حلقات من مذكراتي (الحلقتان ٣٧و ٣٨)/ رفيق البعيني

٣- المراقبون

العميد نسيب عيد قائد اللواء المجوقل:
صادف ان كان يترأس قوات الجيش المقابلة للاشتراكيين العميد نسيب عيد قائد اللواء المجوقل وهو من بلدة الجليلية القريبة من بلدتي مزرعة الشوف ، ولما كنا زملاء  سلاح هو ضابط في الخدمة الفعلية وأنا ضابط متقاعد، ولأننا من بلدتين قريبتين نعرف بعضنا، ساعدني هذا الأمر في بناء ثقة متبادلة سهلت عليّ مهمتي في القضاء على التوترات التي كانت تهدد بخرق الهدنة وانفجار الوضع في كثير من الأحيان. كان العميد عيد في ضيافتي في خيمة المراقبين فلمح أحد المشايخ مرتدياً الشروال ، وهذا الشيخ كان يقاتل الى جانب القوات الاشتراكية . تقدم منه والتفت إليّ قائلاً : "الآن اجتمعت القوات المشرولة مع القوات المجوقلة". اننا فعلاً كنا نحسب حساب هذه القوات وبطولاتها.
المراقبون الفرنسيون
بناء لقرار اللحنة الأمنية التي عقدت احتماعاتها في لوزان في سويسرا والتي كانت تمثل ( جبهة الخلاص الوطني : الحزب التقدمي الاشتراكي)  والجبهة اللبنانية( الكتائب والقوات اللبنانية) وحركة أمل . خصص لجبهتي ال ٨٨٨ وقلعة الحصن فقط دون عشرات الجبهات الباقية  عناص مراقبة فرنسية لمساعدة المراقبين اللبنانيين نظراً لاهميتيهما ولقرب المواقع بين بعضهما البعض.
وصل الى التلة ذات يوم وفد المراقبين الفرنسيين فاستقبلته مع وفد قيادي من الحزب التقدمي الاشتراكي وقدمت للوفد باقة زهور بيضاء ترحيبية . وبعد حديث قصير بيني وبين قائد المراقبين العاموكان ضابط برتبة عقيد قدم اليّ النقيب دافيد" David" ليكون مساعداً لي في المراقبة على التلة . وبعد ان غادر الوفد الفرنسي نصب النقيب دافيد خيمته بجانب خيمتنا وكانت تحتوي بالضافة الى الأسرة والكراسي مكيفاً وبراداوأشياء أخرى ترفيهية بينما خيمتنا اقتصرت محتوياتها على الأسرة فقط.

صورة رئيس الجمهورية كادتا تفجر الوضع (الفرنسيون مذعورون):
سارت الأمور على مايرام على تلة ال٨٨٨ فلم تطلق رصاصة واحدة بينما كانت الجبهات الأخرى في الجبل والضاحية تشتعل من وقت لآخر، ومرد ذلك الى حالة الوئام والتفاهم اللتين خلقناهما بين المتخاصمين بحيث كانوا يتشاركون معنا والفرنسيين في جلسات السمر وأحياناً موائد الطعام .
وذات يوم، وبينما كنت في جولة على مراكز المراقبة الأخرى ( الحي الغربي وكاليري خيرالله) إذا بصوت المراقب الفرنسي النقيب دافيد ينفجر من خلال جهاز اللاسلكي الذي أحمله في صارخاً:" venez vite mon capitaine, la situation est tres grave احضر حالا حضرة النقيب، الوضع خطير جداً. قدت سيارة الجيب بسرعة نحو التلة فوجدت استنفاراً بين الاشتراكيين والجيش وجميع المراقبين لبنانيين وفرنسيين في وضع الانبطاح وصور رئيس الجمهورية أمين الجميل والاعلام اللبنانية ترتفع بأعداد كبيرة على القسم من التلة التي يحتلها الجيش ، فوقفت في منتصف التلة والفريقان منبطحان أرضا في وضع الاستعداد لاطلاق النار.استوضحت الأمر فقال لي المسؤول الاشتراكي: عليهم( يقصد الجيش) ان  يزيلوا هذه الصور والاعلام فوراً وإلا أحرقناها واشعلنا الجبهة . ناديت ضابط الجيش في الجهة المقابلة طالباً تخفيف الاحتقان وازالة الصور فأجابني اليوم عيد الاستقلال ونحن نرفع صور رئيس البلاد . اتصلت بالقائد العام المسؤول عن المراقبين العقيد جان ناصيف لاقناع عسكريي الجيش بازالة الصور وتفادي الانفجار وبعد مراجعات من قبله اتصل بي وقال: يتعذر ذلك لان الملازم اول عقيقي المدعوم من القوات اللبنانية مصر على عدم الانصياع للأوامر بازالة الصور وارجوك أن تتدبر الأمر مع الاشتراكيين لاقناعهم بالتهدئة خاصة وان اليوم عيد الاستقلال.
كان النقيب دافيد خلال اتصالاتي وانا واقف لا يتوقف عن الامساك بسروالي وشده بقوة وهو منبطح ارضاً ويقول : , couchez couchez. Vous voulez mourir انبطح أرضاً، هل تريد أن تموت.
طلب مني الاشتراكيون الانسحاب او الانبطاح لانهم سيفتحون النار. وخطرت ببالي فكرة معاملة اخصامهم بالمثل فطبقوها فوراً واقدموا على تغطية كامل التلة باعلام الحزب الاشتراكي وصور رئيسه الاستاذ وليد جنبلاط . اتصل بي بعد فترة وجيزة العقيد ناصيف قائلا : الجيش على استعداد لازالة اعلامه وصوره اذا وافق الاشتراكيون على ازالة صورهم واعلامهم. تم ذلك وأزال الفريقان الصور والاعلام وتفادينا اشتعال الجبهة. ثم أعدنا المسؤولين الى تفاهمهما المعهود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق