أحمد شوقي وشوقي إليه ( الحلقة الرابعة)
كان احمد شوقى ( ت 1932 م) ، و حافظ ابراهيم ( ت 1932م) - وقد تكلّمت عنهما في الحلقة السابقة استطراداً - و إبراهيم ناجى ( ت 1953م) و اسماعيل صبرى - سنتكلم عنهما موجزا ، أقول هؤلاء كانوا شعراء ( مصرهم) المشهورين ، و كانت بينهم مودة وقربة أدب دون ضغائن نفسٍ ، ولا غلّة قلب ، يتمازحون بطرائف وظرائف ، وقد دخل الشاعر الفلسطيني المعروف إبراهيم طوقان (1905 م - 1941م) على خط ممازحة شوقي بقصيدة أخوانية عن ( المعلم ) الرسول المقتول ..!!
11 - أحمد شوقى وجاره الصديق الدكتورمحجوب ثابت والسيارة ، والمحجوبيات تحتل القسم الآخير من ( الشوقيات) :
ننقل لكم حديثها كما رواها الأستاذ خالد القشطيني في صحيفة (الشرق الأوسط) تحت عنوان ( الشاعر والسيارة)، لأنه يسرد بعدها طريفة أخرى للدكتور مصطفى جواد وسيارته ، قائلاً بتصرف :
من بين طرائف أمير الشعراء أحمد شوقى أيضًا مداعبته لصديقه الدكتور محجوب ثابت، حينما رأى سيارته القديمة التى اشتراها بقوله :
لكم في الخط سيارة **حديث الجار والجارة
أوفرلاند) ينبـيك ****بها القنصل (طمـارة))
إذا حركتها مالـــت ***على الجنبين منـهارة
وقد تحرن أحيانـــا ****وتمشي وحدها تارة
ولا تشبعها عـــــين ****مـن البنزين فـوارة
ولا تروى من الزيت **وإن عامـت بــه الفارة
ترى الشارع في ذعر ***إذا لاحت من الحـارة
كان ذلك زمانا يعيش فيه معظم الأدباء والمثقفين في ضنك وعسر. في هذه الأيام أصبحوا مدللين بعد أن أخذت حكوماتهم تقمع لسانهم بإهدائهم آخر وأفخم السيارات. وكما عانى محجوب ثابت من سيارته المستهلكة، كذا كان الأمر مع الدكتور مصطفى جواد، فقيه اللغة العربية. تعطلت سيارته السكراب يوما ولم يعرف كيف يصلحها. قضى مصطفى جواد حياته يصلح عربيتنا بعموده الأسبوعي «قل ولا تقل». ولكنه ككل من قضى حياته في النحو العربي، لم يعرف كيف يصلح سيارته. فقصد بيت الشاعر والأديب مير بصري طالبا مساعدته ....
لم يجد صاحبه في البيت. فكتب له هذه الأبيات :
سيارتي جاءت إلى بابكم ***تطلب كأسا لصفاء الشرابْ
وهي عروس أنتم أهلها***و الأهـل أولى بإجاب الطلابْ
لا تحرموها عطفكم ولتعد **بكـل ما تهوى وحسن المآبْ
(شفرولة) الاسم ولكنها **فاقت على الخيل الكرام النجابْ (1)
12 - شوقي وأحمد عرابي ، وثورته العرابية:
إن حادثة عرابى باشا التي وقعت عام 1881-1882م كانت بحسب الرأى الشائع رد فعل الضباط المصريين ضد قادتهم الأتراك الذين لا يريدون ترقيتهم إلى الرتب العالية، و صداماً بين القومية العربية المصرية و القومية التركية، فأرتفع شأن عرابي كزعيم وطني مناهض للنفوذ الأجنبي ، وكان أحمد شوقي ميالاً للدولة العثمانية ، يقول شوقي في انتصارات مصطفى كمال أتاتورك :
الله أكبر كم في الفتح من عجبِ *** يا خالد الترك جدّدْ خالد العربِ
ولكن بعد أن خاب ظن شوقي بالقائد والزعيم التركي ، لانقلابه على الدولة العثمانية ، رثى الدولة المنكوبة ...بقصيدته التي مطلعها :
عادت اغاني العرس رجـع نواح**** ونعـيـت بيــن معــــالم الافـــــــــــراح
كفنت في ليل الـــزفـــاف بثوبــه****ودفـنــت عنـــد تبلـج الإصـبــــــــــاح
لذلك كان لشوقي موقفه السلبي من ثورة عرابي باشا ، واستقبله بعد عودته من المنفي بقصيدة نشرت في (المجلة المصرية ) لصاحبها ومنشئها خليل مطران، العدد الثاني في 15 يونيو 1901. وقعها بإمضاء (نديم) ، وفيها تشهير واستهزاء بعرابي وتطلعه لأن يكون ملكاً على مصر ، القصيدة من ( الوافر) ، ومنها :
صـَغـار في الذهـاب وفي الإياب *** أ هــذا كـــل شــأنك يـا عرابي؟
عفـا عــنك الأبـاعد والأداني *** فمـن يعـفو عن الوطـن المصـاب؟
وما سألوا بـَنيكَ ولا بـَنيـــنا *** ولا التفتوا إلــــى القـوم الغـِضابِ
فـَعـِش في مصرَ موفورَ المعالي *** رفيعَ الذكـْرِ مـُقتـَبــِل الشبـاب
أ فرقٌ بـَينَ سيـــلانٍ ومـِصـْـر *** وفي كِلْتـَيـْهـِما (حـُــمـْرُ الثياب؟)
يتوب عليك من منفـــــــــاك فيها *** أنــــاس منك أولـــى بالمتاب
وقد نـَبـَذوا جَنابَك حينَ أقْــــوى *** وقد لاذوا إلـــــى أقوى جـَناب
وبالإنجيل قد حلفوا لِفـَـــــــومٍ *** كما حلفوا أمامـــــــــــك بالكتاب
فماذا يَعـْلَمُ الأحـــــــــــْياءُ عَنـَّا *** إذا ما قـــــــــيلَ عاد لها عرابي؟
كما لا يخفى ( حمر الثيابِ) كناية عن الإنكليز ، وقد أعلن شوقي لأصفيائه أنه نادم علي ذلك ، وأنه كان مخطئا في حق الزعيم عرابي .
13 - المعلم بين أحمد شوقي (الأمير) ، وإبراهيم طوقان (المعلم)
قال أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته المشهورة في المعــــــلم
قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجـيـــــلا ***** كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجـلَّ من الذي **يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا
سـبحانكَ اللهمَّ خـيرَ معـــلّمٍ ***** علَّمتَ بالقلمِ القـرونَ الأولى
أخرجـتَ هذا العقلَ من ظلمـاتهِ ***وهديتَهُ النـورَ المبينَ سـبيلا
وطبعتَـهُ بِيَدِ المعلـّـم ِ، تـارةً ** صديء الحديدِ ، وتارةً مصقولا
أرسلتَ بالتـوراةِ موسى مُرشداً **** وابنَ البتـولِ فعلَّمَ الإنجيـلا
وفجـرتَ ينبـوعَ البيانِ محمــّداً ***فسقى الحديثَ وناولَ التنزيلا
علَّمْـتَ يوناناً ومصر فزالـتا ***** عن كلّ شـمسٍ ما تريد أفولا
واليوم أصبحنـا بحــالِ طفولـةٍ ***** في العِلْمِ تلتمسانه تطفيـلا
من مشرقِ الأرضِ الشموسُ تظاهرتْ* ما بالُ مغربها عليه أُدِيلا
ذهبَ الذينَ حموا حقيقةَ عِلمهم *** واستعذبوا فيها العذاب وبيلا
في عالَـمٍ صحبَ الحـيـاةَ مُقيّداً *** بالفردِ ، مخزوماً بـه ، مغلولا
سقراط أعطى الكـأس وهي منيّةٌ *** شفتي مُحِبٍّ يشتهي التقبيـلا
عرضوا الحيـاةَ عليه وهي غــباوة *** فأبى وآثَرَ أن يَمُوتَ نبيـلا
إنَّ الشجاعةَ في القلـوبِ كثيرةٌ **** ووجـدتُ شجعانَ العقولِ قليلا
إنَّ الذي خلـقَ الحقيقـةَ علقماً ***** لم يُخـلِ من أهلِ الحقيقةِ جيلا
ولربّما قتلَ الغـرامُ رجــــــالَـها ***** قُتِلَ الغرامُ ، كم استباحَ قتيلا
ردّ إبراهيم طوقان على قصيدة شوقي بقصيدة من الأخونيات ، فيها من المرارة والسخر لواقع المعلم الفعلي والعملي والاقتصادي والاجتماعي ،رغم أن ظروف ومنزلة المعلم في عصر الطوقان أفضل بما لا يقاس عمّا عليه المعلم في أيامنا الحاضرة .
نبذة عن حياة إبراهيم طوقان :
إبراهيم عبد الفتاح طوقان (ولد في 1905 في نابلس، فلسطين – توفي 2 مايو 1941 في القدس، فلسطين) شاعر فلسطيني وهو الأخ الشقيق لفدوى طوقان الملقبة بشاعرة فلسطين ، ولأحمد طوقان رئيس وزراء الأردن في بداية سبعينيات القرن المُنصرم.
تلقى دروسه الإبتدائية في المدرسة الرشيدية في نابلس، وكانت هذه المدرسة تنهج نهجًا حديثًا مغايرًا لما كانت عليه المدارس أثناء الحكم العثماني. أكملَ دراسَتَه الثانوية بمدرسة المطران في القدس عام 1919 حيث قضى فيها أربعة أعوام، بعدها التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت عام 1923 ومكث فيها ست سنوات نال فيها شهادة الجامعة في الآداب عام 1929 م .
عاد ليدرّس في مدرسة النجاح النابلسية بنابلس، ثم عاد إلى بيروت للتدريس في الجامعة الأمريكية. حيث عَمِلَ مدرسًا للغة العربية في العامين (1933 – 1931) ثم عاد بعدها إلى فلسطين.
في عام 1936 تسلم القسم العربي في إذاعة القدس وعُين مُديرًا للبرامجِ العربية، وأقيل من عمله من قبل سلطات الإنتداب البريطاني عام 1940. انتقل بعدها إلى العراق وعملَ مدرسًا في دار المعلمين العالية ، ثم عاجله المرض فعاد مريضًاً إلى وطنه، ولقب بشاعر الجامعة . (2)
الرد الطوقاني على المعلم الشوقي :
شوقي يقول وما درى بمصيبتي ***** قم للمعلم وفــــه التبجيلا
اقعد فديتك هل يكون مبجـلا ***** من كان للنشء الصغار خليلا
ويكاد يقلقني الأمـــــــير بقوله ***** كاد المعلم أن يكون رسولا
لو جرب التدريس شوقي ساعة ** لقضى الحياة شقاوة وخمــولا
حسب المعــــــلم غمة وكآبة ***** مرأى الدفاتر بكرة وأصــــيلا
مائة على مائة إذا هي صـلحت ** وجد العمى نحو العيون سبيلا
ولو أن في التصليح نفعا يرتجى *** وأبيك لم أك بالعيون بخـيلا
لكن أصلح غلطة نحـــــــــوية ***** مثلا واتخذ الكتاب دلــــــيلا
مستشهدا بالغر مـــــن آياته ***** أو بالحديث مفصلا تفصــــيلا
وأغوص في الشعر القديم فانتقي *** ما ليس ملتبسا ولا مبذولا
وأكاد ابعث سيبويه من البـلى *** وذويه من أهل القرون الأولى
فأرى حمارا بعد ذلك كـــلـه ***** رفع المضاف إليه والمفعــولا
لا تعجبوا إن صحت يوما صيحة *** ووقعـت مابين البنوك قتيلا
يا من يريد الانتحـــــار وجدتـــه ***** إن المعلم لا يعيش طـويلا
14 - شوقي يخاطب السلطان العثماني عبد الحميد ، ويصف الجسر الواصل بين ضفتي البسفور ...!!!
أمير المؤمنين رأيت جسراً***أمرُّ على الصراط ولا عليهِ
له خشبٌ يجوع السوس فيهِ **وتمضي الفار لاتأوي إليه
ولا يتكلف المنشار فيه ***** سوى مرّ الفطيم بساعديه
ويبلى فعل من يمشي عليه ... وقبل النعل يدمي أخمصيه
وكم قد جاهد الحيوان فيه ... وخلف في الهزيمة حافريه
وأسمج منه في عيني جباةٌ *****تراهـم وسطه وبجانبيهِ
إذا لاقيت واحدهم تصدّى ******* كعفريتٍ يشـيرُ براحتيهِ
ويمشي (الصدر) فيه كل يومٍ ** بموكبهِ السنيِّ وحاـرسيه
ولكنْ لا يمـــرُّ عليــــه إلا*****كما مـــــرّت يداه بعارضــيه
ومن عجب هو الجسرالمعلّى * على (البسفور) يجمع شاطئيه
يفيد حكومة السلطان مالاً ****** ويعطيها الغنى مــن معدنيه
يجود العالمون عليه هذا******بعشرتـــــهِ وذاك بعشرتيـــــــهِ
وغاية أمره أنّا سمعنــــــــا ******لســـــان الحال ينشدنا لديه
(أليس من العجائب أن مثلي ******** يرى ماقلّ ممتنعاً عليه)
(وتؤخذ باسمه الدنيا جميعاً ***** وما من ذاك شيءٍ في يديه) (3)
وردت كلمة ( الصدر) ، ويعني به الصدر الأعظم ، قاضي القضاة ، نقلت النص من ( جواهر أدب ...) السيد أحمد الهاشمي ، وحرّكت بعض الكلمات ، ووضع الشدات والتنوين ، إن لزم الأمر ...، ولله الأمر من قبل لاومن بعدُ!!
15 - شوقي بين حساده بعد أن بويع بإمارة الشعر 1927 م :
لم تتفق كلمة الشعراء على أن أحمد شوقي أميرهم في شاعريته ، ولِمَ الإمارة ؟ ولماذا أمير ؟!! وعلى مَن ؟ وهل الشعر دولة ، ولها كيان ؟ والحساد كثيرون ، والساخرون مستعدون ،
وقد حاول هؤلاء الشعراء أن يسخروا من هذه المبايعة لشوقي بإمارة الشعر، فأقاموا احتفالاً لمبايعة أخرى على هواهم، ورأوا أن يؤمروا أميراً للشعراء يختارونه هم، ووجدوا هذا
الأمير في شخصية رجل بسيط محب للأدب ويعمل في دار الكتب المصرية، ويسمى حسين محمد ويلقب بـ (البرنس) ، ومادام ( برنساً) فهو جدير بإمارة الشعراء.
وأقيم الحفل في ليلة من ليالي رمضان، والتف جمع من هؤلاء الشعراء حول البرنس الجالس على كرسي إمارة الشعر، يمطرونه بمدائحهم ومن هؤلاء الشاعر الفكه حسين شفيق المصري الذي عُرف بشعره (الحلمنتيش) والذي قال فيه :
يا حماة القريض حول البرنس **أصبح الشعر دولة ذات كرسي
وهل الحكم والإمـــــارة إلا ***لبرنس يُضحي بـرأي ويمـــــسي
يقرض الشعر مثلما يقرض الفأرُ ***حبالاً قـد فتلت من دِمَقــس
كان من قبله القريض بجلبابٍ ***فأضحى (ببنطلون) و(جـرس)
أيها الشاعر الكبير رضينـــاك ***أميــراً ، فكُنـــهُ تفديك نفســي
ثم تداعي بعض المثقفين فأقاموا حفلا لإعلان صلاح عبد الصبور الحداثي أميراً للشعراء لكن صلاح لم يحضر مفشلاً سعيهم (4)
16 - يقول ابنه حسين : في مجالسه الخاصة يميل إلي المرح وله أصدقاء ظرفاء مثل
محمد البابلي والدكتور محجوب ثابت وعبد العزيز البشري وله مداعبات شعرية كثيرة مع
الدكتور محجوب وبعض أصدقاءه وأقاربه ومنهم ابن خالته الذي كان يتميز بأنف طويل وقال
له شوقي مداعبا عقب عودته من الحج :
لك أنف يا ابن خالتي *** تعبت منه الأنوفُ ****أنت بالبيت تصــــلي وهو بالركن يطوفُ
وللشاعر العباسي ابن الرومي وصفاً كاريكاتيرياً للأنف مرات عديدة منها:
حملتَ أنفاً يراه الناس كلهــــــم *** من ألف ميل عيــــــاناً لا بمقياسِ
لو شئتَ كسباً به صادفتَ مكتسَباً** أو انتصاراً مضى كالسيف والفاس
فكان تصويره للأنف رائعاً ، وجعل له فائدتين ، فمنظره الغريب يجلب له مالاً إن أظهره للناس ، وهو سيف يقاتل به. ، وله وتأثر بهما شوقي في وصفه :
لك أنف بل أنوفُ ***** أنِفَتْ منــه الأنوفُ
أنت في القدس تصلي **وهو بالبيت يطوفُ (5)
17 - إبراهيم ناجي ( 1898-1953م ) :
يقول الدكتور شوقي ضيف في ( الأدب العربي المعاصر في مصر) : في " شَبْرَا" أحد أحياء القاهرة وُلد إبراهيم ناجي سنة 1898 لأسرة مصرية مثقفة، وأخذ يختلف -مثل أقرانه - إلى الكُتَّاب، ثم المدرسة الابتدائية، فالمدرسة الثانوية. ووجد في أبيه الذي كان ينزع إلى قراءة الآثار الأدبية في العربية والإنجليزية موجِّهًا ممتازًا، وكان أهم شاعر أُعجب به ناجي في نشأته خليل مطران، ولما أتم دراسته الثانوية التحق بكلية الطب، وتخرج فيها سنة 1923 وهو يحذق الإنجليزية. وتعلم الفرنسية ، ولما أسس الدكتور أحمد زكي أبو شادي جماعة أبولو سنة 1932 اختاره وكيلًا لها، ونهض معه بإخراج مجلة أبولو المعروفة. (6)
18 - من طرائفه :
تذكر ( مدونة أقرب ) من طرائفه : كان ناجي يجلس ومجموعة من أصدقائه منهم محمود تيمور وإبراهيم المصري ومحمد أمين حسونه وغيرهم في جروبي عدلي ودخل عليهم عبد الحميد الديب وتناول ناجي بكلام بذي ولم يرد ناجي في جينه عليه ليس عجزاً وإنما ترفُّعاً ولم يتمالك شيطان شعره أن يمر الموضوع ويمضي صاحب الإساءة بإساءته فأطلق عليه صواريخه القاتلة :
رجلاً أرى بالله أم حشرة *** سبحان من بعيده حشره
يا فخر " دارين" ومذهبه **وخلاصة النظرية القـذرة
أرأيت قردا في الحديقة قد *** فلّته أنثــاه على شجرة
عبد الحميد إعلمْ فأنت كذا ***ما قال دارو، وفي البيت جناس تمام جميل ...!!ين وما ذكره
يا عبقرياً في شناعتــه *** ولدتك أمــــك وهي معتذرة (7)
الأبيات من البحر الكامل حذاء العروض والضرب ، ولكن أرى عجز البيت الأول فيه خلل عروضي ، ثقيل على السمع ، يا حبذا لو كان ( سبحان من بوعيده حشره)
: 19 - إسماعيل صبري 1854-1923م
يذكر شوقي ضيف في مصدره السابق : وُلد إسماعيل صبري في القاهرة سنة 1854 لأسرة متوسطة، وأخذ يختلف منذ نشأته إلى المدارس على غرار نُظَرائه من أبناء هذا الزمان، فالتحق بمدرسة المبتديان سنة 1866 ثم بمدرستي التجهيزية والإدارة "الحقوق" وأتم دراسته في الأخيرة سنة 1874. وبمجرد تخرجه فيها أُرسل في بعثة إلى فرنسا، فنال شهادة الليسانس في الحقوق من كلية إكس سنة 1878، وفتحت هذه الشهادة الأبواب أمامه كي ينتقل في وظائف السلك القضائي بمصر، وفي سنة 1896 عُيِّن محافظًا للإسكندرية، وظل بهذه الوظيفة ثلاث سنوات انتقل في نهايتها وكيلًا لوزارة العدل "الحقانية حينئذ". وما زال يشغل هذا المنصب حتى طلب إحالته إلى المعاش في سنة 1907. وخلص منذ هذا التاريخ لشعره وفنه حتى لبَّى نداء ربه في سنة 1923.
تحول بيته إلى منتدى يألفه الأدباء والشعراء، وعُرف بين الأخيريين خاصة بذوقه الدقيق وحسه المرهف، فكانوا يعرضون عليه أشعارهم، ويستجيبون لنقده وملاحظاته، ولعل ذلك هو السبب في أن معاصريه كانوا يلقبونه "شيخ الشعراء " فهو شيخهم المجلِّي، واعترف بذلك حافظ وشوقي في رثائهما له، يقول حافظ :
لقد كنت أغشاه في داره***وناديه فيها زها وازدهرْ
وأعرض شعري على مسمعٍ**لطيفٍ يحس نبو الوَتَرْ
:ويقول شوقي
أيام أمرح في غبارك ناشئًا *** نَهْجَ الْمِهار على غبار خصافِ
أتعلّم الغايات كيـــف ترام في****مضمار فضل أو مجال قــواف (8)
20 - طرائف إسماعيل صبري :
وكان الشاعر إسماعيل صبري يقول عن صالون مي يوم الثلاثاء :
روحي على بعض دور الحي حائمة **** كظامئ الطير تواقا إلى المـــــــاء
إن لم أمتــــــع بميٍّ نــاظـــــريَ غداً ***لا كــان صبحك يا يـــــوم الثلاثـاء
كان لاسماعيل صبري أخت اسمها أسما وفى إحدى المرات ذهب اليها فى دارها و لم يستطع الدخول فقال :
طرقت الباب حتى كلَّ متني ****فلما كـلَّ متنـي كلمتني
فقالت يا إسماعيـل صبـراً **فقلت يا أسما عيل صبـري
كلَّ : تعب ، والمتن هومنطقة الرسغ فى اليد ، ولمّا تعبتْ متني كلمتني (أجابتني) :
أيا إسماعيل صبراً ( اشبيك يا سبحان الله !!) ، فقلت لها يا أسما عيل (نفد) صبري !!
ونحن لم ينفد صبرنا ، فالصبر جميل ، ولكن طال بحثنا ، والبحث طويل .....!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشاعر والسيارة : خالد القشطيني - صحيفة الشرق الأوسط.
الخميـس 19 رجـب 1431 هـ 1 يوليو 2010 العدد 11538
(2) إبراهيم طوقان : الموسوعة الحرّة .
https://ar.wikipedia.org/wiki/
(3) جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب : أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي - توفي 1362 هـ - ج2 ص 355 - المكتبة الشاملة .
(4) إمارة الشعر .. واكراهات واقع القصيدة العربية : د . الشيخ سيدي عبد الله الأحد، 12 مايو 2013 م - وكالة النبأ الأخبارية .
(5) ابن الرومي : الرسام الكاريكاتيري الرائع : الدكتور عثمان قدري مكانس
http://www.saaid.net/wahat/a/72.htm
(6) الأدب العربي المعاصر في مصر :أحمد شوقي عبد السلام ضيف الشهير بشوقي ضيف - 1 / 154 - الطبعة 13 - دار المعارف .
(7) مدونة اقرب - مواقف طريفة - من طرائف الشاعر إبراهيم ناجي
http://aggrab.blogspot.com/2011/10/blog-post_9438
(8) الأدب العربي ...: 1 / 92 - 94 - م. س .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر ومراجع أخرى عامة :
9 - مجلة «الزهور» المصرية : أسسها: أَنْطُون الْجُمَيِّل والشيخ أمين تقي الدين
(الناشر: دار صادر (تصويرا عن: مطبعة المعارف بشارع الفجالة - مصر
عام النشر: صدرت من 1910 - 1913 م
10 - الشوقيات ...ديوان أحمد شوقي .
11 - ديوان حفظ إبراهيم.
12 مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الأولى – جمادى الثانية 1433 هـ = أبريل - مايو 2012م ، العدد : 5 - 6 ، السنة : 36
دراسات إسلامية : شوقي في شعر حافظ - بقلم : أ. د. محمد مصطفى سلام.
13 - صحيفة ( الأهرام ) المصرية ، عدد يوم 6 يناير 2016م - مقالة بقلم عبد الحسيب الخناني
14 - المصري اليوم - العدد ٢٦٨٠
السبت ١٥ اكتوبر ٢٠١١ عدد اليوم - أحمد محمود سلام - ذكري رحيل امير الشعراء أحمد شوقي.
كريم مرزة الأسدي
كان احمد شوقى ( ت 1932 م) ، و حافظ ابراهيم ( ت 1932م) - وقد تكلّمت عنهما في الحلقة السابقة استطراداً - و إبراهيم ناجى ( ت 1953م) و اسماعيل صبرى - سنتكلم عنهما موجزا ، أقول هؤلاء كانوا شعراء ( مصرهم) المشهورين ، و كانت بينهم مودة وقربة أدب دون ضغائن نفسٍ ، ولا غلّة قلب ، يتمازحون بطرائف وظرائف ، وقد دخل الشاعر الفلسطيني المعروف إبراهيم طوقان (1905 م - 1941م) على خط ممازحة شوقي بقصيدة أخوانية عن ( المعلم ) الرسول المقتول ..!!
11 - أحمد شوقى وجاره الصديق الدكتورمحجوب ثابت والسيارة ، والمحجوبيات تحتل القسم الآخير من ( الشوقيات) :
ننقل لكم حديثها كما رواها الأستاذ خالد القشطيني في صحيفة (الشرق الأوسط) تحت عنوان ( الشاعر والسيارة)، لأنه يسرد بعدها طريفة أخرى للدكتور مصطفى جواد وسيارته ، قائلاً بتصرف :
من بين طرائف أمير الشعراء أحمد شوقى أيضًا مداعبته لصديقه الدكتور محجوب ثابت، حينما رأى سيارته القديمة التى اشتراها بقوله :
لكم في الخط سيارة **حديث الجار والجارة
أوفرلاند) ينبـيك ****بها القنصل (طمـارة))
إذا حركتها مالـــت ***على الجنبين منـهارة
وقد تحرن أحيانـــا ****وتمشي وحدها تارة
ولا تشبعها عـــــين ****مـن البنزين فـوارة
ولا تروى من الزيت **وإن عامـت بــه الفارة
ترى الشارع في ذعر ***إذا لاحت من الحـارة
كان ذلك زمانا يعيش فيه معظم الأدباء والمثقفين في ضنك وعسر. في هذه الأيام أصبحوا مدللين بعد أن أخذت حكوماتهم تقمع لسانهم بإهدائهم آخر وأفخم السيارات. وكما عانى محجوب ثابت من سيارته المستهلكة، كذا كان الأمر مع الدكتور مصطفى جواد، فقيه اللغة العربية. تعطلت سيارته السكراب يوما ولم يعرف كيف يصلحها. قضى مصطفى جواد حياته يصلح عربيتنا بعموده الأسبوعي «قل ولا تقل». ولكنه ككل من قضى حياته في النحو العربي، لم يعرف كيف يصلح سيارته. فقصد بيت الشاعر والأديب مير بصري طالبا مساعدته ....
لم يجد صاحبه في البيت. فكتب له هذه الأبيات :
سيارتي جاءت إلى بابكم ***تطلب كأسا لصفاء الشرابْ
وهي عروس أنتم أهلها***و الأهـل أولى بإجاب الطلابْ
لا تحرموها عطفكم ولتعد **بكـل ما تهوى وحسن المآبْ
(شفرولة) الاسم ولكنها **فاقت على الخيل الكرام النجابْ (1)
12 - شوقي وأحمد عرابي ، وثورته العرابية:
إن حادثة عرابى باشا التي وقعت عام 1881-1882م كانت بحسب الرأى الشائع رد فعل الضباط المصريين ضد قادتهم الأتراك الذين لا يريدون ترقيتهم إلى الرتب العالية، و صداماً بين القومية العربية المصرية و القومية التركية، فأرتفع شأن عرابي كزعيم وطني مناهض للنفوذ الأجنبي ، وكان أحمد شوقي ميالاً للدولة العثمانية ، يقول شوقي في انتصارات مصطفى كمال أتاتورك :
الله أكبر كم في الفتح من عجبِ *** يا خالد الترك جدّدْ خالد العربِ
ولكن بعد أن خاب ظن شوقي بالقائد والزعيم التركي ، لانقلابه على الدولة العثمانية ، رثى الدولة المنكوبة ...بقصيدته التي مطلعها :
عادت اغاني العرس رجـع نواح**** ونعـيـت بيــن معــــالم الافـــــــــــراح
كفنت في ليل الـــزفـــاف بثوبــه****ودفـنــت عنـــد تبلـج الإصـبــــــــــاح
لذلك كان لشوقي موقفه السلبي من ثورة عرابي باشا ، واستقبله بعد عودته من المنفي بقصيدة نشرت في (المجلة المصرية ) لصاحبها ومنشئها خليل مطران، العدد الثاني في 15 يونيو 1901. وقعها بإمضاء (نديم) ، وفيها تشهير واستهزاء بعرابي وتطلعه لأن يكون ملكاً على مصر ، القصيدة من ( الوافر) ، ومنها :
صـَغـار في الذهـاب وفي الإياب *** أ هــذا كـــل شــأنك يـا عرابي؟
عفـا عــنك الأبـاعد والأداني *** فمـن يعـفو عن الوطـن المصـاب؟
وما سألوا بـَنيكَ ولا بـَنيـــنا *** ولا التفتوا إلــــى القـوم الغـِضابِ
فـَعـِش في مصرَ موفورَ المعالي *** رفيعَ الذكـْرِ مـُقتـَبــِل الشبـاب
أ فرقٌ بـَينَ سيـــلانٍ ومـِصـْـر *** وفي كِلْتـَيـْهـِما (حـُــمـْرُ الثياب؟)
يتوب عليك من منفـــــــــاك فيها *** أنــــاس منك أولـــى بالمتاب
وقد نـَبـَذوا جَنابَك حينَ أقْــــوى *** وقد لاذوا إلـــــى أقوى جـَناب
وبالإنجيل قد حلفوا لِفـَـــــــومٍ *** كما حلفوا أمامـــــــــــك بالكتاب
فماذا يَعـْلَمُ الأحـــــــــــْياءُ عَنـَّا *** إذا ما قـــــــــيلَ عاد لها عرابي؟
كما لا يخفى ( حمر الثيابِ) كناية عن الإنكليز ، وقد أعلن شوقي لأصفيائه أنه نادم علي ذلك ، وأنه كان مخطئا في حق الزعيم عرابي .
13 - المعلم بين أحمد شوقي (الأمير) ، وإبراهيم طوقان (المعلم)
قال أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته المشهورة في المعــــــلم
قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجـيـــــلا ***** كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجـلَّ من الذي **يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا
سـبحانكَ اللهمَّ خـيرَ معـــلّمٍ ***** علَّمتَ بالقلمِ القـرونَ الأولى
أخرجـتَ هذا العقلَ من ظلمـاتهِ ***وهديتَهُ النـورَ المبينَ سـبيلا
وطبعتَـهُ بِيَدِ المعلـّـم ِ، تـارةً ** صديء الحديدِ ، وتارةً مصقولا
أرسلتَ بالتـوراةِ موسى مُرشداً **** وابنَ البتـولِ فعلَّمَ الإنجيـلا
وفجـرتَ ينبـوعَ البيانِ محمــّداً ***فسقى الحديثَ وناولَ التنزيلا
علَّمْـتَ يوناناً ومصر فزالـتا ***** عن كلّ شـمسٍ ما تريد أفولا
واليوم أصبحنـا بحــالِ طفولـةٍ ***** في العِلْمِ تلتمسانه تطفيـلا
من مشرقِ الأرضِ الشموسُ تظاهرتْ* ما بالُ مغربها عليه أُدِيلا
ذهبَ الذينَ حموا حقيقةَ عِلمهم *** واستعذبوا فيها العذاب وبيلا
في عالَـمٍ صحبَ الحـيـاةَ مُقيّداً *** بالفردِ ، مخزوماً بـه ، مغلولا
سقراط أعطى الكـأس وهي منيّةٌ *** شفتي مُحِبٍّ يشتهي التقبيـلا
عرضوا الحيـاةَ عليه وهي غــباوة *** فأبى وآثَرَ أن يَمُوتَ نبيـلا
إنَّ الشجاعةَ في القلـوبِ كثيرةٌ **** ووجـدتُ شجعانَ العقولِ قليلا
إنَّ الذي خلـقَ الحقيقـةَ علقماً ***** لم يُخـلِ من أهلِ الحقيقةِ جيلا
ولربّما قتلَ الغـرامُ رجــــــالَـها ***** قُتِلَ الغرامُ ، كم استباحَ قتيلا
ردّ إبراهيم طوقان على قصيدة شوقي بقصيدة من الأخونيات ، فيها من المرارة والسخر لواقع المعلم الفعلي والعملي والاقتصادي والاجتماعي ،رغم أن ظروف ومنزلة المعلم في عصر الطوقان أفضل بما لا يقاس عمّا عليه المعلم في أيامنا الحاضرة .
نبذة عن حياة إبراهيم طوقان :
إبراهيم عبد الفتاح طوقان (ولد في 1905 في نابلس، فلسطين – توفي 2 مايو 1941 في القدس، فلسطين) شاعر فلسطيني وهو الأخ الشقيق لفدوى طوقان الملقبة بشاعرة فلسطين ، ولأحمد طوقان رئيس وزراء الأردن في بداية سبعينيات القرن المُنصرم.
تلقى دروسه الإبتدائية في المدرسة الرشيدية في نابلس، وكانت هذه المدرسة تنهج نهجًا حديثًا مغايرًا لما كانت عليه المدارس أثناء الحكم العثماني. أكملَ دراسَتَه الثانوية بمدرسة المطران في القدس عام 1919 حيث قضى فيها أربعة أعوام، بعدها التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت عام 1923 ومكث فيها ست سنوات نال فيها شهادة الجامعة في الآداب عام 1929 م .
عاد ليدرّس في مدرسة النجاح النابلسية بنابلس، ثم عاد إلى بيروت للتدريس في الجامعة الأمريكية. حيث عَمِلَ مدرسًا للغة العربية في العامين (1933 – 1931) ثم عاد بعدها إلى فلسطين.
في عام 1936 تسلم القسم العربي في إذاعة القدس وعُين مُديرًا للبرامجِ العربية، وأقيل من عمله من قبل سلطات الإنتداب البريطاني عام 1940. انتقل بعدها إلى العراق وعملَ مدرسًا في دار المعلمين العالية ، ثم عاجله المرض فعاد مريضًاً إلى وطنه، ولقب بشاعر الجامعة . (2)
الرد الطوقاني على المعلم الشوقي :
شوقي يقول وما درى بمصيبتي ***** قم للمعلم وفــــه التبجيلا
اقعد فديتك هل يكون مبجـلا ***** من كان للنشء الصغار خليلا
ويكاد يقلقني الأمـــــــير بقوله ***** كاد المعلم أن يكون رسولا
لو جرب التدريس شوقي ساعة ** لقضى الحياة شقاوة وخمــولا
حسب المعــــــلم غمة وكآبة ***** مرأى الدفاتر بكرة وأصــــيلا
مائة على مائة إذا هي صـلحت ** وجد العمى نحو العيون سبيلا
ولو أن في التصليح نفعا يرتجى *** وأبيك لم أك بالعيون بخـيلا
لكن أصلح غلطة نحـــــــــوية ***** مثلا واتخذ الكتاب دلــــــيلا
مستشهدا بالغر مـــــن آياته ***** أو بالحديث مفصلا تفصــــيلا
وأغوص في الشعر القديم فانتقي *** ما ليس ملتبسا ولا مبذولا
وأكاد ابعث سيبويه من البـلى *** وذويه من أهل القرون الأولى
فأرى حمارا بعد ذلك كـــلـه ***** رفع المضاف إليه والمفعــولا
لا تعجبوا إن صحت يوما صيحة *** ووقعـت مابين البنوك قتيلا
يا من يريد الانتحـــــار وجدتـــه ***** إن المعلم لا يعيش طـويلا
14 - شوقي يخاطب السلطان العثماني عبد الحميد ، ويصف الجسر الواصل بين ضفتي البسفور ...!!!
أمير المؤمنين رأيت جسراً***أمرُّ على الصراط ولا عليهِ
له خشبٌ يجوع السوس فيهِ **وتمضي الفار لاتأوي إليه
ولا يتكلف المنشار فيه ***** سوى مرّ الفطيم بساعديه
ويبلى فعل من يمشي عليه ... وقبل النعل يدمي أخمصيه
وكم قد جاهد الحيوان فيه ... وخلف في الهزيمة حافريه
وأسمج منه في عيني جباةٌ *****تراهـم وسطه وبجانبيهِ
إذا لاقيت واحدهم تصدّى ******* كعفريتٍ يشـيرُ براحتيهِ
ويمشي (الصدر) فيه كل يومٍ ** بموكبهِ السنيِّ وحاـرسيه
ولكنْ لا يمـــرُّ عليــــه إلا*****كما مـــــرّت يداه بعارضــيه
ومن عجب هو الجسرالمعلّى * على (البسفور) يجمع شاطئيه
يفيد حكومة السلطان مالاً ****** ويعطيها الغنى مــن معدنيه
يجود العالمون عليه هذا******بعشرتـــــهِ وذاك بعشرتيـــــــهِ
وغاية أمره أنّا سمعنــــــــا ******لســـــان الحال ينشدنا لديه
(أليس من العجائب أن مثلي ******** يرى ماقلّ ممتنعاً عليه)
(وتؤخذ باسمه الدنيا جميعاً ***** وما من ذاك شيءٍ في يديه) (3)
وردت كلمة ( الصدر) ، ويعني به الصدر الأعظم ، قاضي القضاة ، نقلت النص من ( جواهر أدب ...) السيد أحمد الهاشمي ، وحرّكت بعض الكلمات ، ووضع الشدات والتنوين ، إن لزم الأمر ...، ولله الأمر من قبل لاومن بعدُ!!
15 - شوقي بين حساده بعد أن بويع بإمارة الشعر 1927 م :
لم تتفق كلمة الشعراء على أن أحمد شوقي أميرهم في شاعريته ، ولِمَ الإمارة ؟ ولماذا أمير ؟!! وعلى مَن ؟ وهل الشعر دولة ، ولها كيان ؟ والحساد كثيرون ، والساخرون مستعدون ،
وقد حاول هؤلاء الشعراء أن يسخروا من هذه المبايعة لشوقي بإمارة الشعر، فأقاموا احتفالاً لمبايعة أخرى على هواهم، ورأوا أن يؤمروا أميراً للشعراء يختارونه هم، ووجدوا هذا
الأمير في شخصية رجل بسيط محب للأدب ويعمل في دار الكتب المصرية، ويسمى حسين محمد ويلقب بـ (البرنس) ، ومادام ( برنساً) فهو جدير بإمارة الشعراء.
وأقيم الحفل في ليلة من ليالي رمضان، والتف جمع من هؤلاء الشعراء حول البرنس الجالس على كرسي إمارة الشعر، يمطرونه بمدائحهم ومن هؤلاء الشاعر الفكه حسين شفيق المصري الذي عُرف بشعره (الحلمنتيش) والذي قال فيه :
يا حماة القريض حول البرنس **أصبح الشعر دولة ذات كرسي
وهل الحكم والإمـــــارة إلا ***لبرنس يُضحي بـرأي ويمـــــسي
يقرض الشعر مثلما يقرض الفأرُ ***حبالاً قـد فتلت من دِمَقــس
كان من قبله القريض بجلبابٍ ***فأضحى (ببنطلون) و(جـرس)
أيها الشاعر الكبير رضينـــاك ***أميــراً ، فكُنـــهُ تفديك نفســي
ثم تداعي بعض المثقفين فأقاموا حفلا لإعلان صلاح عبد الصبور الحداثي أميراً للشعراء لكن صلاح لم يحضر مفشلاً سعيهم (4)
16 - يقول ابنه حسين : في مجالسه الخاصة يميل إلي المرح وله أصدقاء ظرفاء مثل
محمد البابلي والدكتور محجوب ثابت وعبد العزيز البشري وله مداعبات شعرية كثيرة مع
الدكتور محجوب وبعض أصدقاءه وأقاربه ومنهم ابن خالته الذي كان يتميز بأنف طويل وقال
له شوقي مداعبا عقب عودته من الحج :
لك أنف يا ابن خالتي *** تعبت منه الأنوفُ ****أنت بالبيت تصــــلي وهو بالركن يطوفُ
وللشاعر العباسي ابن الرومي وصفاً كاريكاتيرياً للأنف مرات عديدة منها:
حملتَ أنفاً يراه الناس كلهــــــم *** من ألف ميل عيــــــاناً لا بمقياسِ
لو شئتَ كسباً به صادفتَ مكتسَباً** أو انتصاراً مضى كالسيف والفاس
فكان تصويره للأنف رائعاً ، وجعل له فائدتين ، فمنظره الغريب يجلب له مالاً إن أظهره للناس ، وهو سيف يقاتل به. ، وله وتأثر بهما شوقي في وصفه :
لك أنف بل أنوفُ ***** أنِفَتْ منــه الأنوفُ
أنت في القدس تصلي **وهو بالبيت يطوفُ (5)
17 - إبراهيم ناجي ( 1898-1953م ) :
يقول الدكتور شوقي ضيف في ( الأدب العربي المعاصر في مصر) : في " شَبْرَا" أحد أحياء القاهرة وُلد إبراهيم ناجي سنة 1898 لأسرة مصرية مثقفة، وأخذ يختلف -مثل أقرانه - إلى الكُتَّاب، ثم المدرسة الابتدائية، فالمدرسة الثانوية. ووجد في أبيه الذي كان ينزع إلى قراءة الآثار الأدبية في العربية والإنجليزية موجِّهًا ممتازًا، وكان أهم شاعر أُعجب به ناجي في نشأته خليل مطران، ولما أتم دراسته الثانوية التحق بكلية الطب، وتخرج فيها سنة 1923 وهو يحذق الإنجليزية. وتعلم الفرنسية ، ولما أسس الدكتور أحمد زكي أبو شادي جماعة أبولو سنة 1932 اختاره وكيلًا لها، ونهض معه بإخراج مجلة أبولو المعروفة. (6)
18 - من طرائفه :
تذكر ( مدونة أقرب ) من طرائفه : كان ناجي يجلس ومجموعة من أصدقائه منهم محمود تيمور وإبراهيم المصري ومحمد أمين حسونه وغيرهم في جروبي عدلي ودخل عليهم عبد الحميد الديب وتناول ناجي بكلام بذي ولم يرد ناجي في جينه عليه ليس عجزاً وإنما ترفُّعاً ولم يتمالك شيطان شعره أن يمر الموضوع ويمضي صاحب الإساءة بإساءته فأطلق عليه صواريخه القاتلة :
رجلاً أرى بالله أم حشرة *** سبحان من بعيده حشره
يا فخر " دارين" ومذهبه **وخلاصة النظرية القـذرة
أرأيت قردا في الحديقة قد *** فلّته أنثــاه على شجرة
عبد الحميد إعلمْ فأنت كذا ***ما قال دارو، وفي البيت جناس تمام جميل ...!!ين وما ذكره
يا عبقرياً في شناعتــه *** ولدتك أمــــك وهي معتذرة (7)
الأبيات من البحر الكامل حذاء العروض والضرب ، ولكن أرى عجز البيت الأول فيه خلل عروضي ، ثقيل على السمع ، يا حبذا لو كان ( سبحان من بوعيده حشره)
: 19 - إسماعيل صبري 1854-1923م
يذكر شوقي ضيف في مصدره السابق : وُلد إسماعيل صبري في القاهرة سنة 1854 لأسرة متوسطة، وأخذ يختلف منذ نشأته إلى المدارس على غرار نُظَرائه من أبناء هذا الزمان، فالتحق بمدرسة المبتديان سنة 1866 ثم بمدرستي التجهيزية والإدارة "الحقوق" وأتم دراسته في الأخيرة سنة 1874. وبمجرد تخرجه فيها أُرسل في بعثة إلى فرنسا، فنال شهادة الليسانس في الحقوق من كلية إكس سنة 1878، وفتحت هذه الشهادة الأبواب أمامه كي ينتقل في وظائف السلك القضائي بمصر، وفي سنة 1896 عُيِّن محافظًا للإسكندرية، وظل بهذه الوظيفة ثلاث سنوات انتقل في نهايتها وكيلًا لوزارة العدل "الحقانية حينئذ". وما زال يشغل هذا المنصب حتى طلب إحالته إلى المعاش في سنة 1907. وخلص منذ هذا التاريخ لشعره وفنه حتى لبَّى نداء ربه في سنة 1923.
تحول بيته إلى منتدى يألفه الأدباء والشعراء، وعُرف بين الأخيريين خاصة بذوقه الدقيق وحسه المرهف، فكانوا يعرضون عليه أشعارهم، ويستجيبون لنقده وملاحظاته، ولعل ذلك هو السبب في أن معاصريه كانوا يلقبونه "شيخ الشعراء " فهو شيخهم المجلِّي، واعترف بذلك حافظ وشوقي في رثائهما له، يقول حافظ :
لقد كنت أغشاه في داره***وناديه فيها زها وازدهرْ
وأعرض شعري على مسمعٍ**لطيفٍ يحس نبو الوَتَرْ
:ويقول شوقي
أيام أمرح في غبارك ناشئًا *** نَهْجَ الْمِهار على غبار خصافِ
أتعلّم الغايات كيـــف ترام في****مضمار فضل أو مجال قــواف (8)
20 - طرائف إسماعيل صبري :
وكان الشاعر إسماعيل صبري يقول عن صالون مي يوم الثلاثاء :
روحي على بعض دور الحي حائمة **** كظامئ الطير تواقا إلى المـــــــاء
إن لم أمتــــــع بميٍّ نــاظـــــريَ غداً ***لا كــان صبحك يا يـــــوم الثلاثـاء
كان لاسماعيل صبري أخت اسمها أسما وفى إحدى المرات ذهب اليها فى دارها و لم يستطع الدخول فقال :
طرقت الباب حتى كلَّ متني ****فلما كـلَّ متنـي كلمتني
فقالت يا إسماعيـل صبـراً **فقلت يا أسما عيل صبـري
كلَّ : تعب ، والمتن هومنطقة الرسغ فى اليد ، ولمّا تعبتْ متني كلمتني (أجابتني) :
أيا إسماعيل صبراً ( اشبيك يا سبحان الله !!) ، فقلت لها يا أسما عيل (نفد) صبري !!
ونحن لم ينفد صبرنا ، فالصبر جميل ، ولكن طال بحثنا ، والبحث طويل .....!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشاعر والسيارة : خالد القشطيني - صحيفة الشرق الأوسط.
الخميـس 19 رجـب 1431 هـ 1 يوليو 2010 العدد 11538
(2) إبراهيم طوقان : الموسوعة الحرّة .
https://ar.wikipedia.org/wiki/
(3) جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب : أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي - توفي 1362 هـ - ج2 ص 355 - المكتبة الشاملة .
(4) إمارة الشعر .. واكراهات واقع القصيدة العربية : د . الشيخ سيدي عبد الله الأحد، 12 مايو 2013 م - وكالة النبأ الأخبارية .
(5) ابن الرومي : الرسام الكاريكاتيري الرائع : الدكتور عثمان قدري مكانس
http://www.saaid.net/wahat/a/72.htm
(6) الأدب العربي المعاصر في مصر :أحمد شوقي عبد السلام ضيف الشهير بشوقي ضيف - 1 / 154 - الطبعة 13 - دار المعارف .
(7) مدونة اقرب - مواقف طريفة - من طرائف الشاعر إبراهيم ناجي
http://aggrab.blogspot.com/2011/10/blog-post_9438
(8) الأدب العربي ...: 1 / 92 - 94 - م. س .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر ومراجع أخرى عامة :
9 - مجلة «الزهور» المصرية : أسسها: أَنْطُون الْجُمَيِّل والشيخ أمين تقي الدين
(الناشر: دار صادر (تصويرا عن: مطبعة المعارف بشارع الفجالة - مصر
عام النشر: صدرت من 1910 - 1913 م
10 - الشوقيات ...ديوان أحمد شوقي .
11 - ديوان حفظ إبراهيم.
12 مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الأولى – جمادى الثانية 1433 هـ = أبريل - مايو 2012م ، العدد : 5 - 6 ، السنة : 36
دراسات إسلامية : شوقي في شعر حافظ - بقلم : أ. د. محمد مصطفى سلام.
13 - صحيفة ( الأهرام ) المصرية ، عدد يوم 6 يناير 2016م - مقالة بقلم عبد الحسيب الخناني
14 - المصري اليوم - العدد ٢٦٨٠
السبت ١٥ اكتوبر ٢٠١١ عدد اليوم - أحمد محمود سلام - ذكري رحيل امير الشعراء أحمد شوقي.
كريم مرزة الأسدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق