(1)
أمسك رجل كبير السن كتابا باللغة الإنجليزية وأخذ يقرأ ويترجم، قد يبدو الأمر طبيعيا، ولكنه ليس كذلك حين نعلم أن القارئ لم يكمل تعليمه، وأنه ما زال يتذكر لغة أجنبية لم يمارس النطق بمفرداتها في حياته العملية، حيث أنه ليس مغتربا ولا احتكاك له بالناطقين بها، وأيضا ليس في محيطه الأسري من هو من أهل الاختصاص بها، وأن قدرته على قراءتها وفهم معاني مفرداتها تعود إلى أيام دراسته في المدرسة قبل عقود طويلة من الزمن، وأزعم أن قدرة جيلنا الذي كان يبدأ دراسة اللغة الإنجليزية في الخامس الابتدائي، في استخدام اللغة قراءة وكتابة ومحادثة، أفضل من الجيل الذي بدأ بها في الأول الأساسي...طبعا مع تحفظي على فكرة تدريس اللغة الإنجليزية كمادة تعليم أساسية، قبل الصف السابع الأساسي، لأسباب لا مجال لذكرها.
(2)
أوضح الشيخ الدكتور العراقي( أحمد الكبيسي) أنه حفظ ألفية ابن مالك وعمره 12 عاما، وكان هذا دارجا عند أبناء جيله، وأتحدى أن تجد من يحمل درجة بروفسور يحفظ منها إلا أبياتا قليلة، إلا من شذّ، والشاذ لا يقاس عليه، وتجد (ختيارية) يحفظون أشعارا عربية من عيون الشعر العربي، وغالبهم يسمع مجرد سماع بشيء اسمه جامعة وتعليم عالي، فيما تجد اللحن منتشرا عند من يحملون شهادات جامعية، وهو لحن لا يقبل الصفح؛ فكيف أقبل أن أسمع خطيب جمعة جامعي يقول(إن المسلمون) أو (كان المسلمين) وأراه لحنا قابلا للتجاوز؟!
(3)
موظف سابق في الأونروا قال بأنهم كانوا يعلنون عن وظيفة فيتقدم اثنان لها، واليوم تجد طوابير من حملة الشهادات يتقدمون لشغل الشاغر، وكان حملة الدبلوم من خريجي معهد المعلمين فرصهم في الحصول على وظائف أعلى من نظرائهم حملة البكالوريوس هذه الأيام...وأستاذ متقاعد قال بأنه حصل على منحة للدراسة الجامعية مع أن معدله في التوجيهي 75% ويستدرك أنها كانت علامة عالية في الضفتين(وقتها كان التوجيهي موحدا في بين الضفة الشرقية والغربية) وأنه توظف فور تخرجه...نقول هذا كبير، ولكن من هو أصغر منه وهو أخي الكبير قال بأنه فور تخرجه في ثمانينيات القرن الماضي تقدم بطلبين للحصول على وظيفة معلم؛ واحد للحكومة وواحد لوكالة الغوث (الأونروا) فتم قبول الطلبين معا فاختار ما يناسب محل إقامته، ليتقدم بعدها باستقالته من أحد البنوك الذي عمل به أثناء دراسته الجامعية، فمن يجرؤ على الاستقالة اليوم من هكذا وظيفة؟ ومن أصلا يحصل على وظيفة قبل التخرج؟وشقيقتي التي تخرجت في التسعينيات قبلت في الوكالة والحكومة بالتزامن للعمل في التدريس...أتذكر هذا وأذكره وأنا أرى تكدس من يتقدمون للعمل في التدريس ويتقدمون بالطلبات ويجرون الاختبار، وأقرأ عن القائمة الأساسية والاحتياطية، حيث أن نسبة قليلة منهم ستجد طريقها إلى الوظيفة.
بل كانت المملكة الأردنية الهاشمية تلزم خريجي بعض التخصصات العلمية بعدم السفر إلى خارج المملكة للعمل قبل الخدمة لمدة معينة في مؤسسات المملكة، أي توظيف إجباري لا يحتاج اختبارا ولا مقابلة ولا استثناء ولا وساطة ولا غير ذلك.
(4)
كان معلم الفيزياء للمرحلة الثانوية للبنين هو نفسه معلم المادة للبنات في ذات المرحلة، حيث أن خريجات الفيزياء عددهن قليل بل لا وجود يذكر لهن آنذاك.
وقبل سنوات كتب الإعلامي المشهور فيصل القاسم عن فترة عمله في مطار دمشق حينما كان المشروع يستوعب كافة المهندسين-وهم قلة طبعا- وكثيرا من الأيدي العاملة، حيث كان القاسم يدرس الأدب الإنجليزي ويعمل، فحصل قبل تخرجه على وظيفة معلم في مدرسة (معتبرة)، ونتذكر كيف أن السد العالي في مصر عند بنائه استوعب المهندسين والحرفيين وقلل من نسبة البطالة.
(5)
أحد الطلبة الخريجين رأى وصل دفع الرسوم الذي بيدي وأنا في أول فصل من دراستي الجامعية، فحوقل وقال:أنا تخرجت ولم أدفع هذا المبلغ الذي دفعته أنت في أول الطريق...وربما جيلي أوفر حظا من الأجيال التالية؛ وأتذكر عند تسلم أوراق التخرج قبل عقدين من الزمن تقريبا أن موظفا إداريا كبير السن-رحمه الله حيا أو ميتا- قال ناصحا لنا: (الحقوا حالكم من هاللحظة،الآن هناك شواغر وفرص في المرحلة المقبلة ما رح يظل...الوظائف انشغلت ولم يبق إلا قليل).
،،،،،،،
المقال السابق(إعادة النظر في التعليم) وهذه الخواطر التي هي عينات يعرف أغلب الناس رديفا لها في محيطهم الاجتماعي، هي في سياق الحديث عن التعليم كمّا ونوعا، وإن كان هناك فكرة مكررة مع تغيير المفردات فقد تعمدت ذلك، وحيث أن ثمة أمل بالمنهاج الجديد لتحسين وضع العملية التعليمية، فلنترك أو لنؤجل أمر النقاش في هذه المسألة، مع أني تحدثت عنها، ولنتحدث عن استيعاب الخريجين، ومن المؤكد أن عوامل عدة لعبت دورا في بطالة المتعلمين، وتقلص فرص العمل؛ وهي ما سآتي عليها بمشيئة الله في المقال القادم، مع تقديم بعض الأفكار والاقتراحات القابلة للتطبيق والتنفيذ.
أمسك رجل كبير السن كتابا باللغة الإنجليزية وأخذ يقرأ ويترجم، قد يبدو الأمر طبيعيا، ولكنه ليس كذلك حين نعلم أن القارئ لم يكمل تعليمه، وأنه ما زال يتذكر لغة أجنبية لم يمارس النطق بمفرداتها في حياته العملية، حيث أنه ليس مغتربا ولا احتكاك له بالناطقين بها، وأيضا ليس في محيطه الأسري من هو من أهل الاختصاص بها، وأن قدرته على قراءتها وفهم معاني مفرداتها تعود إلى أيام دراسته في المدرسة قبل عقود طويلة من الزمن، وأزعم أن قدرة جيلنا الذي كان يبدأ دراسة اللغة الإنجليزية في الخامس الابتدائي، في استخدام اللغة قراءة وكتابة ومحادثة، أفضل من الجيل الذي بدأ بها في الأول الأساسي...طبعا مع تحفظي على فكرة تدريس اللغة الإنجليزية كمادة تعليم أساسية، قبل الصف السابع الأساسي، لأسباب لا مجال لذكرها.
(2)
أوضح الشيخ الدكتور العراقي( أحمد الكبيسي) أنه حفظ ألفية ابن مالك وعمره 12 عاما، وكان هذا دارجا عند أبناء جيله، وأتحدى أن تجد من يحمل درجة بروفسور يحفظ منها إلا أبياتا قليلة، إلا من شذّ، والشاذ لا يقاس عليه، وتجد (ختيارية) يحفظون أشعارا عربية من عيون الشعر العربي، وغالبهم يسمع مجرد سماع بشيء اسمه جامعة وتعليم عالي، فيما تجد اللحن منتشرا عند من يحملون شهادات جامعية، وهو لحن لا يقبل الصفح؛ فكيف أقبل أن أسمع خطيب جمعة جامعي يقول(إن المسلمون) أو (كان المسلمين) وأراه لحنا قابلا للتجاوز؟!
(3)
موظف سابق في الأونروا قال بأنهم كانوا يعلنون عن وظيفة فيتقدم اثنان لها، واليوم تجد طوابير من حملة الشهادات يتقدمون لشغل الشاغر، وكان حملة الدبلوم من خريجي معهد المعلمين فرصهم في الحصول على وظائف أعلى من نظرائهم حملة البكالوريوس هذه الأيام...وأستاذ متقاعد قال بأنه حصل على منحة للدراسة الجامعية مع أن معدله في التوجيهي 75% ويستدرك أنها كانت علامة عالية في الضفتين(وقتها كان التوجيهي موحدا في بين الضفة الشرقية والغربية) وأنه توظف فور تخرجه...نقول هذا كبير، ولكن من هو أصغر منه وهو أخي الكبير قال بأنه فور تخرجه في ثمانينيات القرن الماضي تقدم بطلبين للحصول على وظيفة معلم؛ واحد للحكومة وواحد لوكالة الغوث (الأونروا) فتم قبول الطلبين معا فاختار ما يناسب محل إقامته، ليتقدم بعدها باستقالته من أحد البنوك الذي عمل به أثناء دراسته الجامعية، فمن يجرؤ على الاستقالة اليوم من هكذا وظيفة؟ ومن أصلا يحصل على وظيفة قبل التخرج؟وشقيقتي التي تخرجت في التسعينيات قبلت في الوكالة والحكومة بالتزامن للعمل في التدريس...أتذكر هذا وأذكره وأنا أرى تكدس من يتقدمون للعمل في التدريس ويتقدمون بالطلبات ويجرون الاختبار، وأقرأ عن القائمة الأساسية والاحتياطية، حيث أن نسبة قليلة منهم ستجد طريقها إلى الوظيفة.
بل كانت المملكة الأردنية الهاشمية تلزم خريجي بعض التخصصات العلمية بعدم السفر إلى خارج المملكة للعمل قبل الخدمة لمدة معينة في مؤسسات المملكة، أي توظيف إجباري لا يحتاج اختبارا ولا مقابلة ولا استثناء ولا وساطة ولا غير ذلك.
(4)
كان معلم الفيزياء للمرحلة الثانوية للبنين هو نفسه معلم المادة للبنات في ذات المرحلة، حيث أن خريجات الفيزياء عددهن قليل بل لا وجود يذكر لهن آنذاك.
وقبل سنوات كتب الإعلامي المشهور فيصل القاسم عن فترة عمله في مطار دمشق حينما كان المشروع يستوعب كافة المهندسين-وهم قلة طبعا- وكثيرا من الأيدي العاملة، حيث كان القاسم يدرس الأدب الإنجليزي ويعمل، فحصل قبل تخرجه على وظيفة معلم في مدرسة (معتبرة)، ونتذكر كيف أن السد العالي في مصر عند بنائه استوعب المهندسين والحرفيين وقلل من نسبة البطالة.
(5)
أحد الطلبة الخريجين رأى وصل دفع الرسوم الذي بيدي وأنا في أول فصل من دراستي الجامعية، فحوقل وقال:أنا تخرجت ولم أدفع هذا المبلغ الذي دفعته أنت في أول الطريق...وربما جيلي أوفر حظا من الأجيال التالية؛ وأتذكر عند تسلم أوراق التخرج قبل عقدين من الزمن تقريبا أن موظفا إداريا كبير السن-رحمه الله حيا أو ميتا- قال ناصحا لنا: (الحقوا حالكم من هاللحظة،الآن هناك شواغر وفرص في المرحلة المقبلة ما رح يظل...الوظائف انشغلت ولم يبق إلا قليل).
،،،،،،،
المقال السابق(إعادة النظر في التعليم) وهذه الخواطر التي هي عينات يعرف أغلب الناس رديفا لها في محيطهم الاجتماعي، هي في سياق الحديث عن التعليم كمّا ونوعا، وإن كان هناك فكرة مكررة مع تغيير المفردات فقد تعمدت ذلك، وحيث أن ثمة أمل بالمنهاج الجديد لتحسين وضع العملية التعليمية، فلنترك أو لنؤجل أمر النقاش في هذه المسألة، مع أني تحدثت عنها، ولنتحدث عن استيعاب الخريجين، ومن المؤكد أن عوامل عدة لعبت دورا في بطالة المتعلمين، وتقلص فرص العمل؛ وهي ما سآتي عليها بمشيئة الله في المقال القادم، مع تقديم بعض الأفكار والاقتراحات القابلة للتطبيق والتنفيذ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق