي أكثر حدّة من الغربي قليلاً ، يريد من المرأة أن تدعمه على طول الخط ، وتبرزه ، ويتماهى أن تكون وراءه ، ولا يكلّف نفسه ، ولا يتجرأ أن يشق غبار الماضي المشوش بالأقاويل والعيب ليدعمها حين تستحق هذا الدعم ؟!! وحتى في أرقى بلدان الغرب حضارة وتفتحاً ، وأعني فرنسا حين قال الشاعر الفرنسي لويس أراغون سنة 1963: ( المرأة مستقبل الرجل ) ، قامت قيامة الرجال ، وثارت ثائرتهم ونسوا أن المرأة شريكتهم في الحياة ، تتقاسم معهم مهامها وأعباءها في البيت والعمل والوطن ، يريدونها دائماً تحت وصايتهم ، وتنزل عند كلمتهم .
3 - اقصيدة الصدفة تقودني إليها :
الصدفة لعبت دورها ، الأستاذة سناء علّقت على منشور لي في صفحة تواصلي الاجتماعي ( الفيس بوك ) ، فدخلت على صفحتها الاجتماعية ، فعثرت على قصيدتين عموديتين إحداهما من البحر المتقارب ، والأخرى من البحر الكامل ، وأنا - كما تعرفون - من الأنصار المتشددين للشعر الموزون بنوعيه العمودي والتفعيلة، فعجبتني جداً قصيدتها الكاملية الفائية، إليك إيّاها :
خذني اليك ..أما كفى هذا الجفا؟ ** فرحي توارى في بعادك واختفى
في وحدتي أضحى غيابك آفــةً *** تدمي ضلوعي ليت قلبك قد صفا
ليس الذي عانيتُ منه هيّنــــا **** ذنبٌ .. وما أحلى الكريم إذا عفا
ارحم فؤاداً كنت يوماً نبضــــهُ ***** لا زال ينبضُ بالمــودة والوفا
إنّي لأعجب كيف أنّي لم أمتْ ****من بعد هجرك ...عدْ إليَّ فقد كفى
يا من سكنت بخاطري وبمهجتي ***** ارحمْ فؤاداً هـــــام فيك وآلفا
فألفتُ فيك قصــــائدا برّاقــــــةً ***** القلب صـــاغ حروفها وتكلًفا
خذني إليكَ ..إلى مدائن لهفتــي *** فلمن أعيش و داخلي فقد الدّفا؟
قد كنتَ لي رغم الجراح عواصماً ***** كـان الفؤاد بها أميراً مُترفا
أجهضتُ نسلي طوع أمرك سيدي ** لو قيل: جارَ، يقول قلبيَ : أنصفا
فقدِ اصْطفاك القلب يا كلّ الهوى ***والقلبُ يخضع راضياً لمنِ اصْطفى
لا تبتعدْ يا دفءَ قلـــبيَ واقتربْ *****فالشـــوق محتجبٌ لقربك قــد طفا
خذ يا أميري لهفتي و تصـــــوّري **** واسكنْ بأخيلتي ودع عنك الجفـا
عانقتُ طيفكَ في الخيــــالِ فزادني *****شــــوقاً إليك فإنَّ قلـــــبيَ مدنفـا
خذني إليك فأنــت كل مذاهـــــبي ****** حوريٌـــةٌ كاــــنت تريد تعــــفّفا
ودعِ الّتعالي والغرور كلاهمـــــا****** قد يرديان بمن أضــــر وأجحفـــــا
ها قد نظمت إليك ما في خاطري ****** فلعل نبض الحرف يظهر مــــا خفا
الله الله الله ما هذه القصيدة ، كأني بالولّادة بنت الخليفة المستكفي بالله ، تصبّ براكين عشقها على الوزير المسكين المبتلي بحسّاده و زلّاته ابن زيدون .!!
4 - ولادتها ... نشأتها ...المناصب الإعلامية .. الدواوين والمؤلفات :.
سناء من مواليد وجدة 1983 م ، وأنا درّست في معاهد هذه المدينة المرتمية في أحضان الحدود الجزائرية المغربية ، ما بين 1978 - 1979م ، أخذتني الحمية الوجدية والوجدانية ، ولاسيما قد أجرت معي الأستاذة السناء حوارا موسعاً ، لم أجد نفسي إلا أن أرتجل بيتين ، معلقاً على قصيدتها أو عليها ...!! ، كما هي عادتي ، فقلت مسرعاً معارضاً مرتجلاً :
إيْهٍ سنائي قمْركِ لقدِ اخْتفى *** لا أدْرِ هلْ كانَ الصّدودُ من الجّفا ؟!!
كمْ مرّةٍ ناجيتُ نفسي هامساً *** هل بنتُ وجْدة حاورتني، قد كفى؟!!!
سؤال جزماً سيبقى دون جواب ...!! لو لم يكن لسناء سوى هذه القصيدة لكفاني أن أكتب عنها منتصراً ...!!
من هي هذه السناء الحافي ؟!!
مغربية الجنسية ، ولدت في مدينة وجدة في (5 /5 / 1983م) ، إعلامية وشاعرة عمودية ، وتكتب النص النثري ، ولها رواية، وعدة دواوين مطبوعة ، ومؤلف ، تجيد اللغات العربية والفرنسية والإنكليزية ، تنقلت في عدة أقطار عربية لغرض الدراسة ، والعمل الصحفي ، ومن هذه الأقطار السودان والبحرين والكويت والعراق والأردن ، حيث تقيم الآن بعمان.
- نالت شهادة البكالوريوس (علاقات دولية) من ( جامعة أفريقيا) - الخرطوم - السودان .
- شهادة الاعلامية المتميزة من الاتحاد الدولي للاعلام.
- تحضيررسالة ماجستير في العلوم السياسية - (دور الهيمنة الغربية / الامريكية في العلاقات الدولية) - (الجامعة العربية المفتوحة) - عمان - الأردن .
مما يدل على نشاطها الفعال في مجال الإعلام كثرة المهام التي شغلتها في عدة أقطار عربية منها :
رئيس قسم الاعلام و العلاقات العامة /– مكتب اعلامي - أم درمان - السودان -
- مدير مكتب جريدة الحقيقة العرقية - عمان .
- مدير قسم التحقيقات و الحوارات مجلة كل الناس.
- رئيس تحرير مجلة أصيلة الأدبية البحرينية.
- محررة صفحة الحوارات و التحقيقات بجريدة الصباح الكويتية.
- الناطق الاعلامي لجمعية الصحراء المغربية للتنمية و التعاون: مرئي - ورقي
إعداد برامج اجتماعية و ثقافية و تحقيقات استقصائية.
- كاتبة بزاوية اسبوعية بجريدة القدس العربي.
- كاتبة زاوية أسبوعية بجريدة الشرق السعودية.
- محررة بجريدة الرؤية الاماراتية.
المؤلفات:
. - مجاميع شعرية : غواية امرأة - شمس النساء - حورية المنافي - عروس الرماد
- كتاب الإصلاح السياسي في المغرب ( آفاق و تطلعات).
: - لها قيد الطبع
رواية و ديوان شعري.
5 - أضواء خاطفة على قصائد سناء ، وقصص قصيدة جداً:
من عناوين دواوينها تشمّ طيب مسك العطر الباريسي لحورية المنافي ، ولون مخملها الوردي لغواية مخدعها الملائكي ، وملمسها الأنثوي ... أنوثة تامة ، مغرية حتى الأمومة ، مشوبة بطعم مرارة اللاموقف الرجولي ، وملح الرماد الأنثوي ... لندخل - وأنت معي - محرابها ، وسعة رحابها ، كي نلمس توجّسها من أن تعطي دون أن تأخذ ، أو أن تلتزم باللاملتزم ، فالعناوين لم تأتِ من فراغ ، أو مجرد اشتهاء ، بل تجارب حياة ، وفلسفة وجود ، الحال لا يبقى على حال ، هذا هو الإنسان ، (وأين عن طينتنا نعدّي !!) - كما يقول ابن الرومي - ، إليك بعض ما تتوجس به السناء المرأة ، بل كل أنوثة مدفوعة بغريزة الأمومة للاستقرار والهناء ، وتزيد دوافع الغريزة التراكمات المخزونة في اللاوعي والوعي عقبى التجارب الإنسانية لمسيرة المرأة كتابع للتسلط الذكوري ...!! فمن بحر كاملها التام ، تتلوى بين الوجد المتفاني والهجران المتواري ، ولا أراها هنا إلا مدفوعة بغريزة أنثوية خالصة ، إنّه لها وحدها وكفى !! :
خذني اليك ..أما كفى هذا الجفا؟ ** فرحي توارى في بعادك واختفى
في وحدتي أضحى غيابك آفــةً *** تدمي ضلوعي ليت قلبك قد صفا
ليس الذي عانيتُ منه هيّنــــا **** ذنبٌ ... وما أحلى الكريم إذا عفا
ارحم فؤاداً كنت يوماً نبضــــهُ ***** لا زال ينبضُ بالمــودة والوفــا
إنّي لأعجب كيف أنّي لم أمــتْ ****مـن بعد هجرك ...عدْ إليَّ فقد كفى
وفي قصص قصيدة جداً ، نقرأ هذا المقطع باستعارته المكنية الرائعة ( البحر) :
إذا كَانَ مِنْ عُقُوقِ الْبَحْر
ألاّ يُعيدُ دَائِماً إِلى الْبَرّ غَرْقَاه ..!!
شبهت حبيبها أو عشيقها ، وربما زوجها ، فما أدراك ، ومن أدراني ، فالمرأة لا يعرف سرّها إلا الذي خلقا ...! أقول جعلته بحراً عاقاً لا يعيد غرقاه ، أيّ جردّت إنسانيته ، ومنحته صفة البحر ، أشهد الله قد رفعته ، وبالغت في حقه ، بارك الله فيها ، من يكون بحجم البحر ؟!! ولكن كبسته من بعد ، ورمته بالعقوق ، وأخالني قد ذرفت الدموع ، لمفارقة الموضوع ، ولا أدري متى أعادت المرأة من يغرق ببحر عينيها ، أويقتل بسهام لحاظها ...!!:
إنّ العيون التي في طرفها حورٌ **** قتلننا ثم لم يحيين قتلانا...!!
يصرعنَ ذا اللُّبِّ حتى لا حراكَ بهِ**وَهُـنَّ أضعفُ خلقِ الله أركانا
اقرأ وواصل مسيرة المقطع وتأمل رجاءً :
أَعْتَرِف لِأَجْلِ النِّصْفِ الّذِي يُحِبّك
وَ النَصْف الآخَر الّذِي يَتَعَذّب
أنّي ضَبَطْتُ نَفْسِي مُتَلَبّسَةً بِحُبِّك
إِكْراماً...لإيقَاعِ النّزَواتِ
فَكَيْفَ أَدَّخِرُ نَزِيفَ عُمْري في بَوْتَقَةٍ
لِأَكْسِبَ رِهانَ إِذْلالِي
هنا تعترف - بلا لبس ولا مواربة ، ولا أخذ ولا رد ، وهي ما بين الوجد واوجع - بالحب ، ولا تزيد ، إلا بكلمة عابرة : (إِكْراماً...لإيقَاعِ النّزَواتِ) .
لا ندري بأعماقها ، ولا مدى إيقاع نزواتها ، وعلى أي وترٍ تضرب نغمات إيقاعها ، جزماً كغيرها من التساء الشاعرات العاشقات ، ستقول : إنه لرجل الأحلام ، أو لرجل بعد لم تلده أمه ...!!
لا أحسب هذا الحب الأنثوي الجارف مجرد نزوات عابرة ، وأهواء طارئة ، بل هو مشيئة القدر الأنثوي إبان حدوث شرخ طارئ لزلزلة الترابط العشقي أو عقد الكيان الأسرى المتفاهم عليه ، ففي معظم الحالات ، تضحي المرأة ، وتتخذ في صراعها الموقف الرزين الذي يتطلع إلى الاستقرار العاطفي والأسري بتوازن رهيب
أَعْتَرِف لِأَجْلِ النِّصْفِ الّذِي يُحِبّك
وَ النَصْف الآخَر الّذِي يَتَعَذّب
أنّي ضَبَطْتُ نَفْسِي مُتَلَبّسَةً بِحُبِّك
فَكَيْفَ أَدَّخِرُ نَزِيفَ عُمْري في بَوْتَقَةٍ
لِأَكْسِبَ رِهانَ إِذْلالِي
وعلى الضفة الأخرى في أحيانٍ كثيرة ، يميل الجنس الذكوري إلى اللاموقف العبثي من هذا الصراع ، ومن هنا نكسب نقطة لصالح انتصارنا للمرأة ، ساستشهد لك ببعض ما جادت به قريحة سنائنا في لحظات إبداعية تندفع فيها العاطفة أكثر مما يضبطها العقل ، لتفتح لنا الأفق الأنثوي للتوازن الدقيق في تسيير دفّة العش الملائكي ...!!
فمن قصيدتها ( كنّا معاً) ، من البحر البسيط ، تقول :
كنّا معاً ...شطرنا هجرٌ وريح صبا *** والشّطرُ ثانيِهِ مجدافا لمن رغبا
وقِبلةٌ من هموم الحب وجهتنـــــا ****هناك قلبي علــــى أعتابها صلبا
إنّي أُعاتبُ أحلاماً مقنّـــــــــــعةً ****كانـــتْ لنا حبل ودٍّ .. أصبحَتْ لُعبا
محتالةٌ في بلاد الوهم كنت أنا *****أحتلّ فيــــها ضفافاً.... نهرها نضبا
كنّا معاً والهوى طفل نداعبــه ****فكيــــفَ أصبح صافي ودّنــــا كـــذبا ؟
دائماً المناصفة ، والتوازن حاضرة في حياتها ، الشطر الأول هجر ، وريح صبا ، والشطر الثاني مجداف للمسيرة ، وبالتاي هي الضحية في بلاد الوهم، فالنهر قد نضبا ، والودّ قد كذبا ،
شاعرتنا تتغزل بلوعة المتيم الولهان ، يودّ كلّ رجل أن يحظي بمثل هذا الوجد الأنثوي الفتان ، ولكن الله يعطي ما شاء لمن لا يشاء ، في العصور القديمة الجاهلي ، الأموي ، العباسي ، الشاعرات يذكرن أسماء من يعشقن من الرجال ، تذكرت العباسة ، وهي من هي ، أخت الرشيد ، وهي علية بنت الخليفة المهدي ، وكانت شاعرة غاية الجمال واللباقة والأدب (160 - 210 هـ / 777 - 825 م) ، ومحنتها قي الموقف الصعب بين بين ، وقيل حتى مقتل جعفر بن يحيى البرمكي كان بسببها ، إذ زوجها الرشيد منه ، وطلب عدم الاقتراب منها ...!! المهم مما يروى عنها : قد خاطبت حبيبها (طل) ، وهو غلام جميل في قصر الخلافة ، ولما شاع أمرها ، صيرته ( ظل) ، بالأبيات التالية من مجزوء الكامل المرفل :
سـلِّم على ذاكَ الغزال ***الأغـيـدُ الحسـنُ الـدَّلالِ
سـلِّم عـليـه وقـل لــه *** يا غِـل ألـبـابَ الرجـالِ
خليتَ جسمي ضاحياً *** وسكنتَ في ظلِّ الحجالِ
وبـلَـغـتَ مـنِّي غـايـةً *** لم أدرِ فيها ما احتيالـي
والولّادة بنت المستكفي (994 - 1091م)، تلهفاً لحبيبها ابن زيدون ، وقيل للوزير أبي جعفر أحمد بن سعيد، قالت تتغزل:
أغارُ عليكَ من عينيَّ ومنِّي *** ومنكَ ومن زمانِكَ والمكانِ
ولو أني خبـأتُـكَ في عيوني *** إلى يـومِ القيامـةِ مـا كفـَّاني
بل ذهبت بعيداً هذه الأميرة الحسناء الولّادة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس بغزلها المفتوح !!!:
اشتهرت ببيتين شهيرين من الشعر قيل أنها كانت تكتب كل واحد منهما على جهة من ثوبها :
أنا والله أصلح للمعالـــي****وأمشي مشيـــتي وأتيه تيهاً
أمكّنُ عاشقي من صحن خد***وأعطي قبلتي من يشتهيها
نعود إلى شاعرتنا وقصيدة لها وسمتها بـ (عروس الرماد) - من الكامل - تقول ببعض أبياتها :
قدرٌ ودار مع الزمـان دوار**** وتكسّرتْ بيد الهوى اﻻعمارُ
هي ضحكةٌ كانتْ وغاب بريقها ** فتنهدتْ بفم الرؤى الأشعارُ
وابتل ثوب العرس من دمع الندى* فتخاصمت بمدارها اﻻطيارُ
كنّا وظلّ الريح يجمع خطونــــا **** وبفيئــــه تتنفس اﻻنوارُ
حتى اعتلى قلبي براق زمانه *** ومشت تسوق سنينه اﻻفكار
فتآلفت روحي بروح تنهـــدي *** فتنهدت مـن شوقها اﻻزهارُ
كنّا اشتعلنا فانطفت سكراتنـــــــا ***واذا الحريق يجره التيـــارُ
انا لست اخر من تعيش لحلمها ****واليـه تحكي سرّها السمار
نعم قدر يدور ، وهوى يجور،وأشعار تثور،وكأنما سناء قد أُلهِمت أنفاس شوقي، ورؤاه حين يقول :
لك أَن تلوم، ولي من الأَعذار**أن الهوى قدرٌ من الأقدارِ
ما كنت أسلمُ للعيون سلامتي*وأَبيحُ حادثة َ الغرام وَقاري
وطَرٌ تَعَلَّقَه الفؤادُ وينقضي**والنفسُ ماضية ٌ مع الأوطار
يا قلبُ، شأْنَك، لا أَمُدُّك في الهوى*أبداً ولا أدعوك للأقصار
ونعم مرّة أخرى - يا سناء - : (هي ضحكةٌ كانتْ وغاب بريقها ) ، هذي هي الدنيا ، ومن يعرف أسرارها ، وصدق المعري ، وما كان ملحداً حين قال :
ضَحِكنا وَكانَ الضِحكُ مِنّا سَفاهَةً ***وَحُقَّ لِسُكّانِ البَسيطَةِ أَن يَبكوا
يُحَطِّمُنا رَيبُ الزَمانِ كَأَنَّنـــــا ****زُجــــاجٌ وَلَكِن لا يُعادُ لَـــهُ سَبكُ
الله الأعلم بأسرار خلقه ، ونحن نختم ما أبدع خلقه ، من جمالٍ وخيالٍ ، وكلامٍ وسلامْ ، وهذا ختامْ
كريم مرزة الأسدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق