كنا قد ناقشنا في الجزء الأول من هذا الجزء الثاني لسلسلة التحاليل المعنونة بـ"اقتصاد الدومينو". التوقيت قي فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا و تزامن انخفاض أسعار البترول معها و مؤشرات ذلك و معانيه، و اليوم اسمحوا لي باستكمال التحليل و مناقشة التالي قبل التوصل إلى الاستنتاج النهائي و الذي سيتبع هذا الجزء من التحليل المفتوح.
أزمتي القرم و سوريا و توابعهما على روسيا:
نعلم جميعا أن العقوبات اليورو- أمريكية قد فرضت على خلفية الأزمة الأوكرانية الروسية، و لعلي في المقال أو الجزء الأول من هذه الدراسة كنت قد أشرت إلى أن أحد عوامل إضعاف الاقتصاد الروسي و وضعه في هذا الموقف هو سوء تقدير الإدارة الروسية للرد الغربي على ضم القرم، و لازلت عند رأيي، لكن التدخل العسكري المباشر في سوريا و التمسك بنظام الرئيس السوري بشار الأسد أضاف أبعادا أخرى على و ليس لصالح الإقتصاد الروسي، ليشكل عبئا جديدا عليه ، حيث أعلنت روسيا أن العمليات الروسية في سوريا تتحمل روسيا نفقاتها بالكامل في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة لروسيا، ناهينا عن ما لم يكن الروس يتوقعوه و في رأيي أن رد فعلهم بحياله زاد من حدة أزمتهم الاقتصادية بغض النظر عن صحة موقفهم أو عدمه و الذي لا ننقاشه هنا. أتحدث عن الأزمة الروسية التركية عقب إسقاط تركيا لطائرة روسية مقاتلة بالقرب من الحدود التركية السورية على هامش التدخل الروسي في الأزمة السورية بصورة مباشرة، و هنا أرى أن تلك الأزمة أتت لتزيد من جراح الاقتصاد الروسي و لتحمله بأعباء جديدة. فعقب تلك الحادثة قامت روسيا بتوقيع عقوبات اقتصادية على تركيا التي تملك حجم أعمال ضخم في الداخل الروسي و مصانع، و يتنوع الاستثمار التركي في روسيا ما بين التصنيع الغذائي و تصنيع المنتجات الاستهلاكية، و شركات سياحية، و شركات بناء و تعمير ضخمة بالفعل، و التي قام الجانب الروسي بتوقيع العقوبات الاقتصادية و الإدارية في وجه تلك الشركات بصور متعددة ليزيد من تباطؤ الاقتصاد التركي و الروسي طبعا ، كما قاموا بمنع استيراد العديد من المنتجات التركية و التي كانت تحظى بشعبية لجودتها المعقولة و سعرها المناسب و قلة تكاليف نقلها، و تتمثل تلك السلع في السلع الزراعية و الإنتاج الحيواني و المنسوجات، و غيره.
و بالرغم من اعتذار تركيا لروسيا مؤخرا – كما كنت أتوقع – و على الرغم من بدء دوران عجلة التفاهم إلا أن الإدارة الروسية لا تزال تؤكد أن المشاريع العملاقة التي كان مزمع إقامتها قبل الأزمة لا تزال من المبكر استعادة الحديث عنها ، طبعا لأن هناك شروط و متطلبات أعتقد ستكون أكثر كلفة على الرئيس أردوجان بعد اعتذاره و فشله في إيجاد حل وسط يحفظ ماء وجهه، تلك المشاريع هي مشاريع طاقة نووية و غاز ضخمة.
على كل حال سنجد أن التدخل الروسي في سوريا أصبح له ثمن يجب أن تدفعه روسيا، أولا و هو ثمن تكاليف العمليات العسكرية و السلاح المتطور الذي يستخدمه الروس في سوريا، علما بأن موسكو كانت قد أكدت سابقا أن العمليات هناك تتم على نفقة روسيا بالكامل و لن تتحملها سوريا. ثانيا: دعم نظام بشار الأسد أصبح له ثمنا أيضا، و هو قد يكون أسعار النفط كما أوضحنا.
الانعكاسات و العواقب:
الانعكاسات: نستطيع أن نرصد انعكاسات محلية و خارجية. المحلية متعددة الجوانب، فمنها الاقتصادية، و الديموجرافية، و الاجتماعية. أما الخارجية فتتمثل في صورة العلاقات الروسية الخارجية مع أوروبا و الولايات المتحدة و جيران روسيا و سنتحدث عنها بعد أن نفرغ من الحديث عن العوامل الداخلية.
العوامل الداخلية:
1. الاقتصادية: هنا يمكننا و بوضوح شديد أن نذكر ازدياد حالة الفقر التي أصبحت تمر بها روسيا، فمثلا تم رصد ازدياد مطرد في حالات البطالة: التي نتجت من افلاس العديد من الشركات و البنوك، و انسحاب العديد من الشركات العالمية من السوق الروسي مثل شركتي فولفو و جنرال موتورز للسيارات، وغيرهما في مجالات أخرى، بالاضافة للسياسات التقشفية التي اتخذتها الشركات التي لا تزال تعاني من أجل الاستمرار في السوق الروسي، و تمثلت إحدى تلك الإجراءات في تخفيض العامالة و تسريح عدد كبير من الموظفين.
التضخم و الغلاء: نتجا عن تراجع سعر صرف العملة أمام العملات الأجنبية في دولة مستوردة، و انكماش الاقتصاد و ازدياد العجز في الموازنة العامة مع ازدياد الدين المحلي مما جعل المواطن الروسي أعجز من ذي قبل في أن يؤمن لنفسه نفس القدر من الحاجيات و المشتريات التي كان يتمتع بها منذ عام أو عامين مضا، ناهينا عن عزوف العديد من السياح الروس عن السفر للخارج للسياحة و قضاء العطلات حتى من قبل سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء، و ذلك لزيادة العبئ المادي على المواطن الروسي بمقدار يزيد عن الضعف و الذي ينتج عن الارتفاع الغير محدد السقف للدولار و اليورو و الذي لا يعلم أحد متي سينتهي و عند أي حد تحديدا! بما أفلس العديد من الشركات السياحية و إحدى أكبر شركات التقل الجوي كما أشرنا. بالإضافة إلى وضع أحمال كبيرة على عاتق المستوردين الروس الذين باتوا في مأزق حقيقي، مما أضر بالأسعار بشدة مع العلم أنه سيوجد هذا الحد الذي سيعجز عنده المستورد عن زيادة الأسعار لعدم قدرة المواطن على الشراء، و قد بات هذا حقيقة في يومنا و هذا ما انعكس على الحالة الشرائية و السوق عامة ليزيد من حدة الكساد و إفلاس العديد من المستوردين أو تعليق نشاطهم اللهم إلا الذين أوجدوا حلولا أخرى مثل استيراد منتجات صينية و فيتنامية أو البدائل الرخيصة ، و بعض المنتجات الزراعية من المغرب و مصر - باستثناء تركيا طبعا – الأرخص، و منهم من لا يزال يعتاش على المخزون القديم من البضائع حتى ينفد!
2. ازدياد الفقر: طبعا مع انهيار العملة المحلية أمام الدولار و اليورو في دولة مستهلكة و مستوردة في الغالب و يشكل النفط أكثر من نصف دخلها القومي مع عدم زيادة المعاشات و الرواتب ترتب عليه أن نفس الراتب الذي كان يتقاضاه المواطن الروسي المتوسط الدخل أصبح يستنفد بأكثر مما يزيد عن نصفه في تأمين أشد الحاجات أساسية لحياته مثل الغذاء و الملبس، أما أصحاب المعاشات و الفقراء فيتولاهم الله! و مع ما أعلنته الدولة مؤخرا من تخفيض الإنفاق الحكومي على الكثير من المرافق و التسريح الذي طال ما يقارب المائة و العشيرن ألفا من موظفي وزارة الداخلية و الشرطة، و موظفي السكك الحديدية، و فرض ضرائب جديدة على النقل البري بواسطة الشاحنات، و تقليل الدعم الحكومي لعدد من الجامعات، و البقية تأتي، كل هذا زاد من فقر و تراجع دخل المواطن و ألهب جراحه. و لعل آخر الاحصائيات جاءت مقلقة إلى حد ما، حيث ازدادت نسبة الفقراء من 14% العام الماضي لتصبح 20% هذا العام الذي لم ينتهي بعد! أي أننا نتحدث عما يقارب ربع تعداد روسيا التي كانت تتمتع بأعلى الاحتياطات النقدية في العالم منذ عامين، و ها هو رئيس البنك المركزي الروسي قد صرح في شهر أكتوبر المنصرم من العام الماضي أنه لو استمرت أسعار البترول في الثبات – مجرد الثبات و ليس الانخفاض ـ عند حد الـ 40 دولار للبرميل فذلك يعني أن الدولة لن تتمتع بنفس الموارد التي تمتعت بها منذ فترة قريبة و لن يستطيعوا أن ينفقوا بنفس الطريقة السابقة ثم لتتوالى تصريحات المسؤولين رويدا رويدا من سيء إلى أسوء.
3. نزيف الإحطياطي النقدي و هروب رأس المال: كل ذلك و كما أوضحنا وضع أعباءا كبيرة حقا على الإحطياطي النقدي للبنك المركزي الروسي و الذي فقد أكثر من ربعه في مدة لم تزد على السنة منذ بدء تطبيق العقوبات و انخفاض أسعار النفط. و بالرغم من رفض الرئيس الروسي العام الماضي لتطبيق سياسة الـ "Capital control" العام الماضي إعلاميا إلا أن العديد من البنوك أصبحت بطبيعة الحال أكثر تشددا في التحويلات المالية الكبيرة، و على حسب المصادر الغير رسمية أنه تم بالفعل فرض هذه السياسات النقدية لكن مع عدم الإفصاح عنها، إلا أنها جاءت متأخرة على حسب العديد من المحللين الروس. على أية حال، يقال أن الروس بدؤا يفكرون باللجؤ إليها بعد أن استنزف ربع الاحتياطي النقدي و بعد هروب العديد من رؤوس الأموال الكبيرة بالفعل.
4. انعكاسات ديموجرافية: تم رصد انعكاسات أهمها هو تراجع عدد المواليد أو معدلات الولادة و الذي لم يكن على المستوى المطلوب أساسا قبل بدء الأزمة، و هذا له انعكاس مرة أخرى على الحالة الإقتصادية بما يعرف بفجوة الأجيال و التي تعاني منها روسيا و لا زالت. أي أن روسيا لا تزال تعاني من فجوة بين نسبة دافعي الضرائب و "المعاشات" و بين المسنين و المحالين على المعاشات، بمعنى أن عدد الأفراد من أصحاب المعاشات يتخطى عدد الشباب الممثل القوة العاملة التي تدفع الضرائب و النقد اللازم للمعاشات و الذين يعتاشون عليها و هم الأكثرية، و قد نتج ذلك عن تراجع أعداد المواليد إبان الأزمات العديدة التي مرت بها روسيا في التسعينات مما جعل المواطن الروسي يعزف عن تكوين أسرة خاصة في دولة كانت شيوعية و أصبحت متأثرة بأسلوب الحياة الغربي الذي تضاءل معه الفكر المتدين. و ها هي الأزمة تعيد نفسها بعد التحسن الطفيف الذي حققه الروس في التغلب على أزمتهم الديموجرافية لضيق الحال و الاحساس بعدم الاستقرار هذه المرة.
3.انعكاسات اجتماعية: طبعا قد تنكس البطالة المتزايدة على معدلات الجريمة و الإدمان و خاصة إدمان الكحوليات، و الذي تتمتع روسيا بمعدل مرتفع له أساسا و خاصة في تلك القرى و المدن المحرومة من الخدمات و التنمية و فرص العمل مما يدفع العديد من سكانها إلى الهجرة الداخلية إلى موسكو تحديدا لإيجاد فرص لأنفسهم بما يزيد العبئ على الدولة في التخطيط و عمليات التنمية و الحفاظ على البنية التحتية في موسكو، أما الباقي فيظل في قراه و لكن مع مستويات دخل أقل بكثير عن موسكو العاصمة و على حسب الإحصائيات الروسية نجد أن مشكلة الإدمان خاصة للكحوليات متفشية في مثل تلك الأماكن بصورة كبيرة، كل هذا قبل بدء الأزمة! و قد تزيد معدلات الإدمان و الجريمة و الهجرة الداخلية بصورة أكبر مما كانت عليه بما قد يغير من الخريطة الديموجرافية لروسيا بصورة ملحوظة و بما قد يؤثر على طبيعة الحياة الإجتماعية. و قد تم رصد انعكاس اجتماعي آخر بأن عدد الفقراء و اللاجئين إلى بعض الكنائس من أجل الحصول على الوجبات المجانية آخذ في التزايد منذ بدء الأزمة، و طبعا كان هذا متوقعا مع تزايد معدلات الفقر. ناهينا عن فقدان المستثمر الروسي و الأجنبي الثقة في الاقتصاد الروسي بما يعزز من تراجع الإقتصاد و زيادة حدة الكساد.
(يتبع)
أزمتي القرم و سوريا و توابعهما على روسيا:
نعلم جميعا أن العقوبات اليورو- أمريكية قد فرضت على خلفية الأزمة الأوكرانية الروسية، و لعلي في المقال أو الجزء الأول من هذه الدراسة كنت قد أشرت إلى أن أحد عوامل إضعاف الاقتصاد الروسي و وضعه في هذا الموقف هو سوء تقدير الإدارة الروسية للرد الغربي على ضم القرم، و لازلت عند رأيي، لكن التدخل العسكري المباشر في سوريا و التمسك بنظام الرئيس السوري بشار الأسد أضاف أبعادا أخرى على و ليس لصالح الإقتصاد الروسي، ليشكل عبئا جديدا عليه ، حيث أعلنت روسيا أن العمليات الروسية في سوريا تتحمل روسيا نفقاتها بالكامل في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة لروسيا، ناهينا عن ما لم يكن الروس يتوقعوه و في رأيي أن رد فعلهم بحياله زاد من حدة أزمتهم الاقتصادية بغض النظر عن صحة موقفهم أو عدمه و الذي لا ننقاشه هنا. أتحدث عن الأزمة الروسية التركية عقب إسقاط تركيا لطائرة روسية مقاتلة بالقرب من الحدود التركية السورية على هامش التدخل الروسي في الأزمة السورية بصورة مباشرة، و هنا أرى أن تلك الأزمة أتت لتزيد من جراح الاقتصاد الروسي و لتحمله بأعباء جديدة. فعقب تلك الحادثة قامت روسيا بتوقيع عقوبات اقتصادية على تركيا التي تملك حجم أعمال ضخم في الداخل الروسي و مصانع، و يتنوع الاستثمار التركي في روسيا ما بين التصنيع الغذائي و تصنيع المنتجات الاستهلاكية، و شركات سياحية، و شركات بناء و تعمير ضخمة بالفعل، و التي قام الجانب الروسي بتوقيع العقوبات الاقتصادية و الإدارية في وجه تلك الشركات بصور متعددة ليزيد من تباطؤ الاقتصاد التركي و الروسي طبعا ، كما قاموا بمنع استيراد العديد من المنتجات التركية و التي كانت تحظى بشعبية لجودتها المعقولة و سعرها المناسب و قلة تكاليف نقلها، و تتمثل تلك السلع في السلع الزراعية و الإنتاج الحيواني و المنسوجات، و غيره.
و بالرغم من اعتذار تركيا لروسيا مؤخرا – كما كنت أتوقع – و على الرغم من بدء دوران عجلة التفاهم إلا أن الإدارة الروسية لا تزال تؤكد أن المشاريع العملاقة التي كان مزمع إقامتها قبل الأزمة لا تزال من المبكر استعادة الحديث عنها ، طبعا لأن هناك شروط و متطلبات أعتقد ستكون أكثر كلفة على الرئيس أردوجان بعد اعتذاره و فشله في إيجاد حل وسط يحفظ ماء وجهه، تلك المشاريع هي مشاريع طاقة نووية و غاز ضخمة.
على كل حال سنجد أن التدخل الروسي في سوريا أصبح له ثمن يجب أن تدفعه روسيا، أولا و هو ثمن تكاليف العمليات العسكرية و السلاح المتطور الذي يستخدمه الروس في سوريا، علما بأن موسكو كانت قد أكدت سابقا أن العمليات هناك تتم على نفقة روسيا بالكامل و لن تتحملها سوريا. ثانيا: دعم نظام بشار الأسد أصبح له ثمنا أيضا، و هو قد يكون أسعار النفط كما أوضحنا.
الانعكاسات و العواقب:
الانعكاسات: نستطيع أن نرصد انعكاسات محلية و خارجية. المحلية متعددة الجوانب، فمنها الاقتصادية، و الديموجرافية، و الاجتماعية. أما الخارجية فتتمثل في صورة العلاقات الروسية الخارجية مع أوروبا و الولايات المتحدة و جيران روسيا و سنتحدث عنها بعد أن نفرغ من الحديث عن العوامل الداخلية.
العوامل الداخلية:
1. الاقتصادية: هنا يمكننا و بوضوح شديد أن نذكر ازدياد حالة الفقر التي أصبحت تمر بها روسيا، فمثلا تم رصد ازدياد مطرد في حالات البطالة: التي نتجت من افلاس العديد من الشركات و البنوك، و انسحاب العديد من الشركات العالمية من السوق الروسي مثل شركتي فولفو و جنرال موتورز للسيارات، وغيرهما في مجالات أخرى، بالاضافة للسياسات التقشفية التي اتخذتها الشركات التي لا تزال تعاني من أجل الاستمرار في السوق الروسي، و تمثلت إحدى تلك الإجراءات في تخفيض العامالة و تسريح عدد كبير من الموظفين.
التضخم و الغلاء: نتجا عن تراجع سعر صرف العملة أمام العملات الأجنبية في دولة مستوردة، و انكماش الاقتصاد و ازدياد العجز في الموازنة العامة مع ازدياد الدين المحلي مما جعل المواطن الروسي أعجز من ذي قبل في أن يؤمن لنفسه نفس القدر من الحاجيات و المشتريات التي كان يتمتع بها منذ عام أو عامين مضا، ناهينا عن عزوف العديد من السياح الروس عن السفر للخارج للسياحة و قضاء العطلات حتى من قبل سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء، و ذلك لزيادة العبئ المادي على المواطن الروسي بمقدار يزيد عن الضعف و الذي ينتج عن الارتفاع الغير محدد السقف للدولار و اليورو و الذي لا يعلم أحد متي سينتهي و عند أي حد تحديدا! بما أفلس العديد من الشركات السياحية و إحدى أكبر شركات التقل الجوي كما أشرنا. بالإضافة إلى وضع أحمال كبيرة على عاتق المستوردين الروس الذين باتوا في مأزق حقيقي، مما أضر بالأسعار بشدة مع العلم أنه سيوجد هذا الحد الذي سيعجز عنده المستورد عن زيادة الأسعار لعدم قدرة المواطن على الشراء، و قد بات هذا حقيقة في يومنا و هذا ما انعكس على الحالة الشرائية و السوق عامة ليزيد من حدة الكساد و إفلاس العديد من المستوردين أو تعليق نشاطهم اللهم إلا الذين أوجدوا حلولا أخرى مثل استيراد منتجات صينية و فيتنامية أو البدائل الرخيصة ، و بعض المنتجات الزراعية من المغرب و مصر - باستثناء تركيا طبعا – الأرخص، و منهم من لا يزال يعتاش على المخزون القديم من البضائع حتى ينفد!
2. ازدياد الفقر: طبعا مع انهيار العملة المحلية أمام الدولار و اليورو في دولة مستهلكة و مستوردة في الغالب و يشكل النفط أكثر من نصف دخلها القومي مع عدم زيادة المعاشات و الرواتب ترتب عليه أن نفس الراتب الذي كان يتقاضاه المواطن الروسي المتوسط الدخل أصبح يستنفد بأكثر مما يزيد عن نصفه في تأمين أشد الحاجات أساسية لحياته مثل الغذاء و الملبس، أما أصحاب المعاشات و الفقراء فيتولاهم الله! و مع ما أعلنته الدولة مؤخرا من تخفيض الإنفاق الحكومي على الكثير من المرافق و التسريح الذي طال ما يقارب المائة و العشيرن ألفا من موظفي وزارة الداخلية و الشرطة، و موظفي السكك الحديدية، و فرض ضرائب جديدة على النقل البري بواسطة الشاحنات، و تقليل الدعم الحكومي لعدد من الجامعات، و البقية تأتي، كل هذا زاد من فقر و تراجع دخل المواطن و ألهب جراحه. و لعل آخر الاحصائيات جاءت مقلقة إلى حد ما، حيث ازدادت نسبة الفقراء من 14% العام الماضي لتصبح 20% هذا العام الذي لم ينتهي بعد! أي أننا نتحدث عما يقارب ربع تعداد روسيا التي كانت تتمتع بأعلى الاحتياطات النقدية في العالم منذ عامين، و ها هو رئيس البنك المركزي الروسي قد صرح في شهر أكتوبر المنصرم من العام الماضي أنه لو استمرت أسعار البترول في الثبات – مجرد الثبات و ليس الانخفاض ـ عند حد الـ 40 دولار للبرميل فذلك يعني أن الدولة لن تتمتع بنفس الموارد التي تمتعت بها منذ فترة قريبة و لن يستطيعوا أن ينفقوا بنفس الطريقة السابقة ثم لتتوالى تصريحات المسؤولين رويدا رويدا من سيء إلى أسوء.
3. نزيف الإحطياطي النقدي و هروب رأس المال: كل ذلك و كما أوضحنا وضع أعباءا كبيرة حقا على الإحطياطي النقدي للبنك المركزي الروسي و الذي فقد أكثر من ربعه في مدة لم تزد على السنة منذ بدء تطبيق العقوبات و انخفاض أسعار النفط. و بالرغم من رفض الرئيس الروسي العام الماضي لتطبيق سياسة الـ "Capital control" العام الماضي إعلاميا إلا أن العديد من البنوك أصبحت بطبيعة الحال أكثر تشددا في التحويلات المالية الكبيرة، و على حسب المصادر الغير رسمية أنه تم بالفعل فرض هذه السياسات النقدية لكن مع عدم الإفصاح عنها، إلا أنها جاءت متأخرة على حسب العديد من المحللين الروس. على أية حال، يقال أن الروس بدؤا يفكرون باللجؤ إليها بعد أن استنزف ربع الاحتياطي النقدي و بعد هروب العديد من رؤوس الأموال الكبيرة بالفعل.
4. انعكاسات ديموجرافية: تم رصد انعكاسات أهمها هو تراجع عدد المواليد أو معدلات الولادة و الذي لم يكن على المستوى المطلوب أساسا قبل بدء الأزمة، و هذا له انعكاس مرة أخرى على الحالة الإقتصادية بما يعرف بفجوة الأجيال و التي تعاني منها روسيا و لا زالت. أي أن روسيا لا تزال تعاني من فجوة بين نسبة دافعي الضرائب و "المعاشات" و بين المسنين و المحالين على المعاشات، بمعنى أن عدد الأفراد من أصحاب المعاشات يتخطى عدد الشباب الممثل القوة العاملة التي تدفع الضرائب و النقد اللازم للمعاشات و الذين يعتاشون عليها و هم الأكثرية، و قد نتج ذلك عن تراجع أعداد المواليد إبان الأزمات العديدة التي مرت بها روسيا في التسعينات مما جعل المواطن الروسي يعزف عن تكوين أسرة خاصة في دولة كانت شيوعية و أصبحت متأثرة بأسلوب الحياة الغربي الذي تضاءل معه الفكر المتدين. و ها هي الأزمة تعيد نفسها بعد التحسن الطفيف الذي حققه الروس في التغلب على أزمتهم الديموجرافية لضيق الحال و الاحساس بعدم الاستقرار هذه المرة.
3.انعكاسات اجتماعية: طبعا قد تنكس البطالة المتزايدة على معدلات الجريمة و الإدمان و خاصة إدمان الكحوليات، و الذي تتمتع روسيا بمعدل مرتفع له أساسا و خاصة في تلك القرى و المدن المحرومة من الخدمات و التنمية و فرص العمل مما يدفع العديد من سكانها إلى الهجرة الداخلية إلى موسكو تحديدا لإيجاد فرص لأنفسهم بما يزيد العبئ على الدولة في التخطيط و عمليات التنمية و الحفاظ على البنية التحتية في موسكو، أما الباقي فيظل في قراه و لكن مع مستويات دخل أقل بكثير عن موسكو العاصمة و على حسب الإحصائيات الروسية نجد أن مشكلة الإدمان خاصة للكحوليات متفشية في مثل تلك الأماكن بصورة كبيرة، كل هذا قبل بدء الأزمة! و قد تزيد معدلات الإدمان و الجريمة و الهجرة الداخلية بصورة أكبر مما كانت عليه بما قد يغير من الخريطة الديموجرافية لروسيا بصورة ملحوظة و بما قد يؤثر على طبيعة الحياة الإجتماعية. و قد تم رصد انعكاس اجتماعي آخر بأن عدد الفقراء و اللاجئين إلى بعض الكنائس من أجل الحصول على الوجبات المجانية آخذ في التزايد منذ بدء الأزمة، و طبعا كان هذا متوقعا مع تزايد معدلات الفقر. ناهينا عن فقدان المستثمر الروسي و الأجنبي الثقة في الاقتصاد الروسي بما يعزز من تراجع الإقتصاد و زيادة حدة الكساد.
(يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق