أستراليا، حكومة تيرنبول، الإفلاس الأخلاقي والعقم السياسي/ عباس علي مراد

يعتقد رئيس الوزراء الفيدرالي مالكوم تيرنبول أن هناك تشابهاً بينه وبين الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، حيث أن كلاهما جاءا إلى السياسة من خلفية غير سياسية كرجال أعمال وإن مقاربتهما لمشاكل بلديهما والعالم هي مقاربة براغماتية.
إلى ذلك، لم يعد المرء بحاجة إلى ميكروسكوب سياسي ليدرك حجم المشاكل التي تعاني منها حكومة تيرنبول العاجزة عن الحكم بسبب العقم السياسي، وتراكم العديد من المشاكل المتآتية من تردد الحكومة وخصوصاً رئيسها "البراغماتي" وعدم وجود رؤيا سياسية واضحة للبلاد على المستوى الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والبيئي رغم توقيع أستراليا الأسبوع الماضي على إتفاقية باريس للتغييرات المناخية.
إن استمرار الحكومة في التلهّي بالقشور السياسية وملاحقة قضايا لا تسمن ولا تغني من جوع على حساب معالجة القضايا الإقتصادية والإجتماعية والضريبية الملحّة، علماً أن الحكومة حلّت مجلسي النواب والشيوخ وذهبت إلى انتخابات مبكرة في 2 تموز الماضي ورفعت لحملتها الانتخابية شعار "النمو والوظائف"، ومن المعروف أيضاً أن تيرنبول أطلق على حكومته عند تولي السلطة بعد الإنقلاب على طوني أبوت عام 2015 حكومة القرن الحادي والعشرين.
وإذا أخذنا عينة من القضايا التي ما زالت تأتي في سلّم أولويات الحكومة ،وطبعاً ليست اولويات المواطنين، نرى إلى أي مدى تذهب الحكومة من أجل تحقيق مكاسب سياسية رخيصة وآنية وبشكل إنتهازي يرافقه إفلاس أخلاقي.
- موافقة الحكومة على تشكيل لجنة برلمانية للنظر في المادة 18 س من قانون الذمّ العنصري بعد أن عدّل تيرنبول موقفه الرافض حتى لمجرد الحديث حول الموضوع الذي كانت قد تخلىت عنه قبلاً جكومة طوني أبوت بسبب معارضة العديد من الجاليات الاثنية لتعديل القانون، أنها "براغماتية" بالإضافة إلى إعلان الحكومة الحالية الحرب على مفوضية حقوق الإنسان الاسترالية على خلفية معارضتها لتعديل القانون علماً أن جولين تركز رئيسة المفوضية تبدي بعض المرونة الحذرة.
 - أسرار الحكومة على استصدار قانون يمنع اللاجئين الموجودين في جزر مانوس وناورو من الدخول إلى أستراليا مدى الحياة حتى ولو حملوا جنسية بلد آخر، رغم أن قوانين حماية الحدود الحالية قد ردعت وبشكل كامل محاولة تهريب اللاجئين بالقوارب إلى أستراليا حيث تتوافق الحكومة والمعارضة على هذه السياسة، أنها "براغماتية" لكسب أصوات جناح اليمين في الحزب ومنافسة بولين هانسون في تطرّفها بالنسبة لقضايا الهجرة واللاجئين.
- قضية الإستفتاء الغير ملزم بشأن تعديل قانون الزواج لتشريع زواح مثليي الجنس وهنا تبرز "براغماتية" رئيس الوزراء مجدداً وهو المؤيد لتشريع زواج المثليين.
- توزير رئيس الوزراء السابق طوني أبوت للحد من المشاكل الداخلية في حزب الأحرار وهنا لا يبدو أن تيرنبول يريد أن يكون براغماتياً خوفاً من عودة أبوت وتحدّي زعامته التي أصبحت على المحك حزبياً ووطنياً. 
- السجال الدائر بين رئيس الحكومة ورئيس الوزراء الأسبق كيفن راد حول من المسؤول عن إغلاق وفتح مراكز إحتجاز اللاجئين في جزر المحيط والذي وصل إلى حد التراشق بالتعابير النابية.
- وقبل ذلك رأينا كيف اضطر المحامي العام للحكومة للإستقالة في سابقة هي الأولى من نوعها منذ 100 سنة بسبب أسلوب التعامل الذي فرضه عليه المدعي العام الفيدرالي جورج براندس وتجاوز صلاحياته بحثاً عن استشارات توافق سياسات الحكومة وهنا كانت براغماتية رئيس الوزراء دفاعاً عن حليفه برندس.
بالنسبة إلى قضايا التقديمات الإجتماعية يعلق محرر الشؤون الإقتصادية في صحيفة (ذي سدني مورنيغ هيرالد) روس كيتنز في مقالة له في 02/11/2016 ص 16 على كيفية خداع الحكومة الرأي العام ويقول "إن وزير الخدمات الإجتماعية حرّف وبشكل فاضح وصارخ النظام الذي تعمل به حكومته". وينهي كيتنز مقالته "أن الحكومة تريدنا أن نعتقد أن الميزانية الفيدرالية قريبة من الإفلاس، ولكن الحقيقة أن هذه الحكومة هي على مقربة من الإفلاس الأخلاقي والسياسي والإقتصادي".
ولم يكن زعيم حزب الأحرار الأسبق الدكتور جان هيوسن أقل وضوحاً عندما حذّر رئيس الوزراء من أن أسلوبه في الحكم ومحاولة استعمال الهجوم السياسي من أجل كسب نقاط سياسية سوف تكلّفه غالياً خصوصاً أنه يتصرف كمعارض وليس كرئيس للحكومة وهذا ما ينطبق أيضاً  على سلفه طوني أبوت (س م ه 04/11/2016 س 17). وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي سواء لناحية شعبية رئيس الوزراء أو حكومته التي تراجعت الى 47-53 لصالح العمال في أحدث استطلاع رأي أجرته نيوز بول وهذا الاستطلاع السادس منذ إنتخابات تموز الماضي حيث لم تتقدم الحكومة في أي استطلاع منها، ونفس الشيء ينطبق على إداء رئيس الوزراء الذي كان الاكثر شعبية عند توليه السلطة. فهل يعزي رئيس الوزراء نفسه وببراغماتية ان الانتخابات الاميركية والاستفتاء على خروج بريطانيا من السوق الاوروبية (بركزيت) خالفت كل توقعات استطلاعات الرأي!
وهنا يتساءل المرء، هل فعلاً أن هذه الحكومة جادّة في إيجاد حل جذريّ لمشاكل أستراليا الإقتصادية، الإجتماعية، البيئية والثقافية، أم ستستمر في دفن رأسها في الرمال السياسية تحت مسميات مثل البراغماتية حيث الهدف الواضح هو الإحتفاظ بالسلطة على حساب المصلحة الوطنية؟
وبالختام، هل سمع رئيس الوزراء وحكومته جرس الإنذار الذي دقّ في الولايات المتحدة الأميركية وفوز دونالد ترامب بعدما تعامت كل من الحكومة  والمعارضة عن الإنذار الذي أطلقه الناخبون في 2 تموز الماضي بإعطاء حزب أمة واحدة أكثر من 5% من الأصوات على المستوى الوطني وأكثر من 9% في ولاية كوينزلاند.
وإلى متى سيستمرّ تيرنبول بالبراغماتية التي يفتخر بها في الوقت الذي بدأت تعلو أصوات النواب المحافظين كوري بيرناردي، أريك آبتز، جورج كريستنسن وطوني أبوت من داخل الحزب والذين لهم  مقاربة مختلفة لمقاربة تيرنبول لنجاح دونالد ترامب؟!
وهل سمع رئيس الوزراء ثناء سلفه ابوت في مقابلة مع الاذاعة الوطنية الجمعة 11/11/2016 عن أن حكومته تعود وبثبات الي سياسة "يمين الوسط"؟!
يبقى أن نشير إلى أننا نريد حكومة ومعارضة تعيدا التوازن إلى الشأن الوطني بعيداً عن تسجيل النقاط السياسية ألآنية وببراغماتية حقيقية بعيدة عن الانتهازية من أجل المصلحة الوطنية العليا، فقد آن الأوان لكي نبلغ سن الرشد السياسي بعد قرابة عقد من المراهقة  والتيه في صحراء السياسة القاحلة بسب الانقلابات والانقلابات المضادة  من أجل الوصول الى السلطة والاحتفاظ بها بأي ثمن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق