فارسُ قَلَمٍ... جوادٌ مِنَ البَحْرْ/ محمود كعوش

يومَ التقاها بعدَ غيابٍ طالَ قليلاً وشوقٍ زادَ كثيراً بادرَها بالتَحِيَّةِ والسَلامِ، وضمَها بلَهْفَةٍ لَمْ تقلْ عَنْ لَهْفتِها إليهِ وإلى لُقياهِ، ثم عاجلَها ببَثِ لواعجِ فؤادِهِ المُتَيَمِ مِنْ خِلالِ قصيدَةٍ غزليةٍ قصيرة كتبَها خِصْيصاً لَها وبَثها هَمْساً في أذنها قائلاً: 
 يا خَلِيَّ مَهْلاً عَلَيَ وصبراً 
ووافي مُحِباً إليكَ حَضَرْ

وِصالُكِ عِندي لَعَمْرِي ثَمِينٌ
يوازي حياتِي وكُلَ العِبَرْ

فهيا تداني لصدرِ حبيبٍ
إليكِ يَهِمُ لِقَطْفِ الثمَرْ

أنا هو من دعاني جارُ القمرْ 
مِنَ الْجِنِ أبْهى وكُلِ البَشرْ

رماني برمشٍ فهامَ فؤادي
وزرتُ بطيفي زمانَ السَحَرْ

ولم يخشَ عيناً ولا خافَ لَوْمّاً
تَبَدَّى خفيفاً قليلَ الْحَذَرْ

أما وقد دَعَوْتِ فؤاداً نقيَّاً 
فَلَبَى حثيثاً وخاضَ الْغُمرْ

لِقاؤكِ عندي يُوازي لَعَمْرِي
جِنانَ حياتِي وكُلَ الدُرَرْ

فورَ انتهائِهِ مِنْ بَثِ القصيدةِ في أذنها وإثارةِ الدفءِ في مفاصِلِ جسَدِها، بادَرَتْهُ بنَشْوَةٍ غامِرَةٍ وسعادةٍ عامِرَةٍ قائِلَة:
يا لحروفِكَ وكلماتِكَ ما أروعها وما أشجاها، يا سيدَ البديعِ والبيان، 
ويا لِطيبِ وقعِها على القلبِ والروحِ، يا سيدَ الزمانِ والمكان، 
فهي تعزفُ على أوتارهما سيمفونياتٍ من عصرِ الأصالةِ، وكُلِ حينٍ وأوان، 
تعزفُ سيمفونيات بتهوفن، وموزارت، وشتراوس، وشوبان، وشوبارت، وباخ، وبراهامز، وفيفالدي، وخاشاتوريان، وموسورغسكي، وأرنسكي، وروسيني، ورمسكي كوساكوف، وإدوارد جريج!!
وتنقرُ على دفوفِ شغافِ القلبِ أطيبَ وأعذبَ النغماتِ والألحان، 
وتشاركُ الروحَ رقصةَ البطريق، 
وتوقظُ الفينيقَ مِنْ سُباتهِ العميق، 
وتنشدُ للقلبِ والروحِ أنشودةَ الأملِ، والتفاؤلِ، والسعدِ، والسعادةِ، والهناء،
وتستدعي الطيورَ لتشدو فوق الغصون والأفنان، 
دمتَ يا سيدَ القلبِ بكلِ هذا التميزِ، والألقِ، والتوهجِ، والإباء، 
ودمتَ بجمالِ القلبِ، والروحِ، وكُلِ هذا السخاء،
لا يوجدُ حرفٌ مكتوبٌ هنا إلا واستدفأ بحروفهِ جوادٌ مِنَ البحر، 
وجادَ بهِ فارسُ قلمٍ من ذاك العصر،
عصر العظماءِ، والمجدِ، والخلود،
فارسٌ جميلٌ كفراشةِ لا تحُطُ لا على رحيقِ الورود والأزهار،
أصيلٌ يؤمِنُ بحكمةِ العطاءِ لذاتِ العطاءِ والإيثار،
لَبِقٌ بحديثِهِ، هادئٌ بحواراتِه،
جياشُ المشاعرِ، مُتعمقٌ بنظراتِه،
مرهفُ الأحاسيسِ، رصينٌ بتصرفاتِه،
صادقٌ بوعودِهِ، أمينٌ بتعهداتِه،
فارسٌ يزرع في كلِ موضوعٍ عبرةً أو حكمةً رائعةً، تكون بالتأكيدِ من شهدِ الكلامِ، 
لا بَلْ مِنْ دُرَرِهِ وداناتِه،
فارسٌ ينثُرُ مِنْ عِطرِ روحهِ الأخاذِ حيث كانت قِبْلته، 
وحيثما جلسَ، وذهبَ، وولى وجهَه، وحيثما كانت وجهته، 
ذاكَ هو أنتَ يا أنتَ، ولا أحدٌ إلا أنت،
ذاكَ هو أنتَ يا فارسَ القلمِ ويا سيدَ الحروفِ والكلمات،
ذاكَ هو أنتَ، 
جوادٌ مِنَ البحرِ،
وفارسُ قلمٍ نَدَرَ مثيلُهُ، وقَلَّ نظيرُه، 
فأنتَ هكذا،
وروحُكَ هكذا،
بكلِ صدقٍ أيها الأجمل، والأنقى دوماً!! 
صباحُ ومساءُ السعدِ والسعادةِ والهناءِ، هو صباحُكَ ومساؤك،
صباحُ و مساءُ الإبداعِ ،والهمسِ الدافئِ، واللطيفِ، والرّقيق، والزاخرِ بعذب الكلام،
صباحُ ومساءُ الخزامى، والأزاهيرِ الرّائعة،
صباحٌ باسمً بالأملِ والتفاؤلِ، ومعطرٌ بالحبِ، والشوقِ، والوفاءِ، وفاخرِ العطور،
ومساءٌ رائعٌ لأوقاتٍ فياضةٍ بالأُنسِ، والجمالِ، والطمأنينة، 
صباحُكَ ياسمينُ دمشقيٌ، وأكثرُ كثيراً كثيرا،
ومساؤكَ ياسمينٌ تونسيٌ، وأكثرُ كثيراً كثيرا!!
صباحُكَ ومساؤكَ ياسمينٌ عربيٌ صافٍ كبياض الثلجِ، وأكثر كثيراً كثيرا!!
ذاتُ الحُبِ، وكلُ الشوق!!
كُنْ بحبٍ كثيرٍ يليقُ بكلِ الجمالِ، 
يليقُ بكَ أنتْ، 
أنتَ فقط، يا سيدَ القلب!!
ودي وورودي وأزاهيري.
أشتاقكَ، كم أشتاقك!!
سلمتَ لقلبي بقدرِ كلِ هذا العطاءِ، والذكاءِ، والبهاء،  
وكلِ هذا النقاءِ، والضياءِ، والصفاء!! 
ما أروعكَ، ما أروعك !!

محمود كعوش
كاتب وشاعر من فلسطين
kawashmahmoud@yahoo.co.uk


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق