أوطان مهاجرة/ زياد جيوسي




   هل تهاجر الأوطان أم يهاجر مَن فيها فيصبحون بلا وطن؟ هذا السؤال الذي طرأ على خاطري حين أعلمتني الشابة الرقيقة عبير ظاهر بالمعرض، ووجهت لي الدعوة، ليليها دعوة من الفنان الشاب سامي الشولي عبر اتصال هاتفي لدعوتي والتأكد أني في عمّان ولم أعد إلى رام الله بعد، ثم دعوة رقيقة من الفنانة أسيل عزايزة مدير جاليري إطلالة اللويبدة في عمَّان الذي استضاف المعرض، فوعدتهم بالحضور، وإن لم أستطع حضور الافتتاح بسبب التعب الصحي المفاجئ ، إلا أني كنت حريصاً على زيارة المعرض مرتين بعدها للتجوال في فضاءات المعرض كي أجد الإجابة على سؤالي.
   المكان دوماً يسكنني ويرافقني، وواضح من خلال تجوالي في لوحات المعرض التي بلغت ما يقارب 33  لوحة، منها 27 لوحة زيتية وهي التي سأتناولها بتحليقي في فضاءها، أن المكان يسكن روح الفنان ويرافقه، ومن اللوحة الأولى حتى الأخيرة لا يملك المشاهد والمتأمل والقارئ للوحة إلا أن يحلق مع الفنان في فضاء المكان، ويشعر بإحساس الفنان وهو يعبر عن نزف روحه بأسلوب مختلف عن الكثير من المعارض التي تهتم بالمكان، ففي معظم اللوحات يقوم الفنان بتجريد المكان من أشكاله المعتادة، ليحيله إلى رمز يروي الحكاية، أو يمازجه بالإنسان؛ فالمكان بدون الإنسان يصبح مجرد كومة من الحجارة والبراري والتلال المهجورة والمتروكة لوحشية الطبيعة.
   في خمس عشر لوحة نجد الفنان يجسد فكرة تمازج الإنسان بالمكان إلى درجة الانصهار، وسأختار منها أربع لوحات للحديث عنها لإعطاء الفكرة عن الأسلوب المتميز الذي لجأ إليه الفنان في صهر الإنسان في المكان.
في اللوحة الأولى، والتي رسم فيها الفنان عدداً كبيراً من البيوت بشكل متراكم كأنها تبدأ من سفح تلة ثم تصعد إلى قمتها، نجد أنه في قلب اللوحة وبؤرتها في المنتصف تماماً، وحين ندقق النظر نرى وجود فتاة تضم خاصرة شاب بيدها اليمنى، ونلاحظ التمازج بجسدي الشابين بالمكان، فعليهما نوافذ وأبواب، وإن لم يركز المشاهد باللوحة لن ينتبه لوجودهما، وربما لولا الشعر المنسدل كما ذيل الفرس للفتاة لظن المرء أن ما يراه بيوتاً من ضمن البيوت الموجودة، وهذا أيضاً نراه في تمازج جسدين على يمين ويسار اللوحة لرجل وامرأة، فلولا أكف الأيدي لكانت الأجساد بالكاد تنفصل عن البيوت، وهذه اللوحة أخذت البناء بأسلوب اشعاعي يبدأ من اسفل منتصف اللوحة حتى يصل للسماء الزرقاء الداكنة، والفنان استخدم ألوان مناسبة للمكان ترتبط بالارض واعتمد على انعكاس النور بشكل احترافي على يسار الأبنية بالنسبة للمشاهد.
   في لوحة أخرى كانت الرمزية هي السائدة على اللوحة ذات الخلفية السوداء، والأبنية متراصة بجوار بعضها باللونين الأزرق بتدرجاته والأبيض، وكأن الأبنية على حافة الماء فتنعكس في الماء على شكل وجوه غاضبة ومتراصة، وفي هذه اللوحة كان التباين الضوئي يلعب دوراً كبيراً في منح اللوحة رمزية جميلة وكذلك اللون، فالأزرق لون السماء الذي يريح النظر والروح، وهو لون البحر الذي لا ينساه الفلسطيني، وهو يذكر دوماً البحر المغتصب.
   اللوحة الثالثة أيضاً اعتمدت اللون الأزرق المتمازج مع اللون الرمادي وبعض من اللون الأبيض مع بعض التوشيحات بلون التراب، وفي هذه اللوحة نجد جسداً عارياً لامرأة على عرض اللوحة تقريباً بين الأبنية، لكنه يتمازج بالأبنية والمكان بطريقة جميلة لا تخفي الجسد وإن مازجته بالمكان بنسبة أقل من اللوحات الأخرى، وهي تحتضن الأبنية ومغمضة العينين بمسحات من الألم تسود قسمات الوجه، وهذا ما ميز اللوحة عن اللوحات الأخرى التي انصهرت بها الأجساد بالمكان حتى بالكاد تظهر بدون تدقيق، ومحيط اللوحة نجده باللون الرمادي وكأنه يرمز في لوحته للفلسطيني من خلال المرأة، ولفجر لم يظهر بعد من خلال اللون الرمادي وإن بانت تباشيره، وغياب اللون التقليدي للأبنية واستبداله بالأزرق رمزية لونية بلون السماء والبحر، وبالتالي حلم العودة.
      اللوحة الرابعة اختلفت بالشكل وإن حافظت على الروح، فهنا امرأة تبرز كعملاق شامخ من بين المباني وتحتضنها بكل الحب كما تحتضن الأم طفلها، وهي تنظر إلى يمين اللوحة بالنسبة للمشاهد بنظرة تحد وإصرار، وفي هذه اللوحة مازج الفنان الجسد مع الأبنية باللون الترابي، برمزية واضحة لارتباط الإنسان بالمكان إلى درجة الانصهار، والفنان أيضا لجأ الى رمزية اللون، فكان المحيط للوحة باللون الأصفر المتمازج مع لون الأرض كأنه يشير إلى أن شمس الحرية ستبزغ من قلب الأرض، وباقي اللوحات الأحد عشر لوحة التي مازجت الإنسان بالمكان تدور حول الفكرة نفسها وبأساليب مختلفة، ولو كانت مساحة المقال تسمح لكنت قد قرأت كل لوحة على حدة، فكل لوحة تستحق قراءة مستفيضة.
   أسلوب آخر لجأ اليه الفنان في لوحتين حيث كانت الخيول هي المتمازجة بالمكان، و"الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة"، وهي رمز للقوة والإعداد ورمز لارتباط العربي فيها، وفي اللوحة الأولى نجد جواداً جامحاً منطلقاً من بين البيوت باتجاه مقدمة اللوحة، وهو متمازج باللون والأشكال بالبيوت، في لوحة مازجت اللون البني مع اللون الترابي والأصفر والأزرق، وهي ترمز للغضب القادم الذي سيتفجر كما البركان، بينما اللوحة الأخرى، والتي مازجت تدرجات البرتقالي مع الأصفر والبني مع لون التراب والأبيض، نرى أربعة خيول تنطلق بقوة بحيث شكلت ثلث اللوحة من الوسط، وهي تنطلق بعنفوان من بين البيوتات، وفي رمزية كبيرة نجد أن أحجام الخيول ضخمة مقارنة بالمكان والأبنية، في إشارة لثورة قادمة ستكون أكبر من كل التوقعات، فهي من الأرض ومن خيولها وجيلها القادم.
   اللوحات الأخرى من عشر لوحات كانت لوحات تعبيرية رمزية تحمل الكثير من الرمزية فيها، وفي لوحتين منها كان استخدام البحر والسفينة، فاللوحة الأولى تظهر مقدمة سفينة كأنها تحمل بلداً بأكملها على ظهرها وتمخر عباب البحر، وهذا يعيد للذاكرة مشهد من أُجبروا على الهجرة في العام 1948 من فلسطين تحت قوة السلاح والمجازر التي ارتكبها الصهاينة، وأجبروا على ركوب السفن، وهنا رأيت رمزية تشير إلى أن من أُجبروا على الهجرة حملوا بلداتهم في قلوبهم وأرواحهم ولم ينسوها، لذا ما زلنا نرى أن الأجيال التي ولدت في الشتات ولم تكتحل عيونها بمشهد فلسطين/ الوطن لم تنسها أبداً، ما أفشل فكرة الصهيونية أن الكبار سيموتون والصغار سينسون، وفي اللوحة الثانية نجد سفينة ممزقة الأشرعة كأنها مهجورة في وسط اللوحة في بقعة حافلة بالنور شكلت بؤرة اللوحة، ومنها وبأسلوب حلزوني كانت الأطراف تزداد قتامة، كأن هذه السفينة ترمز للعودة التي ما زال الحلم قائماً بها وإن كانت مؤجلة حتى فجر حرية، وباقي اللوحات كل لوحة حفلت بالرموز المختلفة ووسائل التعبير، وكل لوحة تستحق وقفة خاصة.
   الفنان سامي ليس موهبة فقط بل دراسة أكاديمية وخبرة جيدة ومشاركات عديدة في المعارض والتدريب للفن، ولذا أهمس له بضرورة الانتباه إلى تقنية استخدام اللون أكثر، ففي بعض اللوحات كان هناك سهو عن كرم اللون بحيث ظهر نسيج القماش في بعض زوايا اللوحات إضافة إلى بعض البثور اللونية، وهذه مسائل تحتاج لانتباه وتركيز أكثر، وإن كانت معظم اللوحات تخلو من هذه العيوب، والمعرض كان ناجحاً من ناحية عدد اللوحات، فهي تمنح الفرصة للمشاهد والوقت الكافي للتحليق والتأمل، إضافة إلى التنسيق الجيد ومنح المجال للمساحة البصرية بين اللوحات بدون تراكم.
 وفي النهاية أرى أن الفنان حينما أطلق اسم "أوطان مهاجرة" على معرضه، أعتقد أنه قصد بذلك أن الوطن وأمكنته تهاجر مع روح الإنسان وتتنقل معه، وإن كان لا بد من ملاحظة تخص الشعب الفلسطيني في هذه الفكرة، فالإنسان الفلسطيني لم يهاجر، وإنما تم تهجيره بالقوة والعنف وممارسة كافة أشكال الضغوط، وبالتالي لم يهاجر طوعاً، وإنما هُجِّر قسراً، ولم يغادر الوطن طوعاً إلا من اضطروا لظروف اقتصادية أو اجتماعية للاغتراب ولم يهجروه نهائياً، ويعودون للوطن بين الفترة والأخرى.
   الفنان سامي الشولي من بلدة الخضر/ بيت لحم، وهي كما كل منطقة بيت لحم أنموذج متميز للتعايش الفلسطيني بغض النظر عن الديانة، وهو مواليد 1980، ودرس الفن في جامعة القدس، وأنجز أكثر من معرض، منها معرض شخصي (أسود وأبيض) في بيت لحم العام 2009، وشارك في معرض تسامح الدولي في هولندا وفرنسا العام 2009، كما شارك في معارض في أوروبا وأمريكا وفي عدة معارض جماعية في الأردن، وشارك برسم جداريات في مدينه بيت لحم.
وفي نهاية المعرض كنت أشد على يد الفنان الشاب سامي الشولي وأهمس له: من القلب أهنئك على هذا الإبداع.. حقيقة حلقت روحي بجمال الفن ورمزية الفكرة وانصهار الروح مع الريشة..

جائزة إسرائيل الكبرى/ د. عادل محمد عايش الأسطل

برغم التقارير والتنبؤات المتواجدة لدى بعض الأوساط السياسية، والتي تقول بأن نجم إسرائيل سيأفل قريباً، وذلك اعتماداً على معطيات تشير إلى ذلك، فبالإضافة إلى أن فصول انتصاراتها السياسية والعسكرية ضد أعدائها من العرب والمسلمين، قد تراجعت بوضوح، وحتى على مستوى الدفاع عن نفسها، وسواء كان بفعل السياسات الفلسطينية في رام الله، أو بفعل قدرات المقاومة.

فهي تقف الآن بمفردها أمام دول المجتمع الدولي وبضمنه الولايات المتحدة، وتتلقى حملات فائضة عن الحدّ، والتي تزخر بالانتقاد والاتهام والمقاطعة والتهديد أحياناً، وذلك في مقابل سياستها ضد الفلسطينيين والقضية الفلسطينية بشكلٍ عام، وبالتالي فقد باتت تئنّ تحت وطأة  الضعف، وخاصةً عندما يتعلق الأمر بالأمن والاقتصاد والهجرة الواردة والهجرة المرتدّة ومشكلات الفساد الأخرى.

لكن على ما يبدو، فإن كل ما سبق ذكره، لا يبدو صحيحاً أو فاعلاً كفاية، بسبب أن إسرائيل لا تزال مسيرتها مشتعلة وفي ذروة عنفوانها، وإن كانت هناك أسباب ذات أولوية لسردها، فإنها تعود إلى أنها لدى المجتمع الغربي وُجدت لتبقى، وبدعم منه لا متناهي وبغير حدود، باعتبارها أحد مشاريعه المصيرية، وبسبب أن الطبقة اليهودية خُلِقت وهي تعشق نفسها، خاصة وأن اعتقادها في أن مستقبل إسرائيل متعلق بقدر كبير بنِتاج وقوة مسيرتها. 

قبل يومين تربّعت إسرائيل في المرتبة الثانية، ضمن مؤشر الدول الأكثر حداثةً في العالم، وفق مجلة (بزنس إنسايدر- Business Insider) الاقتصادية المشهورة، ولم يكن تصنيفها قد جاء من بنات أفكار تلك المجلة، أو لتعاطفها مع إسرائيل، ولكن باستنادها إلى تصنيف المنتدى الاقتصادي العالمي (‏World Economic Forum‏)، وهو المنتدى المختص بإخراج ونشر التقارير التنافسية العالمية.

هذه المكانة التنافسية التي نالتها إسرائيل، والتي تُمثل جائزتها الدولية الكبرى، لم تأتِ بناءً على توسعاتها الاستيطانية، أو لقيامها بتشييد الملاهي والبارات، أو لرعايتها لمسيرة الفخر الدولي - المسيرة الدولية السنويّة للمثليين-، بل بالتقدم العلمي والتطور التقني والتفوق الأكاديمي، وقدرتها على الموائمة بين الأبحاث المتقدمة الناتجة عن مؤسساتها التعليمية وبين المسارات الصناعية على نطاق الدولة، وتأسيساً على حرصها على إغداق أي الموارد، وإتاحة كافة الأدوات في خدمة تلك المجالات. 

يجدر بإسرائيل، التي حرصت على ضرورة تفوّق استثماراتها في هذه المجالات، على استثمارات دول أخرى مُتقدّمة، أن تحتل المرتبة الأولى وليس الثانية، وأن تحل بدلاً عن سويسرا صاحبة المرتبة الأولى، وذلك بسبب أن الأخيرة لا تُعاني مشكلات دوليّة وعربيّة تحديداً مثلما تُعاني إسرائيل، التي في مقابل مُعاناتها ومشكلاتها، تقدمت بأريحيّة لا تقبل الجدل، على كبريات الدول الصناعية، بما فيها الولايات المتحد واليابان وباقي الدول المتقدّمة حول العالم.

ليس شيئاً صعباً، بأن تحصل إسرائيل على هذه المرتبة (المرموقة)، وسواء باعتبارها حصلت عليها للمرّة الأولى على مدار حياتها، أو لأنها أصبحت أكثر أهميّة بالنسبة لكثيرٍ من دول العالم، وأصبحت مطلوبة بصفةٍ مستمرّة لدى تلك الدول، أو لآنها استردت بفضلها بعضاً من خسارتها الدولية، لكن الأكثر صعوبة، هو أيضاً، ليس لرؤيتنا للدول العربية وهي تتبوّأ الصفوف المتأخرة، حتى بما فيها الدول الأكثر ثراءً، أو لأنها أصبحت مُتغيّرة بالنسبة لإسرائيل باعتبارها دولاً صديقة ومُتحالفة، بل لرؤيتنا لها وقد أصبحت ساحة للحرب والقتل، والتي لا تزال مُنعقدة إلى الآن وبغير حساب. 

في الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم/ راسم عبيدات

أكثر من مقالة كتبت حول ضرورة مطالبة بريطانيا بتحمل مسؤولياتها التاريخية والسياسية والأخلاقية تجاه ما لحق بشعبنا من نكبات ومظالم مستمرة حتى يومنا هذا،فبريطانيا هذه الدولة الإستعمارية المارقة،هي المسؤول الأول والمباشر عن زرع دولة الإحتلال الإسرائيلي على أرض شعبنا وفي خاصرة امتنا العربية،ونتيجة لذلك لم يتعرض شعبنا لنكبة واحدة بإحتلال أرضه وإحلال المستوطنين الصهاينة مكانهم بعد طردهم وتهجيرهم قسراً عن ديارهم عام 1948،بل ما زالت نكباتنا مستمرة ومتواصلة،وما زالت بريطانيا الإستعمارية تدعم دولة الإحتلال الصهيوني،فاليهود عندما تعرضوا لل"الهولوكست" على يد النازية،ما زالت المانيا تتحمل تبعيات ذلك حتى اليوم وتدفع  لهم التعويضات المالية وتقدم المساعدات بشتى انواعها المدنية والعسكرية لدولة الاحتلال،وأعترفت بالمسؤولية السياسية والأخلاقية والتاريخية،عما لحق باليهود من جرائم على يد النازية.

أما نحن الفلسطينيون،فما زالت بريطانيا،ترفض تحمل مسؤولياتها التاريخية والسياسية والأخلاقية عما حل بشعبنا الفلسطيني،نتيجة ما سمي بوعد وزير خارجيتهم بلفور لرجل الاقتصاد والمال اليهودي روتشيلد،بمنحهم فلسطين أرضنا كوطن قومي لهم،ولذلك نحن كشعب فلسطيني علينا في الذكرى المئوية لهذا الوعد المشؤوم،القيام بإطلاق حملة واسعة تمتد من 2/11/2016 وحتى 2/11/2017 وتشمل فعاليات متنوعة تستمر على امتداد عام كامل لوضع المجتمع الدولي وخاصة بريطانيا أمام مسؤولياتها التاريخية ودعوتها للتكفير عن الجريمة الكبرى التي ارتكبتها، ورفع الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني. ورفع قضايا عليها تلزمها بدفع تعويضات لمئة عام قادمة عما لحق بشعبنا من ظلم واضطهاد،وهذا  لن يتاتي إلا من خلال استنفار كل طاقات وإمكانيات شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج بقواه السياسية ومكوناته المجتمعية والمؤسساتية والشعبية والجماهيرية،عبر فعاليات متعددة ومتنوعة يتكاتف ويتقاطع فيها الجهد الشعبي والرسمي،من اجل محاكمة بريطانيا وإلزامها ليس فقط بدفع التعويضات،بل تصحيح هذا الخطأ التاريخي والعمل على تمكين شعبنا الفلسطيني من تحقيق حلمه وحقه في دولة مستقلة على أرض أرضه التي طرد وهجر منها.

وعد بلفور هو في الجوهر مشروع استعماري ألبس غطاء دينياً وأسطورياً زائفاً بهدف تحقيق المطامع الاستعمارية لبريطانيا وربيبتها الحركة الصهيونية، والتي لا تزال حتى الآن من خلال مشروعها الكولونيالي ( دولة إسرائيل) مرتبطة بمصالح الرأسمالية المتعولمة المتوحشة وزعيمتها الحالية الولايات المتحدة الأميركية.

في الذكرى المئوية لهذا الوعد المشؤوم،نجد بأن بريطانيا ما زالت من أكثر الدول عداءاً لشعبنا وتنكراً لحقوقه الوطنية المشروعة،ونحن نتذكر جيداً كيف عملت بريطانيا على تعديل قوانينها وتشريعاتها القضائية،من اجل منع اعتقال ومحاكمة قادة الإحتلال العسكريين والسياسيين وضباطه وجنوده ومستوطنيه المتهمين بإرتكاب جرائم حرب بحق شعبنا،على الأراضي البريطانية،وكذلك هي من هددت نشطاء المقاطعة بالإعتقال،واعتبرت مقاطعة دولة الاحتلال اقتصادياً واكاديمياً وثقافياً  وتجارياً ..الخ،شكلاً من أشكال اللاسامية.

ودائماً وقفت الى جانب أمريكيا برفض ممارسة أية ضغوط او عقوبات على إسرائيل،نتيجة لخرقها للقانون الدولي وعدم إلتزامها وتطبيقها للإتفاقيات والمواثيق الدولية،واستمرار إحتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة،وتكثيفها للإستيطان بشكل جنوني في القدس والضفة الغربية،وبما يلغي أي إمكانية عملية لتحقيق ما يسمى بحل الدولتين.

وهي لم تتورع عن وصف نضال شعبنا ب"الإرهاب"،حتى في ظل الحرب العدوانية الأخيرة على شعبنا في قطاع غزة تموز /2014  "الجرف الصامد،وجدنا قاتل أطفال العراق والمبعوث الخاص السابق للرباعية الدولية في المنطقة، توني بلير،ذهب لكي يتضامن مع مستوطني غلاف قطاع غزة  ضد "الإرهاب" الفلسطيني في نصرة ودعم للجلاد على الضحية،ولذلك علينا  ان لا نألو جهداً مع كل اصدقاءنا في العالم، من أجل خلق رأي عام ضاغط على بريطانيا،حتى في بريطانيا نفسها،لحملها على تصحيح خطئها التاريخي،وإلغاء هذا الوعد المشؤوم،وتحمل مسؤولياتها التاريخية والسياسية والأخلاقية،فهذا الوعد المشؤوم،لم ينتج عنه نكبة واحده لشعبنا،بل استتبعها نكبات كثيرة،فشعبنا في الخارج حتى في مخيمات اللجوء ،لم يسلم من القتل والتشريد،ومخيمات سوريا وبالذات اليرموك خير شاهد ودليل على ذلك،وكذلك لبنان،فمأساه أهالي مخيم نهر البارد قائمة حتى اللحظة،وفي العراق  كان نصيب شعبنا نتيجة الحروب المذهبية والطائفية وإحتلال العراق،القتل والطرد والتهجير،وشعبنا في قطاع غزة يعيش في أوضاع شبيهة بالقرو وسطية،حيث البنى التحتية المدمرة والطاقة والكهرباء المقننة،والحصار المستمر،وعجلة الإعمار الدائرة ببطء شديد،وأكثر من (70) ألف  مواطن ممن دمرت الحرب العدوانية الأخيرة منازلهم،ما زالوا في مراكز الإيواء،والنقص في الأدوية والخدمات الطبية والصحية،والبطالة والفقر بلغت أرقام قياسية،أكثر من (70)%  من الشعب هناك يعيشون على الإغاثة والإعانات،والقدس أهلها تمارس بحقهم ليس فقط عقوبات جماعية،بل يتعرضون لسياسة تطهير عرقي من اجل إحداث تغيير كبير في الواقع الديمغرافي لصالح المستوطنين،والضفة الغربية تغرق بالمستوطنين،لكي يكونوا دولة داخل دولة، والداخل الفلسطيني- 48 – لم يسلم من مشاريع التهويد،حيث مشروع "برافر" التهويدي للنقب،والنكبة إستولدت نكبات متوالية،ما زال شعبنا يدفع ثمنها دماً وتضحيات ولجوءاً وتشرداً وبعداً عن أرضه التي ولد فيها وترعرع عليها،ما زالت بريطانيا والمجتمع الدولي الظالم يتنكرون لحق شعبنا في الحرية والإستقلال،والعيش بحرية وكرامة في  وطن مستقل،علينا ملاحقة بريطاني في كل المحافل الدولية وتأليب الرأي العام عليها في بريطانيا وأوروبا والعالم الغربي والعربي والإسلامي،لكي تصدر ليس فقط اعتذاراً،بل وعداً مضاداً يؤكد على حق شعبنا في دولة مستقلة،وحق لاجئينا بالعودة الى أرضهم التي شردوا منها، وفي الذكرى المئوية لهذا الوعد لتكن شعاراتنا المرفوعة  وحملتنا ونشاطاتنا مكثفة ومركزة على "نعم لمحاكمة بريطانيا الإستعمارية"
و"لتتحمل بريطانيا الإستعمارية مسؤولياتها التاريخية والسياسية والأخلاقية عن نكبات شعبنا ومآسيه" " بريطانيا ملزمة بدفع تعويضات لشعبنا لمئة عام قادمة" و "بريطانيا ملزمة بتصحيح خطئها التاريخي وتمكين شعبنا من إقامة دولته المستقلة على أرضه المغتصبة".

كَسَرتُ مَعازِفي/ شعر: صالح احمد

في مَوسِمٍ ما عَلَّمَ الوَقتَ الرّجوعَ ليَحتَفي
أعلَنتُ صمتي حارِسًا للصَّمتِ كي لا يَختَفي
وَلَبِستُ قُبّعَةَ الرِّياحِ، وقلتُ لا بأسَ اعصِفي
أنصَفتُكُم يا كُلَّ ألوانِ السُّدى، مَن مُنصِفي؟
والعمرُ أُمنِيَةٌ تَهاوَت كي يكونَ تَخَوُّفي
صَدِّق، ولا! اَلأرضُ أضيَقُ من بَراءَةِ مَوقِفي
ما اختَرتُ عمري، اختَرتُ إنساني، فضَجّت أحرُفي
من ألفِ عامٍ أحرَقَ المَوجُ الرّؤى وتَفَلسُفي
وأوَت فراشاتُ الخَريفِ؛ تَشَرنَقَت في مَعطَفي
صحراءُ ما فَقِهَ السُّدى رقصًا، كَسَرتُ المَعزَفِ
ومَنَحتُ آثارَ الخريفِ على الذُّبولِ تَلَطُّفي
ومحَبوتُ إنسانَ الرّؤى وَردي، وما هوَ مُسعِفي
أسمو بروح الوُدِّ... أبغي رِفعَةً بتَعَفُّفي
ويظلُّ إنسانُ الخديعة بالرّدى مُستَهدِفي 
وأنا الذي أوليتُهُ وُدّي؛ طَعَنتُ تَكَلُّفي
طَعَنَ الجميعُ براءَتي، ودُعيتُ بالمُتطَرِّفِ
روحاهُ فانتَفِضي؛ اخلَعي ثوبَ السُّكونِ، تَوَقّفي
لا تتبعي زَيفَ الغَريبِ، ولا دَعاوى المُرجِفِ
لا تَركَني للصَّمتِ إنّ الصَّمتَ سرُّ تَخَلُّفي
عودي إلى نهجِ العُلا، وسواهُ لا.. لا تَصطَفي

الحياة كذبة/ سهى بطرس قوجا

قيل عن الحياة أنها كذبة كبيرة، تتقنها مخلوقات ميزت عن باقي الخلائق الغير ناطقة. مخلوقات تأتي للحياة وترحل منها وكأن شيئا لم يكن. قد تكون كذبة يخلقها إنسان ويصدقها إنسان آخر ويلعبها الثالث بغباء أو باحتراف! هذه حقيقة الحياة ... هي بمجملها يقظة يعقبها نوم ولكن الإنسان يتناسى ذلك أو يغض النظر عنها من أجل ان يتواصل مع ما يريد السلبي والإيجابي بأي شكل من الأشكال.
كثير من الامور تتطلب الوقوف على حقيقتها الصعبة. والحياة كما يدركها البعض القلة لذات زائفة وزائلة ومع ذلك يبقى الإنسان يلهث خلفها كالأعمى الذي لا يدرك خطواته، فيجد نفسه على طريق لم يعهده يوصله إلى عتبات بحر واسع .

الفرد ووجوده في واقع غير طبيعي:

ندرك أن الحياة بمجملها تصبح غير طبيعية عندما الإنسان نفسه يصنع واقعا من خياله وحسب ما تمليه عليه نفسه التي غالبا ما تكون شاردة منه .... كيف؟!
عندما تبصر عينيك ابتسامة لا تعلم هل هي حقيقية أم لا؟ عندما تعيش حلم أو مجموعة أحلام لا تعلم هل ستتحقق أم لا؟! عندما تحسب حساباتك وأن لا تدري هل ستكتمل أم لا؟! عندما ترسم خطة لحياتك وحياة من معك وأنت لا تعلم هل ستنجح أم لا؟! عندما تتعايش مع حالات ويدهشك ما يصدر عنها ولا تعلم هل تستطيع مستقبلا السيطرة عليها؟! عندما يجلسك حظك على أقرب عتبة  وكأنه يقول لك:" هنا تنتهي رحلتك"؟! عندما تفتح قاموسك لتبحث عن معاني لكلمات قادتك إلى فراغ وأشياء بمحض الصدفة؟! عندما تنتظر فرصة وأنت لا تعلم أن مدة صلاحيتها منتهية؟! عندما تحاول أن تقنع نفسك بشيء لا تصدقه؟! عندما تعيش صدمة تعقبها أخرى ولا باب للخروج منها؟!
كذلك لا ننسى الضغوطات النفسية .. آلام الحياة .. ماضي انقضى بالعذاب .. مستقبل مؤهل بضياع الفرص والأوقات .. امتيازات ناقصة .. الحسرة على فقدان أشياء لم يعد بالإمكان تحقيقها أو اللحاق بما يعوضها .. ذكريات تحضر وأخرى تأبى .. نجاح مؤقت وفشل محتم .. خيال ظاهر وتعجيز قوي .. هاوية مؤبدة وطريق مظلم .. آمال كاذبة وأحلام خادعة .. أمنية بعيدة وحيلة قريبة ..
هذه وغيرها جعلت من الواقع أن يكون غير طبيعيا بسبب إنسان يريد غالبا ما هو الغير موجود ويسعى خلفه ضاغطا على نفسه ومعلنا الحرب عليها؟! نعم ... الإنسان عندما يستدعي حالات غير طبيعية ومستحيلة تقضي على ما هو الموجود والحقيقي ، وتجعل الحياة في نظره اصغر مما يتصور مع أنها عكس ذلك تماما، يجعلها تبدو كذبة كبيرة. مع الاسف في زمننا الحاضر لم يعد بوسع الإنسان ان يتعلم من تجاربه بسبب انشغاله بالتكنولوجيا الحديثة وتركيزه الممل عليها واستحواذها عليه وهذه اكبر المصائب ، أن تستحوذ الأشياء الإنسان فيعيش لها!

المصالحة مع الذات:

التغيير والتحول مطلوب والحياة بحاجة إلى بعض التأمل ... أليس كذلك؟! تأمل إذن فيها ومعها في خط حياتك عليها من أجل طريق موحد وحياة هادئة وهانئة. حدد مسارك واتبع خطواتك بثبات وتعلم من دروس الحياة ولا تهملها وتتعلق بمظاهر وأشياء لا نفع منها. تأمل مع نفسك وحدثها بنبرة هدوء لتعرف ما هو مخزونك في الحياة وأين وصلت فيها. أسال نفسك : ماذا قدمت ماضيا ؟ وماذا تقدم في حاضرك؟ وما الذي سوف تقدمه في مستقبلك؟ كل هذا من أجل نفسك قبل أن تفعله لغيرك. ألا يستحق وجودك وحياتك بعض الاهتمام من قبلك من أجل أن تعيش في واقع حقيقي وليس متصنع وعبارة عن كذبة أنت قدت نفسك إليها عندما تعيش الاستسلام من واقع قد يكون فرض نفسه ؟!

إصلاح الأمم المتحدة .. هل يعيد غوتيرس زمن همرشولد؟/ د. عبدالله المدني

على هامش الاجتماع الطاريء الذي عقدته منظمة التعاون الاسلامي مؤخرا في مقرها الدائم بجدة طالب المتحدث باسمها السفير طارق بخيت بالغاء حق الفيتو في مجلس الامن أو تقييد استخدامه في القضايا التي تقع فيها جرائم إنسانية أو تمس الوضع الانساني.
مما قاله السفير بخيت نلتقط الخيط وندعو إلى ما دعا إليه من ضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولي على أن تكون الخطوة الاولى إلغاء حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به حصريا الدول دائمة العضوية في المجلس، أو على الأقل تقييده بحيث لا يـُستخدم إطلاقا ضد مشاريع القرارات الدولية ذات الصلة بالمعاناة الانسانية. فلقد ثبت بما لا يدعو مجالا للشك أن حق النقض (الفيتو)، الذي مـُنح للدول الخمس الكبرى بطريقة غير ديمقراطية عند تأسيس منظمة الأمم المتحدة سنة 1945، بل مـُنح لها كنوع من الامتياز الهادف الى ترغيبها بالانضمام إلى المنظمة الوليدة بـُعيد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، بات يــُستخدم من قبل هذه الدول في أمور تتعلق بحماية مصالحها الخاصة وتعزيز موقعها ونفوذها في الصراعات الدولية والاقليمية أو لوضع العراقيل أمام بعض الدول الحديثة كي لا تـُقبل عضوا في الأمم المتحدة (الفيتو الصيني لإعاقة انضمام منغوليا في الستينات واعاقة قبول بنغلاديش في السبعينات مثلا) أو لتجنيب دول حليفة عقوبات المقاطعة والعزل (الفيتوات الأمريكية المتكررة ضد أي عقوبات أو لوم بحق إسرائيل والذي بلغ مجموعها 36 فيتو مثلا). ولقد حدث كل هذا دون أن تعير هذه القوى العظمى أدنى إعتبار للأكلاف والمآسي البشرية الناجمة عن إستخدامها للفيتو. وشاهدنا هنا هو ما فعلته روسيا الاتحادية مؤخرا وما فعلته سابقا بالاشتراك مع الصين في حادثة كانت الأولى من نوعها في تاريخ الأمم المتحدة لتعطيل حل يخرج سوريا الجريحة من مأساتها الانسانية المروعة.
لقد مـُنحت القوى الكبرى الخمس حق النقض في مجلس الأمن دون سواها من الدول الأعضاء على إعتبارها أنها دول مسؤولة وسوف تراعي مصالح الكون في العدل والسلم والاستقرار والازدهار، وتدرك معنى انجراف العالم إلى الفوضى والحروب لأنها جربتها بنفسها فاكتوت بنيرانها وتجرعت مرارتها وذاقت أكلافها الانسانية، لكن ثبت بالتجربة خلاف ذلك في أكثر من منعطف سواء خلال حقبة الحرب الباردة أو الحقبة الراهنة.
ومن هنا تعالت الأصوات خلال العقدين الماضيين مطالبة بضرورة إصلاح هياكل الأمم المتحدة الهرمة وتجديد بنيتها ونظامها بشكل يحقق عدالة وتوازن أكبر بين الأمم، ويمنح القرارات الصادرة من مجلس الأمن الدولي قدرا أكبر من الشفافية والموضوعية خصوصا بعد بروز قوى عالمية جديدة على الساحة الدولية خلاف القوى التي افرزتها الحرب العالمية الثانية مثل الهند واليابان وألمانيا والبرازيل. غير أن هذه الأصوات، التي بنت حجتها على أن الفيتو ساهم في إضعاف وتقويض نزاهة الأمم المتحدة، وحال دون تمكنها من أداء دورها المنشود لجهة حل النزاعات الدولية،  اصطدمت بمعارضة الدول الكبرى التي لا تريد التخلي عن امتيازاتها، ناهيك عن أن الأمناء العامين السابقين للمنظمة لم يتحملوا مسؤولياتهم في هذا الشأن بشجاعة ومثابرة خشية عدم التجديد لهم. غير أن الأمل يتجدد اليوم مع إختيار البرتغالي أنطونيو غوتيرس أمينا عاما جديدا للمنظمة خلفا لأمينها العام الحالي الكوري بان كي مون. فالأمين العام الجديد رجل دولة وإدارة وصاحب خبرة طويلة في أروقة الامم المتحدة، وعانى بنفسه كثيرا من العراقيل التي وضعت في طريقه بسبب الفيتو حينما كان مفوضا دوليا ساميا لشؤون اللاجئين ما بين عامي 2005 و2015.
ومن يدري فقد ينتفض غوتيرس ويعمل باستقلالية فيعيد إلى الأمم المتحدة وهجها الذي إنطفأ منذ زمن الراحل داغ همرشولد ثاني أمناء المنظمة وأكثرهم كاريزما وحركة ونشاطا واستقلالية لحل الأزمات الدولية بعيدا عن إملاءات القوى الكبرى.  ولاحاجة لنا هنا للتذكير بالدور الايجابي للمنظمة أثناء زمن همرشولد في أزمات عالمية واقليمية دون الرجوع إلى مجلس الأمن مثل: الأزمة بين الصين الشيوعية والولايات المتحدة بسبب احتجاز الأولى لمواطن امريكي في عام 1955، أزمة السويس بسبب العدوان الثلاثي على مصر في سنة 1956، الحرب الأهلية اللبنانية الاولى في عام 1958 وما رافقها من نزول القوات الامريكية على شواطيء بيروت، الحرب الأهلية اللاوسية في عام 1959، الخلاف الحدودي بين لاوس وتايلاند في عام 1959، وصولا إلى أزمة الكونغو(1960) التي كانت سببا في مقتله.
في كل تلك الأزمات وغيرها، إمتلك همرشولد الشجاعة ليقود مبادرات ذاتية لإطفاء الحرائق دون عرض أفكارها على مجلس الأمن أولا، لعلمه المسبق أن مماحكات القوى الكبرى المتصارعة سوف تقف عقبة أمام مساعيه النبيلة. وبالرغم من أن الرجل وضع سابقة كان المفترض أن يـُبنى عليها، إلا أن خلفاءه لم يمتلكوا شجاعته وإقدامه، فطمسوا إرثه.
د. عبدالله المدني
أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الاسيوي من البحرين
تاريخ المادة: أكتوبر 2016 
البريد الإلكتروني:Elmadani@batelco.com.bh 

عبارة الهامش:
على الأقل يجب تقييد حق الفيتو بحيث لا يـُستخدم ضد مشاريع القرارات الدولية ذات الصلة بالمعاناة الانسانية.

السادس من أكتوبرعام 1973/ أنطوني ولسن


في ذكرى أنتصار السادس من أكتوبر عام 1973 تعود بنا الذاكرة الى أحداث ذلك اليوم العظيم وما حدث في يوم السبت الموافق السادس من شهر اكتوبر عام 1973 ،وبالتحديد في تمام الساعة الثانية من بعد ظهر ذلك اليوم،حيث عبرت الجيوش المصرية قناة السويس وأقتحمت خط"برليف" وتوغلت في الضفة الشرقية للقناة الى حوالي 30 كيلومترا بهذا العبور تم تحطيم أسطورة:


1-الجندي الأسرائيلي الذي لا يقهر.."على الأقل بأيدي العرب".

2-خط برليف احدث الخطوط الفاصلة الحربية التي كان من المتوقع من هذا "الخط" منع عبور هذا الخط بأي قوة بشرية مهما كانت براعتها وقوتها.

وقد اصبحت خطة العبور هذه تُدرس في جميع الأكاديميات الحربية كخطة من أنجح خطط الحرب في القرن العشرين.

في ذلك اليوم احاول جاهدا في البحث عن السبب لهذا الأنتصار.لا احد ينكر الخطة المصرية وبسالة الجندي المصري وتصميمه على ازالة آثار عدوان يونيو 1967 والتي جلبت عليتا في مصر وفي العالم العربي كله،نوعا من الخجل وخيبة الأمل،وأصبح الحديث عن الحرب وعن اسرائيل حديثا يشبه الكابوس يخشاه الأنسان العربي ولا يريد أن يتحدث عنه أو حتى يفكر فيه.لأننا كشعوب عربية كنا نظن أن الحرب بيننا نحن الأكثر من مائة مليون عربي في تلك الفترة وبين ما يقرب من 2 مليون اسرائيلي لا شك حرب خاسرة للأسرائيليين والنصر لنا مائة بالمائة وقد أفاق العرب بعد الهزيمة ووجدوا أنفسهم مشتتين متفرقين ،وشعر الجندي العربي في كل بلد عربي في نفسه بالرغبة الأكيدة لرد العدوان واعادة الكرامة العربية للأمة العربية.

من المعروف دائما أن الجندي المصري هو المقاتل من أجل العرب والمتحمل لكل التضحيات المفروضة عليه والتي يعتبرها جزءا من واجبه حيال أشقائه العرب.

ليس فقط الجندي المصري هو الذي عبر قناة السويس في تلك الفترة.لكن الذي عبر قناة السويس نوع من الوحدة القومية والوطنية لفت المنطقة واحتضنتها بقوة وعزيمة ورغبة مشتركة أكيدة بين الجميع على ضرورة الأنتصار وغسل العار الذي لحق بهم في عام 1967 .

اتحدت جميع زعامات ورياسات الحكومات العربية الملكية والرئاسية على حد سواء.وحدت كلمتها وخطتها كل قام بما عهد اليه من دور يقوم به سواء مادي بالتمويل والوقوف الى جانب القوات المتحاربة،وبأرسال القوات المسلحة للمساهمة في تلك الحرب التي نظر الجميع اليها على انها مقدسة.

أيضا التضامن الوطني الداخلي في مصر والذي دائما وأبدا يعتمد على أبناء الأمة الواحدة وهي الركيزة التي يعرف قوتها كل عدو وكل غريب على البلاد ويحاول أن يدخل عن طريقها الى اضعاف الأمة،عن طريق اضعاف وحدة التقارب والتفاهم بين عنصري الأمة المسيحي والمسلم.لأننا هنا في أستراليا سمعنا الكثير عن الجندي المصري والقائد المصري الذي قاد عملية العبور.تارة نسمع عنه أنه مسيحي وتارة نسمع عنه أنه مسلم وهذا يعكس تماما وحدة الأمة .لأن الذي قاد والذي عبر القناة جندي مصري ابن مصري شرب من ماء النيل وترعرع على ضفافه الجميلة.

لكن يبدو أننا أستكثرنا على أنفسنا مثل هذا الأنتصار وبدأنا نتفرق ونبتعد.بل تحول المدفع الموجه الى العدو،تحول الى أنفسنا في عمليات انتحارية نقوم بها نحن بضرب بعضنا البعض.أو عن طريق الكلمة النابية التي يوجهها رؤساء وزعماء وملوكنا العرب كل الى الآخر.أيضا اشعال الفتنة الطائفية بيننا.

كل هذا جعلني اقول أن السادس من أكتوبر ،تشرين الأول "العاشر من رمضان"كان اكبر دليل على وحدة الأمة العربية ووقوفها صفا واحدا أمام عدو واحد .عرفت قيمة نفسها،وعرفت حجم العدو واستطاعت أن تعيد الى نفسها في ذلك اليوم العزة والكرامة.

أما ما حدث بعد ذلك فلا أعرف له معنى سوى اننا لا نحب سوى الكلمات الرنانة.ولا نسعى الى الأعمال الناجحة.وفقدنا الأحساس بقيمة أنفسنا.

وهذا ما نفعله كل عام دون حُمرة خجل مما قد وصلنا إليه!.

وذَكِّر إن نفعت الذكرى...مذبحة كفر قاسم حلقة في مسلسل الإرهاب الصهيوني المتواصل/ محمود كعوش

(29 تشرين الأول 1956)
كما هي عادتي مع المناسبات القومية والوطنية والمحطات العربية التاريخية الهامة ومع الذاكرة العربية بشكل عام والفلسطينية بشكل خاص ، أتوقف اليوم عند ذكرى مذبحة كفر قاسم التي ارتكبها الإرهابيون "الإسرائيليون" قبل ستين عاماً لإلقاء بعض الأضواء على هذه المحطة الهامة من محطات مسلسل الإرهاب "الإسرائيلي" المتواصل ضد الشعب الفلسطيني والشعب العربي بشكل عام.
مذبحة كفر قاسم النكراء راح ضحيتها 49 مواطنا من قرية كفر قاسم في المثلث الفلسطيني ، حيث كانت القرية في ذلك الحين تقع على الخط الأخضر بين "إسرائيل" والمملكة الأردنية الهاشمية. ففي 29 تشرين الأول من العام 1956 قام حرس الحدود الإسرائيلي بقتل 49 مدنيا عربيا بينهم نساء و23 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 8 - 17 سنة .
يومها أعلنت قيادة الجيش "الإسرائيلي" المرابطة على الحدود "الإسرائيلية" - الأردنية نظام حظر التجول في القرى العربية داخل "إسرائيل والمتاخمة للحدود، وهي: كفر قاسم، وكفر برا، وجلجولية، والطيبة، وقلنسوة، وبير السكة، وإبثان. أوكلت مهمة حظر التجول على وحدة حرس الحدود بقيادة الرائد شموئيل ملينكي، على أن يتلقى هذا الأوامر مباشرة من قائد كتيبة الجيش المرابطة على الحدود يسخار شدمي. أعطيت الأوامر أن يكون منع التجول من الساعة الخامسة مساء حتى السادسة صباحا. وطلب شدمي من ملينكي أن يكون تنفيذ منع التجول حازمًا، لا باعتقال المخالفين وإنما بإطلاق النار! وقال له: "من الأفضل أن أرى قتلى على أن أواجه تعقيدات الاعتقال... ولا أريد عواطف..."، ملينكي جمع قواته وأصدر الأوامر الواضحة بتنفيذ منع التجول دون اعتقالات وقال إنّه "من المرغوب فيه أن يسقط بضعة قتلى".

وزعت المجموعات على القرى العربية في المثلث، واتجهت مجموعة بقيادة الملازم جبريئل دهان إلى قرية كفر قاسم. وزع هذا مجموعته إلى أربع زمر. رابطت إحداها عند المدخل الغربي للبلدة. في الساعة 16:30 من اليوم نفسه استدعى رقيب من حرس الحدود مختار كفر قاسم وديع أحمد صرصور وأبلغه بقرار منع التجول وطلب منه إبلاغ الأهالي. قال المختار إن هناك 400 شخص يعملون خارج القرية ولم يعودوا بعد ولن تكفي نصف ساعة لإبلاغهم. فوعد الرقيب أن يدع العائدين يمرون على مسؤوليته ومسؤولية الحكومة.

في الخامسة مساء بدأت المذبحة في طرف القرية الغربي حيث رابطت وحدة العريف شلوم عوفر فسقط 43 شهيدًا، وفي الطرف الشمالي سقط 3 شهداء، وفي داخل القرية سقط شهيدان. أما في القرى الأخرى سقط صبي عمره 11 سنة شهيدًا في الطيبة. كان من بين الشهداء في كفر قاسم 10 أطفال و 9 نساء. كان إطلاق النار داخل القرية كثيفا وأصاب تقريبا كل بيت. حاولت الحكومة إخفاء الموضوع ولكن الأنباء عن المجزرة بدأت تتسرب، فأصدرت الحكومة "الإسرائيلية" بيانا يفيد بإقامة لجنة تحقيق. وتوصلت اللجنة إلى قرار قضى بتحويل قائد وحدة حرس الحدود وعدد من مرؤوسيه إلى المحاكمة العسكرية. استطاع عضوا الكنيست توفيق طوبي ومئبر فلنر اختراق الحصار المفروض على المنطقة يوم 20 تشرين الثاني من عام 1956 ونقلا الأخبار إلى الصحافي أوري أفنيري.

استمرت محاكمة منفذي المجزرة حوالي عامين، وفي 16 تشرين أول من عام 1958 صدرت بحقهم الأحكام التالية: حكم على الرائد شوئل ملينكي بالسجن مدة 17 عاما وعلى جبريئل دهان وشلوم عوفر بالسجن 15 عاما بتهمة الاشتراك بقتل 43 عربيا، بينما حكم على الجنود الآخرين السجن لمدة 8 سنوات بتهمة قتل 22 عربيا. لم تبق العقوبات على حالها. قررت محكمة الاستئنافات تخفيفها: ملينكي 14 عاما، دهان 10 أعوام، عوفر 9 أعوام. جاء بعد ذلك قائد الأركان وخفض الأحكام إلى 10 أعوام لملينكي، و8  لعوفر و4  أعوام لسائر القتلة. ثم جاء دور رئيس الدولة الذي خفض الحكم إلى 5 أعوام لكل من ملينكي وعوفر ودهان. ثم قامت لجنة تسريح المسجونين وأمرت بتخفيض الثلث من مدة كل من المحكومين. وهكذا أطلق سراح آخرهم في مطلع عام 1960. أما العقيد يسخار شدمي، صاحب الأمر الأول في المذبحة فقد قدم للمحاكمة في مطلع 1959  وكانت عقوبته التوبيخ ودفع غرامة مقدارها قرش "إسرائيلي" واحد.
تجدر الإشارة إلى أن مذبحة كفر قاسم ارتكبت في اليوم الأول للعدوان الثلاثي الذي شنته كل من بريطانيا وفرنسا و"إسرائيل" على جمهورية مصر العربية.  وكانت واحدة من المذابح والمجازر الأكثر وحشية التي ارتكبها الجنود والمستوطنون "الإسرائيليون" بحق الفلسطينيين والعرب في سياق مسلسل إرهاب  "إسرائيلي" تواصل على مدار 68 عاماً هي عمر نكبة فلسطين والعرب الكبرى!!

محمود كعوش
كاتب وباحث مقيم بالدنمارك
تشرين الأول 1956
kawashmahmoud@yahoo.co.uk

حق العودة للفلسطينيين في الايديولوجية الصهيونية/ حسن العاصي

من سوء حظ الحركة الصهيونية ومشروعها المادي إسرائيل، أن الحرب التي اندلعت عام 1947 وأعلن في اثرها عن قيام تلك الدولة البغيضة لم تكن صفحة منتهية، وإنما كانت صفحة البداية لصراع سيستمر طويلاً، ويعود ذلك بالأساس إلى أن الأسطورة اليهودية لم تتوافق مع الوقائع، في حين تناقضت الأيديولوجيا الصهيونية مع الحقائق السياسية والاجتماعية.
 فهذه الأرض المقدسة التي دارت عليها الحرب لم تكن «أرضاً بلا شعب» كما روّج المشروع الصهيوني الاستيطاني، وبالتالي لم تستقبل «الشعب الذي بلا أرض» بالأحضان وأكاليل الغار، وهؤلاء الذين قُذف بهم في المنافي وتحولوا إلى لاجئين لم يموتوا ولم ينسوا، فبقيت حقيقة وجود الشعب الفلسطيني واستمرار هذا الوجود وبصمود منقطع النظير ، الدليل الأقوى على سقوط الأسطورة ، وعلى فشل المشروع الصهيوني من الوصول إلى نهاياته، والدليل الأكثر قوة على استمرار الصراع واشتعاله، رغم أن واقع اللجوء بحد ذاته، ومأساة الشعب الفلسطيني بقيت من جهة أخرى ماثلة بقوة كدليل على بؤس المشروع العربي، وبقيت المخيمات البائسة ماثلة دائماً تذكرنا بهزيمة المشروع العربي في تحرير المسجد الأقصى من رجس الاحتلال الصهيوني، كما ظلت صورة مخيمات اللجوء والشتات تعيد إشعال المرارة في نفوسنا دائماً . وهذا مايقودنا الى حقيقة لايمكن إنكارها ,  أنه بدون حل جذري لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين  فلن يكون هناك أي حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي . 
يعتبر الإسرائيليون أن ماحدث عام 1948 هو مسألة منتهية، وبالتالي فإن نتائج حرب 1967 هي موضوع منفصل، ويتحدد هذا الموقف من خلال الرواية الرسمية لأحداث 1948 وماقبلها ومابعدها، لذلك فإنها قامت ومنذ البداية بإقصاء كلمة العودة من قاموسها( ماعدا طبعاً مايخص القانون الملفق لعودة اليهود) ليحل مكانها مصطلح "الدمج والتوطين" الذي دأبت في المقابل الحكومات العربية ومنظمة التحرير والشعب الفلسطيني على رفضه متمسكين بـ (حق العودة) الكاملة لللاجئين. 
الفلسطينيون بدورهم يعتبرون أن حلاُ نهائياً لايمكن أن يكون مرضياً دون أن يعالج جذرياً نتائج حرب 1948، والتي عنوانها الأساسي هو اللاجئين، والحل هو القبول الإسرائيلي الحاسم والواضح بـ (حق العودة) للفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي اقتلعوا منها عام النكبة . 
يمكن القول بالمجمل أن الموقف الاسرائيلي من مسألة اللاجئين يرتكز على أربعة عناصر شكلت ثوابت هذا الموقف منذ 1948 .
 أولها أن قضية اللاجئين ليس لها خصوصية وأنها نتيجة طبيعية للحرب،والمعروف أن أصواتاً إسرائيلية بالذات( المؤرخون الجدد مثلاً) الذين تصدوا لمهمة مراجعة الرواية الرسمية الاسرائيلية عن نكبة 48، وما قبلها، وهى مراجعة تستهدف تصحيح صورة الفلسطينيين كهامشيين وارهابيين. وينتمى أغلب هذا التيار فى الولادة الى نهاية الأربعينيات، ويضم كوهين، ويورى ميلشتين، ويوسى امتياى.. (دون الحديث عن حركة ما تزبن الضد صهيونية، ودون الحديث أيضاً عن الرواية العربية لما حدث) خرجت لتكذب هذه المقولة المتضمنة في الرواية الرسمية الإسرائيلية، وقد قدم بني موريس – مثلاً (وهو مؤرخ دأب باستمرار على تأكيد صهيونيته)، قراءة جديدة لتاريخ إسرائيل الرسمي اعتماداً على ماتم الكشف عنه في الأرشيف، أظهرت بوضوح عمليات الطرد المنظم والمقررة سلفاً التي قامت بها الحركة الصهيونية ضد الفلسطينيين . 
المرتكز الثاني فهو أن مشكلة اللاجئين هي من صنع العرب لأنهم اعتدوا على إسرائيل، وناتجة عن العمليات الحربية للجيوش عام 1948 ومن دعوة القيادات العربية للسكان الفلسطينيين إلي مغادرة قراهم لتسهيل تقدم القوات، واليوم بعد ستين عاماً على النكبة ، تكشف الملفات ذاتها التي درسها المؤرخون الجدد كذب هذا الإدعاء ، كما تقول روز ماري صايغ، أن الإعلام الإسرائيلي في نيويورك هو الذي اخترع أسطورة أن الفلسطينيين غادروا بلادهم بناء على أوامر الزعماء العرب، عندما كانت إسرائيل بحاجة إلى كسب ثقة الأسرة الدولية، ، ولكن الأدلة الوثائقية لم تدعم قط مثل هذه الأسطورة، إذ تؤكد الوقائع أن الأوامر الصادرة بالراديو من قبل الهيئة العربية العليا في دمشق مطلع القتال( وهي محفوظة لدى هيئة الإذاعة البريطانية) كانت تطلب من الفلسطينيين البقاء في بيوتهم، بل أن المفتي الحسيني طلب من مصر إلغاء التصاريح للفلسطينيين لكي يبقوا في أرضهم . 
المرتكز الثالث: هو أن العرب يتعمدون إدامة مشكلة اللاجئين ويستخدمون الفلسطينيين سلاحاً في صراعهم مع إسرائيل، ولكن هذه المقولة تسقط أمام الوقائع، فمن جهة، قامت إسرائيل عبراقتلاعها للفلسطينيين من بلادهم بخرق القانون الدولي بإجبار الدول العربية المجاورة وهي دول ذات سيادة على استقبال لاجئين من غير رعاياها بقوة الأمر الواقع، وهي التي تصر على إدامة هذه المشكلة برفضها المستمر لعودة هؤلاء إلى أرضهم، ومن جهة أخرى يتجاهل هذا الزعم موقف الفلسطينيين أنفسهم الذين يصرون على العودة إلى وطنهم ويصرون على أن صفة لاجئين التي يحملونها هي صفة مؤقتة تنتهي بالعودة وليس بالتوطين كما تحاول إسرائيل وأمريكا.
 ورابعا: هو أن اللاجئين «عرب ببساطة» وأن العرب يملكون من الموارد ما يكفي لاستيعابهم وتوطينهم في بيئة مشابهة لبيئتهم الأصلية وإطار ثقافي اجتماعي مماثل. 
تتناقض هذه المقولة على مستويين، أولهما عربي.. إذ ما الذي يجبر الدول العربية وهي دول ذات سيادة على تحمل أعباء إضافية لاستيعاب لاجئين من بلد آخر تحت تأثير قوة الأمر الواقع مما يشكل خرقاً لسيادة هذه الدول، بغض النظر عن الموضوع القومي فالمسألة هنا هي قضية قانونية تتعلق بحق الفلسطينيين وليس بواجب العرب.
  وثانيهما أنه حتى لو وافقت الدول العربية على هذا الخيار فإن الفلسطينيين لن يوافقوا بالتأكيد، ومن الواضح وجود شبه إجماع فلسطيني سياسي وشعبي على رفض التوطين، والتمسك بـ (حق العودة) وفي ظل حالة الرفض الفلسطيني فإن أي موافقة عربية على التوطين ستخلق حالة من التوتر بين الطرفين وهو أمر لمصلحة إسرائيل بالطبع فما الذي تريده الدولة العبرية أكثر من إشغال العرب بمشاكل داخلية تضع مشكلتهم مع الإسرائيليين على الهامش. 
إن (حق العودة) الوارد في القرار رقم 194، ثابت في القانون الدولي حيث نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 13منه :
1- لكل إنسان حق حرية الانتقال والسكن ضمن حدود كل دولة .
2- لكل إنسان حق مغادرة أي بلد، والعودة إلى بلده. ولهذا أهميته ربطاً بالميثاق الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 الموقع من قبل إسرائيل الذي يستمد سلطته من الإعلان الآنف الذكر . 
وقد أعادت الجمعية العامة سنة 1974 ومن خلال قرار الجمعية العامة رقم 3236 التأكيد على حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وقد اكتسب القرار 194 نفوذاً ملزماً، إذ عاد المجتمع الدولي مائة وعشر مرات على مدى خمسين عاماً ليؤكد عليه مما أعطاه كما قلنا الإلزام نظراً لحيازته على إجماع دولي مستمر . 
على الرغم من هذا الإجماع وحزم الموقف الدولي إلا أن إسرائيل دأبت عملياً على رفض هذا القرار وعرقلة تنفيذه، عملياً لم تكن إسرائيل تصوت ضد القرار كل مرة يعاد التأكيد عليه وإنما كانت تكتفي بالامتناع عن التصويت ويعود ذلك إلى أن الأمم المتحدة اشترطت عدم اعتراض إسرائيل على القرار لقبول ضمها إليها، وقد تغير الموقف الإسرائيلي بعد اتفاقات أوسلو البغيضة التي أرجأت حل مشكلة اللاجئين إلى مفاوضات الحل النهائي وحولتها بالتالي إلى مشكلة بين طرفين( الفلسطيني والإسرائيلي) وليست مشكلة دولية، وهذا التحول جرى أيضا على موقف الولايات المتحدة الأمريكية التي كان مندوبها يبادر في كل انعقاد للجمعية العمومية إلى تقديم مشروع قرار يؤكد على الـ (194) ولكن بعد أوسلو حصل تحول جذري بتصويت أمريكا تماماً كما إسرائيل ضد هذا القرار . 
ولعل أكثر الأسس التي تعتمد عليها إسرائيل في رفض تطبيق القرار194 هو الأساس الأمني- الديمغرافي، حيث يرى هؤلاء أن تطبيق (حق العودة) يشكل خطراً على وجود إسرائيل كونه سيرفع بشكل كبير كثافة السكان العرب، وطبعاً هذا الخطر المزعوم ناجم عن طبيعة الدولة العبرية باعتبارها دولة لليهود والمشكلة ليست في هذا ( الخطر) وإنما في إصرار إسرائيل على أن تعيش كدولة غير طبيعية تعتمد على الأسطورة والدين . 

الإخـــــلاص الأنانـــــــي/ نبيل عوده

أدركت أن أجلها اقترب، وأن الأمنيات بحدوث تحول في وضعها الصحي قد تلاشى تماما. فاسْتَسلمت، أو خَضَعت بلا إرادة، بلا شكوى، تنتظر، أو لا تنتظر، أن تغيب عن ذاتها ومحيطها، متسائلة كيف ستكون لحظة إغماض العينين للمرة الأخيرة في هذه الحياة التي لم تمهلها طويلا؟
زوجها كان يبدو لها أشد حزنا ما توقعته، مما أثار تفكيرها من مبالغة مقصودة. كان يجلس قرب سريرها، ممسكا بيدها بطريقة تذكرها بأيام عشقهما الأولى، يوم كانت تفور بالحيوية والفرح والصبا والصبابة، مطأطئا رأسه بحزن بارز، يرتسم الحزن والألم على محياه بطريقة تجعلها غير مقتنعة بما يبدو على وجهه، لكنه للحقيقة لا يغادر مقعده قرب سريرها، يواصل بإلحاح عليها أن تحاول تناول بعض الطعام الذي تحبه، لكن نفسها لم تعد تطلب شيئا إلا انقضاء ساعات الألم الشديد حين يضعف مفعول الحقن المخدرة التي تجعلها نصف غائبة عن الوعي.
هذا الترابط بينهما لفت انتباه الأطباء والممرضات، فرثوا لحالهما بسرهم ولكن ما باليد حيلة.
كان زوجها يلح على الأطباء بأسئلته واستفساراته عن وجود علاجات لم تطبق بعد وهل بالإمكان تجريبها على زوجته؟ يضيف انه جاهز لكل المصاريف وكان دائما يفعل ذلك حين تكون زوجته قادرة على السمع والانتباه لما يدور حولها. غير أن الأطباء يردون أن الوضع بات متأخرا، الأورام الخبيثة انتشرت وملأت جسدها، لم يعد ما يمكن إنقاذه إلا الطلب من الله أن لا يمد بعذابها.
كانت تقول له لا تقلق نفسك بي، أنا لم اعد اشعر برغبة إلا بإغماض عيني مرة أخيرة والانتقال للراحة الأبدية ولكني قلقة عليك.
- لا اعرف كيف سأتصرف بدونك.. أنت حب حياتي الذي لا ينسى.
- الأيام كفيلة بعلاج الحزن، عشنا حياة سعيدة وهذا ما سأحمله معي إلى القبر.
- خسارتي ستكون كبيرة ،لا بد أن تحدث عجيبة طبية..
- لا تدخل نفسك بأوهام .. قابل الحقيقة بدون أوهام.. برجولة.. 
- وأين هي الرجولة أمام مأساة الفراق؟
- لا قيمة للرجولة بدون جرأة ورباطة جاش وضبط النفس.
- أشعر اني أخسر عالمي..
- يا زوجي الطيب، كان أفلاطون يقرن الرجولة بفئة المحاربين.. الفرسان، ويقرن الفضيلة بفئة الحكماء والفلاسفة، وأنت تعشق أفلاطون وتكثر من قراءة الفلسفة، فأتوقع منك أن تكون رجلا وحكيما في مواجهة ما سيأتي، لأني احبك ولا أريد أن تدمر حياتك بالحزن.
- لا اعرف ما سأفعل بدونك .. ولا يبدو أن الفلسفة تملك الإجابات التي تريحني .
- هل حقا كنت تحبني كل فترة زواجنا بنفس القدر والقوة التي ابتدأنا بها؟
- كما لم أحب امرأة من قبلك.
- ومن بعدي؟
- لا اعرف إذا كنت قادرا على حب امرأة غيرك.
- ولكن الإنسان أناني يا عزيزي بطبيعته، أليس كذلك؟
- هذا في الفلسفة، في الواقع كل شيء مختلف.
- كنت دائما تشرح لي نظريات ديمقريطس وابيقور، بقولهم أن الأنانية هي مذهب فلسفي عن طبيعة الإنسان، وأن الإنسان أناني بطبيعته، وعليه فهو يتوخى مصالحه، ولكنك كنت تقول بما أننا زوجان متحابان ، فنحن نطبق أنانيتنا المشتركة. كيف سميتها؟
- أنانية عقلانية..
- هذا ما كان يقوله هيلفيتيوس.. بأن الإنسان يخضع أنانيته لخدمة المجتمع، وأنت تخضع أنانيتك لخدمة بيتنا السعيد؟؟ هل نسيت؟
- ليت الزمن يعود بنا إلى الوراء
- لا تتمنى المستحيل. الألم يشتد
- سأستدعي الممرضة.
- لا تفعل. أريد أن أتحدث معك، كما كنا قبل مرضي.
- أريدك أن تعودي للبيت تملئيه فرحا وسعادة.
- ألا تظن أن حلمك هذا ينبع من الطابع الأناني للإنسان؟
- تتفلسفين وأنت في قمة ألمك؟
- هل ما زلت تحبني بنفس القدر.
- ولن يتغير حبي.
- كفى.. اكتفي بحبك حتى ساعة رحيلي.
- فقدانك سيجعلني أحبك أكثر وهذا لا يتناقض مع فلسفة أفلاطون وأصحابه.
- ستحبني أكثر لأني سأغادر عالمك وأمنحك الراحة من الارتباط مع امرأة مريضة تغيب عن الوعي أكثر مما تصحو.
- كيف تفكرين بهذا الشكل؟ إني أتألم لألمك وامسك دموعي بالقوة؟
- آسفة لم اقصد إيذاءك.
مسحت بيدها على جبينه محاولة الابتسام رغم الألم الشديد الذي يأكل جسدها وسألته:
- صارحني.. ربما أموت اليوم أو بعد أسبوع على أكثر احتمال.. هل أحببت امرأة غيري..؟
- إطلاقا، كيف افعل ذلك وأنت تملئين علي حياتي؟
- وبعد وفاتي ، هل ستحب امرأة أخرى؟
- لا أظن.. ليس من السهل الإجابة على سؤال لم يراود تفكيري إطلاقا.
- ما زلت شابا، مثقفا، متنور العقل، ترغب بك كل امرأة بالغة العقل..هل ستعلن رهبنتك؟
- لا أعرف.. لا استطيع التفكير بامرأة غيرك.
- ما زلت تنفي أفلاطون وفلسفته.
- لو واجه أفلاطون ما أواجهه كان غير من فلسفته.
- لا ليس صحيحا. كل الرجال الصغار في السن يتزوجون بعد وفاة زوجاتهم مرة أخرى .. هل ستكون الشواذ على القاعدة؟
- أنا لا أفكر بهذا الشكل، أنت تتعبين نفسك، سأظل على حبك لوقت طويل.
- وبعد الوقت الطويل .. صارحني؟
- حسنا.. ربما ، ولكن ليس من السهل إيجاد امرأة مثلك. لا أعرف، ربما سأظل ابحث حتى يصيبني اليأس؟
- دعك من مراضاتي.اتفقنا ان الأنانية هي صفة انسانية، والفلسفة منذ افلاطون تنبهت لهذا الظاهرة، أريد أن أطمئن عليك بعد وفاتي والموضوع لا يحزنني. أنانيتي سأدفنها معي.. هل تهرب من الجواب؟
- حسنا، ربما يحدث أن أجد امرأة مثلك وأحبها ونتزوج، على أن تعرف انك سيدة البيت حتى بعد وفاتك.
- وهل ستسكنان في نفس منزلنا؟
- لا أعرف، حاليا لا منزل لي غيره، إذا كان يضايقك الأمر لن افعل..
- لا يضايقني، أنت حر بعد وفاتي ولكني أحب أن أعلم ما يطمئنني عليك.
- هذا إذا تزوجت..
- حسنا ، هذا اتفقنا عليه.. ستتزوج. لكن قل لي هل ستستعملان غرفة نومنا وتنام معها بنفس سريرنا؟
- يبدو ذلك إذا لم أغير المنزل، ولا تنسي انه منزلك وأنت سيدته دائما ما دمت أنا حيا.
- أريد لك طول العمر، ولكن قل لي هل ستمارس مع زوجتك الجديدة الحب على سريرنا؟
- إذا تزوجت و..
- اتفقنا على انك ستتزوج. صارحني . ستمارسان الحب في غرفة نومنا وبسريرنا؟
- لنقل أن ذلك متوقع.
- الم تفكر بامرأة غيري خلال فترة ارتباطنا؟
- لا.
- ولم تغريك أي امرأة جميلة بأن تمارس معها الحب ؟
- حبك أغلق علي التفكير بنساء غيرك.
- تصر على مناقضة أفلاطون وأصحابه.. الم تقمع أي رغبة بمغامرة عابره مثلا؟
- أنا ؟ إطلاقا.. حبك كان يكفيني.
- إذن ستكون لك بعدي امرأة أخرى تسكنها منزلي، تضاجعها على سريري، أنا لست غاضبة.. أنت تستحق ذلك.
- لماذا تشغلي فكرك بما لا يشغلني إطلاقا؟
- إنها ساعاتي الأخيرة، أريد أن أموت وأنا على يقين أن الرجل الذي أحببته سيعيش سعيدا من بعدي.
- سأكون حزينا لفراقك .. وربما لن أجد امرأة أحبها كما تتخيلين لأني لن أقبل امرأة أقل شأنا منك.
- حسنا ..ستتزوج، تسكن وإياها منزلنا، تستعملان غرفة نومنا، تمارسان الحب على سريرنا، ولكن قل لي، هل ستعطيها ملابسي أيضا؟
- إطلاقا لا.. إنها أنحف منك وأطول قامة وألوان ملابسك لا تناسبها ، و ..
- أطلب الممرضات على عجل، الألم لم يعد محمولا...

Nabiloudeh@gmail.com

صفقة (دحلان)/ د. عادل محمد عايش الأسطل

اعتدنا على مسألة اعتراف أعضاء المجموعة الدوليّة – وإسرائيل بشكلٍ خاص-، بشرعيّة حركة فتح، باعتبارها هي من قادت منظمة التحرير الفلسطينية، منذ نشوئها عام 1964، وهي من قادت اتفاق أوسلو 1993، وهي من قادت السلطة الفلسطينية فيما بعد، وبأن الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" هو الذي يرأسها منذ عام 2005.

في نفس الوقت يُوجد شعور عارم لدى الكل – تقريباً-، بأن الأعضاءً ذاتهم، أصبحوا يُبدون استحساناً باتجاه القيادي في فتح "محمد دحلان"، باعتباره توطئةً لأن يكون شرعيّاً نهاية المطاف، وإن كان بغير رغبة خالصة منهم، ولكن ترتيباً على مقتضيات المرحلة المصلحيّة (السياسيّة- الأمنيّة) الحاليّة، والتي تعصف بالمنطقة ككل.

فالمعطيات المتوفرة، كانت قد أشارت إلى انخفاض كميّة قبول "أبومازن" لدى بعض أولئك الأعضاء، وبنسبة لابأس بها، والتي أخذت بالوضوح خلال الفترة الأخيرة الفائتة، باعتباره، لا يسُدّ الأبواب في الوجوه فقط، بل هو من يقوم بتأزيم الأمور، حيث لم تفلح كافة اتصالاتهم باتجاهه، وسواء الشفويّة منها والسلكيّة، في سلبهِ أي تنازلات بشأن المصالحة مع "دحلان"، باعتبار أن حالة الخصومة الحاصلة لديه، هي حالة متأخّرة، ولا رجاء فيها.

الأمر الذي أدّى بهم إلى السماح لـ"دحلان" بالانتقال إلى الخطّة التالية، وهي الرّامية إلى شحن الأجواء نحو تصحيح مسار الحركة بشكلٍ متقدّم وأكثر عمليّة، وكانت قد مثّلت تظاهرة لأنصاره في قطاع غزة أوائل أكتوبر الحالي، بحجة المطالبة بوحدة الحركة، وللاستجابة لمساعي الرباعية العربية، لإنهاء حالة الانقسام الفتحاوي، مثّلت شيئين مهمّين، وهما تأكيد حضور "دحلان" الجيّد داخل المركز الفلسطيني، والذي يضم قيادات وكوادر فتحاوية، تُعد من الصفوف الأولى، وتحدّياً صارخاً لـ (رام الله)، التي اعتبرت التظاهرة، تهدف إلى شق الحركة والإخلال بشرعيتها.

مؤتمر عين السخنة، الذي تم عقده عن قصد "دحلان" وتعمّده، خلال الأسبوع الماضي، وبعد التفاتهِ لـ (رام الله) لمرّة واحدة، باعتباره - كسباً سياسياً ورفعاً للعتب-، كان هو الذي أكمل المشهد نحو التسخين، إلى الدرجة التي لا يمكنه بعدها، إعادة الحديث عن مصالحة، حيث فرضت نتائجه عليه، مهمّة المضي قدماً، باتجاه الأخذ بها وتطبيقها على الفور، وخاصة تلك الي تتعارض مع رام الله. 

كان استقبال "أبومازن" للمؤتمر ولنتائجه بخاصة، استقبالاً صراعيّاً خالصاً، حيث اضطرّ بسببهما، إلى محاولة إثبات اتهاماته ضد "دحلان" - أمام أنصاره على الأقل-، بأنه يعمل باتجاه تقويض الحركة، وباتجاه تصفية القضية الفلسطينية، كما أصرّ على توقيع قرارات رئاسية، تهدف إلى تقزيمه ومُطاردة الداخلين في تيّاره، والمتعاطفين معه داخل الحركة، وذلك بتهمة التجنّح. 

والأهم هو، قيامه بما يُمكن تسميته بالخطوة التعويضيّة، والمتعلقة بمسألة سفره إلى كلٍ من تركيا وقطر، والتي تهدف إلى إيجاد دورٍ تركي - قطري باتجاه تشغيل ملف المصالحة مع حركة حماس، خاصة وأن لديه عدّة شُبهات، تُوحي بأن "دحلان" بصدد المسابقة، نحو تفعيل صفقة سياسية وخدماتية كبيرة باتجاه الحركة، وهي لدى "أبومازن" وإن كانت أحاديّة الطرف، لكنه يضمن بأنها ستعود عليها بفوائد مباشرة، وبالتالي ستساهم في إطالة أمد الانقسام.

من تابع جوقة التسخين المتبادلة بين الفريقين، وشعر بتأثيراتها، لا بد وأنه لاحظ وقوعها على حرفٍ واحد، والذي يدعو إلى عدم الانجرار وراء أي بادرة، تهدف إلى رأب الصدع، برغم عِلمهما، بأن تلك الجوقة، هي في حقيقتها (مواجهة)، وهي لا تحصد سوى الهزائم، ليس الحديث عن محاولة إثبات ملاحظةٍ ما، أو تحديد أي إهانة لأحدٍ كان، بل عن أضرار جسيمة ستلحق ليس بالحركة وحسب، بل بالقضية الفلسطينية أيضاً.

داعش وجمعة كركوك المميتة/ كفاح محمود كريم


     ما حدث في كركوك يوم الجمعة الماضي ( 21 أكتوبر 2016 ) عبر بشكل دقيق عن فعالية بعثية بنهج صدامي متميز، أعادنا إلى حقبة سلوكيات ذلك النظام وأجهزته  الخاصة التي كانت تمارسها مع المعارضين، وفي مقدمتهم الكورد ومقاتليهم من البيشمركة، حيث يتذكر العراقيون ردود أفعالهم، عندما كانت قوى المعارضة تحقق انتصارا نوعيا في أقصى كوردستان أو في جنوب البلاد، كانت تلك الأجهزة الخاصة تعتقل عوائل الثوار في كركوك أو الموصل أو كربلاء أو الحلة.
     لقد أثبتت الأحداث خلال السنوات الأخيرة تورط قيادات وكوادر الأجهزة الخاصة لنظام حزب البعث في العراق ومثيلاتها في ليبيا وسوريا واليمن بمعظم العمليات الإرهابية التي تقع في هذه البلدان، خاصة تلك التي تنفرد بحرفية منفذيها، كما حصل في كركوك مؤخرا، بالاستعانة بمتطوعين أجانب تم تجنيدهم على خلفيات عقائدية أو نفسية أو اجتماعية لتنفيذ عمليات انتحارية في أمكنة يتم اختيارها من تلك القيادات، حيث ألقت السلطات في كركوك القبض على احد أفراد حماية صدام حسين وابن خاله وهو " نزار حمود عبد الغني " في قضاء داقوق بتهمة اشتراكه بالهجمات الأخيرة، وقد اعتقل داخل صهريج لنقل المياه وبحوزته 4 بنادق نوع " كلاشينكوف " وأكثر من 1000 رصاصة، وعدد من القنابل والمتفجرات.
     لكن الرياح لم تكن كما أرادها ربابنة تلك البواخر الانتحارية، ولم تعد تلك الأقراص التي تحمل صيحات الضحايا وهي تذبحهم بسكاكين السادية، ترهب الأهالي كما كانت، فخرجت جموع الأهالي في كركوك تحمل ما تيسر لها من سلاح، لتستبق أجهزة الأمن والبيشمركة، ملاحقة اولئك البائسين المغرر بهم تحت سطوة وتخدير عقيدة فاسدة وعنصرية مقيتة، ما يزال صداها يسمع بين الفينة والأخرى، تحت خيمة وإيقاع زمرة تسلقت مؤسسة التشريع والتنفيذ في غفلة من الزمن الرديء، الذي مهد لها سلالم التسلق من خلال صناديق العشائر والمذاهب والسحت الحرام الانتخابية، في بلد ما يزال أكثر من نصف سكانه أميون وثلاثة أرباعهم أميون حضاريون بامتياز، وانتهازيون للعظم دون منازع، تحكمهم قوانين الخيمة والصحراء من تحت ملابسهم وسياراتهم الحديثة، يحملون على أكتافهم كل صفحات التاريخ الأسود من يوم اغتيال الفاروق وحتى خيانة الحسين وإبادة أسرته.
     في كركوك التي رفضت أن تكون بيئة لثقافة داعش المتوحشة،  انهارت في ساعات تلك الهمجية التي أسقطت ثلث العراق خلال أيام، لأن أهاليها بمكوناتهم الرئيسية كوردا وعربا وغيرهم، وبمؤسساتها الأمنية والعسكرية رفضت أن تسقط مدينتهم تحت قوانين التوحش والبدائية، فسقطوا لأنهم مشروع انتحاري همجي يسير إلى الفناء، وتنهض كركوك وأهلها لأنهم فرسان للشمس والحضارة.

حلول الغضب الإلهي على داعمي قرار اليونيسكو/ د. مصطفى يوسف اللداوي

استمراراً لحالة الهستيريا والتخبط التي أصابت الكيان الصهيوني ومناصريه في جميع أنحاء العالم، على خلفية قرار منظمة العلوم والثقافة الدولية "اليونيسكو"، واصل الإسرائيليون على مختلف المستويات السياسية والثقافية تصريحاتهم الغاضبة ومواقفهم الشاجبة للقرار، مؤكدين رفضهم له وعدم قبولهم به، واستنكارهم الشديد لصدوره، وأنهم لن يسكتوا عن هذه الجريمة الأخلاقية الكبرى التي ارتكبتها إحدى مؤسسات الأمم المتحدة، وسيعملون على استئناف القرار ونقضه، لقناعتهم أنه قرارٌ باطلٌ وفاسدٌ، ولا يستند إلى حقائق تاريخية، ولا إلى مرجعياتٍ دينية، ويفتقر إلى الشفافية والعلمية والإنصاف.
وبعد التصريحات السياسية الغاضبة المستفزة، التي جاءت على لسان السياسيين ورجال الدولة، التي حاولت أن تحافظ على قدرٍ ولو ضئيل من اللياقة واللباقة الدبلوماسية، وإن جافتها أحياناً إلا أنها بقيت ضمن دائرة العرف السياسي، خاصةً أنهم كانوا يردون على قرار مؤسسةٍ أمميةٍ هم عضوٌ فيها، ويعترفون بمنظماتها وأنظمتها الداخلية، ويخططون للعودة إليها والاحتكام إلى هيئاتها من جديد، الأمر الذي يفرض عليهم احترامها وعدم المساس بأصل حرمتها، وإلا فإن كيانهم يفقد فرصة المراجعة القانونية والسياسية للقرار، إذا كانوا يرغبون في إعادة النظر فيه بما يحقق وجهة نظرهم وموقفهم الديني من مرجعية الأماكن المقدسة.
بعد أن ذهبت تصريحات السياسيين هباءً دون جدوى في أدراج الرياح، ولم تجد نفعاً محاولات إعادة التصويت على القرار، أو نقده والطعن فيه، جاء دور حاخامات إسرائيل الكبار ورجال الدين في الكيان وخارجه، ليدلوا بدلوهم، ويقولوا كلمتهم، ويعقبوا بطريقتهم، فبدو وكأنهم يتحدثون باسم الله سبحانه وتعالى، وكأنهم وكلاؤه على الأرض، وأحباؤه من بين الخلق، فادعو أن القرار قد أغضب الرب، وأنه استجلب السخط على صانعيه، الذين يستحقون من الله اللعنة والغضب. 
استخدم الحاخامات والمتدينون في التعبير عن مواقفهم مفرداتٍ غريبةٍ وكلماتٍ بذيئةٍ، لا تتناسب ورجال الدين، ولا تتفق مع من يدعون أنهم أولياء الله وأبناؤه، مدعين أن الله سيصيب بلعنته كل من أنكر حقهم، ونفى الصبغة الدينية اليهودية عن "الحائط الغربي"، وأنه سينتقم من المؤيدين للقرار والداعمين له، وقد يسخطهم الرب ويمثل بهم جزاءً على الجريمة التي ارتكبوها، والفاحشة التي ذهبوا إليها واشتركوا فيها، داعين إياهم إلى التوبة والبراءة من الإثم والمعصية، والتطهر منها بالعودة والإنابة، وإلا فإن عليهم أن يتوقعوا من السماء ما لا يحبون، وأن ينتظروا من الله ما  لا يطيقون هم وأبناؤهم معاً.
لم تنته الهرطقات الدينية والهلوسات اللاهوتية عند الحاخامات ورجال الدين اليهود وحسب، بل امتدت لتطال بلوثتها رجال السياسة والعسكر، والفكر والإعلام في الكيان الصهيوني المريض بأحلامه، والمشوه بأفكاره، والسقيم بعنصريته، والمهووس بفكرة الاختيار وعقدة السامية التي صنعت منه نرجسية منبوذة، وإحساساً بالتفوق مكروه، فهذا مساعد وزير خارجية العدو الإسرائيلي أيوب قرا يقول أن "الزلازل التي ضربت إيطاليا الأسبوع الماضي، كانت بمثابة عقاب من الله للدولة على دعمها لقرار اليونيسكو الذي ينفي علاقة اليهود بالمسجد الأقصى"، ويبدو أ نه ليس وحده المقتنع بأن ما جرى في إيطاليا إنما هو انتقامٌ إلهي من الإيطاليين الذين أيدوا الفلسطينيين المسلمين على حساب اليهود، وهم أصحاب الحق التاريخي والديني في المدينة المقدسة، مخالفين بذلك ما تشهد به معابدهم القديمة، التي تحمل شمعدانات بني إسرائيل القديمة، التي تتشابه مع شمعدانات "أورشليم" البعيدة عنهم. 
ينتظر اليهود عامةً والإسرائيليون خاصةً هذه الأيام أن تنزل فيمن عاداهم وانقلب عليهم، وتعاون مع خصومهم وانتصر لهم، وأيدهم في قرارهم وساندهم في باطلهم، قارعةٌ من السماء، أو زلزالٌ في الأرض يخسف بهم وبدورهم، أو أن يحل عليهم غضبٌ من الرب يدمرهم وبلادهم، ويزيلهم من الوجود وأبناؤهم، وهم بهذا مقتنعون وبه مؤمنون، وبه يهددون مخالفيهم، ويتوعدون مناؤيهم، ويحذرون من عارضهم وخالفهم، وينصحون من أراد منهم النجاة والفوز، ويذكرونهم بأسلافهم الذين مضوا، وأشباههم الذين هلكوا، ولكنهم لا يغلقون في وجوههم باب التوبة والندم، شرط أن يعودوا عن قرارهم، وأن يستغفروا لذنبهم، وألا يعودوا إلى سوء فعلتهم أياً كانت الأسباب والظروف. 
يعلم الإسرائيليون أنهم يكذبون ويفترون، وأنهم يطلقون الكذبة ويصدقونها، ويؤمنون بها وينسجون حولها القصص والروايات، وغم ذلك فإنهم يريدون من العالم كله أن يصدقهم وأن يؤمن بروايتهم، وأن يقف إلى جانبهم ويؤيدهم، وأن يساندهم في مواقفهم وسياستهم، رغم أنهم يعلمون أنهم كاذبون ومفترون، وأنهم على باطلٍ يقفون، وإلى وهمٍ وخيالٍ يستندون، وأن ما يأتون به إنما هو الإفك بعينه، والضلال في أصله، ولكنهم يريدون من الخلق جميعاً أن يصدقوا روايتهم، وأن يؤمنوا بحكايتهم، ويدعون أن الله معهم يؤيدهم، وهو الذي جاء بهم إلى الأرض المقدسة، وسماها باسمهم، وأمنها لأجلهم، وباركها لهم ولأبنائهم من بعدهم، والويل كل الويل لمن حارب الله فيهم، أو أغضب الرب في أرضهم.
ترى أي قومٌ من البشر هؤلاء، وأي نوعٍ من الخلق هم، بلهاء أم أذكياء، سفهاء أم عقلاء، أشقياء أم أقوياء، مراوغون أم مخادعون، صادقون أم كاذبون، واهمون أم يحلمون، فهم يتقنون القتل كحرفة، ويبدعون في الظلم كصنعة، ويسرقون الحقوق بخفة، ويطمسون الوقائع خلسة، ويزورون التاريخ عنوةً، ثم يريدون من العالم كله أن يصدقهم، وأن يشهد لهم أن الفيل نملة، وأن النمر هرة، وأن النور ليس إلا ظلمة. 
ترى هل يطمس الإنسان عقله، ويعطل تفكيره ويلغي ضميره، ويقبل بقولهم، ويؤمن بشهادتهم، ويسلم بروايتهم، ويرفع الراية لهم إيماناً وتسليماً وذلاً وخنوعاً، لينجو بنفسه، وينعم وأبناؤه بمستقبلهم، ويقنع بالحياة وكفى.

عن (الشهداء يعودون هذا الأسبوع) لوطار: نص مسرحي ذات طابع دونكيشوتي/ عبد القادر كعبان

ما يجعل السرد بجميع أشكاله يختلف عن المسرح، هو أن الأول يتم إدراكه على أنه حدث في الماضي بينما الثاني فقد يتجسد في حاضرنا، وبالتالي هي حالة تجسد الراوي بحضوره في المكان وسرده لحكايته هنا والآن. 
إذا كان السارد في القصة يمثل حلقة تواصلية بين السرد والمتلقي، فإن هذين العنصرين لا يلتقيان في المسرح الدرامي حيث لا يتكلم المؤلف باسمه إطلاقا بل قد يقتصر ظهوره على بعض الأشكال المسرحية، وهذا ما وجدناه يتجسد من خلال نموذج قصصي للأديب الجزائري الراحل الطاهر وطار الموسوم "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" الذي حوله الممثل والمؤلف الجزائري الراحل أمحمد بن قطاف إلى نص مسرحي بامتياز.
ما يشهده المتفرج خلال عرض هذه المسرحية هو الأداء المسرحي للممثلين الذين حاولوا بث رسالة خاصة لإحياء روح الواجب الوطني الذي انعدم للأسف الشديد في أيامنا، فهم عموما يعيدون إلى الأذهان شخصية دون كيشوت للعالمي ثربانتس بطريقة غير مباشرة تلك الحاملة للبعد الإنساني النبيل.
يمكن القول أن الرمز يعتبر أحد أهم العناصر المؤثرة في مسرحيات أمحمد بن قطاف أين يتلبس هذا الأخير بشخوصه ولغتهم وخطواتهم ومواقفهم الدرامية، كما أن كتابات وطار هي الأخرى لا تخلو من الحس الفني والتعامل الحاذق مع اللغة وتجريب تقنيات سردية جديدة ذات نكهة واقعية بحتة.
من أهم العناصر التي يتوجب توضيحها للمتلقي المسرحي منذ البداية هي المكان والزمان من خلال جملة من الوسائل التي يتوفر عليها الركح المسرحي كالمرئية من ديكور وإنارة وغيرها، وكذلك الحوار لأنها تسعى لتوضيح الرؤية لجميع جوانب النص المسرحي.
تعددت الأمكنة في هذه المسرحية التي جاءت في فصلين متكاملين، حيث تبدأ حلقة السوق أين يدخل الحاكي وتحلق الناس حوله كما ورد على لسان الكورس أو المجموعة: - دخل الحاكي للسوق على جلد البندير.
- تلايمت ودارت حلقة.
ويتواصل الاستهلال لتشويق الجمهور حيث تذكر المجموعة سيرة سيدنا علي كرم الله وجهه والزينة لونجة وقصة سيدنا يوسف عليه السلام وأسباط النبي يعقوب عليه السلام، وهي عبارة عن مقدمة للتطرق إلى ماهية الموضوع الذي يخفي بين ثناياه عبرة: - قالت تحكيلنا سيرة الأمجاد.
- سيدنا علي وسيفه مع الكفار.
- والزينة لونجة اللي خطفها الغول.
- وتولي ليوسف عليه السلام.
- وخوته الأشرار كيف كذبوا الذيب.
أما المكان الثاني الذي تدور فيه أحداث المسرحية هو القرية التي تعكس الروح الثورية الدالة على الهوية الوطنية كما جاء في المقطع الموالي:
- عمي العابد شيخ كبير في قرية... قرية في جبال الهيه...
- شاف اللي بناها وثار على اللي بغى يهدم.
- شاف اللي حفر البير وشاف اللي ملاه بدم المقتول غدرة...
فكرة المسرحية بشكل عام تدور حول تلك الرسالة التي وصلت لعمي العابد بن مسعود الشاوي من بلاد بعيدة من الخارج، والتي تشير إلى عودة ابنه الشهيد مصطفى رفقة زملاءه الشهداء في ظرف زمني قصير، وقد اختاره بن قطاف لأنه يربط بين ماضي ثورة نوفمبر المجيدة وحاضر ما بعد الاستقلال، لكن ما سعى إليه هذا الأخير هو إضافة بعض الرموز والدلالات كتلك التحية التي وجهها في بداية العرض لكل شهيد جزائري ضحى بالنفس والنفيس لتحرير وطنه من كيد المستعمر الفرنسي على خلاف قصة الطاهر وطار التي تتعمد الدخول المباشر في الأحداث.
يبرز مكان آخر لا يقل أهمية عن الفضاء القروي في مسرحية بن قطاف، وهو مقام الشهيد الذي حمل بدوره دلالات مجازية لذلك المكان المنسي الذي يملأه التراب والغبار المتناثر هنا وهناك، وكأن الشهيد بعيد منسي عن العالم يظل اسمه محفورا فقط على نصب تذكاري من الرخام وسط جملة من الأسماء الوطنية من الشهداء.
كما تمت الإشارة إلى أماكن أخرى بطريقة ثانوية لا تقل أهمية عن غيرها إما بالوصف عن طريق عملية السرد أو بتغيير الأحداث ومضامينها الحوارية كالجامع، محطة القطار والقباضة.
تتعدد الأزمنة هي الأخرى في نص مسرحية "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" كالزمن الاسترجاعي القائم على تقنية الفلاش باك، وهذا بالتركيز على شخصية خديجة التي يعتبرها بن قطاف همزة وصل بين الماضي والحاضر خلال اقتباسه للنص القصصي للأديب الطاهر وطار، فهي التي غالبا ما تسرد على المتفرج مآسي الثورة التحريرية وما فعلته فرنسا بأبناء الجزائر الأبرار ومن أمثلة الاسترجاع نذكر على سبيل المثال بعض ما ورد في حكاية استشهاد مصطفى:
- العابد: يا قدور يا وليدي ماذبي تعاود تحكيلي قصة وليدي كيما وقعت وكيفاش استشهد...
- قدور: واش نقولك يا عمي العابد... راني حكيتهالك اشحال من مرة...
- العابد: هذي وخلاص.
- قدور: كما قلت لك وللآخرين، كنا جايين من الأوراس، في طريقنا للحدود ومعانا برية الولاية... كنا ماشين حذا بعضانا مانيش عارف كيفاه حتى سبقني... كان باقيلنا يجي مشية ساعة ونص ونلحقو للسيلان... ساعة ونصف يا عمي العابد. نقطعو السلك ونخرجو للأمان... كانت ليلة قمرها ضاوي، تقول انهار، كان، ضاوي.
- خديجة: وصلنا السلاح وين كان لازم يوصل... خمسطاش يوم ماشية... ريحنا ليلتين وجينا موليين... خرجنا مع المغرب في شهر شتاء... في ليلة ظلمتها زيت... على خطوتين مايبانلك والو... كنا ربعة...
الملاحظ في نص بن قطاف هو الحوار المبني على أسئلة افتراضية عموما تخللها أيضا زمن استشرافي بما سيحدث في المستقبل منذ بداية المسرحية إلى نهايتها.  
لقد استعان بن قطاف بجميع شخصيات وطار في كتابة نصه المسرحي ما عدا حذفه لشخصيتين ألا وهما إمام المسجد والابن الثاني لعمي العابد، وكلها جاءت عاكسة لنفسية المواطنين المأزومة وهذا من خلال جملة حواراتها وأفعالها، ومن هنا نذكر بعض النماذج الحية في ذاكرتنا إلى اليوم كالشخصية المحورية للمسرحية –عمي العابد- فهو العنصر الأساسي المحرك للأحداث كونه عجوز كبير يحمل في ذاكرته الكثير عن أحداث الجزائر، وهو صاحب لغز الرسالة الذي سيكتشفه المشاهد مع تداول الأحداث. كما أنه أيضا رجل متمسك بزيه العربي الأصيل وهو رجل متدين وطيب لكن حادثة الرسالة تدفعه للدخول في صراع نفسي حاد خصوصا بعدما يرفض الآخرون فكرة عودة الشهداء من جديد.
شخصية الشهيد مصطفى ابن عمي العابد هي نموذج عن الشهيد الجزائري المناضل المدافع عن وطنه من أجل الحرية والسيادة الوطنية ولو كان ذلك على حساب شبابه وحياته. 
شخصية خديجة المجاهدة العجوز التي ترتكز على العصا وهذا راجع لإصابة ساقها إثر انفجار لغم وهو الذي أودى بحياة الشهيد مصطفى كما تعكسه المسرحية. هي تلك المرأة الشجاعة التي تربط الماضي بالحاضر وهذا ما كان سببا لبكائها المتواصل عند ذلك النصب التذكاري لمقام الشهداء، ماسحة بمنديلها تلك الأسماء المسجلة على رخامة وكأنها تنفض غبار النسيان عنهم، وهي تغني كالواقف على الأطلال. 
شخصية المسعي وهو والد شهيد آخر كعمي العابد لكن حصوله على امتيازات المنحة كوالد شهيد غيرت نظرته للواقع المرير الذي يعيشه سكان القرية. رغم تعلقه بذكرى ابنه الشهيد إلا أنه ظل يائسا من فكرة عودته يوما ما على عكس عمي العابد.
شخصية خليفة تعبث بالاشمئزاز إلى حد كبير لدى المتفرج كونه لم يعايش أحداث الثورة التحريرية كالكثير من أبناء جيل زمن السرعة في أيامنا هذه، إلا أن مركزه كمسئول في البلدية جعله يستغل مكانته ومنصبه ليكون مستبدا واستغلاليا لجملة من العمال وكذلك خديجة هي الأخرى لم تسلم من جبروته واستفزازه المتواصل.    
ما يمكن قوله في الختام، هو أن رجل المسرح الجزائري بن قطاف استطاع ببراعة مطلقة تحويل النص القصصي لوطار الذي نجده بدورنا فنيا أحادي الدلالة السردية ليصبح خطابا مسرحيا مكثفا متعدد الرموز والدلالات لكي يفتح المجال أمام عشاق الخشبة للوقوف أمام حالة إنسانية دونكيشوتية تنقل معنى التضحية بالنفس والنفيس من أجل الوطن.

*كاتب وناقد جزائري

استراليا: يجب عدم معاقبة العائلات المسلمة التي تقدم المساعدة للشباب الذين يواجهون المشاكل/ ترجمة:عباس علي مراد

لا شك ان اعتقال اثنين من المراهقين في سدني أثبت مدى جدارة وأهمية ما تقوم به الشرطة والأجهزة الأمنية في إجهاض الخطط الإرهابية المفترضة.
أظهرت عملية الإعتقال نجاح الأجهزة المشاركة حيث لم يتعرض للأذى أي عنصر من الشرطة أو أبناء المجتمع ِأو المعتقلين.
من المؤسف أن لا تحقق جهودنا بعد الإعتقال نفس مستوى النجاح لمحاربة التطرف كنجاح التحريات السابقة لعمليات الاعتقال.
ذكرت وسائل الإعلام أن هناك شبكة من المتطرفين على علاقة بالمراهقين الضالعين في آخر مؤامرة مفترضة وهذا ما تركز عليه التحقيقات حيث تحاول السلطات التأكد إذا ما كان هناك أية روابط بين المعتقلين وأشخاص يدعمون الإرهاب.
تعي الشرطة والأجهزة الأمنية أن التحقيقات التي تقوم بها تنفّر الجالية الإسلامية، حيث تتم تلك التحقيقات بجوّ من انعدام الثقة الكبير بين الأجهزة الأمنية والجالية الإسلامية على الرغم من أن الرسالة لا لبس فيها بأن الشرطة تحقق بقضايا جرائم جنائية وليس مع عائلات أو جالية أو دين.
إن الإتجاه نحو التطرف هو مسألة شخصية، ولكن هناك قاسم مشترك وعوامل مؤثرة تتأتى من أمور مثل العزلة، الحرمان، الإبتعاد عن المجتمع والصحة النفسية للشخص.
لقد تمّ انتقاد عائلات وأصدقاء الشابَّيْن المتّهَمَيْن بأنهم مسلمين محافظين، لكن أن تكون مسلماً محافظاً لا يحوّلك إلى متطرف وعنيف أو إرهابي، وهنا يجب على الشرطة والأجهزة الأمنية وأبناء المجتمع ووسائل الإعلام عدم الخلط بين الممارسات الدينية المحافظة مع العنف والتطرف.
عندما وقفت جيل هيكسون ران زوجة رئيس ولاية نيوسوث ويلز الأسبق نيفل ران إلى جانب ابنتها هاريت بعد أن أدينت بتهمة المشاركة في جريمة قتل وسرقة، لم يكن هناك أي نوع من الإنتقاد أو الغضب الشعبي لأن هذا ما يفعله الأهل بشكل تلقائي.
لكن تجربة عائلات وأصدقاء الأشخاص المتهمين بالإرهاب مختلفة واعتبر حبهم لأولادهم على أنه دعم ضمنيّ للإرهاب، وتقريباً هذا غير صحيح على كل حال.
على مدى خمسة عشر عاماً كانت هناك أصوات تنتقد الجالية الإسلامية لأنها لا تدين بشكل علني الإرهاب بعد أي عملية إرهاب أو اعتقال أي من المشتبه بهم، وهناك من يجادل بأن عدم تنديد المسلمين بعمليات الإرهاب بأنهم يدعمون العنف والتطرف، وهذا ما بُنِيَ على مغالطة بأن المسلمين يدعمون الإرهاب.
ولكن المفاجأة أن عائلات وأصدقاء المشتبه بهم يقولون أن أبناء الجالية المسلمة تخلّوا عنهم ويديرون لهم الظهر، وهناك العديد من المسلمين الأستراليين وغيرهم من أبناء المجتمع الأوسع قد يرحبون بهكذا تصرّف.
لكن هذا ما يساعد الجماعات الإرهابية، حيث يتمّ عزل المجنّدين المحتملين عن شبكات الدعم في المجتمع، وهذا التصرّف يعزز لدعاية الجماعات المتطرفة بأن الغرب يضطهد المسلمين، وهذا ما يعزز أيضاً نظرية معاملة المسلمين الأستراليين من وجهة نظر أمنية فقط حيث ينظر إلى النشاطات والأعمال الخيرية على أنها أعمال مثيرة للشبهة.
هناك البعض من المسلمين الأستراليين الذي يحاولون كسر دوامة الإعتقال والعزلة. 
يجب دعم المسلمين الذي زاروا عائلات المتهمين بالإرهاب مؤخراً في سدني. لأن هذا التواصل يلعب دوراً مهماً في الحدّ من الاتجاه نحو التطرف ويجب أيضاً عدم النظر إلى الجهود لمساعدة العائلات التي تعاني من الحزن والقلق والعزلة على أنه دعم للإرهاب.
إن الأشخاص الذين يدعمون العائلات المعرّضة للعزلة يحب دعمهم من خلال تدريبهم وإرشادهم للحصول على الخدمات الحكومية المتعلقة بالسلامة الشخصية والصحية النفسية والإرشاد للتغلب على مشاكلهم.
ينبغي على حكومة تيرنبول أن تأخذ بعين الإعتبار أذا كانت برامج التماسك الإجتماعي تقوّض بطريقة لا داعي لها جهود محاربة التطرف والعنف، حيث يبدو وبشكل واضح أنها مرتبطة مع الشرطة والأجهزة الأمنية الوطنية.
إذا ما ثبت أن الشابين المتّهمين مذنبان، فأنه من المرجح أن يمضوا فترة طويلة في السجن وهذا ما سيكون له تأثير مدمّر على حياتهما وحياة عائلتيهما، أما في حال تبرئتهما فيبدو أن التهمة سوف تلاحقهما مثل قصة قابيل وتشكّل وصمة لهما بين أبناء الجالية المسلمة والمجتمع الأسترالي بشكل عام تلاحقهما حتى مرحلة الرشد.
وهذا ما يشكّل مأساة لنا جميعاً خصوصاً إذا لم نغيّر أسلوبنا بعد الإعتقال ونعزز جهودنا لمحاربة العنف والتطرف حيث من المحتمل أن نشهد المزيد من المآىسي.
د. جون كوني (رئيس معهد السياسية الاستراتيجية وأمن الحدود الأسترالي.)
لاديا شيلي (محامية وناشطة أجتماعية.)
المقال من صحيفة سدني مورنيغ هيرالد 24/10/2016 صفحة 16 النسخة الورقية.
ملاحظة من المترجم أن العنوان والمقالة على الموقع الإلكتروني للصحيفة مختلفين بعض الشيء عن عنوانها ومضمونها على النسخة الورقية.
ترجمة: عباس علي مراد

شبكة العروس بالإيجار/ أشرف حلمى


فى ظل الأزمة الإقتصادية والظروف المعيشية الصعبة التى تمر بها البلاد الان بسبب إنخفاض قيمة العملة المحلية امام العملات الاخرى وأدت الى عواقب وخيمة اثرت على العديد من أبناء الشعب المصرى خاصة ارتفاع الاسعار وعدم استقرارها مما القى بظلالها على الشباب المقبل على الزواج نتيجة التكاليف الباهظة لتأسيس عش الزوجية ومراسم العرس وقد يؤدى الى إلغائها او تأجيلها وتترك أثاراً سلبية على الشباب وإرتفاع نسب العنوسة لذا علينا ان نفكر بجدية عن  بعض الطرق العملية وبنظرة مستقبلية لمواجهة المخاطر الناتجة عنها التى قد تعصف بمشاريع الزواج .
فالشباب والشابات كلاهما يحلمان بليلة العرس وجعلها ليلة من الف ليله وليله ولكن عندما تقف الظروف حائلاً أمامها فلابد من مواجهاتها بطرق تواكب الأزمات وكل منهما حسب الإمكانيات المتاحة امامة فهناك عدة أمور ممكن معالجتها بطرق جديدة فسأطرح عليكم عدد من الأقتراحات التى قد تساهم فى حل تلك المشكلات لمن يقبل بها على ان يكونا الطرفان متفاهمان ومستعدان ان يقدما بعض التنازلات لبعضهما البعض بعيداً عن المظاهر وحب الذات وذلك للوصول الى الهدف ومنها.
 أولاً :  الشقة من المعروف ان الشباب لا يستطيع التقدم للزواج دون ان يكون لديه حل جذرى لأزمة الشقق لانه الطرف الذى يبدأ بمرحلة الخطوبة لذا على الطرف الآخر ان يشارك ويقبل بأى  وضع كى ما يتم الزواج ولا يضع مساحة ومكان الشقة ومواصفات عقبة تقف أمامهما .
ثانياً :  الأساس وهو من الأمور التى يتفق عليها الطرفان  فمن الممكن التوفير فى الأسعار وذلك بعدم الإنزلاق نحو شراء الغرف الكاملة ولكن يمكن تجميعها او الاستغناء عن اجزاء منها فعلى سبيل المثال يمكن الاستغناء عن الدولاب والسراحة بغرف النوم واستبدالهما بدولاب فى الحائط ذو أبواب جرارة متحركة ومصنعة من المرايات او شرائها جاهزة مع السرير والكومدينوهات كذلك حجرة السفرة يمكن الاكتفاء بترابيزة  وكراسي فقط والصالون حسب الإمكانيات أيضاً.
ثالثاً : الكماليات  أصبحت فى زمننا هذا من الأساسيات التى لايمكن الاستغناء عنها ولكن يمكن ان يبدأ مشروع الزواج بالأهم وشرائها فى حدود الإمكانيات المتاحة  أولاً وتأجيل الباقى مستقبلاً  حين تسمح الظروف .
رابعاً الشبكة : موضوع كبير وحيوى جعلته آخر نقطة لان إرتفاع أسعار الذهب والتى تخطت ال ٦٠٠ جنية للجرام الواحد إضافة الى الضريبة والمصنعية أثرت بشكل كبير على كل من التاجر والمستهلك وأدت الى ركود أسواق هذا المعدن الأصفر فالخطوبة هى أولى مراحل الزواج ولابد من شراء الدبل اهم عنصر ولا مفر من شرائها لانها الأساس اما الباقى فهو ايضاً بحسب إمكانيات الزوج بالإتفاق مع العروس ولكن قد يعجز البعض فى تدبير الأموال اللازمة لشراء ما يلزم مما قد يصيب شباب اليوم بالإحباط وعدم التفكير فى الزواج ولكن لا شئ مستحيل اذا اقتنع الإنسان بالحلول البديلة وتغيرت المفاهيم والعادات والتقاليد ومنها على سبيل المثال 
١ - الإستعارة وفيها يمكن للعروس ان تستعير ما يلزمها من مجوهرات من بعض أقاربها او أصدقائها التى تربطتهما علاقات قوية مبنية على الثقة الكاملة والمحبة كما يحدث فى بعض الأوقات مع فساتين  الزفاف لحين إتمام الهدف من الإستعارة .
٢ - الإيجار وهذا الحل هو أساس الموضوع الذي أود الحديث عنه لانه يتناول فئه تجار المجوهرات ايضاً الذين تأثرت تجارتهم بارتفاع أسعار الذهب مما قد يساهم فى إنعاش أسواقهم وذلك بتخصيص بعض من المشغولات الذهبية للإيجار فقط وفيها يبرم التاجر عقد إيجار بينه وبين المستأجر لفترة لا تتعدى اليوميين وفيها يدفع فيها المستأجر ثمن الذهب بالكامل على ان يقوم باسترجاع القيمة المدفوعة مخصوم منها قيمة الإيجار والتى هى عبارة عن جزء لا يتعدى ٣٠٪‏ من قيمة المصنعية عن كل جرام وذلك كى ما يضمن التاجر مستحقاته .
وفكرة الإيجار هذه مستمدة من الخارج فهناك محلات متخصصة لإيجار فساتين وبدل الزفاف للعروسين وايضاً لأصدقائهما والتى يمكن ايضاً ان  يستعين بها المصريين فى مناسباتهم فلا نستغرب مشروع ايجار الشبكة بعد ان وصل اسعارها الى مبالغ تعادل ثمن السيارات فكما هناك مكاتب تخصصت فى إيجار السيارات فهل سنرى قريباً لافتات وواجهات محلات مكتوب عليها شبكة العروس بالإيجار ؟ .