في صبيحة يوم الخميس الماضي كان من المقرر أن تستمع المحكمة في معسكر عوفر لطلب نيابة الاحتلال العسكرية بتثبيت أمر الاعتقال الإداري الجديد الصادر بحق الأسير عمر البرغوثي، من أجل إبقائه لمدة ثلاثة شهور إضافية، عليه أن يتممها ليصبح مجموع ما قضاه في هذه الجولة وراء القضبان ما يقارب العام.
ويعتبر الأسير عمر البرغوثي، ابن الثالثة والستين وهو من بلدة كوبر الفلسطينية من قضاء مدينة رام الله، من أبرز الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال التي أمضى فيها، لغاية اليوم، ما مجموعه ستة وعشرين عاما كانت آخر ستة أعوام منها عبارة عن اعتقــالات إدارية متقطعة لم يخضع فيها للتحقيق بشبهات محددة ولم تسند له أي تهمة إطلاقًا.
لم يحضر عمر إلى قاعة المحكمة واكتفى بتزويد حراس السجن بقصاصة ورق صغيرة، صارت تعتبر إعلاما رسميا بعدم استعداد الأسير لحضور جلساته، مثله مثل عشرات من زملائه اختاروا ردة الفعل هذه، وأصبحوا في قاموس المحاكم العسكرية يدعون بـ»الرافضين»، أي من يتنازلون، عن يأس وملل، عن حقهم في حضور جلسات المحاكم على درجاتها: بدءًا من محكمة التثبيت مرورا بمحكمة الاستئناف العسكريتين وحتى محكمة العدل العليا الإسرائيلية.
إننا عمليًا بصدد ظاهرة مقلقة جديدة تترسخ معالمها مع مرور كل يوم، وأخطر ما تعكسه هذه الظاهرة هو موافقة القضاة على استنكاف الأسرى عن المشاركة في العملية القضائية، من دون أن يتساءلوا عن الأسباب الحقيقية لردة فعلهم، وترحيب ممثلي النيابات العسكرية والمدنية بالوضع الجديد، وكأنني بهم، قضاةً ونوابًا، يعتبرون ما حصل كأمر عادي لا بل كإزاحة عبء عن كواهلهم.
في السجون الإسرائيلية يقبع حوالي السبعمئة أسير إداري، وهذا رقم كبير جدًا يجب أن يقلق جميع المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الانسان، ويحث كل الجهات القيّمة على متابعة وتطبيق قواعد المواثيق الدولية التي تعنى بشؤون المواطنين الرازحين تحت الاحتلال؛ والقضية موجعة ليس بسبب تلك الأعداد الكبيرة فقط، بل لأن كل أسير منهم يعد عمليًا كحالة مأساوية إنسانية صارخة، فهؤلاء الأسرى ليسوا كباقي الأسرى الأمنيين الذين يعتقلون بعد الاشتباه بهم، ويحقق معهم ويتهمون بلوائح اتهام معرّفة ويدانون بأحكام محددة، قصيرة كانت أم طويلة، فالأسير الإداري يعتقل وهو يجـــهل عمليًا سبب اعتقاله ويزج به في السجن من دون أن يعرف موعد الإفراج عنه، وهذه الجــزئية هي أقسى ما يعيشه كل أسير إداري، خاصة اولئك الذين يواجهون منهم عمليات اعتقال مـــتكــررة تصـــل أحيانًا إلى سنوات طويلة، كما في حــالة عمر البرغـــوثي والأسرى: سالم دردساوي، سعيد نخلة، والنائب عبدالجابر فقهاء وغيرهم.
في هذه الأيام تتصدر قضية الأسير بلال كايد عناوين أخبار الحركة الأسيرة الفلسطينية، فهو قد أعلن إضرابًا عن الطعام منذ الثالث عشر من حزيران/ يونيو المنصرم، نقل على أثره وبعد تدهور حالته الصحية، إلى مستشفى «برزيلاي» الإسرائيلي، حيث ما زال يواجه هناك احتمالات الموت، كما يشهد على ذلك الأطباء والتجربة في حالات سابقة شبيهة.
من الطبيعي أن تستجلب هذه القضية اهتماما أكبر مما حصلته لغاية اليوم، ليس فقط بسبب حالته الخطيرة والمقلقة جدًا، إنما بسبب ما يميزها أيضًا من رعونة إسرائيلية سافرة؛ فبلال كايد، وهو من سكان قرية عصيرة الشمالية من قضاء نابلس، اعتقل عام 2002 وحكم عليه في محكمة عسكرية لمدة أربعة عشر عامًا ونصف العام قضاها كاملة واستعد في الثالث عشر من يونيو الفائت للحظة الإفراج عنه، لكنه فوجئ باستصدار أمر اعتقال إداري يقضي بإبقائه في السجن لمدة ستة أشهر إضافية، من غير تهمة اطلاقًا. صادقت محكمة عسكرية أولى على أمر اعتقاله ومثلها فعلت محكمة الاستئناف العسكرية ولسوف تُنظر قضيته في الاسبوع المقبل أمام هيئة من ثلاثة قضاة في المحكمة العليا الاسرائيلية.
ما جرى مع بلال هو العبث بعينه والاستعصاء المطلق على استيعاب معنى العدل البسيط والإنسانية، وربما هذا ما دفع بمنظمة العفو الدولية» أمنستي» يوم الثاني عشر من آب/أغسطس الجاري، لاصدار بيان خاص طالبت فيه السلطات الإسرائيلية باطلاق سراح بلال كايد أو بتوجيه تهمة له.
بيان «أمنيستي» مهم لكنه غير كاف، فعلى المجتمع الدولي واجب للتحرك من أجل حماية حقوق الفلسطينيين من ممارسات الاحتلال، أو على الاقل في هذه القضايا العينية الصغيرة/ الكبيرة. فلمن تكتب أمنستي وتعلن: «أن الاعتقال الاداري ليس محظورًا في المطلق بموجب القانون الدولي، لكنه يجب الا يُستخدم إلا في حالات استثنائية وأن يخضع لضمانات صارمة، بيد أن إسرائيل ما انفكّت تستخدمه منذ عقود كبديل، وبهدف الاعتقال التعسفي لأشخاص لم يرتكبوا أي جريمة، ومن بينهم سجناء رأي. كما ان بعض الفلسطينيين احتجزوا بدون تهمة أو محاكمة وان استخدام الادلة السرية تحرم المعتقلين من إمكانية الطعن في اعتقالهم بشكل فعال امام المحكمة ومن حقهم في محاكمة عادلة.. فمنظمة العفو الدولية ترى ان استخدام إسرائيل اسلوب الاعتقال الاداري بحد ذاته ربما يصل إلى حد المعاملة القاسية أو اللانسانية أو المهينة». نحن في فلسطين نعرف ما قالته أمنستي ونعيشه، فضحايا هذه الاعتقالات يملأون السجون الإسرائيلية، ونؤكد أن ما افترضته أمنستي ببيانها كاحتمال وارد من عدة احتمالات هو الحقيقة بعينها والواقع القائم، فقضية عمر البرغوثي تشهد أن أسلوب إسرائيل في الاعتقال الاداري وصل إلى حد المعاملة القاسية واللانسانية الفاضحة ومعاناة بلال كايد وهو يواجه موته تصرخ أن نهج إسرائيل أكبر وأخطر من معاملة مهينة وغير عادلة.
لقد صرحت أمنستي مشكورة بما صرحته، لكنني على قناعة بأن الدواء لهذه القضية يبقى عند أصحاب الداء، وعلى الفلسطينيين أن يعاودوا تقييم مواقفهم ازاء سياسة الاعتقال الاداري الاسرائيلية، وعلى الجهات ذات الشأن والعلاقة أن تقرأ قرار عمر البرغوثي وصحبه «الرافضين» الامتناع عن حضور جلساتهم بنظارة وطنية صحيحة وعليهم أن يسمعوا نداء أمعاء بلال والاخوين بلبول ومن معهم من المضربين بسماعات طبّية وطنية سليمة، ففي النهاية لن يصح القول إلا إذا قالته «حذام» فأين حذام الفلسطينية؟
ويعتبر الأسير عمر البرغوثي، ابن الثالثة والستين وهو من بلدة كوبر الفلسطينية من قضاء مدينة رام الله، من أبرز الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال التي أمضى فيها، لغاية اليوم، ما مجموعه ستة وعشرين عاما كانت آخر ستة أعوام منها عبارة عن اعتقــالات إدارية متقطعة لم يخضع فيها للتحقيق بشبهات محددة ولم تسند له أي تهمة إطلاقًا.
لم يحضر عمر إلى قاعة المحكمة واكتفى بتزويد حراس السجن بقصاصة ورق صغيرة، صارت تعتبر إعلاما رسميا بعدم استعداد الأسير لحضور جلساته، مثله مثل عشرات من زملائه اختاروا ردة الفعل هذه، وأصبحوا في قاموس المحاكم العسكرية يدعون بـ»الرافضين»، أي من يتنازلون، عن يأس وملل، عن حقهم في حضور جلسات المحاكم على درجاتها: بدءًا من محكمة التثبيت مرورا بمحكمة الاستئناف العسكريتين وحتى محكمة العدل العليا الإسرائيلية.
إننا عمليًا بصدد ظاهرة مقلقة جديدة تترسخ معالمها مع مرور كل يوم، وأخطر ما تعكسه هذه الظاهرة هو موافقة القضاة على استنكاف الأسرى عن المشاركة في العملية القضائية، من دون أن يتساءلوا عن الأسباب الحقيقية لردة فعلهم، وترحيب ممثلي النيابات العسكرية والمدنية بالوضع الجديد، وكأنني بهم، قضاةً ونوابًا، يعتبرون ما حصل كأمر عادي لا بل كإزاحة عبء عن كواهلهم.
في السجون الإسرائيلية يقبع حوالي السبعمئة أسير إداري، وهذا رقم كبير جدًا يجب أن يقلق جميع المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الانسان، ويحث كل الجهات القيّمة على متابعة وتطبيق قواعد المواثيق الدولية التي تعنى بشؤون المواطنين الرازحين تحت الاحتلال؛ والقضية موجعة ليس بسبب تلك الأعداد الكبيرة فقط، بل لأن كل أسير منهم يعد عمليًا كحالة مأساوية إنسانية صارخة، فهؤلاء الأسرى ليسوا كباقي الأسرى الأمنيين الذين يعتقلون بعد الاشتباه بهم، ويحقق معهم ويتهمون بلوائح اتهام معرّفة ويدانون بأحكام محددة، قصيرة كانت أم طويلة، فالأسير الإداري يعتقل وهو يجـــهل عمليًا سبب اعتقاله ويزج به في السجن من دون أن يعرف موعد الإفراج عنه، وهذه الجــزئية هي أقسى ما يعيشه كل أسير إداري، خاصة اولئك الذين يواجهون منهم عمليات اعتقال مـــتكــررة تصـــل أحيانًا إلى سنوات طويلة، كما في حــالة عمر البرغـــوثي والأسرى: سالم دردساوي، سعيد نخلة، والنائب عبدالجابر فقهاء وغيرهم.
في هذه الأيام تتصدر قضية الأسير بلال كايد عناوين أخبار الحركة الأسيرة الفلسطينية، فهو قد أعلن إضرابًا عن الطعام منذ الثالث عشر من حزيران/ يونيو المنصرم، نقل على أثره وبعد تدهور حالته الصحية، إلى مستشفى «برزيلاي» الإسرائيلي، حيث ما زال يواجه هناك احتمالات الموت، كما يشهد على ذلك الأطباء والتجربة في حالات سابقة شبيهة.
من الطبيعي أن تستجلب هذه القضية اهتماما أكبر مما حصلته لغاية اليوم، ليس فقط بسبب حالته الخطيرة والمقلقة جدًا، إنما بسبب ما يميزها أيضًا من رعونة إسرائيلية سافرة؛ فبلال كايد، وهو من سكان قرية عصيرة الشمالية من قضاء نابلس، اعتقل عام 2002 وحكم عليه في محكمة عسكرية لمدة أربعة عشر عامًا ونصف العام قضاها كاملة واستعد في الثالث عشر من يونيو الفائت للحظة الإفراج عنه، لكنه فوجئ باستصدار أمر اعتقال إداري يقضي بإبقائه في السجن لمدة ستة أشهر إضافية، من غير تهمة اطلاقًا. صادقت محكمة عسكرية أولى على أمر اعتقاله ومثلها فعلت محكمة الاستئناف العسكرية ولسوف تُنظر قضيته في الاسبوع المقبل أمام هيئة من ثلاثة قضاة في المحكمة العليا الاسرائيلية.
ما جرى مع بلال هو العبث بعينه والاستعصاء المطلق على استيعاب معنى العدل البسيط والإنسانية، وربما هذا ما دفع بمنظمة العفو الدولية» أمنستي» يوم الثاني عشر من آب/أغسطس الجاري، لاصدار بيان خاص طالبت فيه السلطات الإسرائيلية باطلاق سراح بلال كايد أو بتوجيه تهمة له.
بيان «أمنيستي» مهم لكنه غير كاف، فعلى المجتمع الدولي واجب للتحرك من أجل حماية حقوق الفلسطينيين من ممارسات الاحتلال، أو على الاقل في هذه القضايا العينية الصغيرة/ الكبيرة. فلمن تكتب أمنستي وتعلن: «أن الاعتقال الاداري ليس محظورًا في المطلق بموجب القانون الدولي، لكنه يجب الا يُستخدم إلا في حالات استثنائية وأن يخضع لضمانات صارمة، بيد أن إسرائيل ما انفكّت تستخدمه منذ عقود كبديل، وبهدف الاعتقال التعسفي لأشخاص لم يرتكبوا أي جريمة، ومن بينهم سجناء رأي. كما ان بعض الفلسطينيين احتجزوا بدون تهمة أو محاكمة وان استخدام الادلة السرية تحرم المعتقلين من إمكانية الطعن في اعتقالهم بشكل فعال امام المحكمة ومن حقهم في محاكمة عادلة.. فمنظمة العفو الدولية ترى ان استخدام إسرائيل اسلوب الاعتقال الاداري بحد ذاته ربما يصل إلى حد المعاملة القاسية أو اللانسانية أو المهينة». نحن في فلسطين نعرف ما قالته أمنستي ونعيشه، فضحايا هذه الاعتقالات يملأون السجون الإسرائيلية، ونؤكد أن ما افترضته أمنستي ببيانها كاحتمال وارد من عدة احتمالات هو الحقيقة بعينها والواقع القائم، فقضية عمر البرغوثي تشهد أن أسلوب إسرائيل في الاعتقال الاداري وصل إلى حد المعاملة القاسية واللانسانية الفاضحة ومعاناة بلال كايد وهو يواجه موته تصرخ أن نهج إسرائيل أكبر وأخطر من معاملة مهينة وغير عادلة.
لقد صرحت أمنستي مشكورة بما صرحته، لكنني على قناعة بأن الدواء لهذه القضية يبقى عند أصحاب الداء، وعلى الفلسطينيين أن يعاودوا تقييم مواقفهم ازاء سياسة الاعتقال الاداري الاسرائيلية، وعلى الجهات ذات الشأن والعلاقة أن تقرأ قرار عمر البرغوثي وصحبه «الرافضين» الامتناع عن حضور جلساتهم بنظارة وطنية صحيحة وعليهم أن يسمعوا نداء أمعاء بلال والاخوين بلبول ومن معهم من المضربين بسماعات طبّية وطنية سليمة، ففي النهاية لن يصح القول إلا إذا قالته «حذام» فأين حذام الفلسطينية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق