همسة فى أذن النظام/ إيمان حجازى

زمان وإحنا صغيرين ِ فى مرحلة التعليم الإبتدائى ِ كانو يجمعون منا فى المدرسة #تبرعات ِ كانت تبرعات طفولية جدا ولكنها كانت مؤثرةِ ليست كقيمة مادية وإنما كقيمة معنوية  ِ كانت تجعلنا نحكى بأننا ِ على صغر سننا وضعف إرادتنا وكياننا الواهى المضمحل ِ إتبرعنا للجيش ِ لمعونة الشتاء ِ لمتضررى الحروب ِ ولمرضى شلل الأطفال ....الخ
كان هذا التبرع على ضآلته يرسخ فى النفوس الإرتباط بمكونات الوطن ِ ويفتح فى العقل الباب للأسئلة ِ لماذا أتخلى عن جزء من مصروفى اليومى الصغير بالطبع !؟ ولمن !؟ وكيف سينتفع به الشخص الذى تم التبرع له !؟ وبالأساس ما هى حكاية هذا المتبرع لأجله !؟

ولكن لم يكن الموضوع يقف عند حد الإتجاه الواحد ِ بمعنى أننا كصغار لم نكن نعطى فقط ِ ولكن كانت إدارة المدرسة ومن ورائها عديد من الجهات حتى نصل الى الوزارة يعملون جاهدين حتى يشعرون من تبرع بأهميته ِ وبأن هناك من يهتم به أيضا .
فكانت تعقد المسابقات العلمية والفنية والرياضية على مستوى المحافظات ِ وكذلك الندوات واللقاءات على مستوى أقل داخل المحافظة الواحدة ِ وهى التى سبقتها بالتأكيد مراحل تنافسية وتصفيات بين الفصول والمراحل التعليمية المختلفة .
وكانت تخصص جوائز عينية ِ بالطبع ِ للفائزين .
وبهذا يشعر التلميذ بأهميته بالنسبة لمدرسته ومحافظته بل وبلده ِ وهو أيضا يترسخ فى ذاكرته إرتباطه بكل هذه العناصر التى تشكل شخصيته وتكون روابط وثيقة بينه وبين محيطه فى البيت والمدرسة والحى.

وكان لدروس القراءة التى تحوى العديد من التوجهات الحميدة مثل إحترام الكبير والحنو على الصغير ِ مثل الحفاظ على النظافة فى المظهر العام والملبس والمأكل والمكان والأدوات ِ حتى فى إستخدام الممحاة كان لنا طريقة ونهج مميز ِ مثل فضيلة الإنصات وحسن إستقبال النصيحة وطريقة المداخلات وإختيار الألفاظ .

هكذا كان الفكر السائد ِ الذى ربى لدينا حب هذا الوطن وحرصنا عليه النابع من حبه لنا وحرصه علينا .

ولكن بعد مرور سنوات وعقود ِ لم ندر كيف تحول بنا الحال الى هذا التجهيل ِ جهلنا وطننا وتجاهلنا أولادنا ِ فكان لزاما أن يبتعد عنا الأطفال ِ الذين كبرو فى غفلة منا ِ والذين إتخذو من الميديا قدوة بديلا عنا ِ حتى أنهم صارو يطالبوننا بحقوق لم نقرها أو ربما تناسيناها ِ صارو يحدثوننا بصيغة الندية فليس لنا حق عليهم ِ حتى لو إحتججنا بحق الأبوة ِ فهى ليست فضيلة ولكنها الغريزة التى تجعلهم منا ِ ليس لنا فضل فيها ِ هو حب البقاء ِ هى الرغبة فى الحياة وإثبات الذات ِ والتأكيد على الفحولة والأنوثة التى أمست شغلنا الشاغل ِ فإتجهنا رجالا للفياجرا ونساءا لعمليات التجميل ِ كلنا نبغى ألا يمر بنا العمر ِ ألا تأفل شمسنا ِ وأهملنا واجباتنا فى التربية . فساء النشأ وفسد الحصاد .
وما أصاب الأسرة كوحدة أصاب البلد ِ فصار التعليم عبئ عليها ِ ومناهجه تعانى الشيخوخة وكثرة الدخول لغرف الإنعاش
وما أصاب التعليم ذهبت عدواه سريعا الى الطب والزراعة فالتجارة ِ ثم لحقت بالدين
وأصبحنا مجتمعا مريضا كهلا لا يقدر على شئ ِ بل هو كل على مولاه كلما وجهه لا يأتى بخير .
كل ما يفكر فيه كلما عن له الإصلاح كفكرة ِ هو الإستجداء ِ داخليا أو خارجيا , ناسيا أو متناسيا طبيعة البشر التى جبل على الأخذ لا العطاء .
ناسيا أو متناسيا ضرورة غرس روح الإنتماء فى النفوس ِ ضرورة إقناع العقول بجدوى وأهمية ما يطلبه منهم وما يستوجب عليهم فعله .

والرأى عندى أن يعاود النظام النظر فيما يفعل ِ وأن يخطط بجدية للغد
فخطط اليوم لليوم لا تثمن ولا تغنى من جوع .

على النظام أن يعيد بناء روح الإنسان المنتمية للوطن ِ المستشعرة كل الحب وكل الولاء له وكل الرغبة فى بنائه .
حتى إذا ما جاء الوقت وفار التنور وعلا صوت المنادى حى على الفلاح ِ يجد الوطن من يزود عنه ويفديه بكل ما هو غال ِ حتى لا نظل نعان من التخوين والخيانات وحتى يصعب على العدو الرابض هنا وهناك أن يستقطب بعضنا يستعمله ضدنا . وحتى لا تطول بنا الحياة ونحن نفقد كل يوم روح جديد وأصابع الإتهام تشير إلينا أيضا .

ألا هل بلغت اللهم فأشهد.....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق