رحل مساء يوم السبت الماضي عن عالمنا دون استئذان الفنان العربي العملاق محمود عبد العزيز ( الملقب بساحر الشاشة)؛ بموته غارت الينابيع في الأرض ويبست عروقها.
الحق الحق أقول لكم أنني لم اشاهد الراحل الكبير سوى في التلفاز ، لكن علاقة روحيّة ربطتني به عَبرَ فنه، بحيث أشعل موته عود ثقاب في قلبي الذي يتلظى بنيران رحيله.
عرفته من خلال احاديث والدي رحمه الله، وشاهدتُه للمرّة الأوّلى في المسلسل المصري الشهير "رأفت الهجان" عَبرَ تلفزيون العراق في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، ومنذ تلك الفترة دخل قلبي دون أن يخرج وصرت من متابعيه. فهو فنانٌ ملتزمٌ بفنه واسمه على الساحة الفنيّة المصريّة والعربيّة إن لم أقلّ العالميّة بعد فوزه بأكثر من جائزة في مهرجانات كان العالميّة بفرنسا،
نحتَ اسمه بالصخر، ونقش فنه الجميل في ذاكرة البشر، فأسر العقول والقلوب، وأصبح واحدًا من أولئك الفنانين الكبار الذين يتمتعون بقاعدةٍ عريضةٍ من جمهور الرّجال والنساء من مختلف الأعمار، بعد أن أمسى من الأسماء المرموقة التي تحظى بقيمة إنسانيّة كبيرة.
كان النجم الوضاء أحد المهمومين بالإنسان المصري وبمصر، والمهمومون بمثل هذه القضايا مبدعون، لكنهم مُتعبون، والمتعبون هم الفنانون والعلماء والشعراء والأدباء والمصلحون... ، لأنهم يفكّرون في كلّ شيء يهمّ الإنسان ويدور في صالح الإنسانيّة.
لقد عايش الهمّ المصري من تِلكَ الغرفة الصغيرة في مشفى الصفا بمصر/ حي المهندسين، ويلحظ القارئ أن مصر شغلت حيزًا كبيرًا وواسعًا من فنه؛ فمن منّا ينسى :" رأفت الهجان، محمود المصري، باب الخلق، الكيت كات، رأس الغول..."، وكيف لا!، وهو صاحب عبارة "خلو بالكم من مصر"، فقد عرفتُ من خلال اعماله الفنيّة كم هو مهموم بشأن بلاده، بشكلٍ أثر على حالته النّفسيّة والصحيّة. ومن يتطلع مليًا إلى افلامه ومسلسلاته ولقائته حتمًا سيلحظ إشارات ضوء تُبدد ظلمات التعصب وتفك قيود القهر وتفتح الأبواب أمام إنسان جديد في زمنٍ ترهلت فيه قيمة الإنسان في المجتمع المصري.
ذلك هو الفنان العالمي محمود عبد العزيز، الذي هوى، وذلك هو الفارس الذي ترجّل دون سابق انذار بعد صراع مع المرض لم يمهله سوى شهرا! حقًا تبًا للموت الذي أقنع محمود عبد العزيز بالذهاب معه قبل آوانه!
برحيله فقدَت مصر أمُّ الدنيا واحدًا من عباقرة الفن ورّجال الإنسانيّة الجهابذة، في وقتٍ عزَّ فيه وجودهم وتوارت اسماؤهم، لكن مصر ستبقى أرضًا للإبداع، لأنها وطنٌ خلاّقٌ وولادة كما يقال.
لقد فارق محمود عبد العزيز فناني المفضل الذي أُحب هذه الدنيا عن عمرٍ ناهز الـ70 عامًا إلى العالم الآخر حيث لا يعود الناس، لكنه سيبقى ماكثًا في قلوب الجماهير، فالمبدع لا يموت، ومحمود عبد العزيز من أولئك المبدعين الخالدين، وما الخلود؟ سوى أنّ يمرّ المرء بالوجود فيترك أثرًا عميقًا فيه، وبقدر ما يكون حجم الأثر وكثافته ونوعيته بقدر ذلك سيكون حجم خلوده في قلوب الناس.
محمود عبد العزيز شخصية مبدعة ستبقى في قلبي وصلاتي طوال ما حييت. وسيظلّ جمهور الأسطورة محمود عبد العزيز وكلّ العاملين معه يتذكرونه بالخير طويلاً، لأنه خالد في نفوسهم وفي تاريخ الفن، كما سيقى اسمه منقوشًا في القلوب وعلى صخرة ألإبداع ، لأنه علامة مضيئة في إنسانيته التي جسّدها بفنه العريق.
لنصلَّ من أجله ليشمله الرب بملكوته البهي. عليه رحمة الله. آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق