هل تبنى الرجوب طريق الإسلاميين في التعامل مع المسيحيين العرب؟
المسيحية الشرقية خسرت من وزنها الديموغرافي، عدد أبنائها بتقلص دائم ومتواصل، ليس بسبب العنف والقتل فقط، بل أيضا بسبب الهجرة هربا من الاضطهاد الرسمي وغياب أي حماية من الأنظمة، ولا نتجاهل العنف الدموي للتطرف الإسلامي قبل الدواعش أيضا. المسيحيون العرب وعدد هائل من المسلمين أيضا يهاجرون بحثا عن مستقبل آمن في دول تعلمنا ان نكرهها ولكننا نصبو بكل طاقاتنا للحصول على إقامة وعمل وتعليم في ربوعها.
لا اعرف دوافع الرجوب، لكنها سقطة لا تليق بقائد فلسطيني يمثل الشرعية الفلسطينية.
المسيحيون العرب وفي فلسطين خاصة ، شكلوا التيار القومي العربي وطرحوا فكرا قوميا عربيا رافضين كل حركات التتريك أو البقاء ضمن الإمبراطورية العثمانية.
المسيحيون العرب أنقذوا اللغة العربية من التتريك . المسيحيون العرب هم أول من ادخل الطباعة للشرق العربي على أيدي الآباء اليسوعيين في لبنان.
الإرساليات المسيحية هي أول من انشأ المدارس الراقية للتنوير وتعليم أبناء العرب، في وقت لم تقم الإمبراطورية العثمانية بتوفير مدارس لائقة أو غير لائقة للتعليم.
المسيحيون هم أول من أنشأ المستشفيات وأحضر الأطباء والدواء في وقت لم يكن من علاج إلا وصفات لم تستطيع مواجهة الحالات المرضية الصعبة وحالات الجراحة. المسيحيون العرب أبدعوا في الثقافة العربية وحرروها من سجن التخلف والأمية التي سادت بفضل العثمانيين ل 600 سنة وأعطوها روحا ومكانة بين ثقافات الشعوب، وهل ننسى ان كل أدباء المهجر كانوا جميعهم من المسيحيين فقط ، من جماعة "ميري كريسماس " يا رجوب؟!
مع رجوب وبدونه يتواصل التعامل مع المسيحيين العرب كجسم غريب ، تتواصل الاعتداءات التي لا تصدّ بما تستحقه من حزم ، مازال الخوف يسيطر على الطوائف العربية المسيحية رغم الأصوات العقلانية ، لكن الصوت لا يملك أسنانا وأظافر قادرة على الفعل الدفاعي ، هنا لابد من دور فعال وحازم للأنظمة التي من المفترض ان يشكل الرجوب أكثرها تنويرا وعدالة في التعامل مع المسيحيين الفلسطينيين ، لكنه لبس قبعه ولحق ربعه.
هل هي سياسة جديدة يحاول عبرها الرجوب ان يفوز برئاسة السلطة الفلسطينية عبر إيجاد القبول في أوساط إسلامية معينة؟!
الموضوع ليس جديداً، الاضطهاد الذي يعاني منه مسيحيو الشرق، لا يقع بعيداً عن الواقع الأسود للعالم العربي الذي يدفع ثمنه الجميع، مسلمون ومسيحيون.
لا شك ان للهوية الدينية مكانها في تشكيل الوعي الوطني والثقافي والأخلاقي، إذا ما أُحسن استعمالها، لكن الظاهرة السائدة في عالمنا العربي في العقود الأخيرة هي ظاهرة مقيتة جداً، مأساوية للجميع، بعيدة عن المنطق السليم، تجعل من الدين رافعة لشقّ المجتمع العربي وتفريق صفوفه ، لماذا يضاعف الرجوب هذه السلبيات؟!
حتى بدون داعش، هناك آلاف الفتاوى التي تحرض على المسيحيين وتدعو لمعاداتهم وعدم المشاركة بأعيادهم ونبذهم وما هبّ ودبّ ، وهذه الظاهرة بدأت تسود في مناطق السلطة الفلسطينية وفي غزة، وللأسف في أوساط هامشية داخل المجتمع العربي في إسرائيل. تصريحات الرجوب ستعطي شرعية مشوهة ودفعة قوية لهذه الظاهرة السلبية على المسيحيين والمسلمين سوية..
هناك آلاف الخطب الدينية شكلاً والعنصرية مضموناً، يضجّ فيها الفضاء العربي دون رقيب، دون ان تشعل الأضوية الحمراء لما يريد للمجتمعات العربية ان تقبر مستقبلها فيه فلماذا يزودها الرجوب بالوقود... بقصد أو بدونه؟
المسيحيون العرب في مختلف أقطار العالم العربي الممزق اليوم بالتطرف والجنون الطائفي القاتل للعقل، عانوا عبر كل تاريخهم من التطرف. ولا أبرئ الأنظمة العربية حتى الوطنية منها التي تهاونت مع المتطرفين، ولم تطور قوانين تطرح المساواة بين المواطنين على اختلاف عقائدهم ، لنصل اليوم إلى واقع يعاني منه المسلمين ليس أقل من معاناة المسيحيين. ان ما نهجت عليه الدول العربية الوطنية من إفراز خانة للمسيحيين العرب وكأنهم عنصر دخيل على الفسيفساء الاجتماعية للمجتمعات العربية، متناسين أنهم كانوا من المحركات الأساسية لتطور الحضارة العربية الإسلامية.. ولتطور كل الفكر القومي العربي، قادنا اليوم إلى كل الظواهر التي تعيث دمارا بالوطن والإنسان يدفع ثمنها الجميع ولا فرق بين مسلم ومسيحي.
مواد التعليم مليئة بنصوص تعمّق ظاهرة العداء والرفض للمختلفين دينيا، بل والتحريض على كل من يدعي انه وطني عربي، لان الوطنية، حسب الفكر الموبوء المريض هي "ظاهرة صليبية"، أو انحراف معاد للإسلام ، كما يدعي صغار العقل، متجاهلين ان الإسلام كان يعني انطلاقة للقومية العربية أيضا.
للأسف حتى النظام المصري الوطني عامَلَ المسيحيين الأقباط حسب قانون عثماني مضت عليه قرون طويلة، لدرجة ان أي عملية إصلاح بسيطة في كنيسة ما، تحتاج إلى مصادقة من المحافظ أو من رئيس الجمهورية. هذا يذكرني بما كتبه المفكر المصري جلال أمين: "ان تحرير الأقباط هو شرط ضروري لتحرير المسلمين"!!
بعد "الربيع العربي" سمعنا ان النظام طرح "العهدة العمرية" كقاعدة للتعامل مع المسيحيين، ولا أظن ان أي عقلاني يقرأ "العهدة العمرية" سيرى بها حلا يضمن المساواة، إنما نهجا لا يمكن التعايش معه في وقتنا الراهن. حتى مجرد التأكيد ان الشريعة الإسلامية هي في صلب الدستور، في دول متعددة الديانات والثقافات هو إبقاء الواقع السيّئ للأقليات الدينية رهنا لتصرفات السلطة والحركات المتطرفة.
المسيحيون في فلسطين كانوا يشكلون 17% من مجمل المواطنين، نسبتهم اليوم أقل من %2. في القدس كانوا يشكلون 50% عام 1920 اليوم لا يتجاوزون 5% من مجمل السكان العرب في القدس وربما أقل!!
عائلات مسيحية كثيرة هاجرت من غزة في فترة الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة في فترة عرفات، نتيجة المضايقات والملاحقات الدينية من المتطرفين الإسلاميين وحماس خاصة، مما اضطر النساء المسيحيات إلى التحجب، وبالتالي الهجرة الواسعة للعائلات المسيحية.
رغم ذلك، ما زلنا نسمع ونشاهد ما يثير قلقنا وامتعاضنا. ويجيء الرجوب مضيفا المزيد من التحريض والسخرية من أقلية فلسطينية وطنية، وصفهم حضرته بجماعة الميري كريسماس!!
عندما نقرأ شعارات مثل "الله مولانا ولا مولى لهم"، نفهم ما يعنون فنحن جزء من "المغضوب عليهم والضالين" حتى متى؟. هذه الشعارات التحريضية وغيرها الكثير لا تثقف على الانتماء الوطني بل على التمزق الوطني.
ما زلت احتفظ بمقال نشره الأمير السعودي طلال بن عبد العزيز في صحيفة النهار اللبنانية (29 كانون الثاني 2002)، تحت عنوان "بقاء المسيحيين العرب" كتب: "ان ما يحدث للمسيحيين العرب نتاج بيئة تفترش التعصب والتطرف وبالتالي العنف المؤدي إلى كوارث تاريخية والأهم من ذلك كله فكرة إلغاء الآخر، وان بقاءهم ترسيخ للدولة العصرية وللتنوع الثقافي وللتعددية وللديمقراطية ولمنع استنزاف الطاقات العلمية والثقافية من منطقتنا، وهجرتهم ضربة عميقة توجه إلى صميم مستقبلنا". وأضاف بعقلانيته التي نفتقدها لدى الكثيرين من المسئولين: "في عصر النهضة الممتد طوال القرنين التاسع عشر والعشرين لم يغب العرب المسيحيون عن دورهم في إعادة إحياء معالم العروبة ومضمونها الحضاري الجامع والمنفتح على الحضارات الأخرى الناهضة في مرحلة التراجع العربي".
واختتم مقاله بنداء: "إن هجرة العرب المسيحيين في حال استمرارها هو ضربة عميقة توجه إلى صميم مستقبلنا. مهمتنا العاجلة منع هذه الهجرة، ترسيخ بقاء هذه الفئة العربية في شرقنا الواحد، والتطلع إلى هجرة معاكسة إذا أمكن".
الصحفي المصري الميتالوجي المرحوم محمد حسنين هيكل كتب أيضا في وقته: "أشعر، ولا بد ان غيري يشعرون، ان المشهد العربي كله سوف يختلف حضاريا وإنسانيا وسوف يصبح على وجه التأكيد أكثر فقرا وأقل ثراء لو ان ما يجري الآن من هجرة مسيحيي المشرق تُرك أمره للتجاهل أو التغافل أو للمخاوف. أي خسارة لو أحس مسيحيو المشرق انه لا مستقبل لهم أو لأولادهم فيه، ثم بقي الإسلام وحيدا في المشرق لا يؤنس وحدته غير وجود اليهودية – بالتحديد أمامه في إسرائيل".
وطارق حجي كتب: "الأقليات في الشرق الأوسط هي الموصل لعدوى التقدم والتحديث والسير مستقبلا".
اليوم مع انتشار وباء الداعشية وسكاكين الذبح ، تبدو الصورة قاتمة مليون مرة أكثر من العقدين السابقين، عالم عربي يتراجع مئات السنين، هذا ضمن أهداف الحركة الصهيونية أيضا، إبقاء العالم العربي في الحضيض. مجتمع مريض متنازع يذبح بعضه بعضا.
للأسف لم أجد حليفا للإستراتيجية الصهيونية أكثر من تصريحات الرجوب في ما قاله عن جماعة الميري كريسماس!!
هل يتراجع الرجوب عن موقفه، لتبقى صفحته النضالية ناصعة؟!
nabiloudeh@gmail.com
المسيحية الشرقية خسرت من وزنها الديموغرافي، عدد أبنائها بتقلص دائم ومتواصل، ليس بسبب العنف والقتل فقط، بل أيضا بسبب الهجرة هربا من الاضطهاد الرسمي وغياب أي حماية من الأنظمة، ولا نتجاهل العنف الدموي للتطرف الإسلامي قبل الدواعش أيضا. المسيحيون العرب وعدد هائل من المسلمين أيضا يهاجرون بحثا عن مستقبل آمن في دول تعلمنا ان نكرهها ولكننا نصبو بكل طاقاتنا للحصول على إقامة وعمل وتعليم في ربوعها.
لا اعرف دوافع الرجوب، لكنها سقطة لا تليق بقائد فلسطيني يمثل الشرعية الفلسطينية.
المسيحيون العرب وفي فلسطين خاصة ، شكلوا التيار القومي العربي وطرحوا فكرا قوميا عربيا رافضين كل حركات التتريك أو البقاء ضمن الإمبراطورية العثمانية.
المسيحيون العرب أنقذوا اللغة العربية من التتريك . المسيحيون العرب هم أول من ادخل الطباعة للشرق العربي على أيدي الآباء اليسوعيين في لبنان.
الإرساليات المسيحية هي أول من انشأ المدارس الراقية للتنوير وتعليم أبناء العرب، في وقت لم تقم الإمبراطورية العثمانية بتوفير مدارس لائقة أو غير لائقة للتعليم.
المسيحيون هم أول من أنشأ المستشفيات وأحضر الأطباء والدواء في وقت لم يكن من علاج إلا وصفات لم تستطيع مواجهة الحالات المرضية الصعبة وحالات الجراحة. المسيحيون العرب أبدعوا في الثقافة العربية وحرروها من سجن التخلف والأمية التي سادت بفضل العثمانيين ل 600 سنة وأعطوها روحا ومكانة بين ثقافات الشعوب، وهل ننسى ان كل أدباء المهجر كانوا جميعهم من المسيحيين فقط ، من جماعة "ميري كريسماس " يا رجوب؟!
مع رجوب وبدونه يتواصل التعامل مع المسيحيين العرب كجسم غريب ، تتواصل الاعتداءات التي لا تصدّ بما تستحقه من حزم ، مازال الخوف يسيطر على الطوائف العربية المسيحية رغم الأصوات العقلانية ، لكن الصوت لا يملك أسنانا وأظافر قادرة على الفعل الدفاعي ، هنا لابد من دور فعال وحازم للأنظمة التي من المفترض ان يشكل الرجوب أكثرها تنويرا وعدالة في التعامل مع المسيحيين الفلسطينيين ، لكنه لبس قبعه ولحق ربعه.
هل هي سياسة جديدة يحاول عبرها الرجوب ان يفوز برئاسة السلطة الفلسطينية عبر إيجاد القبول في أوساط إسلامية معينة؟!
الموضوع ليس جديداً، الاضطهاد الذي يعاني منه مسيحيو الشرق، لا يقع بعيداً عن الواقع الأسود للعالم العربي الذي يدفع ثمنه الجميع، مسلمون ومسيحيون.
لا شك ان للهوية الدينية مكانها في تشكيل الوعي الوطني والثقافي والأخلاقي، إذا ما أُحسن استعمالها، لكن الظاهرة السائدة في عالمنا العربي في العقود الأخيرة هي ظاهرة مقيتة جداً، مأساوية للجميع، بعيدة عن المنطق السليم، تجعل من الدين رافعة لشقّ المجتمع العربي وتفريق صفوفه ، لماذا يضاعف الرجوب هذه السلبيات؟!
حتى بدون داعش، هناك آلاف الفتاوى التي تحرض على المسيحيين وتدعو لمعاداتهم وعدم المشاركة بأعيادهم ونبذهم وما هبّ ودبّ ، وهذه الظاهرة بدأت تسود في مناطق السلطة الفلسطينية وفي غزة، وللأسف في أوساط هامشية داخل المجتمع العربي في إسرائيل. تصريحات الرجوب ستعطي شرعية مشوهة ودفعة قوية لهذه الظاهرة السلبية على المسيحيين والمسلمين سوية..
هناك آلاف الخطب الدينية شكلاً والعنصرية مضموناً، يضجّ فيها الفضاء العربي دون رقيب، دون ان تشعل الأضوية الحمراء لما يريد للمجتمعات العربية ان تقبر مستقبلها فيه فلماذا يزودها الرجوب بالوقود... بقصد أو بدونه؟
المسيحيون العرب في مختلف أقطار العالم العربي الممزق اليوم بالتطرف والجنون الطائفي القاتل للعقل، عانوا عبر كل تاريخهم من التطرف. ولا أبرئ الأنظمة العربية حتى الوطنية منها التي تهاونت مع المتطرفين، ولم تطور قوانين تطرح المساواة بين المواطنين على اختلاف عقائدهم ، لنصل اليوم إلى واقع يعاني منه المسلمين ليس أقل من معاناة المسيحيين. ان ما نهجت عليه الدول العربية الوطنية من إفراز خانة للمسيحيين العرب وكأنهم عنصر دخيل على الفسيفساء الاجتماعية للمجتمعات العربية، متناسين أنهم كانوا من المحركات الأساسية لتطور الحضارة العربية الإسلامية.. ولتطور كل الفكر القومي العربي، قادنا اليوم إلى كل الظواهر التي تعيث دمارا بالوطن والإنسان يدفع ثمنها الجميع ولا فرق بين مسلم ومسيحي.
مواد التعليم مليئة بنصوص تعمّق ظاهرة العداء والرفض للمختلفين دينيا، بل والتحريض على كل من يدعي انه وطني عربي، لان الوطنية، حسب الفكر الموبوء المريض هي "ظاهرة صليبية"، أو انحراف معاد للإسلام ، كما يدعي صغار العقل، متجاهلين ان الإسلام كان يعني انطلاقة للقومية العربية أيضا.
للأسف حتى النظام المصري الوطني عامَلَ المسيحيين الأقباط حسب قانون عثماني مضت عليه قرون طويلة، لدرجة ان أي عملية إصلاح بسيطة في كنيسة ما، تحتاج إلى مصادقة من المحافظ أو من رئيس الجمهورية. هذا يذكرني بما كتبه المفكر المصري جلال أمين: "ان تحرير الأقباط هو شرط ضروري لتحرير المسلمين"!!
بعد "الربيع العربي" سمعنا ان النظام طرح "العهدة العمرية" كقاعدة للتعامل مع المسيحيين، ولا أظن ان أي عقلاني يقرأ "العهدة العمرية" سيرى بها حلا يضمن المساواة، إنما نهجا لا يمكن التعايش معه في وقتنا الراهن. حتى مجرد التأكيد ان الشريعة الإسلامية هي في صلب الدستور، في دول متعددة الديانات والثقافات هو إبقاء الواقع السيّئ للأقليات الدينية رهنا لتصرفات السلطة والحركات المتطرفة.
المسيحيون في فلسطين كانوا يشكلون 17% من مجمل المواطنين، نسبتهم اليوم أقل من %2. في القدس كانوا يشكلون 50% عام 1920 اليوم لا يتجاوزون 5% من مجمل السكان العرب في القدس وربما أقل!!
عائلات مسيحية كثيرة هاجرت من غزة في فترة الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة في فترة عرفات، نتيجة المضايقات والملاحقات الدينية من المتطرفين الإسلاميين وحماس خاصة، مما اضطر النساء المسيحيات إلى التحجب، وبالتالي الهجرة الواسعة للعائلات المسيحية.
رغم ذلك، ما زلنا نسمع ونشاهد ما يثير قلقنا وامتعاضنا. ويجيء الرجوب مضيفا المزيد من التحريض والسخرية من أقلية فلسطينية وطنية، وصفهم حضرته بجماعة الميري كريسماس!!
عندما نقرأ شعارات مثل "الله مولانا ولا مولى لهم"، نفهم ما يعنون فنحن جزء من "المغضوب عليهم والضالين" حتى متى؟. هذه الشعارات التحريضية وغيرها الكثير لا تثقف على الانتماء الوطني بل على التمزق الوطني.
ما زلت احتفظ بمقال نشره الأمير السعودي طلال بن عبد العزيز في صحيفة النهار اللبنانية (29 كانون الثاني 2002)، تحت عنوان "بقاء المسيحيين العرب" كتب: "ان ما يحدث للمسيحيين العرب نتاج بيئة تفترش التعصب والتطرف وبالتالي العنف المؤدي إلى كوارث تاريخية والأهم من ذلك كله فكرة إلغاء الآخر، وان بقاءهم ترسيخ للدولة العصرية وللتنوع الثقافي وللتعددية وللديمقراطية ولمنع استنزاف الطاقات العلمية والثقافية من منطقتنا، وهجرتهم ضربة عميقة توجه إلى صميم مستقبلنا". وأضاف بعقلانيته التي نفتقدها لدى الكثيرين من المسئولين: "في عصر النهضة الممتد طوال القرنين التاسع عشر والعشرين لم يغب العرب المسيحيون عن دورهم في إعادة إحياء معالم العروبة ومضمونها الحضاري الجامع والمنفتح على الحضارات الأخرى الناهضة في مرحلة التراجع العربي".
واختتم مقاله بنداء: "إن هجرة العرب المسيحيين في حال استمرارها هو ضربة عميقة توجه إلى صميم مستقبلنا. مهمتنا العاجلة منع هذه الهجرة، ترسيخ بقاء هذه الفئة العربية في شرقنا الواحد، والتطلع إلى هجرة معاكسة إذا أمكن".
الصحفي المصري الميتالوجي المرحوم محمد حسنين هيكل كتب أيضا في وقته: "أشعر، ولا بد ان غيري يشعرون، ان المشهد العربي كله سوف يختلف حضاريا وإنسانيا وسوف يصبح على وجه التأكيد أكثر فقرا وأقل ثراء لو ان ما يجري الآن من هجرة مسيحيي المشرق تُرك أمره للتجاهل أو التغافل أو للمخاوف. أي خسارة لو أحس مسيحيو المشرق انه لا مستقبل لهم أو لأولادهم فيه، ثم بقي الإسلام وحيدا في المشرق لا يؤنس وحدته غير وجود اليهودية – بالتحديد أمامه في إسرائيل".
وطارق حجي كتب: "الأقليات في الشرق الأوسط هي الموصل لعدوى التقدم والتحديث والسير مستقبلا".
اليوم مع انتشار وباء الداعشية وسكاكين الذبح ، تبدو الصورة قاتمة مليون مرة أكثر من العقدين السابقين، عالم عربي يتراجع مئات السنين، هذا ضمن أهداف الحركة الصهيونية أيضا، إبقاء العالم العربي في الحضيض. مجتمع مريض متنازع يذبح بعضه بعضا.
للأسف لم أجد حليفا للإستراتيجية الصهيونية أكثر من تصريحات الرجوب في ما قاله عن جماعة الميري كريسماس!!
هل يتراجع الرجوب عن موقفه، لتبقى صفحته النضالية ناصعة؟!
nabiloudeh@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق