اشترط النظام
العالمي الجديد، على الدول النامية، أن تطبق الديموقراطية في بلادها. هكذا
بكل بساطة، وبدون اعداد الشعوب لتفهم ما تعنيه هذه الكلمة على أرض الواقع
والحياة!
بعد وفاة الرئيس المؤمن، السادات،آخر الفراعنة (كما كان يحلو له التشدق بهذا القول والفراعنة منه براء)، تولى الرئيس محمد حسني مبارك أمور البلاد ، فُرض عليه، كما فُرض على غيره من رؤساء وملوك الدول النامية، تطبيق الديموقراطية في بلادهم!
أصحاب النفوذ العالمي يعرفون جيداً، أن بلداً مثل مصر عاش تاريخه الماضي والحاضر منه تحت حكم طغاة، كمّموا أفواه الأحرار، وأخرسوهم بقوة السلاح والتعذيب والبطش. أقول أنهم يعرفون أن الديموقراطية في هذا مثل البلد هي مزيد من الفتك بالأحرار. خاصة أن خطر الإرهاب بدأ يظهر أيام الرئيس المؤمن "السادات". اذن الفرصة سانحة، والأجواء مهيئة لأستقبال الديموقراطية في مصر والتي تتلاءم وتتماشى مع ما يريده أصحاب النفوذ العالمي من مصر المحروسة!
ديموقراطية زائف ة+ فساد حكم = بؤرة صالحة لنمو الإرهاب، وبث الفوضى في البلاد!
الأدب والفن والإعلام في الدول الديموقراطية، مؤسسات تقوم على المجهود الفردي. وعلى موهبة الإنسان وما يحتاجه المجتمع. هذا في الدول الديموقراطية الحقْه التي يعرف أهلها وحكامها المعنى الحقيقي للديموقراطية!
أما نحن في مصر، فنقول عكس ما نفعل.. نتشدْق يالحرية والديموقراطية، ونكمْم أفواه الأحرار. بل تنشيء الدولة وزارة للإعلام تخطط للمؤسسات الفنية والأدبية والإعلامية ما تريده منهم الدولة أن يفعلوا أو يقدموا أعمال فنية أو أدبية!
يبدأ المجتمع في التخبْط، ديموقراطية، أرهاب يفرض نفوذه تارة بالتهديد والوعيد والقتل، وأخرى بشراء ذمم الناس والمسؤولين، وإملاء ما يريدون تنفيذه عبر تلك المؤسسات، وعلى رأس هذه المؤسسات وزارة الإعلام، ثم تبعتها وزارة الداخلية. وهاتان الوزارتان أكثر الوزارات تأثيراً في المجتمع..أي مجتمع. فإذا أحتمى الإرهاب في هاتين الوزارتين، أصبحت باقي الوزارات تابعة، وتعمل على تنفيذ ما يريده أصحاب الفكر الوصولي!
لقد رأينا نشاطاً عجيباً في التلفزيون لرجال الدين الإسلامي يبثون سموم الكره ضد أبناء البلد من المسيحيين الذين لا تعرف وزارة الإعلام أنهم موجودون ولهم كيان. بل محت وجودهم، وبدأت تعمل على تصعيد عمليات التفرقة العنصرية عبر الإعلام المسموع منه والمقروء والمرئي. في نفس الوقت، بدأت عبر الفن تقديم أفلام ومسلسلات تهاجم فيها الإرهاب ولسان حالها (اي الحكومة الممثلة في وزارة الإعلام)، يقول: أنظروا اننا ديموقراطيون نطبق الديموقراطية. ينفعل الناس من فنانين وكتاب ومشاهدين، ويبدأون عبر أعمالهم بتقديم ما تطلبه الحكومة لمحاربة الإرهاب. يضحك المسؤولون ويقولون اننا نطبق الديموقراطية. الحقيقة المؤلمة أن الحكومة هي التي خلقت الإرهاب؛ ليكون الواجهة التي يتلهى بها الناس، بينما تقوم الحكومة على بث الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد عبر وزارة الإعلام ومؤسساتها التي أخذت بطريقة أو أخرى، الإيحاء أن المسيحي مُشرِك وعدو الله وكافر؛ فيصدق الناس ما أوحي به اليهم، فتسلط الإسلاميون المتطرفون على المسيحيين، وفرضوا عليهم الجزية، وقتلوهم، ونهبوا متاجرهم وحرقوا ديارهم وكنائسهم باسم الحرية والديموقراطية، وعرف المتأسلمون ثمن الوزراء، والمجالس البرلمانية، واجهزة الحكم بل والكثير من رجالات وسيدات المجتمع ودفعوا لهم بسخاء!
كل هذا يحدث، والحكومة تُقسم بأغلظ الإيمان أنها تطبق الديموقراطية، وتحترم مؤسسات حقوق الإنسان، وان المسيحي في مصر يتمتع بكافة حقوقه التي يخولها له الدستور والقانون. وتزداد قبضة المتأسلمين سيطرة على امور البلاد، ويحرم المسيحي من تولي أي منصب هام في مصر!
يحدث هذا تحت سمع وبصر رجال الحكم، الذين نؤكد أنهم يباركون كل عمل يقوم به هؤلاء الإرهابيون، واذا قلنا أن هذه الأعمال ليست في صالح البلاد.. لكن من يهتم بالبلاد طالما في كل تشكيل وزاري يتولى الوزراء نفس الوزارات؟!، وطالما أن كل من هو من أهل الرضى، اموره ميسرة، وطلباته مستجابة!
أما المضحك المبكي في موضوع الديموقراطية في مصر، قانون الطواريء الذي اعلنوا عنه مع اعلان الديموقراطية. وكأنهم يقولون، أننا الأمة الوحيدة التي تستطيع أن تلعب ( بالبيضة والحجر).. وإذا سألناهم كيف يكون هذا؟!.. أجابونا وهم في منتهى السعادة بأن هذا القانون (قانون الطواريء)، هو للوقوف في وجه الإرهاب.. ونسألهم ثانية: أين كان هذا القانون وقت مذابح المتحف المصري، ومذابح الأقصر، ومذابح كفر دميان، ومذبحتي الكشح؟!, والقائمة طويلة جداً. الحقيقة المؤسفة ان هذا القانون فقط لحماية رأس الدولة وأهم رجال الحكم لا كلهم!
شيء ثالث هو في الواقع في غاية الأهمية ولا وجود للديموقراطية (التي تعني حرية ومساواة)، فالدستور ينص على أن الدولة ليست دولة علمانية، بل هي دولة إسلامية والدين، هو مصدر التشريعات!
الدين في العالم كله موجود، بل أن الناس العاديين، اصبحوا يعرفون أمور دينهم بصورة أوضح مما كان عليه أجدادهم مما جعل رجال الدين يزدادون علماً بأمور الدنيا؛ ليستطيعوا الربط بين العلوم الحديثة والدين. فإذا أخذت الدولة الدين قوة لحكم الشعب، فلا يمكن للشعب أن يمارس الديموقراطية؛ لأن المعارضة هنا لن تكون ضد مؤسسة علمانية بشرية يمكن معارضتها. المؤسسة هنا دينية..إلهية.. ومن يعارضها يوصم بصفات ما أبشعها! وتتحول الديكتاتورية الفردية العلمانية إلى ديكتاتورية المؤسسات الدينية التي لا يمكن للناس مناقشة ما يصدر عنها من أقوال أو قوانين؛ لأنها سماوية. في هذه الحالة لا مكان للأقليات في ظل الدولة الدينية والأقليات هنا هي الأقليات الدينية. أي اذا كانت الدولة إسلامية، فالمسيحيون في هذه الدولة ليسوا بمواطنين لهم ما للمسلمين من حقوق. وهذا لا ينطبق فقط على الأقلية المسيحية في الدول الإسلامية، وانما ينطبق أيضاً على أقليات مثل الهندوس أو البوذيين أو المسلمين الذين يتبعون مذهباً أخر غير مذهب الدولة!
ما يثبت صدق كلامنا قول السيدة سناء منصور وكيل أول وزارة الإعلام، ورئيس القنوات الفضائية المصرية عندما كانت في زيارة لأستراليا منذ (عدة أشهر مضت/2000 م)، عندما سئلت عن حق المسيحيين في الإعلام المصري؛ فكان ردها: لا تنسوا أن مصر دولة اسلامية، وليست دولة علمانية!
نقول للسيدة الجليلة، أننا نعرف أن مصر دولة اسلامية، وذلك من المقررات الإسلامية المفروضة على أولادنا وبناتنا في المدارس. اننا نعرف أن مصر دولة اسلامية من كثرة الميكروفونات المعلقة فوق مآذن المساجد التي يتسابق عدد بنائها مع غزارة الإنجاب في مصر. اننا نعرف سيدتي المسؤولة ان مصر دولة إسلامية عندما يتقدم أحد أبنائنا الأقباط الى وظيفة ليأكل منها (عيش) هو وأسرته. يُحرم منها لأنه غير مسلم. نحن نعرف هذا جيداً وقاسينا منه على مدى سنين زمنية طويلة. ونعتقد أنه آن الأوان لتسمعي سيادتك اننا أقباط المهجر لن نهتم بأي اعلام عربي سواء كان مصرياً أو غير مصري لا نجد فيه لأنفسنا مساحة اعلامية معقولة تُغني حاجتنا الدينية والأجتماعية والثقافية. ويعترف الوجود المصري بالوجود المسيحي لأنكم وبكل صراحة تحاولون ابادة شعب بأكمله وحضارته العريقة الممتدة الى سبعة الاف سنة!
وهذا حال الديموقراطية المصرية.. وزارة اعلام توجه الناس الى حيث تريد الدولة والى حيث يريد المتأسلمون. قانون طواريء لا محل له من الاعراب الا خوف الحكام من غضب الشعب يوماً. دولة دينية لا يستطيع احد مناقشة قرارتها، ولا ان يطالب اي مواطن لا يدين بدين الدولة بحقوقه، ولا أن يمارس حريته؛ لأن لا أحزاب ولا معارضة في الدولة الدينية. وأن الديموقراطية بدعة نصرانية غريبة...!.
***
هذا المقال كتبته عام 2000 ، وتم نشره في صحيفة "الهيرالد" في أستراليا بتاريخ 29/09/2000، وتم توثيقه في كتاب "المغترب" الجزء الرابع "من مجموعة الكتب التي أصدرتها في سيدني/أستراليا" عام 2002
ما أريد أن أقوله .. ان الأحوال في مصر تجاه الأقباط في ذلك الوقت وما قبل عدة مرات والى اليوم، مازالت كما هي، بل ازدادت بوجود السلفيين، والأخوان، والوهابيين.. من حرق بيوتهم وتشريد عائلاتهم في الشوارع، وضرب السيدات بغض النظر عن السن، وقتل الشباب ولا حقوق للأقباط، يعاملون معاملة العبيد في القرن21..و والخ .والدولة لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم!
أتمنى على جميع الكنائس على مختلف اتجاهاتهم الدينية أن يتحدوا في صلاة جماعية؛ ليرفع الله سلطان الشر وتعود مصر الى ما كانت عليه من محبة وتواصل بين أبناءها!
أرجوكم ارفعوا صلواتكم الى الرب يسوع.
نرجوك فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي أن ترعى أقباط مصر وترفع عنهم هذا الظلم.نحن واثقون من حبك لمصر والشعب المصري بجميع دياناته وأطيافه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق