أبو الشمقمق بتمامه: بين وجودية فقره، وخلود ذكره ـ الحلقة الأولى/ كريم مرزة الأسدي

  1 - وداب الدهــــــر ذا أبـدا ودابي.

هذا أبو الشمقمق الشاعرالبصراوي الوجودي الهجّاء المعدم توفي في عصر المأمون ( 200 هـ / 815 م) ، يقول   :
 الخلود الفكري ، والفناء الجسدي ، ودأب الدّهر ذا أبداً ودابي  :
 برزتُ من المنازل والقبابِ** فلم يعسر علـى أحدٍ حجابي
 فمنزليَ الفضاءُ وسقفُ بيتي** سماءُ الله أو قطعُ السحاب
فأنت إذا أردت دخلت بيتي*** عليّ مسلّمــــاً من غير باب
لأني لم أجد مصراع بابٍ **  يكون من السحاب إلى التراب
ولا خفت الإباق على عبيدي **ولا خفت الهلاك على دوابي
ولا حاسبت يوماً قهرماني **** محاسبة فأغلط في حسابي
ولا شق الثرى عن عود تختٍ *** أؤمل أن أشــــدّ به ثيابي
ففي ذا راحة وفراغ بالٍ **** وداب الدهــــــر ذا أبـدا ودابي (1)
نعم لأيم الله ، ودأب الدهر ذا أبداً... ،  فالدهر في صرفه عجيب ، يقلب العالي دانياً ، ويسمو بالداني عالياً  ،تابع قراءة الموضوع بتأمل شديد ، ورؤية بعيدة المدى ، ودقق النظر كيف كان يعيش هذا البائس المعدم حتى من النخالة في حياته بين الحشرات والعناكب ، والفأر والسنور ، بل هربت منه متسللة إلى القصور ، وبرز هو نفسه هارباً إلى فضاء الله ، مفترشاً التراب ، ملتحفاً السماء ، عاش الوجود ، كما كما كان الوجود ، قبل العقل الموجود  ، ومثله من بعده مباشرة العبقري الخالد التعيس الثاني ابن الرومي ، فملأ شمقمقنا القرن الثاني الهجري أو كاد ، وشغل رومينا حيزاً كبيراً من قرنه الثالث ، وتساءل - يا صاحبي -  من بقى ، ومن فنى ؟!! أين وزراء وكتاب وتجار وأعيان عصريهما منهما ، بل العديد من خلفاء عصريهما ، وما بعدهما ؟ من يعرف شيئاً  ، أو قد سمع  من أجيالنا -  غير المختصين -  عن الخليفتين الأمويين الوليد بن يزيد ،  وإبراهيم بن الوليد مثلاً ممن عاصرا هذا الشمقمق الكائن الحشري ، لولا شعره العبقري ، ومن هم هؤلاء القادة والأعيان الكبار أمثال اسحاق بن مسلم العقيلي ، ويقطين بن موسى ومحمد بن عمرو النصيبي التغلبي،  بل حتى يعقوب بن داود وزير المهدي ،وطاهر بن الحسين الخزاعي ، قائد المأمون الرهيب الذي قطع رأس الأمين ، أمام خلود هذا الشمقمق المستجدي للقمة خبزه ، ومن كرهت الأرض أن تحمل جسده ، ومن ثم خلدت ذكره ، وأرغمتني والعشرات مثلي أن يشيد بشعره وفكره ؟؟؟!!!! وما هو إلا بالمحل الثاني أو الثالث من بين عباقرة أمتنا الخالدين ، لذلك أراك مشفقا عليَّ أن أعدد المئات من الخلفاء والوزراء والحجّاب والقادة ممن عاصروا ابن الرومي ، ومَن جاءوا من بعده ، وسحقهم الدّهر كعصفٍ مأكول ، ورسخ الطود الشامخ  هازئاً بالرياح على مرّ العصور ، وهكذا حال سيابنا الخالد ، ومرارة حياته ، ومأساة مرضه وموته  ، ورصافينا الشامخ ، وبيع سكائره ، وحرّ صيفه ، والعبقري الصافي النجفي ، وهجرته وإغفال حاله ، ورصاصة عينه ، المجد والخلود للفكر والشعر والأدب والفن ، وما أجساد الدنيا إلاً جيفة ورميما.

2 - من هو أبو الشمقمق ؟ ومن هم رجال عصره ؟ وكيف برز من بينهم؟ !!

 تذكر الموسوعة الشعرية هو مروان بن محمد أبو الشمقمق (112 هـ-200 هـ/730-815)
شاعر هجاء، من أصل البصرة، قراساني الأصل، من موالي بني أمية، له أخبار مع شعراء عصره، كبشار، وأبي العتاهية، وأبي نواس ، وابن أبي حفصة .وله هجاء في يحيى بن خالد البرمكي وغيره، وكان عظيم الأنف، منكر المنظر . زار بغداد في أول خلافة الرشيد العباسي، وكان بشار يعطيه كل سنة مائتي درهم، يسميها أبو الشمقمق جزية ، قال المبرد: كان أبو الشمقمق ربما لحن، ويعزل كثيرا، ويجد فيكثر. (2)
   نعم من موالي مروان بن محمد الحمار ، آخر خلفاء بني أمية  ، ولد في عصر الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك في بخاري ، ونقله عبيد الله بن زياد مع أهل بخارى ، وأسكنهم محلة  البخارية بالبصرة ، ويقول عنها الحموي في معجم بلدانه   : " البخارية سكة بالبصرة أسكنها عبيد الله بن زياد أهل بخارى الذين نقلهم كما ذكرنا من بخارى إلى البصرة وبنى لهم هذه السكة فعرفت بهم ولم تعرف به ." (3) 
 شبّ الرجل في عصر السفاح ، وعاش مع العباسيين في عصرهم الذهبي  ، إذعاصر المنصور والمهدي والهادي والرشيد والأمين ، ومات في عصر المأمون وعاصر من الشعراء إضافة إلى ما ذكرته الموسوعة ،  دعبل الخزاعي ومسلم بن الوليد ( صريع الغواني ) ، والعباس بن الأحنف ، وأبي دلامة ، ومن الرواة خلف الأحمر ، وحماد الراوية ، والأصمعي ، ومن الكتاب عبد الله بن المقفع والجاحظ ، ومن النحويين سيبويه والكسائي ، ومن العروضيين الفراهيدي والأخفش الأوسط ، ومن النسّابة ابن الكلبي ، ومن العلماء أبو بكر الخوارزمي صاحب الجبر والمقابلة ، ، ومن أصحاب السير ابن هشام ، ومن المترجمين إسحاق بن حنين ، ومن  أصحاب الحديث الحسن البصري وواصل بن العطاء  ومن الفقهاء ابي حنيفة ومالك بن أنس ، والشافعي... وأبي يوسف  ،ومن الأئمة الباقر والصادق والكاظم والرضا  ويكفيني هذا تعداداً وعدّا كي أقول استطاع مع كلّ هؤلاء العظام أن يثبّت اسمه في سجل الخالدين ، وهو من أعدم المعدمين !! .
يكنى أبا محمد و يلقب بأبي الشمقمق و الشمقمق معناه الطويل الجسيم من الرجال و قيل الشمقمق هو النشيط ، وكان عظيم الأنف ، قبيح المنظر.

3 - وصف  ابن عبد ربه  الأندلسي له  في (عقد فريده)  :

يضع أخباره ضمن  أخبار المحارفين الظرفاء ، والمحارف هو الذي يطلب حاجة ، فلا تلبى له ، عكس المبارك ، ومع ذلك كان ظريفاً ، أليس من حقّه أن يقول :
 ففي ذا راحة وفراغ بالٍ **** وداب الدهــــــر ذا أبـدا ودابي
المهم يصفه ابن عبد ربّه قائلاً :
أبو الشمقمق الشاعر، وكان أديباً طريقاً محارفاً، وكان صعلوكاً متبرماً بالناس، وقد لزم بيته في أطمار مسحوقة، وكان إذا استفتح عليه أحد بابه خرج، فينظر من فروج الباب، فإن أعجبه الواقف فتح له وإلا سكت عنه. فأقبل إليه يوماً بعض إخوانه الملطفين له، فدخل عليه، فلما رأى سوء حاله، قال له: أبشر أبا الشمقمق، فإنا روينا في بعض الحديث: إن العارين في الدنيا هم الكاسون يوم القيامة. فقال: إن صح والله هذا الحديث كنت أنا في ذلك اليوم بزازاً، ثم أنشأ يقول :
أنا في حالٍ تعالى  ******* الله ربّـــي أي حالِ
ليس لي شيء إذا قيـ ****ل لمن ذا قلت ذا لي
ولقد أفلست حتى ****** محت الشمس خيالي
ولقد أفلست حتى  ******  حــــلّ أكلي لعيالي
وله :
أتراني أرى من الدهر يوماً *** لي فيه مطية غير رجلي
كلما كنت في جميعٍ فقالوا  *** قربوا للرحيل قربت نعلي
حيث كنت لا أخاف رحيلاً  *** من رآني فقد رآني ورحلي
وقال أبو الشمقمق أيضاً :
لو قد رأيت سريري كنت ترحمني  ****  الله يعلم ما لي فيه تليس
والله يعلم ما لي فيه شادكةٌ   ***** إلا الحصيرة والأطمار والديس
وقال أيضاً :
لو ركبت البحار صارت فجاجاً  *** لا نرى في متونها أمواجاً
ولو أني وضعت ياقوتةً حمـ ... راء في راحتي لصارت زجاجا
ولو أني وردت عذباً فراتاً  ***** عاد لا شك فيه ملحاً أجاجاً
فإلى الله اشتكى وإلى الفضـ  *** ل فقد أصبحت بزاتي دجاجا (4)
 هذه الأشعار التي يرويها لنا ابن عبد ربّه الأندلسي تجعلنا نقف حائرين مندهشين أمام الظاهرة الشمقمقية  كيف كان يعيش هذا الرجل الشمقمق الشاعر المتمكن ، والمفكر العميق ، والطريف الظريف في عصرٍ ينعت بالذهبي ، وكان الشعراء فية متميزين ، بلباسهم ، وطبقتهم ، ولسانهم ، وحظوتهم في مجالس الخلفاء والوزراء والأعيان ، ربما نجد العذر لمأساة ابن الرومي ، لأنه عاش في العصر العباسي الثاني (221 هـ - 283 هـ) ، وكان عصراً مضطرباً إذ ولد في عصر المعتصم ، وكان طفلاً في عصر الواثق ، وشب في عصر المتوكل ، ثم توالت النكبات على الخلافة ، ونقلت العاصمة إلى (سر من رأى) ، فامنتصر يقتل أباه المتوكل ، والمنتصر نفسه يسم بعد ستة أشهر ، ويقوم المستعين ، ويخلعه الأتراك ، ويخلفه المعتز ، ويُخلع ، ويتلاقفها المهتدي ، وأراد أن يتشبه بعمر بن عبد العزيز ، فيطيروه تطييرا، ويأتي المعتمد على الأتراك ، وتندلع ثورة الزنج ، وتستمر خمسة عشر عاماً ، وينهض بالخلافة المجدد العباسي الثاني المعتضد ، ويموت في عصره ابن الرومي ، أقول قد نجد تعليلاً أو مخرجاً لبن الرومي وجحود عصره ، ولكن أبا الشمقمق قد ذكرت لكم من عاصره من الخلفاء والرجال العظام ، فما باله مرّ بحياةٍ أشبه بما قبل التاريخ ...!!
الرجل ليس ببسيط حتى نقول عنه ، ما كان يحسن التصرف مع الآخرين ، والآخرون على كلّ حالٍ ليسوا على حالٍ واحد ٍ ، إن لم يجد أحداً ينصفه ، فلا بد أن يجد الثاني أو الثالث أو الرابع ...! أنا أميل إلى أنّ هو بإرادته كان وجودياً بفلسفته وفكره ، ونمط حياته ، فيصرّ على هذه المعيشة البائسة ، بل ويسعد بها ، وللناس فيما يعشقون مذاهبُ ، تأمل في أبياته جيداً:
 ولا خفت الإباق على عبيدي ** ولا خفت الهلاك على دوابي
ولا حاسبت يوماً قهرماني **** محاسبة فأغلط في حسابي
ولا شق الثرى عن عود تختٍ *** أؤمل أن أشــــدّ به ثيابي
ففي ذا راحة وفراغ بالٍ **** وداب الدهــــــر ذا أبـدا ودابي
وتمعن - رحمك الله - بالأبيات التالية ، وأترك سخريته وتهكمه ، وإشهار إفلاسه :
كلما كنت في جميعٍ فقالوا  *** قربوا للرحيل قربت نعلي
حيث كنت لا أخاف رحيلاً  *** من رآني فقد رآني ورحلي
هو يريد هذا ، يكره التكلف مهما كان بسيطاً ، ويكره العلاقات الاجتماعية المزيفة ، ونفاقها الأبدي   ، ولا يعطي اعتبارات لما سيقوله الناس عليه ، وعلى تصرفاته التي تبدو مجنونة عند الآخرين  لمخالفتها نظام العقل الجمعي المتطبع ، ولكن كما يبدو لي كان يريد أن يكون إنساناً كما هو يريد ، لا كما يريده الآخرون ،فـ ( الآخرون هم الجحيم  ، على حد تعبير جان بول سارتر ، وهذا لا يعني أنه لا يحترم إرادة الإنسان الآخر ، كلا!!  وإلا لماذا خضع لإرادة الجمع وقرّب نعله ، وممن لا يخاف رحيلا ؟!! وهذا يذكرني بنمط حياة المعري وتفلسفه ، ولو بشكل آخر ، وكذلك كان الصافي النجفي ميالاً لهذا النمط المعيشي ، والتفلسف الوجودي ، وأرى الشمقمق قد مهد الطريق إلى جان بول سارتر ووجوديته ، وليس سقراط هو الأول فقط ، يا أعزائي أكتفي بهذا القدر المحتوم ، لكي لا يضيع المقسوم ، ويختلط مفهوم بمفهوم ..!!!

    
4 - شعره ...وديوانه :

شعره يمتاز بالجزالة والقوة ، والسلاسة والضعف ، والسليم والملحون ، والقصائد المطولة ، والأبيات المنثورة ، والمقطوعات والنتف،حافظ على عمود الشعر العربي ، وأغراضه أغراضه من مديح وهجاء وحكم ، ولكن برع في الوصف ، وبلغ القمة  حتى عد مجددا في محادثته لسنوره ، ووصفه لبيته ، وقد صدرنا الحديث عنه بما لذ وطاب من شعره بعذبه والعذاب !!
يذكر لنا الدكتور واضح محمد الصمد في  معرض جمعه وتحقيقه لديوان أبي الشمقمق : له ديوان مرتب على الحروف ، فيه /57/ مقطوعة ، تضم /216 / بيتاً ، جمعها المستشرق النمساوي ( جوستاف فون جرو نباوم )، ، ثم قام الدكتور محمد يوسف نجم بترجمة الدراسات ، وأضاف من خلال تحقيقه ست قطع تتألف من /35/ بيتاً ، وزاد الدكتور واضح نفسه أربع قطع ،وثلاثة أبيات ، وحذف بيتاً واحداً ، ورتب القوافي بتقديم  المكسور ، فالمفتوح ، فالمضموم ، فالساكن . (5)
ينقل الخطيب في ( تاريخ بغداده) عن أبي العباس المبرد قوله : " كان ربما لحن ويهزل كثيرا ويجد فيكثر صوابه ." (6)
5 - شهرته...جرأته... بداهته :    
 لم يحفل به في مجالس الخاصة من خلفاء ووزراء وكتاب وقادة وززعماء وأعيان ، لبساطته وشعبيته وهزله ، وعدم مبالاته ، أو قل لعدم قدرته على الرياء والتملق ، والسلوك الدبلوماسي بلغة عصرنا ، فأجبرته الحياة على أن يرى الناس جحيماً ، فنبذهم  وعاش الوجود كالموجود فراشه الأرض ، سقفه السماء أو قطع السحاب ، وأصدقاؤه السنور والفأر والعناكب والحشرات ، فنقل لنا حياة الفقراء والكادحين والمستضعفين من الشعب في عصر ينعت بالذهبي ، لرقي حضارته ، واستقراطية نبلائه ، وجمال جواريه الحسان ، والتمتع بالمخانيث من الغلمان ، ولم يكن الرجل مغموراً - كما يقال - ، ولكنه عاجز عن مجاراة ومنادمة الكبار ، ويسخر من المتهافتين عليهم بالدجل والرياء  !!
أنقل إليك هذه المشاهد الشمقمقية :

6 - أبو الشمقمق بين يدي المنصور وخالد بن يزيد الشيباني.
أ - ما بين أبي الشمقمق والمنصور :
 يروي لنا ابن المعتز في ( طبقات شعرائه) ، وهو ينفرد في جعل وفاة أبو الشمقمق 180 هـ ، وهو غير صحيح ، وستتفق معي ، ويذهل ابن المعتز نفسه ، مما سنلزمه عليه ، المهم سننقل هذه الروايتين من ( طبقات شعراء ) معتزنا  ، إحداهما في شرخ شباب الشمقمق  ، والأخرى في نهاية حياته :
  عن " إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول: ماتت ابنة عم للمنصور، فحضر المنصور دفنها، فلما صار على شفير القبر إذا هو بأبي الشمقمق. فقال له: ما أعددت لهذا الموضع؟ قال: ابنة عم أمير المؤمنين. فضحك المنصور في ذلك الموضع، على أنه قليل الهزل ، وقد روى بعض الناس أن هذا الكلام لأبي دلامة مع المنصور . " (7 ) 
بادئ ذي بدء ، ابن المعتز هو ابن خليفة عباسي ، وهو نفسه أصبح خليفة لليلة وخلع وقتل (297 هـ) ، يسند روايته عن إسحاق الموصلي ، وهو النديم الأول لجده المعتصم ، ومن عائلة لصيقة جداً ببيت الخلافة العباسية ، إذ يعتبر بطل المشهد أبا الشمقمق  ، ويسرد ابن المعتز  عابراً دون أي سند ، وإنما لبعض الناس أنّ بطلها أبو دلامة  فلا أتردد من قبول صحة نسبتها لأبي الشمقمق ، وما أبو دلامة إلا بطلاً مزعوماً ، اكتسب البطولة لشهرته ، وعلاقته الحميمية مع المنصور ، فعلى أغلب الظن نسبة الرواية لأبي دلامة غير صحيحة ، وأكرر ابن المعتز ابن بيت الخلافة ، وقريب لعصر الرواية ، وسنده إسحاق الموصلي ، وما أدراك من هوهو هذا الإسحاق !!  .
هذا يعني لنا أن أبا الشمقمق كان جريئاً جداً ، حاد الذكاء ،  وذا سرعة بديهة لا تجارى ، وشخصية معروفة ، وهو في شرخ شبابه .
ب - ما بينه وبين خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني  : 
وهاك الرواية الثانية :        
  " ولما ولي المأمون خالد بن يزيد بن مزيد الموصل خرج معه أبو الشمقمق، فلما كان وقت دخوله البلد اندق اللواء، فتطير خالد لذلك، واغتم غما شديدا، فقال أبو الشمقمق فيه :
ما كان مندق اللواء لريبة  ***  تخشى ولا سبب يكون مزيلا
لكن رأى صغر الولاية فانثني *** متقصدا لما استقل الموصلا
وكتب أصحاب الأخبار بذلك إلى المأمون، فولى خالدا ديار ربيعة كلها، وكتب إليه: هذا الاستقلال لوائك ولاية الموصل. وأحسن إلى أبي الشمقمق، ووصله بعشرة آلاف درهم. وتوفي أبو الشمقمق في حدود الثمانين ومائة " ، (8 )  وابن الأبار في ( حلته السيراء)، يؤكد الرواية ، وينقلها  بأبياتها ، ويزيد " فسر خالد بما صدر منه في الحين وسرى عنه وأحسن إليه " ( 9)    
  وهذا يعني أيضاً أن الرجل استمر على شهرته بالرغم من فقره المقذع ، وإن كان بين الحين والحين البعيد يقنص جائزة أو عطية أو مكرمة من ذوي المقدرة والجاهة والسلطان ، ولكن وقع  ابن المعتز في تناقض غريب عجيب  في ذكر خبر وفاته ( 180 هـ)، وذكره لرواية  تولية المأمون لخالد بن يزيد ولاية الموصل ، ومرافقة أبي الشمقمق له ، ولا ريب أن هذه الولاية لم تتم قبل 185 هـ وهي سنة وفاة يزيد بن مزيد والد الخالد ، ثم أن المأمون ولادة  170 هـ ،لا يعقل أن يوليه أبوه الرشيد الرشيد منصباً رفيعاً حساساً خطيراً ، ولم يتجاوز العشر سنوات ، وابن المعتز ينفرد في هذا التاريخ لوفاة الشمقمق،إذن تاريخنا الذي دوّناه لوفاته هو الصحيح .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
        (1) العقد الفريد : ابن عبد ربه الأندلسي - 2 / 474 - الموسوعة الشاملة - الوراق .
(2) (تراجم شعراء الموسوعة الشعرية ) : 1 / 190 - الموسوعة الشاملة .
(3)  معجم البلدان :  ياقوت بن عبد الله الحموي أبو عبد الله - 1 / 365 -  الناشر دار الفكر - بيروت.
  (4) العقد الفريد : ابن عبد ربه الأندلسي م . س .
(5) ديوان أبي الشمقمق : جمعه وحققه الدكتور واضح محمد الصمد - دار الكتب العلمية - بيروت - 1995 م - الطبعة الأولى.
(6) تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي ج 15 ص 186  - رقم الترجمة 7080 - المكتبة الشاملة .
     (7) طبقات الشعراء : ابن المعتز - 1 / 35 - 36 - الموسوعة الشاملة - الوراق .
(8) م. ن.
 (9) الحلة السيراء ابن الأبار 1 / 105 - الموسوعة الشاملة - الوراق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق