( المركز الثقافي العربي في الهند ) يرفعني ، و(بلادي) تكبسني في اليوم نفسه ... أنا أكتب لهذا الجيل والأجيال القادمة دون أي بدل نقدي مطلقاً ، ولكن اسمي يجب أن يثبت في الكتب والصحف والمجلات والمواقع ، هذا نتاج فكري ، وسهر ليالي حتى الصباح على توالي الأيام ...!!
- 1 - سرقة أم استصغار شأن ...؟ !!! الكبير من تختارون مقالته من بين آلاف مقالات الكتّاب ، وأنتم في بلادكم يا ( بلادي)..!!
وقع بصري الكليل - من قبلُ - على عدة سرقات لمقالاتي ، بل قصيدة عن الجواهري العظيم ، وكتبت أربع حلقات مهمة عن السرقات الأدبية وتوارد الخواطر، ونظرية التأثر والتأثير في النقد الأدبي ، ونشرتها في أواخر آب 2012م ، ربما سأجمعها في مقالة واحدة مطولة ، وأعيد نشرها لأهميتها ، وندرة من كتب عن الموضوع في أيامنا.
وهذا اليوم ، وأنا على عادتي ، ومن طلب العُلا سهر الليالس ، سهرت ليلي ، وفي صباحي أحتجت قصيدة الجواهري الشهيرة ( حالنا أو في سبيل الحكم ) ، وأبيات مطلعها :
لقد ساءَني علمي بخُبثِ الســــرائرِ***على تطهيرِهـا غيرُ قادرِ
وآلمني أنـــــي أخيذُ تفكُّـــــرٍ*** بكلِّ رخيص النفسِ خِبٍّ مُماكِرِ
وألمحُ في هذي الوجوهِ كوالِحاً * اللؤم أشباحَ الوحوش الكواسرِ
وتوحِشُني الأوساطُ حتى كأنَّني***أُعاشِرُ ناساً أُنهِضوا من مقابرِ
وأنا في الحق أردت البيتين :
وكانت طباعٌ للعشائر تُـــرتجى ****فقـد لُوِّثَت حتى طباعُ العشائرِ
وكان لنا منهم سلاحٌ فأصبحوا ****سلاحــــاً علينا بين حين وآخرِ
يا سبحان الله ، الدنيا سرّها عجيب غريب ، قادني البحث للدخول على صحيفة :
" بلادي - تصدر عن مجموعة بلادي للإعلام
الثلاثاء - 19 تموز( يوليو ) 2016 - السنة الثانية - العدد 1063
Tuesday-19 Jul 2016 No. 1063
الجواهري خَطْفاً ... صراعاتُهُ مع مولدهِ وساطعهِ ونفسهِ وهاشميِّهِ "
نعم هذا عنوان لإحدى مقالاتي عن الجواهري العظيم ، أين اسمي ، الصحيفة تطبع في بغداد ، وتنشر على هذا الموقع الألكتروني ، والصحيفة ومؤسسة ( بلادي) للإعلام تشمل :
موقع الدكتور إبراهيم الجعفري "
قناة بلادي الفضائية
وكالة بلادي الإخبارية
مركز بلادي للدراسات الاستراتيجية "
مجموعة ( بلادي) ، المفترض رصينة ، ثقة ، تحترم الإنسان العراق ، لأن مرجعها الرجل الكبير الدكتور إبراهيم الجعفري المحترم .
لماذا لم تثبت اسمي على المقالة ؟!!
إن كان سهواً من قبل محرر الصفحة ، أين رئيس تحريرها ؟!! ألم يسأل عن كاتب المقالة ؟!!
إذا كانت المقالة لا تساوي شيئاً ...!! لماذا اختاروها ، ومئات ، بل آلاف الكتاب في العراق الحبيب ؟
سهوا ً كلّا ، وألف كلّا ...!!
لأن المحرر حذف آخر فقرة من المقالة ، والمصادر التي أعتمدتها : اقرأ رجاء ما حذف السيد المحرر ...!!
"...وأنا ذاهب للعشاء، عشية ليلة قمراء ، بعد عدة أيام من السنة الميلادية الغراء ( 2012م) ، لقاؤنا في الحلقة الخامسة إن شاء الله، والسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) موقع المثقف الأحد 7 /8 /2011 - الشاعر الذي قهرت حافظته الشيخوخة - مقال بقلم د. عبد الرضا علي.
(2) عبد نور داود عمران : البنية الإيقاعية في شعر الجواهري (مشروع رسالة دكتوراه - ص 7 - 8.
(3) راجع الشيخ جعفر محبوبة : ماضي النجف وحاضرها ج2 ص 36.
كريم مرزة الاسدي"
يبقى أهم سؤال أثارني ، لماذا تمجدون الجواهري ، مع صورة لتمثال ضخم له ، وتستخفون بعراقي أخر ، أنتم اخترتم مقالته دون أي كاتب آخر عن الجواهري ؟
كاتب هذه السطور الشاعر العمودي الوحيد الذي شارك بتأبين الجواهري في الحفل المقام بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاته، أيلول 1997م ، وبقصيدة ملحمة من 84 بيتاً ، ونشرتها صحيفة ( تشرين) السورية، وصحيفة ( الوطن) العراقية في حينها ، ومن قبلها نشرت قصيدة أخرى بـ (49) بيتاً عنه ، ونشرتها عدة صحف سورية وعراقية ...
وكتبت خمس حلقات مطولة عنه ...
هذا يعني أنني من أكثر عشاق الجواهري العظيم ، ولكن أنا العبد الفقير لله ،أيضاً عراقي ،و لي 15 مؤلفا مطبوعاً ، وستة من المخطوطات ، في نشأة النحو العربي ومسيرته الكوفية ، وفي علوم العروض والقوافي والضرائر الشعرية ، وتاريخ الحيرة والكوفة والأطوار المبكرة للنجف الأشرف ، وللعبقرية أسرارها ، وثلاثة أجزاء عن دراسات أدبية وقراءات نقدية ، غير دواويني الخمسة الكبيرة ، وأخيرها ( الهاشميات) ، والجواهري ليس لديه هاشميات ...!!
ما هو الدافع لتجاهل اسمي عمداً يا ( بلادي) ...؟!!
سؤال سيبقى جزما دون جواب صادق ...!!
2 - المركز اثقافي العربي في الهند يرفعني قبل كبسة ( بلادي):
ومن سخرية قدر(بلادي) قي اليوم نفسه ، نشرت (أول) مقالة في موقع ( المركز الثقافي العربي في الهند) برئاسة الدكتور الفاضل نوري خزعل المحترم ، وسمتها ( التجديد في الشعرالجاهلي: أساليبه ، أغراضه ، موسيقاه ) ، ، اتصل بي الدكتور على البريد الألكتروني قائلاً ، قدمنا لمقالتك بما يناسب مقامك الأدبي ، وأندهشت للمبادرة الكريمة ، وهذه إولى مقالاتي عندهم ،وفدّمني الشاعر المقدم لمقالتي بأبيات شعرية رائعة ، ألقاها بحضرة الجواهري نفسه ، أترك لكم النص ، ولا أزيد ...!!
" المستشار الأدبي للبيت الثقافي العربي في الهند
قدمها للنشر الشاعر المهندس ضياء تريكو صكر - رئيس تحرير صحيفة الحرف الأدبية الأكاديمية المحكمة - الصادرة عن البيت الثقافي العربي في الهند
التقديم
اطلِقْ عنانَ الكرى بـِشـــــــــراً بمـــا نرِدُ **أثرَتْ بأثرائهـــــــــا للأقدمـيــــــنَ يـَـــــدُ
صوفيّةُ الشـــــعرِّ والأركــــــانُ شاخصةٌ** في كـلِّ ركــنٍ لنا، بينَ الصوى، وتـــَــــدُ
وناســــــجٌ قــَرضَهـــا حُـســــناً بناصــيةٍ** لعـــــلّني في صـداها، مُذْ هَبَتْ، صـــــدَدُ
يا آبنَ الفراتينِ قد لاحَ السّــــــــــــما أُفُـقٌ **في المشــــــــرقينِ وذاكَ اليُـمْــنُ ينعَــقـِـدُ
إنّا كـتبناهُ شِـــــــــعـراً في الرهــيفِ لنـــا** نفيـقُ في نـُــوَّمٍ عـــيناً وإنْ رقــــــــــــدوا
لم يسعفني لسني بأبلغ من هذه الأبيات التي كتبتها في حضرة الجواهري.... ولا ضير، معترفاً، أقول أني متحيز للقريض على حساب النثر والحداثة في الشعر.... وخوالد الفحول شواهد على أن القريض ينبض، وسيبقى، حياةً.... حتى إذا قرأت مقالة الباحث كريم مرزة الأسدي التي تصح بحثاً تسميتها تليق لتكون ضمن مناهج طلبة الدراسات العليا.... ليس لأنها أنصفت القريض بل لأنها ثرة المعرفة ، دسمة البلاغة، علمية التحليل والمنطق، غزيرة المصادر.... وما شدني أكثر ذلك الحس الفني في سرد التفاعيل كشاعر أتقن العزف بآلة القريض على مقامات الفراهيدي.... وقبل أن أبارك الباحث على ما أتحفنا برائعته فإني أبارك البيت الثقافي به رافداً للأدب العربي..... ولروعة كلماتكم نقف احتراماً لست فيك مجــــاملاً، الباحث القدير كريم مرزة الأسدي "
كريم مرزة الأسدي بالخط العريض البارز المميز ...!!
متى نحترم ناسنا ، وكتّابنا وشعراءنا وعلماءنا وعمّالنا ...!!
3 - إليكم نص مقالتي المسكينة المغتصبة كما وردت في ( بلادهم ) ...!! :
~" ولادته الميمونة كانت في (26 تموز 1899م / 17 ربيع الأول 1317هـ) ، وعلى أغلب الظن ما دوناه هو الأصح، رغم ما نقل الدكتور عبد الرضا علي وغيره عن (فرات الجواهري) النجل الكبير للشاعر الأكبر ، إنّ الأخير فتح عينه للحياة في " 23 /7/ 1895م وكلُّ ما عداه ليس صحيحاً "، ولماذا رأينا الأصوب ؟ لأنَّ ولادة أخ الشاعر الأكبر عبد العزيز، الذي يزيده تسع سنوات عمراً ، كانت في (1308 هـ / 1890م) ، وفق ما ثبتها السيد جعفر الحلي الشاعر الشهير (توفي 1315 هـ /1897م) في بيتيه الآتيين اللذين توجه بهما إلى والده الشيخ عبد الحسين الجواهري ( 1281 هـ / 1864م 1335 هـ / 1916م) :
(بشراكمُ هذا غلامٌ لكمْ***مثل الذي بشر فيهِ (العزيزْ
سمعاً أباه أنّ تاريخه ** أعقبتْ يا بشراكَ عبد العزيزْ
ومن الجدير ذكره أنّ الشيخ علي الشرقي الشاعر الشهير، هو ابن عمّة الجواهري، تربيا معاً في بيت واحد بداية حياتيهما، ويعتبر الأخ الأكبر للجواهري ، ولد أيضا سنة (1890 م) ، بعد عبد العزيز بعدة أشهر ، والجواهري يزعم أنه أصغر من أخيه (العزيز) باثنتي عشرة سنة، وهذا أيضا غير دقيق، والدقيق ما دونه الباحث القدير الشيخ جعفر محبوبة في (ماضي النجف وحاضرها) بالتاريخ الهجري، وحوّلناه إلى التاريخ الميلادي، واعتمدناه بعد جهد وتدقيق، خلف الشيخ عبد الحسين الجواهري أربعة أولاد وبنت واحدة، وحسب التسلسل العمري، من الكبير إلى الصغير : عبد العزيز - محمد مهدي (الشاعر) - هادي (المنتحر 1917م) - أختهم المدفونة في السيدة زينب - الشهيد جعفر (ت 1948) .
ثم ماذا..؟ نعود والعود أحمد ! لماذا رصّع شيخنا هذين البيتين المعبرين بادئاً ذي بدء:
أزحْ عن صدركَ الزّبدا ***ودعهُ يبثُّ ما وجدا
وخلِّ حطـــــامَ مَوْجدةٍ *** تناثرُ فوقــــهُ قصَدا
تعال معي لنتحادث خاطفاً، والحكم لله ... يرى الجواهري أنّ مابين عمامه أجداده وجذوره الدينية، وعراقة عائلته النجفية وتطلعه الأدبي - وإلاّ لم يكن هو سوى معلم بسيط - وبين "ملف.. ساطع بك " يقصد ساطع الحصري وبعض الملتفين حوله، أزمة كبرى، طرقت أبواب عصبة الأمم، وكتب عنها مَنْ كتب من كبار السياسيين والكتاب، بما فيهم الحصري نفسه، لذلك يقتضي الرد عليها، بل الأفاضة فيها، فأطال ونعتهم بوصف قاس ٍمرير، نتركه لـ (ذكرياتي)، فالرجل متأزم منها حتى الممات، أمّا الشعرة التي قصمت ظهر البعير، والسبب الذي أدلع نيران الحرب بينهما بيت شعر ورد في قصيدة مشحونة بالحنين إلى العراق إبان زيارته الثانية إلى إيران (1926م) مطلعها:
هبَّ النسيبُ فهبتِ الأشـــــواقُ .... وهفا إليكمْ قلبُهُ الخفـّــــاقُ
والبيت القضية، أو الأزمة المستعصية يقول :
لي في العراق ِعصابة ٌ لولاهمُ .... ما كان محبوباً إليَّ عراقُ
وهل العراق إلا بأهله؟ وهل الإنسان إلا بالإنسان ؟ ! ألم يقلْ قيس ليلى من قديمٍ:
مرررّتُ على الديار ِديار ليلى .... أقبلُ ذا الجدار وذا الجدارا
ومـــا حبُ الديارِ شغفنَ قلبي .... ولكنْ حبّ مَنْ سكنَ الدّيارا
وأيضاَ الأستاذ (ساطع الحصري)، لم ينسَ المشكلة حتى وفاته، وذكرها في (مذكراته) الصادر سنة 1967م، ما كان لهذه القضية التي تقاذف بها الطرفان بتهمتي الشعوبية والطائفية ، أنْ تأخذ هذا المدى الواسع, لولا الجذور التاريخية المريضة لحالة العراق والأمة الإجتماعية، وتطرق إليها العالم الاجتماعي الدكتورعلي الوردي في العديد من مؤلفاته القيمة .
وربّ ضارة نافعة، وربَّ نافعة ضارة ! دفعت هذه المشكلة الشيخ (جواد الجواهري )، أن يفاتح الشخصية النافذة في الحكم والبارزة في المجتمع السيد (محمد الصدر) لحلحلتها، فتدخل لدى الملك (فيصل الأول)، وتمّ تعيين الشاب المعمم النحيف، والأديب اللطيف، ابن الثامنة والعشرين - وإنْ ذهب الشاعر للتصغير ! - في البلاط الملكي، وذلك سنة 1927م، وهذه المرحلة ربما يراها شيخنا جديرة بالتدوين، وفاءً لصاحب الجلالة، ومباهاةً بزهو الإنتصار، وانتقالا لواقع حال جديد فوجد نفسه بين دهاليز السياسيين، ومجالس الأنس، ومنتديات الأدب، العمامة على رأسه، وبين يديه كأسه، رمى العمامة وركب الهول :
وأركبُ الهول في ريعان ِ مأمنةٍ .... حبّ الحياة بحبِّ الموتِ يغريني
نعم مرحلة مهمة في حياته، وضعته بين بين، وعلى مفترق الطرق، بين إرضاء الحكّام ونزواتهم، أو الوقوف مع إرادة الجماهير وتطلعاتهم، معادلة صعبة، وتوازن رهيب، ولحظات حرجة، تارة ً يعترف بتقصيره:
تحوّلتُ من طبع ٍ لآخرِ ضدهُ ....من الشيمةِ الحسناءِ للشيمةِ النكرا
ومرات يتمرّد على نفسه، وينتفض طافرا لسبيله :
وليس بحرً مـــنْ إذا رامَ غايـةً .... تخوّفَ أنْ ترمي بهِ مســـلكاً وعـرا
وما أنتَ بالمعطي التّمرّدَ حقـهُ .... إذاكنتّ تخشى أنْ تجوعَ وأنْ تعرى
وهلْ غير هذا ترتجي من مواطن ٍ.... تريدُ على أوضاعها ثورة كبـــرى
فمن ثورته الجواهرية الكبرى قصيدته (الرجعيون) التي نظمها سنة (1929)، إثر المعارضة المتشددة لفتح مدرسة للبنات في مدينته، مدينة النجف الأشرف، ونشرتها جريدة (العراق)، ولم يُرعبها ( لصوصٌ ولاطة ٌ وزناةُ)، وبعدها ( جربيني ) من (ضد الجمهور... في الدين ) إلى (بداعة التكوين) ، و(النزغة) من (أصفق كأسه) حتى ( يُملي " طباقه !" و " جناسه" ) ، ما هكذا العهد بين الطرفين، وشتان بين (البلاط) و ( الملاط) !!
فما كان ( الثائر) بقادر ٍ على الترف المقيد، والعرف المزيف، فطفر من البلاط الملكي اللطيف إلى الصراط الصحفي المخيف، فطغت عليه صحيفته (الفرات) (منتصف1930)، ولم تتجاوز عشرين عددا منها حتى اغلقت أبوابها أمامه، وبعد الفوات لم يرَ نفسه إلا بين المحاكم والغرامات،والمشاحنات والعداوات، ومهنة المتاعب والتيارات حتى أوائل الستينيات، وما بينهما عاش الفاقة والحصار لثلاث سنوات، إذْ ضمّه ( جلالته) تحت رحمة قائمته السوداء:
فمن عجب ٍأنْ يمنح الرزق وادعٌ .... ويمنعهُ ثبت الجنان مغامرُ
وما هذا بعجبٍ، وإنمّا سنـّة الخلق، وطبيعة الحياة، ولا تذهب بك الظنون - أنت أيّها القارىء الكريم - إلى أنّ الصحافة وحدها سبب هذا البلاء، صاحبنا الشيخ الكبير كان يحركه دافعٌ غريزي قوي للعيش بلذة على حافة الخطر، وهاوية القدر، فهو على هذا الحال، يركض نحو الأهوال، فينظم (حالنا اليوم أو في سبيل الحكم)، وهي قصيدة قاسية ومريرة ضد الحكم القائم حينذاك، عندما اندلعت نيران المعارك المؤلمة بين عشائر الفرات الأوسط بتحريض من الساسة الكبار عام 1935م ، إذ كانت وزارة (ياسين الهاشمي) الثانية في أوج عنفوانها:
ولم يبق معنى للمناصب عندنا .... سوى أنها ملك القريبِ المصاهر ِ
وكانتْ طباعٌ للعشائر ترتجـى .... فقدْ لوّثتْ حتى طباع العشــــائر ِ
بالرغم من أنّ السيد الهاشمي كان مؤمناً بحرية الصحافة، وصراحة القول - والحق يقال - ، ولكن ربما لإضطراب الأوضاع ، وخشية من تأجيج الأوجاع، غُلقت الصحيفة الناشرة (الإصلاح)، وأُقيمت الدعوى على الشاعر الثائر، وصاحب الجريدة العاثر، وبإيعاز ملعوب أجلت القضية، ومن ثم أُلغيت الدعوى، واستدعى الهاشمي الجواهري ليساومه على عضوية مجلس النواب، مقابل دعم الأخير للأول، أو سكوته على الأقل، ورفض دولة الرئيس طلباً للشاعر بإيفاده للخارج بإلحاح ٍ فامتنع! ولم يعلن اسمه كمرشح للمجلس، ولم تتم الصفقة، ولا إيفاده المعشوق إيفاد، ضيع المشيتين ، وبعد يوم من إعلان اسماء المرشحين، يعلن الفريق ( بكر صدقي ) إنقلابه على (الهاشمي ياسين) ( تشرين الأول 1936م)، ويُصدر شيخنا الشاب صحيفته (الإنقلاب) مناصرة، بل ناطقة بلسان الإنقلاب، فجبلته بُنيت لمساندة كل تمرد، أو انتفاضة وطنية محقـّة، أو ثورة شعبية صادقة، فحسَبَ الجماعة المنقلبة من العادلين المحقين الصادقين، ولم يخفت ظنـّه الحسن من بعدُ، حتى قال في ثورة ( 14 تموز ) :" جيش العراقِ ولم أزلْ بكَ مؤمنا " ، وما ( لم أزلْ ) إلا استمرارية (لما مضى ) ، لو كنتم تعلمون !! فلكلّ جديد لذة ورنـّة، وبأنـّه " الأملُ المُرجى والمنى" .
ثمّ أنـّه عدَّ صاحبه الهاشميَّ قد نكث العهد معه ، وغدر به ، فواحدة بواحدة ! وكان ممن مدحه سابقا بقصيدة مطلعها :
عليكم وإنْ طال الرجاء المعوّلُ .... وفي يدكمْ تحقيقُ ما يُتأملُ
وأنتمْ أخيرٌ فـــي ادّعاءٍ ومطمعٍ ٍ.... وأنتمْ إذا عُدَّ لميـامين أولُ
ويبدو لك من العجيب، قد رثاه أيضاً بعد وفاته، ومما قال:
ناصبتُ حكمك غاضباً فوجدتني .... بأزاءِ شهم ٍ في الخصام ِ كريم ِ
كمْ فترةٍ دهتِ العـــراقَ عصيبة .... فرّجتها بدهائــــــــــكّ المعلوم ومن المعلوم أنَ (ياسين الهاشمي)، غادرالعراق إبان إنقلاب بكر صدقي، متوجهاً إلى بيروت، وتوفي فيها سنة 1937م ، ثم نقل جثمانه إلى دمشق، ليدفن جنب ضريح صلاح الدين الأيوبي, وربما جاء الرثاء لرد الاعتبار أو شبه اعتذار، أو كما قيل :
دعوتُ على عَمْر ٍفلما فقدتهُ .... بليتُ بأقوام ٍبكيت على عَمْر ِ
و( عَمرو ) تـُحذف واوها في الشعر عند تنوينها ، فحذفتها ، وحركتها ، المهم الحقيقة أنَّ الهاشمي ياسين - كان أخوه طه الهاشمي رئيساً لأركان الجيش في عهده، وإبان الانقلاب كان في زيارة للأردن - رجلٌ سياسي داهية باعتراف الجواهري نفسه، يسيره عقله باتزان محسوب، واللحظات الآتية مخطط لها من قبل، والشاعر لحظة الإلهام الشعري، يكون تحت هيمنتها تماما، لا تخطيط مسبق، ولا هم يحزنون ولا يفرحون !! لذلك هو صادق دائما في شعره مع نفسه، ومع مجتمعه، إنْ عذر أو عذل، إن مدح أو هجا، إنْ سخط أو رضى، وهذا ليس بتبرير، ولكنه تحليل، ولك أنْ تأخذ منه ما تشاء ."
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض المواقع التي نشرت مقالتي :
موقع ( النور) :
3 - الجَّوَاهِرِي خَطْفَاً... صِرَاعَاتُهُ مَعَ مَوْلِدِهِ وَسَاطِعِهِ وَنَفْسِهِ وَهَاشِمِيِّهِ - الحلقة الثالثة | 11/ 02 / 2016م.
وقد جاء تعليقي على المقالة كما يلي :
اعتذار للقارئ الكريم:
وأنا أمرّ عليها عثرت على أسماء أو مصادر لأفعال خماسية كـ ( اجتمع ، انقلب ، انصر) ، قد طُبِعتْ بكتابة الهمزة المكسورة ، ومن المعلوم أن الأسماء والمصادر للأفعال الخماسية والسداسية ، لا تكتب فيها الهمزات ، ووردت كلمة ( بنت) ، وهي معطوفة على مفعول به للفعل خلّف ، فيجب كتابتها ( بنتا) ، وربما وردت كلمة ( أسماء ) مرة واحدة بدون همزة ، والصحيح جمع اسم ، أسماء تكتب الهمزة ... احتراماتي ومودتي.
موقع (الحوار النتمدن) :
3 - الجَّوَاهِرِي خَطْفَاً... صِرَاعَاتُهُ مَعَ مَوْلِدِهِ وَسَاطِعِهِ وَنَفْسِهِ وَهَاشِمِيِّهِ.
5071العدد :
الادب والفن
2016 / 2 / 10
:موقع ( المثقف )
288
(3) الجَّوَاهِرِي خَطْفَاً: صِرَاعَاتُهُ مَعَ مَوْلِدِهِ وَسَاطِعِهِ وَنَفْسِهِ وَهَاشِمِيِّهِ
قراءات نقدية
2016-02-11
- 1 - سرقة أم استصغار شأن ...؟ !!! الكبير من تختارون مقالته من بين آلاف مقالات الكتّاب ، وأنتم في بلادكم يا ( بلادي)..!!
وقع بصري الكليل - من قبلُ - على عدة سرقات لمقالاتي ، بل قصيدة عن الجواهري العظيم ، وكتبت أربع حلقات مهمة عن السرقات الأدبية وتوارد الخواطر، ونظرية التأثر والتأثير في النقد الأدبي ، ونشرتها في أواخر آب 2012م ، ربما سأجمعها في مقالة واحدة مطولة ، وأعيد نشرها لأهميتها ، وندرة من كتب عن الموضوع في أيامنا.
وهذا اليوم ، وأنا على عادتي ، ومن طلب العُلا سهر الليالس ، سهرت ليلي ، وفي صباحي أحتجت قصيدة الجواهري الشهيرة ( حالنا أو في سبيل الحكم ) ، وأبيات مطلعها :
لقد ساءَني علمي بخُبثِ الســــرائرِ***على تطهيرِهـا غيرُ قادرِ
وآلمني أنـــــي أخيذُ تفكُّـــــرٍ*** بكلِّ رخيص النفسِ خِبٍّ مُماكِرِ
وألمحُ في هذي الوجوهِ كوالِحاً * اللؤم أشباحَ الوحوش الكواسرِ
وتوحِشُني الأوساطُ حتى كأنَّني***أُعاشِرُ ناساً أُنهِضوا من مقابرِ
وأنا في الحق أردت البيتين :
وكانت طباعٌ للعشائر تُـــرتجى ****فقـد لُوِّثَت حتى طباعُ العشائرِ
وكان لنا منهم سلاحٌ فأصبحوا ****سلاحــــاً علينا بين حين وآخرِ
يا سبحان الله ، الدنيا سرّها عجيب غريب ، قادني البحث للدخول على صحيفة :
" بلادي - تصدر عن مجموعة بلادي للإعلام
الثلاثاء - 19 تموز( يوليو ) 2016 - السنة الثانية - العدد 1063
Tuesday-19 Jul 2016 No. 1063
الجواهري خَطْفاً ... صراعاتُهُ مع مولدهِ وساطعهِ ونفسهِ وهاشميِّهِ "
نعم هذا عنوان لإحدى مقالاتي عن الجواهري العظيم ، أين اسمي ، الصحيفة تطبع في بغداد ، وتنشر على هذا الموقع الألكتروني ، والصحيفة ومؤسسة ( بلادي) للإعلام تشمل :
موقع الدكتور إبراهيم الجعفري "
قناة بلادي الفضائية
وكالة بلادي الإخبارية
مركز بلادي للدراسات الاستراتيجية "
مجموعة ( بلادي) ، المفترض رصينة ، ثقة ، تحترم الإنسان العراق ، لأن مرجعها الرجل الكبير الدكتور إبراهيم الجعفري المحترم .
لماذا لم تثبت اسمي على المقالة ؟!!
إن كان سهواً من قبل محرر الصفحة ، أين رئيس تحريرها ؟!! ألم يسأل عن كاتب المقالة ؟!!
إذا كانت المقالة لا تساوي شيئاً ...!! لماذا اختاروها ، ومئات ، بل آلاف الكتاب في العراق الحبيب ؟
سهوا ً كلّا ، وألف كلّا ...!!
لأن المحرر حذف آخر فقرة من المقالة ، والمصادر التي أعتمدتها : اقرأ رجاء ما حذف السيد المحرر ...!!
"...وأنا ذاهب للعشاء، عشية ليلة قمراء ، بعد عدة أيام من السنة الميلادية الغراء ( 2012م) ، لقاؤنا في الحلقة الخامسة إن شاء الله، والسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) موقع المثقف الأحد 7 /8 /2011 - الشاعر الذي قهرت حافظته الشيخوخة - مقال بقلم د. عبد الرضا علي.
(2) عبد نور داود عمران : البنية الإيقاعية في شعر الجواهري (مشروع رسالة دكتوراه - ص 7 - 8.
(3) راجع الشيخ جعفر محبوبة : ماضي النجف وحاضرها ج2 ص 36.
كريم مرزة الاسدي"
يبقى أهم سؤال أثارني ، لماذا تمجدون الجواهري ، مع صورة لتمثال ضخم له ، وتستخفون بعراقي أخر ، أنتم اخترتم مقالته دون أي كاتب آخر عن الجواهري ؟
كاتب هذه السطور الشاعر العمودي الوحيد الذي شارك بتأبين الجواهري في الحفل المقام بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاته، أيلول 1997م ، وبقصيدة ملحمة من 84 بيتاً ، ونشرتها صحيفة ( تشرين) السورية، وصحيفة ( الوطن) العراقية في حينها ، ومن قبلها نشرت قصيدة أخرى بـ (49) بيتاً عنه ، ونشرتها عدة صحف سورية وعراقية ...
وكتبت خمس حلقات مطولة عنه ...
هذا يعني أنني من أكثر عشاق الجواهري العظيم ، ولكن أنا العبد الفقير لله ،أيضاً عراقي ،و لي 15 مؤلفا مطبوعاً ، وستة من المخطوطات ، في نشأة النحو العربي ومسيرته الكوفية ، وفي علوم العروض والقوافي والضرائر الشعرية ، وتاريخ الحيرة والكوفة والأطوار المبكرة للنجف الأشرف ، وللعبقرية أسرارها ، وثلاثة أجزاء عن دراسات أدبية وقراءات نقدية ، غير دواويني الخمسة الكبيرة ، وأخيرها ( الهاشميات) ، والجواهري ليس لديه هاشميات ...!!
ما هو الدافع لتجاهل اسمي عمداً يا ( بلادي) ...؟!!
سؤال سيبقى جزما دون جواب صادق ...!!
2 - المركز اثقافي العربي في الهند يرفعني قبل كبسة ( بلادي):
ومن سخرية قدر(بلادي) قي اليوم نفسه ، نشرت (أول) مقالة في موقع ( المركز الثقافي العربي في الهند) برئاسة الدكتور الفاضل نوري خزعل المحترم ، وسمتها ( التجديد في الشعرالجاهلي: أساليبه ، أغراضه ، موسيقاه ) ، ، اتصل بي الدكتور على البريد الألكتروني قائلاً ، قدمنا لمقالتك بما يناسب مقامك الأدبي ، وأندهشت للمبادرة الكريمة ، وهذه إولى مقالاتي عندهم ،وفدّمني الشاعر المقدم لمقالتي بأبيات شعرية رائعة ، ألقاها بحضرة الجواهري نفسه ، أترك لكم النص ، ولا أزيد ...!!
" المستشار الأدبي للبيت الثقافي العربي في الهند
قدمها للنشر الشاعر المهندس ضياء تريكو صكر - رئيس تحرير صحيفة الحرف الأدبية الأكاديمية المحكمة - الصادرة عن البيت الثقافي العربي في الهند
التقديم
اطلِقْ عنانَ الكرى بـِشـــــــــراً بمـــا نرِدُ **أثرَتْ بأثرائهـــــــــا للأقدمـيــــــنَ يـَـــــدُ
صوفيّةُ الشـــــعرِّ والأركــــــانُ شاخصةٌ** في كـلِّ ركــنٍ لنا، بينَ الصوى، وتـــَــــدُ
وناســــــجٌ قــَرضَهـــا حُـســــناً بناصــيةٍ** لعـــــلّني في صـداها، مُذْ هَبَتْ، صـــــدَدُ
يا آبنَ الفراتينِ قد لاحَ السّــــــــــــما أُفُـقٌ **في المشــــــــرقينِ وذاكَ اليُـمْــنُ ينعَــقـِـدُ
إنّا كـتبناهُ شِـــــــــعـراً في الرهــيفِ لنـــا** نفيـقُ في نـُــوَّمٍ عـــيناً وإنْ رقــــــــــــدوا
لم يسعفني لسني بأبلغ من هذه الأبيات التي كتبتها في حضرة الجواهري.... ولا ضير، معترفاً، أقول أني متحيز للقريض على حساب النثر والحداثة في الشعر.... وخوالد الفحول شواهد على أن القريض ينبض، وسيبقى، حياةً.... حتى إذا قرأت مقالة الباحث كريم مرزة الأسدي التي تصح بحثاً تسميتها تليق لتكون ضمن مناهج طلبة الدراسات العليا.... ليس لأنها أنصفت القريض بل لأنها ثرة المعرفة ، دسمة البلاغة، علمية التحليل والمنطق، غزيرة المصادر.... وما شدني أكثر ذلك الحس الفني في سرد التفاعيل كشاعر أتقن العزف بآلة القريض على مقامات الفراهيدي.... وقبل أن أبارك الباحث على ما أتحفنا برائعته فإني أبارك البيت الثقافي به رافداً للأدب العربي..... ولروعة كلماتكم نقف احتراماً لست فيك مجــــاملاً، الباحث القدير كريم مرزة الأسدي "
كريم مرزة الأسدي بالخط العريض البارز المميز ...!!
متى نحترم ناسنا ، وكتّابنا وشعراءنا وعلماءنا وعمّالنا ...!!
3 - إليكم نص مقالتي المسكينة المغتصبة كما وردت في ( بلادهم ) ...!! :
~" ولادته الميمونة كانت في (26 تموز 1899م / 17 ربيع الأول 1317هـ) ، وعلى أغلب الظن ما دوناه هو الأصح، رغم ما نقل الدكتور عبد الرضا علي وغيره عن (فرات الجواهري) النجل الكبير للشاعر الأكبر ، إنّ الأخير فتح عينه للحياة في " 23 /7/ 1895م وكلُّ ما عداه ليس صحيحاً "، ولماذا رأينا الأصوب ؟ لأنَّ ولادة أخ الشاعر الأكبر عبد العزيز، الذي يزيده تسع سنوات عمراً ، كانت في (1308 هـ / 1890م) ، وفق ما ثبتها السيد جعفر الحلي الشاعر الشهير (توفي 1315 هـ /1897م) في بيتيه الآتيين اللذين توجه بهما إلى والده الشيخ عبد الحسين الجواهري ( 1281 هـ / 1864م 1335 هـ / 1916م) :
(بشراكمُ هذا غلامٌ لكمْ***مثل الذي بشر فيهِ (العزيزْ
سمعاً أباه أنّ تاريخه ** أعقبتْ يا بشراكَ عبد العزيزْ
ومن الجدير ذكره أنّ الشيخ علي الشرقي الشاعر الشهير، هو ابن عمّة الجواهري، تربيا معاً في بيت واحد بداية حياتيهما، ويعتبر الأخ الأكبر للجواهري ، ولد أيضا سنة (1890 م) ، بعد عبد العزيز بعدة أشهر ، والجواهري يزعم أنه أصغر من أخيه (العزيز) باثنتي عشرة سنة، وهذا أيضا غير دقيق، والدقيق ما دونه الباحث القدير الشيخ جعفر محبوبة في (ماضي النجف وحاضرها) بالتاريخ الهجري، وحوّلناه إلى التاريخ الميلادي، واعتمدناه بعد جهد وتدقيق، خلف الشيخ عبد الحسين الجواهري أربعة أولاد وبنت واحدة، وحسب التسلسل العمري، من الكبير إلى الصغير : عبد العزيز - محمد مهدي (الشاعر) - هادي (المنتحر 1917م) - أختهم المدفونة في السيدة زينب - الشهيد جعفر (ت 1948) .
ثم ماذا..؟ نعود والعود أحمد ! لماذا رصّع شيخنا هذين البيتين المعبرين بادئاً ذي بدء:
أزحْ عن صدركَ الزّبدا ***ودعهُ يبثُّ ما وجدا
وخلِّ حطـــــامَ مَوْجدةٍ *** تناثرُ فوقــــهُ قصَدا
تعال معي لنتحادث خاطفاً، والحكم لله ... يرى الجواهري أنّ مابين عمامه أجداده وجذوره الدينية، وعراقة عائلته النجفية وتطلعه الأدبي - وإلاّ لم يكن هو سوى معلم بسيط - وبين "ملف.. ساطع بك " يقصد ساطع الحصري وبعض الملتفين حوله، أزمة كبرى، طرقت أبواب عصبة الأمم، وكتب عنها مَنْ كتب من كبار السياسيين والكتاب، بما فيهم الحصري نفسه، لذلك يقتضي الرد عليها، بل الأفاضة فيها، فأطال ونعتهم بوصف قاس ٍمرير، نتركه لـ (ذكرياتي)، فالرجل متأزم منها حتى الممات، أمّا الشعرة التي قصمت ظهر البعير، والسبب الذي أدلع نيران الحرب بينهما بيت شعر ورد في قصيدة مشحونة بالحنين إلى العراق إبان زيارته الثانية إلى إيران (1926م) مطلعها:
هبَّ النسيبُ فهبتِ الأشـــــواقُ .... وهفا إليكمْ قلبُهُ الخفـّــــاقُ
والبيت القضية، أو الأزمة المستعصية يقول :
لي في العراق ِعصابة ٌ لولاهمُ .... ما كان محبوباً إليَّ عراقُ
وهل العراق إلا بأهله؟ وهل الإنسان إلا بالإنسان ؟ ! ألم يقلْ قيس ليلى من قديمٍ:
مرررّتُ على الديار ِديار ليلى .... أقبلُ ذا الجدار وذا الجدارا
ومـــا حبُ الديارِ شغفنَ قلبي .... ولكنْ حبّ مَنْ سكنَ الدّيارا
وأيضاَ الأستاذ (ساطع الحصري)، لم ينسَ المشكلة حتى وفاته، وذكرها في (مذكراته) الصادر سنة 1967م، ما كان لهذه القضية التي تقاذف بها الطرفان بتهمتي الشعوبية والطائفية ، أنْ تأخذ هذا المدى الواسع, لولا الجذور التاريخية المريضة لحالة العراق والأمة الإجتماعية، وتطرق إليها العالم الاجتماعي الدكتورعلي الوردي في العديد من مؤلفاته القيمة .
وربّ ضارة نافعة، وربَّ نافعة ضارة ! دفعت هذه المشكلة الشيخ (جواد الجواهري )، أن يفاتح الشخصية النافذة في الحكم والبارزة في المجتمع السيد (محمد الصدر) لحلحلتها، فتدخل لدى الملك (فيصل الأول)، وتمّ تعيين الشاب المعمم النحيف، والأديب اللطيف، ابن الثامنة والعشرين - وإنْ ذهب الشاعر للتصغير ! - في البلاط الملكي، وذلك سنة 1927م، وهذه المرحلة ربما يراها شيخنا جديرة بالتدوين، وفاءً لصاحب الجلالة، ومباهاةً بزهو الإنتصار، وانتقالا لواقع حال جديد فوجد نفسه بين دهاليز السياسيين، ومجالس الأنس، ومنتديات الأدب، العمامة على رأسه، وبين يديه كأسه، رمى العمامة وركب الهول :
وأركبُ الهول في ريعان ِ مأمنةٍ .... حبّ الحياة بحبِّ الموتِ يغريني
نعم مرحلة مهمة في حياته، وضعته بين بين، وعلى مفترق الطرق، بين إرضاء الحكّام ونزواتهم، أو الوقوف مع إرادة الجماهير وتطلعاتهم، معادلة صعبة، وتوازن رهيب، ولحظات حرجة، تارة ً يعترف بتقصيره:
تحوّلتُ من طبع ٍ لآخرِ ضدهُ ....من الشيمةِ الحسناءِ للشيمةِ النكرا
ومرات يتمرّد على نفسه، وينتفض طافرا لسبيله :
وليس بحرً مـــنْ إذا رامَ غايـةً .... تخوّفَ أنْ ترمي بهِ مســـلكاً وعـرا
وما أنتَ بالمعطي التّمرّدَ حقـهُ .... إذاكنتّ تخشى أنْ تجوعَ وأنْ تعرى
وهلْ غير هذا ترتجي من مواطن ٍ.... تريدُ على أوضاعها ثورة كبـــرى
فمن ثورته الجواهرية الكبرى قصيدته (الرجعيون) التي نظمها سنة (1929)، إثر المعارضة المتشددة لفتح مدرسة للبنات في مدينته، مدينة النجف الأشرف، ونشرتها جريدة (العراق)، ولم يُرعبها ( لصوصٌ ولاطة ٌ وزناةُ)، وبعدها ( جربيني ) من (ضد الجمهور... في الدين ) إلى (بداعة التكوين) ، و(النزغة) من (أصفق كأسه) حتى ( يُملي " طباقه !" و " جناسه" ) ، ما هكذا العهد بين الطرفين، وشتان بين (البلاط) و ( الملاط) !!
فما كان ( الثائر) بقادر ٍ على الترف المقيد، والعرف المزيف، فطفر من البلاط الملكي اللطيف إلى الصراط الصحفي المخيف، فطغت عليه صحيفته (الفرات) (منتصف1930)، ولم تتجاوز عشرين عددا منها حتى اغلقت أبوابها أمامه، وبعد الفوات لم يرَ نفسه إلا بين المحاكم والغرامات،والمشاحنات والعداوات، ومهنة المتاعب والتيارات حتى أوائل الستينيات، وما بينهما عاش الفاقة والحصار لثلاث سنوات، إذْ ضمّه ( جلالته) تحت رحمة قائمته السوداء:
فمن عجب ٍأنْ يمنح الرزق وادعٌ .... ويمنعهُ ثبت الجنان مغامرُ
وما هذا بعجبٍ، وإنمّا سنـّة الخلق، وطبيعة الحياة، ولا تذهب بك الظنون - أنت أيّها القارىء الكريم - إلى أنّ الصحافة وحدها سبب هذا البلاء، صاحبنا الشيخ الكبير كان يحركه دافعٌ غريزي قوي للعيش بلذة على حافة الخطر، وهاوية القدر، فهو على هذا الحال، يركض نحو الأهوال، فينظم (حالنا اليوم أو في سبيل الحكم)، وهي قصيدة قاسية ومريرة ضد الحكم القائم حينذاك، عندما اندلعت نيران المعارك المؤلمة بين عشائر الفرات الأوسط بتحريض من الساسة الكبار عام 1935م ، إذ كانت وزارة (ياسين الهاشمي) الثانية في أوج عنفوانها:
ولم يبق معنى للمناصب عندنا .... سوى أنها ملك القريبِ المصاهر ِ
وكانتْ طباعٌ للعشائر ترتجـى .... فقدْ لوّثتْ حتى طباع العشــــائر ِ
بالرغم من أنّ السيد الهاشمي كان مؤمناً بحرية الصحافة، وصراحة القول - والحق يقال - ، ولكن ربما لإضطراب الأوضاع ، وخشية من تأجيج الأوجاع، غُلقت الصحيفة الناشرة (الإصلاح)، وأُقيمت الدعوى على الشاعر الثائر، وصاحب الجريدة العاثر، وبإيعاز ملعوب أجلت القضية، ومن ثم أُلغيت الدعوى، واستدعى الهاشمي الجواهري ليساومه على عضوية مجلس النواب، مقابل دعم الأخير للأول، أو سكوته على الأقل، ورفض دولة الرئيس طلباً للشاعر بإيفاده للخارج بإلحاح ٍ فامتنع! ولم يعلن اسمه كمرشح للمجلس، ولم تتم الصفقة، ولا إيفاده المعشوق إيفاد، ضيع المشيتين ، وبعد يوم من إعلان اسماء المرشحين، يعلن الفريق ( بكر صدقي ) إنقلابه على (الهاشمي ياسين) ( تشرين الأول 1936م)، ويُصدر شيخنا الشاب صحيفته (الإنقلاب) مناصرة، بل ناطقة بلسان الإنقلاب، فجبلته بُنيت لمساندة كل تمرد، أو انتفاضة وطنية محقـّة، أو ثورة شعبية صادقة، فحسَبَ الجماعة المنقلبة من العادلين المحقين الصادقين، ولم يخفت ظنـّه الحسن من بعدُ، حتى قال في ثورة ( 14 تموز ) :" جيش العراقِ ولم أزلْ بكَ مؤمنا " ، وما ( لم أزلْ ) إلا استمرارية (لما مضى ) ، لو كنتم تعلمون !! فلكلّ جديد لذة ورنـّة، وبأنـّه " الأملُ المُرجى والمنى" .
ثمّ أنـّه عدَّ صاحبه الهاشميَّ قد نكث العهد معه ، وغدر به ، فواحدة بواحدة ! وكان ممن مدحه سابقا بقصيدة مطلعها :
عليكم وإنْ طال الرجاء المعوّلُ .... وفي يدكمْ تحقيقُ ما يُتأملُ
وأنتمْ أخيرٌ فـــي ادّعاءٍ ومطمعٍ ٍ.... وأنتمْ إذا عُدَّ لميـامين أولُ
ويبدو لك من العجيب، قد رثاه أيضاً بعد وفاته، ومما قال:
ناصبتُ حكمك غاضباً فوجدتني .... بأزاءِ شهم ٍ في الخصام ِ كريم ِ
كمْ فترةٍ دهتِ العـــراقَ عصيبة .... فرّجتها بدهائــــــــــكّ المعلوم ومن المعلوم أنَ (ياسين الهاشمي)، غادرالعراق إبان إنقلاب بكر صدقي، متوجهاً إلى بيروت، وتوفي فيها سنة 1937م ، ثم نقل جثمانه إلى دمشق، ليدفن جنب ضريح صلاح الدين الأيوبي, وربما جاء الرثاء لرد الاعتبار أو شبه اعتذار، أو كما قيل :
دعوتُ على عَمْر ٍفلما فقدتهُ .... بليتُ بأقوام ٍبكيت على عَمْر ِ
و( عَمرو ) تـُحذف واوها في الشعر عند تنوينها ، فحذفتها ، وحركتها ، المهم الحقيقة أنَّ الهاشمي ياسين - كان أخوه طه الهاشمي رئيساً لأركان الجيش في عهده، وإبان الانقلاب كان في زيارة للأردن - رجلٌ سياسي داهية باعتراف الجواهري نفسه، يسيره عقله باتزان محسوب، واللحظات الآتية مخطط لها من قبل، والشاعر لحظة الإلهام الشعري، يكون تحت هيمنتها تماما، لا تخطيط مسبق، ولا هم يحزنون ولا يفرحون !! لذلك هو صادق دائما في شعره مع نفسه، ومع مجتمعه، إنْ عذر أو عذل، إن مدح أو هجا، إنْ سخط أو رضى، وهذا ليس بتبرير، ولكنه تحليل، ولك أنْ تأخذ منه ما تشاء ."
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض المواقع التي نشرت مقالتي :
موقع ( النور) :
3 - الجَّوَاهِرِي خَطْفَاً... صِرَاعَاتُهُ مَعَ مَوْلِدِهِ وَسَاطِعِهِ وَنَفْسِهِ وَهَاشِمِيِّهِ - الحلقة الثالثة | 11/ 02 / 2016م.
وقد جاء تعليقي على المقالة كما يلي :
اعتذار للقارئ الكريم:
وأنا أمرّ عليها عثرت على أسماء أو مصادر لأفعال خماسية كـ ( اجتمع ، انقلب ، انصر) ، قد طُبِعتْ بكتابة الهمزة المكسورة ، ومن المعلوم أن الأسماء والمصادر للأفعال الخماسية والسداسية ، لا تكتب فيها الهمزات ، ووردت كلمة ( بنت) ، وهي معطوفة على مفعول به للفعل خلّف ، فيجب كتابتها ( بنتا) ، وربما وردت كلمة ( أسماء ) مرة واحدة بدون همزة ، والصحيح جمع اسم ، أسماء تكتب الهمزة ... احتراماتي ومودتي.
موقع (الحوار النتمدن) :
3 - الجَّوَاهِرِي خَطْفَاً... صِرَاعَاتُهُ مَعَ مَوْلِدِهِ وَسَاطِعِهِ وَنَفْسِهِ وَهَاشِمِيِّهِ.
5071العدد :
الادب والفن
2016 / 2 / 10
:موقع ( المثقف )
288
(3) الجَّوَاهِرِي خَطْفَاً: صِرَاعَاتُهُ مَعَ مَوْلِدِهِ وَسَاطِعِهِ وَنَفْسِهِ وَهَاشِمِيِّهِ
قراءات نقدية
2016-02-11
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق