"أن الحكم على حضارة أمة ما، يتم من خلال الدخول إلى سجونها"
فيودور دوستويفسكي (مذكرات من البيت الميت)
صور تعذيب صادمة، ليست في سجن أبو غريب، ليست في غوانتنامو، ليست في أقبية الأنظمة الديكتاتورية وإنما في مراكز احتجاز الأحداث في مقاطعة المناطق الشمالية في أستراليا وفي إصلاحية دان ديل، ومتى في العام 2016.
في برنامجها "الزوايا الأربع" بثّت محطة إي بي سي صوراً تقشعر لها الأبدان وتقزز النفس من تعرية المعتقلين إلى الضرب المبرح، من إستعمال الغاز المسيل للدموع داخل الغرف إلى تثبيت المعتقلين إلى المقاعد بأربطة وتغطية الرأس بالأكياس.
وهنا يتبادر إلى الذهن مجموعة أسئلة لماذا هذه المعاملة؟ ما هي جريمة هؤلاء؟ هل هي عنصرية ؟ هل هذا هو الإصلاح الذي أدخل من أجله هؤلاء القاصرين إلى تلك المراكز؟
مهما كانت الأسباب والدوافع لا يوجد مبرر لإنتهاك إنسانية هؤلاء القاصرين وبهذا الشكل.
مشكور رئيس الوزراء الفيدرالي مالكوم تيرنبول، وموفقه يستحق الثناء لأن ردة فعله كان خطوة مهمة لمعالجة هذه الإساءة عندما قرر تشكيل لجنة ملكية للنظر في القضية. وفي تصريحات له، أدان رئيس الوزراء أعمال التعذيب وقال: "هذه ليست الطريقة التي نعامل بها أولادنا"، وكان لزعيم المعارضة بيل شورتن موقف مشابه.
إذن، أصبح لدينا مفوضية ملكية، مفوضة للتحقيق بالقضية وتمّ تعيين كبير القضاة السابق في مقاطعة المناطق الشمالية القاضي براين مارتن الذي قدّم اسقالته لاحقاً وقبل ان تباشر المفوضية عملها بسبب الاعتراض على تعيينه من قبل بعض مؤسسات السكان الأصلين لدوره في سجن هؤلاء الأحداث أثناء ممارسة وظيفته. وكان زعيم المعارضة الفيدرالية بيل شورتن وحسب صحيفة ذي صن هيرالد الأحد 31/07/2016 طالب بتعيين مفوض مساعد لمارتن من السكان الأصليين لوضع حد للمخاوف من أن المفوضية غير محايدة وغير مستقلة عن حكومة المناطق الشمالية، وكانت بعض مجموعات السكان الأصليين قد أعربت عن تلك المخاوف علماً ان آدم غيلز رئيس وزراء مقاطعة المناطق الشمالية يتحدّر من السكان الاصليين. يشار إلى أن غيلز كان قد قال قبل توليه الحكم في المقاطعة الشمالية عام 2010 من أنه ينوي أن يضع المجرمين "في حفرة كبيرة من الباطون المسلح".
الحكومة ولتظهر أسرارها وجديتها على معالجة القضية لم تتأخر في تعيين مفوض بديل لمارتن ومساعد له، فأعلن المدعي العام الفيدرالي جورج برندس عن تعيين القيادي الأبوريجيني مفوض العدالة الاجتماعية للسكان الاستراليين وسكان جزر مضيق توررز منذ عام 2010 ميك كوودا والقاضية السابقة في المحكمة العليا في ولاية كوينزلند مارغريت وايت مكانه وقال ان اللجنة ستقدم تقريرها في آذار القادم وقد تضطر إلى تمديد فترة عملها إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك ودعى إلى ابعاد عمل الهيئة عن التجذبات السياسية، وأعلن وزير الادعاء العام في حكومة الظل مارك دريفوس عن ترحيب المعارضة بتعيين كوودا ووايت رغم بعض المخاوف من عدم حيادية كوودا الذي كان قد دعى إلى إقالة حكومة مقاطعة المناطق الشمالية بعد عرض الإي بي سي تقريرها، ولكن كوودا عاد وأكد أن موقفه جاء كردة فعل أولية عند مشاهدته التقرير مضيفاً أنه سيمارس عمله بعيداً عن أية أحكام مسبقة وبحيادية .
وتعليقا على استقالة القاضي مارتن رأى المحلل السياسي في صحيفة ذي سدني مورننغ هيرالد مارك كيني ان قرار الحكومة تشكيل المفوضية الملكية كان متسرعاً وسوء ادارة لقضية مهمة لان القرار اتخذ بدون استشارة كافية، وكان رأي مماثل لرأي كيني لوارن ماندين القيادي الابوريجني ومستشار رئيس الوزراء لشؤون السكان الاصلين الذي رأى ان العمل لحل المشكلة كان يمكن ان يتم بدون تشكيل المفوضية .
بعد بعض الإعتراض على تحديد اختصاص اللجنة بمعالجة القضية في المقاطعة الشمالية والمطالبة بتوسعها لتشمل كل مراكز احتجاز الأحداث في أستراليا، وبعدما سرّت إشاعات عن معاملة الأحداث بنفس الأسلوب في ولايات أخرى، أصر رئيس الوزراء ّ على أن يقتصر عمل الهيئة على مقاطعة المناطق الشمالية على أن تقدم تقريرها بعد ثمانية أشهر من تاريخ مباشرة عملها لأنه وحسب رئيس الوزراء فإن توسيع عمل المفوضية لدراسة وضع المراكز في كافة أنحاء البلاد قد يستغرق عملها عدة سنوات. ولكن رئيس الوزراء قرر عرض قضايا التعذيب على مجلس وزراء حكومات استراليا (كواك) في اجتماعها القادمة.
وكما يقال أن العبرة في التنفيذ خصوصاً وأن مفوضية مماثلة قد شُكّلت منذ 25 عاماً للتحقيق في وفاة المحتجزين من السكان الأصليين (الابوريجنال) ووضعت توصيات لم تنفذ حتى اليوم لذلك لا نزال نرى تلك الممارسات التي ظهرت على شاشة إي بي سي. وحسب صحيفة (ذي سدني مورننغ هيرالد السبت 30/7/2016 ص 21 قسم ما وراء الأخبار) منذ 25 عاماً عندما اقيمت الهيئة الملكية كان عدد نزلاء السجون من السكان الاصليين في مقاطعة المناطق الشمالية يشكلون 69% اما اليوم فالنسبة ارتفعت إلى 90%‼
من حق المواطنين الذين صعقتهم تلك الصور أن يتساءلوا من يتحمّل المسؤولية؟ وهذا ما أجابت عنه وبشفافية نائبة زعيم المعارضة الفيدرالية تانيا بلييرسك عندما حمّلت الطبقة السياسية المسؤولية ولم تعفي نفسها من ذلك، وهذا موقف متقدم من سياسي حيث جرت العادة أن يلجأ السياسيون إلي كنس الحقائق تحت السجاد وتزوير الحقائق. ولاحقاً كان هناك موقف مماثل لزميلها في حكومة الظل مارك دريفوس.
أخيراً، لن نستبق ما ستُسفِر عنه الهيئة الملكية ولكن نخشى أن تدخل زواريب السياسة الضيقة ونرى إقامة المحميات السياسية لبعض السياسيين خصوصاً أن رئيس وزراء المقاطعة الشمالية آدم غيلز أقال الوزير المسؤول عن مراكز الإحتجاز جون الفرنك من مسؤوليته عن مراكز الاحتجاز وأبقاه في منصبه كمدعي عام في المقاطعة.
هنا نشير إلى أن زعيم المعارضة الفيدرالية بيل شورتن كان قد قدّر عدد الأطفال الذين سُجِنوا من السكان الأصليين في مقاطعة الأراضي الشمالية ب 2000 محتجز خلال العقد الماضي (صن هيرالد 31/07/2016 ص 4).
والملفت للنظر أن رئيس وزراء المناطق الشمالية الذي يتعرّض للهجوم كان قد قدّم رواية مختلفة عندما رأى صور تقرير محطة إي بي سي ولم يقدم الاعتذار عن فشل حكومته في إداء وظيفتها وكان أعنف منتقديه الوزير الفيدرالي المسؤول عن شؤون السكان الأصليين نيغل سكاليون. يذكر أن رئيس الوزراء الفيدرالي رفض طرد رئيس وزراء المقاطعة الشمالية من منصبه.
ونختم بما قاله الناطق بإسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان روبرت كلوفيل بأن الصور التي بثّتها الإي بي سي كانت صادمة وقال: "نحن نتكلم هنا عن اثنين من المواثيق الدولية والتي وقّعت عليها أستراليا قد خُرقت بسبب تلك التصرفات والمعاملة الغير إنسانية للأطفال" (صن هيرالد 31/07/2016 ص 4).
سدني
Email:abbasmorad@hotmail.com
فيودور دوستويفسكي (مذكرات من البيت الميت)
صور تعذيب صادمة، ليست في سجن أبو غريب، ليست في غوانتنامو، ليست في أقبية الأنظمة الديكتاتورية وإنما في مراكز احتجاز الأحداث في مقاطعة المناطق الشمالية في أستراليا وفي إصلاحية دان ديل، ومتى في العام 2016.
في برنامجها "الزوايا الأربع" بثّت محطة إي بي سي صوراً تقشعر لها الأبدان وتقزز النفس من تعرية المعتقلين إلى الضرب المبرح، من إستعمال الغاز المسيل للدموع داخل الغرف إلى تثبيت المعتقلين إلى المقاعد بأربطة وتغطية الرأس بالأكياس.
وهنا يتبادر إلى الذهن مجموعة أسئلة لماذا هذه المعاملة؟ ما هي جريمة هؤلاء؟ هل هي عنصرية ؟ هل هذا هو الإصلاح الذي أدخل من أجله هؤلاء القاصرين إلى تلك المراكز؟
مهما كانت الأسباب والدوافع لا يوجد مبرر لإنتهاك إنسانية هؤلاء القاصرين وبهذا الشكل.
مشكور رئيس الوزراء الفيدرالي مالكوم تيرنبول، وموفقه يستحق الثناء لأن ردة فعله كان خطوة مهمة لمعالجة هذه الإساءة عندما قرر تشكيل لجنة ملكية للنظر في القضية. وفي تصريحات له، أدان رئيس الوزراء أعمال التعذيب وقال: "هذه ليست الطريقة التي نعامل بها أولادنا"، وكان لزعيم المعارضة بيل شورتن موقف مشابه.
إذن، أصبح لدينا مفوضية ملكية، مفوضة للتحقيق بالقضية وتمّ تعيين كبير القضاة السابق في مقاطعة المناطق الشمالية القاضي براين مارتن الذي قدّم اسقالته لاحقاً وقبل ان تباشر المفوضية عملها بسبب الاعتراض على تعيينه من قبل بعض مؤسسات السكان الأصلين لدوره في سجن هؤلاء الأحداث أثناء ممارسة وظيفته. وكان زعيم المعارضة الفيدرالية بيل شورتن وحسب صحيفة ذي صن هيرالد الأحد 31/07/2016 طالب بتعيين مفوض مساعد لمارتن من السكان الأصليين لوضع حد للمخاوف من أن المفوضية غير محايدة وغير مستقلة عن حكومة المناطق الشمالية، وكانت بعض مجموعات السكان الأصليين قد أعربت عن تلك المخاوف علماً ان آدم غيلز رئيس وزراء مقاطعة المناطق الشمالية يتحدّر من السكان الاصليين. يشار إلى أن غيلز كان قد قال قبل توليه الحكم في المقاطعة الشمالية عام 2010 من أنه ينوي أن يضع المجرمين "في حفرة كبيرة من الباطون المسلح".
الحكومة ولتظهر أسرارها وجديتها على معالجة القضية لم تتأخر في تعيين مفوض بديل لمارتن ومساعد له، فأعلن المدعي العام الفيدرالي جورج برندس عن تعيين القيادي الأبوريجيني مفوض العدالة الاجتماعية للسكان الاستراليين وسكان جزر مضيق توررز منذ عام 2010 ميك كوودا والقاضية السابقة في المحكمة العليا في ولاية كوينزلند مارغريت وايت مكانه وقال ان اللجنة ستقدم تقريرها في آذار القادم وقد تضطر إلى تمديد فترة عملها إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك ودعى إلى ابعاد عمل الهيئة عن التجذبات السياسية، وأعلن وزير الادعاء العام في حكومة الظل مارك دريفوس عن ترحيب المعارضة بتعيين كوودا ووايت رغم بعض المخاوف من عدم حيادية كوودا الذي كان قد دعى إلى إقالة حكومة مقاطعة المناطق الشمالية بعد عرض الإي بي سي تقريرها، ولكن كوودا عاد وأكد أن موقفه جاء كردة فعل أولية عند مشاهدته التقرير مضيفاً أنه سيمارس عمله بعيداً عن أية أحكام مسبقة وبحيادية .
وتعليقا على استقالة القاضي مارتن رأى المحلل السياسي في صحيفة ذي سدني مورننغ هيرالد مارك كيني ان قرار الحكومة تشكيل المفوضية الملكية كان متسرعاً وسوء ادارة لقضية مهمة لان القرار اتخذ بدون استشارة كافية، وكان رأي مماثل لرأي كيني لوارن ماندين القيادي الابوريجني ومستشار رئيس الوزراء لشؤون السكان الاصلين الذي رأى ان العمل لحل المشكلة كان يمكن ان يتم بدون تشكيل المفوضية .
بعد بعض الإعتراض على تحديد اختصاص اللجنة بمعالجة القضية في المقاطعة الشمالية والمطالبة بتوسعها لتشمل كل مراكز احتجاز الأحداث في أستراليا، وبعدما سرّت إشاعات عن معاملة الأحداث بنفس الأسلوب في ولايات أخرى، أصر رئيس الوزراء ّ على أن يقتصر عمل الهيئة على مقاطعة المناطق الشمالية على أن تقدم تقريرها بعد ثمانية أشهر من تاريخ مباشرة عملها لأنه وحسب رئيس الوزراء فإن توسيع عمل المفوضية لدراسة وضع المراكز في كافة أنحاء البلاد قد يستغرق عملها عدة سنوات. ولكن رئيس الوزراء قرر عرض قضايا التعذيب على مجلس وزراء حكومات استراليا (كواك) في اجتماعها القادمة.
وكما يقال أن العبرة في التنفيذ خصوصاً وأن مفوضية مماثلة قد شُكّلت منذ 25 عاماً للتحقيق في وفاة المحتجزين من السكان الأصليين (الابوريجنال) ووضعت توصيات لم تنفذ حتى اليوم لذلك لا نزال نرى تلك الممارسات التي ظهرت على شاشة إي بي سي. وحسب صحيفة (ذي سدني مورننغ هيرالد السبت 30/7/2016 ص 21 قسم ما وراء الأخبار) منذ 25 عاماً عندما اقيمت الهيئة الملكية كان عدد نزلاء السجون من السكان الاصليين في مقاطعة المناطق الشمالية يشكلون 69% اما اليوم فالنسبة ارتفعت إلى 90%‼
من حق المواطنين الذين صعقتهم تلك الصور أن يتساءلوا من يتحمّل المسؤولية؟ وهذا ما أجابت عنه وبشفافية نائبة زعيم المعارضة الفيدرالية تانيا بلييرسك عندما حمّلت الطبقة السياسية المسؤولية ولم تعفي نفسها من ذلك، وهذا موقف متقدم من سياسي حيث جرت العادة أن يلجأ السياسيون إلي كنس الحقائق تحت السجاد وتزوير الحقائق. ولاحقاً كان هناك موقف مماثل لزميلها في حكومة الظل مارك دريفوس.
أخيراً، لن نستبق ما ستُسفِر عنه الهيئة الملكية ولكن نخشى أن تدخل زواريب السياسة الضيقة ونرى إقامة المحميات السياسية لبعض السياسيين خصوصاً أن رئيس وزراء المقاطعة الشمالية آدم غيلز أقال الوزير المسؤول عن مراكز الإحتجاز جون الفرنك من مسؤوليته عن مراكز الاحتجاز وأبقاه في منصبه كمدعي عام في المقاطعة.
هنا نشير إلى أن زعيم المعارضة الفيدرالية بيل شورتن كان قد قدّر عدد الأطفال الذين سُجِنوا من السكان الأصليين في مقاطعة الأراضي الشمالية ب 2000 محتجز خلال العقد الماضي (صن هيرالد 31/07/2016 ص 4).
والملفت للنظر أن رئيس وزراء المناطق الشمالية الذي يتعرّض للهجوم كان قد قدّم رواية مختلفة عندما رأى صور تقرير محطة إي بي سي ولم يقدم الاعتذار عن فشل حكومته في إداء وظيفتها وكان أعنف منتقديه الوزير الفيدرالي المسؤول عن شؤون السكان الأصليين نيغل سكاليون. يذكر أن رئيس الوزراء الفيدرالي رفض طرد رئيس وزراء المقاطعة الشمالية من منصبه.
ونختم بما قاله الناطق بإسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان روبرت كلوفيل بأن الصور التي بثّتها الإي بي سي كانت صادمة وقال: "نحن نتكلم هنا عن اثنين من المواثيق الدولية والتي وقّعت عليها أستراليا قد خُرقت بسبب تلك التصرفات والمعاملة الغير إنسانية للأطفال" (صن هيرالد 31/07/2016 ص 4).
سدني
Email:abbasmorad@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق