ونحن نعيش ذكرى مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا قبل 34 سنة يحضرني مشهد امرأة تصرخ من فوق الجثث المركومة، ورائحة الموت والدمار في المكان وهي تولول مطلقة عبارة تفجع هي سؤال من كلمتين فقط(وين العرب؟!) وهي بهذا تلخص حالة وجدانية تتمثل بارتباط القضية الفلسطينية بالوضع العربي في مختلف مراحلها المصبوغة بالدم والمؤامرات والاحتلال والبطولة والشهادة والأمل والرجاء والخذلان وكل ما في قضيتنا من تفصيلات عشناها وعاشها آباؤنا وأجدادنا.
مشهد يتكرر في انتفاضة الأقصى لمعتقلين فلسطينيين في أحد المخيمات في الضفة الغربية لرجل يدعو على العرب أو يشتمهم أمام بعض الفضائيات العربية ..فشئنا أم أبينا، وعينا الجمعي وتفكيرنا الباطن دوما، الظاهر حينا، يحمّل العرب مسئولية ليست بالصغيرة عما جرى ويجري لنا.
العرب بأوضاعهم المتقلبة عبر الزمن كانوا عاملا مؤثرا في مجريات قضيتنا؛ وإن كان الحديث يدور عن دول إقليمية أخرى في السنوات الأخيرة خاصة إيران وتركيا، فإن العامل العربي كان وما زال حاسما أو مؤثرا بدرجة كبيرة على أوضاعنا، وطريقة إدارتنا للصراع...طبعا لا أتحدث عن دور القوى الغربية، لأنها في خندق الصهيونية، وإن أعطانا بعض قادتها ونخبها من طرف اللسان حلاوة...ولنحاول استعراض التأثير العربي، وخلفياته وأين وصل ومآلاته المؤثرة على قضيتنا ومسارها.
(1)نهاية السلطنة...بداية القضية
يجب أن نضع في الحسبان أن القضية الفلسطينية قد بدأت إرهاصاتها في مرحلة ضعف وعجز وتآكل متسارع للسلطنة العثمانية، بالتزامن مع حالة انبعاث للقوميات في أوروبا التي كانت تحقق تقدما علميا متسارعا، بالتأكيد له جوانب عسكرية، ومطامع وخطط استعمارية، أفضت إلى ابتكار فكرة الصهيونية، إضافة طبعا إلى وضع يهود أوروبا.
أي أنه لم يكن لأهل فلسطين بوتقة قومية قطرية، ولم تنضج آنذاك هويتهم الوطنية الذاتية، وهذا ينسحب على كل الأقطار والبلاد العثمانية لقرون عدة؛ لأن فلسطين كانت تحت حكم العثمانيين بضعة قرون، وهؤلاء لهم دولة قوية عريقة عمرها حوالي 600 عام، ولم تكن أصلا فكرة التميز القومي أو القطري موجودة بالمعنى السياسي والثقافي، والمحاولة الوحيدة التي كانت في زمن الحكم العثماني والتي كان لها تميز سياسي وعسكري واقتصادي هي حكم الشيخ ظاهر العمر الزيداني في القرن الثامن عشر، وهي تجربة كانت سابقة لحملة نابليون وما تلاها من تطورات في أوروبا والمنطقة، ولم يكن هناك ثمة محاولات جديدة بالتزامن مع المخططات الأوروبية.
(2)استعمار من نوع خاص
عشية الحرب العالمية الأولى(1914-1918م) لم يكن قد بقي للعثمانيين أراض في المنطقة العربية سوى العراق وبلاد الشام وشبه الجزيرة العربية، وأدت الحرب إلى دخول هذه المناطق تحت الاحتلال(الاستعمار) البريطاني والفرنسي لتنضم إلى بقية الدول العربية التي انتزعها الأوروبيون من السلطنة تباعا.
ولكن فلسطين كان لها وضع خاص مختلف في المخطط الاستعماري، فقد كان هناك وعد بلفور ومن ثم صك الانتداب، مما يعني أن الجيش البريطاني في فلسطين سيمكن اليهود من الاستيطان في فلسطين، على حساب أهلها بالمعنى التاريخي والجغرافي، وهذا وضع يختلف عن بقية الأقطار العربية المحتلة من الغزاة الإنجليز أو الفرنسيين أو الطليان أو الإسبان.
(3)زمن القطرية العربية
المقاومة الشرسة، إضافة إلى عوامل داخلية في الدول الغازية، أدت في نهاية المطاف إلى حصول الأقطار العربية تباعا على استقلال، ورحيل الجيوش الغازية عن أراضيها، وأيضا بلورة هوية سياسية تقوم على القطرية، وإن كانت ترفع شعارات قومية، بل أممية أحيانا، فنشأت في الدول العربية الجديدة أنظمة، التزمت بالحدود الجغرافية في مرحلة ما بعد الغزو الاستعماري، وأخذت تعلي تدريجيا من أهمية وأولوية الهوية القطرية.
في المقابل لم يتمكن الشعب الفلسطيني من بلورة كيان سياسي يعبر عن (فلسطينيته) لأن الجيوش الغازية لم ترحل، ولأن الشعب الفلسطيني بقياداته وعموم جمهوره، لم ينظر إلى قضية فلسطين والمؤامرة على وجودها نظرة منفصلة عن المحيط العربي والإسلامي؛ وهذا موقف سليم 100% من الناحية النظرية، ولا سيما أن مجاهدين من الجوار العربي هبوا لنجدة فلسطين وشعبها ولم يبخلوا عليها بدمائهم، ولأن فكرة إقامة كيان غريب في المنطقة يستهدف الأقطار العربية أيضا مع أن مركزه وبؤرته هي فلسطين.
والأجسام السياسية التي نشأت في فلسطين ظلت اتجاهاتها ومحددات عملها تدور في فلك إنقاذ كل فلسطين، أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه منها، رضوخا للأمر الواقع، ولكن ظلت مرتبطة بالمحيط العربي، وحيث أن المحيط العربي، قد خرج من حروب واستعمار، وصارت الغلبة والكلمة الفصل للدولة العربية القطرية الجديدة ومؤسساتها، وليس للمجتمع المدني العربي دور يذكر في رسم السياسات، بل ربما لم يكن هناك وجود حقيقي فاعل لهذا المجتمع، فارتباط ساسة فلسطين وثوارها-الراضين أو الغاضبين- وعموم أهلها كان بالنظام العربي الرسمي وما يحكم أو يؤثر في هذا النظام من ظروف متغيرة وحسابات وصفقات وعلاقات وتقديرات، والتي بالطبع لم تكن في صالح الشعب الفلسطيني للأسف الشديد...وسنأتي على جوانب ومحطات مهمة في هذا السياق في مقال قادم إن شاء الله.
مشهد يتكرر في انتفاضة الأقصى لمعتقلين فلسطينيين في أحد المخيمات في الضفة الغربية لرجل يدعو على العرب أو يشتمهم أمام بعض الفضائيات العربية ..فشئنا أم أبينا، وعينا الجمعي وتفكيرنا الباطن دوما، الظاهر حينا، يحمّل العرب مسئولية ليست بالصغيرة عما جرى ويجري لنا.
العرب بأوضاعهم المتقلبة عبر الزمن كانوا عاملا مؤثرا في مجريات قضيتنا؛ وإن كان الحديث يدور عن دول إقليمية أخرى في السنوات الأخيرة خاصة إيران وتركيا، فإن العامل العربي كان وما زال حاسما أو مؤثرا بدرجة كبيرة على أوضاعنا، وطريقة إدارتنا للصراع...طبعا لا أتحدث عن دور القوى الغربية، لأنها في خندق الصهيونية، وإن أعطانا بعض قادتها ونخبها من طرف اللسان حلاوة...ولنحاول استعراض التأثير العربي، وخلفياته وأين وصل ومآلاته المؤثرة على قضيتنا ومسارها.
(1)نهاية السلطنة...بداية القضية
يجب أن نضع في الحسبان أن القضية الفلسطينية قد بدأت إرهاصاتها في مرحلة ضعف وعجز وتآكل متسارع للسلطنة العثمانية، بالتزامن مع حالة انبعاث للقوميات في أوروبا التي كانت تحقق تقدما علميا متسارعا، بالتأكيد له جوانب عسكرية، ومطامع وخطط استعمارية، أفضت إلى ابتكار فكرة الصهيونية، إضافة طبعا إلى وضع يهود أوروبا.
أي أنه لم يكن لأهل فلسطين بوتقة قومية قطرية، ولم تنضج آنذاك هويتهم الوطنية الذاتية، وهذا ينسحب على كل الأقطار والبلاد العثمانية لقرون عدة؛ لأن فلسطين كانت تحت حكم العثمانيين بضعة قرون، وهؤلاء لهم دولة قوية عريقة عمرها حوالي 600 عام، ولم تكن أصلا فكرة التميز القومي أو القطري موجودة بالمعنى السياسي والثقافي، والمحاولة الوحيدة التي كانت في زمن الحكم العثماني والتي كان لها تميز سياسي وعسكري واقتصادي هي حكم الشيخ ظاهر العمر الزيداني في القرن الثامن عشر، وهي تجربة كانت سابقة لحملة نابليون وما تلاها من تطورات في أوروبا والمنطقة، ولم يكن هناك ثمة محاولات جديدة بالتزامن مع المخططات الأوروبية.
(2)استعمار من نوع خاص
عشية الحرب العالمية الأولى(1914-1918م) لم يكن قد بقي للعثمانيين أراض في المنطقة العربية سوى العراق وبلاد الشام وشبه الجزيرة العربية، وأدت الحرب إلى دخول هذه المناطق تحت الاحتلال(الاستعمار) البريطاني والفرنسي لتنضم إلى بقية الدول العربية التي انتزعها الأوروبيون من السلطنة تباعا.
ولكن فلسطين كان لها وضع خاص مختلف في المخطط الاستعماري، فقد كان هناك وعد بلفور ومن ثم صك الانتداب، مما يعني أن الجيش البريطاني في فلسطين سيمكن اليهود من الاستيطان في فلسطين، على حساب أهلها بالمعنى التاريخي والجغرافي، وهذا وضع يختلف عن بقية الأقطار العربية المحتلة من الغزاة الإنجليز أو الفرنسيين أو الطليان أو الإسبان.
(3)زمن القطرية العربية
المقاومة الشرسة، إضافة إلى عوامل داخلية في الدول الغازية، أدت في نهاية المطاف إلى حصول الأقطار العربية تباعا على استقلال، ورحيل الجيوش الغازية عن أراضيها، وأيضا بلورة هوية سياسية تقوم على القطرية، وإن كانت ترفع شعارات قومية، بل أممية أحيانا، فنشأت في الدول العربية الجديدة أنظمة، التزمت بالحدود الجغرافية في مرحلة ما بعد الغزو الاستعماري، وأخذت تعلي تدريجيا من أهمية وأولوية الهوية القطرية.
في المقابل لم يتمكن الشعب الفلسطيني من بلورة كيان سياسي يعبر عن (فلسطينيته) لأن الجيوش الغازية لم ترحل، ولأن الشعب الفلسطيني بقياداته وعموم جمهوره، لم ينظر إلى قضية فلسطين والمؤامرة على وجودها نظرة منفصلة عن المحيط العربي والإسلامي؛ وهذا موقف سليم 100% من الناحية النظرية، ولا سيما أن مجاهدين من الجوار العربي هبوا لنجدة فلسطين وشعبها ولم يبخلوا عليها بدمائهم، ولأن فكرة إقامة كيان غريب في المنطقة يستهدف الأقطار العربية أيضا مع أن مركزه وبؤرته هي فلسطين.
والأجسام السياسية التي نشأت في فلسطين ظلت اتجاهاتها ومحددات عملها تدور في فلك إنقاذ كل فلسطين، أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه منها، رضوخا للأمر الواقع، ولكن ظلت مرتبطة بالمحيط العربي، وحيث أن المحيط العربي، قد خرج من حروب واستعمار، وصارت الغلبة والكلمة الفصل للدولة العربية القطرية الجديدة ومؤسساتها، وليس للمجتمع المدني العربي دور يذكر في رسم السياسات، بل ربما لم يكن هناك وجود حقيقي فاعل لهذا المجتمع، فارتباط ساسة فلسطين وثوارها-الراضين أو الغاضبين- وعموم أهلها كان بالنظام العربي الرسمي وما يحكم أو يؤثر في هذا النظام من ظروف متغيرة وحسابات وصفقات وعلاقات وتقديرات، والتي بالطبع لم تكن في صالح الشعب الفلسطيني للأسف الشديد...وسنأتي على جوانب ومحطات مهمة في هذا السياق في مقال قادم إن شاء الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق