عادت إلى واجهة الحدث السياسي وبقوة قضية تشريع زواج المثليين في أستراليا بعد قرار حزب العمال التصويت ضد مشروع الحكومة لإجراء إستفتاء غير ملزم كانت الحكومة تنوي إجراءه وبكلفة 160 مليون دولار، على الرغم من ذلك تنوي الحكومة عرض الموضوع على مجلس الشيوخ لمناقشته.
حزب العمال برّر قراره بما قد تتركه الحملة الدعائية للإستفتاء على الصحة النفسية للمثليين وعائلاتهم بالإضافة إلى الكلفة المادية، ودعى الحزب الحكومة إلى إقرار تعديل قانون الزواج في البرلمان الذي يملك صلاحيات تعديل القانون دون العودة إلى الناخبين، ويعتقد حزب العمال إن عدم إقرار زواج المثليين يظهر إن استراليا بلد متخلف!
رئيس الوزراء الفيدرالي مالكوم تيرنبول والذي يؤيد شخصياً تعديل القانون كان قد قال انه سوف يصوّت لصالح التعديل في الإستفتاء ما زال يواجه مأزقاً سياسياً داخل حزبه (الأحرار) ومع الحزب الوطني حليفه في البرلمان والحكومة، حيث أصبح من المعلوم أن هناك صفقة سياسية تعهّد رئيس الوزراء بموجبها بعدم التراجع عن الإستفتاء مقابل حصوله على دعم جناح المحافظين في حزب الأحرار للإطاحة بغريمه السياسي رئيس الوزراء السابق طوني أبوت المحافظ في أيلول من العام الماضي 2015 والذي كانت حكومته قد أقرت إجراء الإستفتاء.
إذن، رئيس الوزراء أمام خيارين أحلاهما مرّ، إما العمل بقناعته ويطرح مشروع التعديل على البرلمان ويخسر منصبه لأن أصوات بعض النواب المحافظين المتشددين من الحزب الوطني وحزب الاحرار الذي يترأسه بدأت تعلو وتهدد بسحب تأييدها لبقائه في منصبه (مايكل سكر -أحرار- أندرو برود - الحزب الوطني) أو يلتزم بإجراء الإستفتاء ويخسر من رصيده السياسي أمام الناخبين الذين كانوا يعوّلون عليه لإجراء الإصلاحات المطلوبة خصوصاً فيما يتعلّق بالإصلاح الضريبي والتغييرات المناخية وزواج المثليين بسبب إفكاره الليبرالية، ويشار هنا إلى أن رئيس الوزراء كان قد تراجع عن الإصلاح الضريبي والتزم سياسة سلفه طوني ابوت فيما يتعلّق بالتغييرات المناخية والذي كان قد إلغى الضريبة على الكربون التي كانت قد أقرّتها حكومة جوليا غيلارد العمالية، في ما يعتقد انه جزءاً من الصفقة السياسية مع جناح المحافظين.
الحكومة التي تملك الأكثرية بمقعد واحد في مجلس النواب بحاجة إلى تسعة أصوات من أصل 11 صوت للنواب المستقلين والكتل الصغيرة في مجلس الشيوخ لتمرير مشاريع القوانين تحاول إدخال بعض التعديلات على مشروع قانون الإستفتاء حول زواج المثليين حيث أعلن وزير التعليم الفيدرالي سايمن بيرمينغهام أن الحكومة ستترك الباب مفتوحاً لمناقشة حل وسط يرضي جميع الأطراف.
ينصّ مشروع القرار لتعديل قانون الزواج الذي تنوي الحكومة تقديمه للبرلمان في حال نجاج الإستفتاء على أن الزواج هو رباط بين شخصين وليس كما هو حالياً بين رجل وإمرأة ويمنح القانون المعدّل الحق لرجال الدين برفض عقد قران زواج المثليين ومباركته.
بعد الذي تقدّم يتّضح أن الإصطفاف السياسي قد وضع تعديل قانون الزواج أمام حائط مسدود، حيث الأحرار والوطني يصرّان على إجراء الإستفتاء ويقف إلى يمينهم بعض الكتل النيابية الصغيرة (أمة واحدة والتي تطالب بتأجيل الإستفتاء حتى إنتخابات العام 2019). وهناك بعض المؤسسات الإجتماعية والدينية التي تعارض التعديل بالمطلق ووجدت في موقف وقرار حزب العمال فرصة لكسب المزيد من الوقت لتعبئة الرأي العام ضد التغيير، وهذا ما عبّر عنه المدير العام للوبي الأسترالي المسيحي لايلي شيلتون الذي شكر زعيم المعارضة العمالية بيل شورتن لأنه لعب دوراً مهماً ومفيداً لتنفيذ خطة اللوبي لمنع زواج المثليين، وهذا ما يتخوّف منه بالفعل حزب العمال ومن يصطف معه كحزب الخضر وكتلة النائب نيك زينافون والنائب المستقل دارين هينش حيث تستعد الكنائس والمؤسسات الدينية الأخرى للجاليات الإثنية لحملة دعائية قوية لمعارضة التشريع المقترح وحث إتباعها للتصويت ب "لا" للإستفتاء.
والجدير ذكره أن الجالية الصينية كانت قد رفعت عريضة وقّعها أكثر من سبعة عشر ألف مواطن من خلفيات صينية إلى برلمان ولاية نثوسوث ويلز تعارض برنامج المدارس الآمنة الذي يسمح بتعليم حقوق المثليين في مدارس الولاية.
وعلى صعيد الجالية العربية، أطق التجمّع المسيحي الأسترالي حملة ضد محاولة تمرير تعديل قانون الزواج دون العودة إلى الشعب، وكانت مجموعة من المطارنة والمشايخ من الجالية العربية قد أصدروا بياناً مشتركاً يعارضون فيه تعديل قانون الزواج وحثّوا رعاياهم على التصويت ب "لا" في حال تمّ إجراء الإستفتاء.
أخيراً، يبدو أنه في ظل أجواء الإنقسام وإنسداد الأفق السياسي، بدأ الأفرقاء إعداد العدة لكيفية مقاربة الموضوع في الإنتخابات القادمة وإحتساب الأرباح والخسائر السياسية المتوقعة رغم تفاؤل زعيم المعارضة العمالية بأن البرلمان الحالي سوف يصوّت لصالح تعديل قانون الزواج وهذا ما شككت به صحيفة ذي سدني مورنيغ هيرالد في افتتاحيتها الخميس 13/10/2016 علماً أن الصحيفة تؤيد تعديل القانون لتشريع زواج المثليين.
هنا، نرى، فمن خلال مراقبة العملية السياسية في البلاد، وبسبب عدم وجود قيادة سياسية تلتزم بالمبادئ أقله خلال العشر سنوات الأخيرة، فإنما يصحّ سياسياً اليوم قد لا يصحّ غداً وخير دليل على ذلك الإنقلابات السياسية التي حصلت داخل الحزبين الكبيرين (عمال وأحرار) على رؤساء الوزراء حيث تناوب خمسة رؤساء للوزراء على المنصب خلال العقد الأخير.
وهذ ما يخشاه رئيس الوزراء مالكوم تيرنبول ويتخوف من ان الحزب قد يعيد الكره ويطيح به كما فعل به سابقاً عندما كان زعيماً للمعارضة عام (2009) لمحاولته التعاون مع حكومة العمال لإقرار خطة محاربة الاحتباس الحراري وفرض ضريبة الكربون.
سدني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق