فوز ترامب لايستوجب بالضرورة كل هذا الزعر/ الدكتور حمدى حمودة

الكثيرون يعتقدون أن الحكم فى الولايات المتحدة الأمريكية كما فى بلدان الجنوب ( العالم الثالث ) فكل بلاد الشمال غربا وشرقا الرئيس فيها تخول له بعض السلطات والأخرى يتحفظ عليها رئيس الوزراء وحكومته ، ومع ذلك فان الولايات المتحدة يحكمها أكثر من ادارة ، أحيانا تصل الى سبع ادارات مثل البنتجون والكونجرس ، ومجلس الشيوخ وادارة المخابرات والبيت الأبيض والسلطة العليا فى اتخاذ القرار يرجع للصهاينة الجدد أو الصهيونية العالمية التى بيدها حسم مسألة الرئيس الذى يرأس الولايات المتحدة حيث تعد له اعدادا على مدى ثلاث أو أربع سنوات من قبل ، هؤلاء الصهاينة الجدد هم من يمتلكون الشركات عابرة القارات ويتحكمون فى التجارة الخارجية للبلاد وفى اقتصاد العالم وعلى وجه الخصوص الأقتصاد الأمريكى . 
وهذا هو الفرق الكبير بين الحكام الذين يحكمون بلدان العالم الثالث ، وبين رؤساء يحكمون فى العالم الآخر يتشدقون بالديمقراطية ولايعملون بها فى سياستهم الخارجية ، يتدخلوا فى الشئون الداخلية لبلدان أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وكأن واشنطون بالذات خلقت من أجل أن تكون شرطى العالم ، وتخول لنفسها من يحكم مصر أو سوريا أو ... الخ ، ومن لايحكم ووجب عليها خلعه ، فى مقدورها تأجيج الأنتفاضات أو الثورات ضد الحكام التى تريد خلعهم كما فعلت فى الحريق العربى وكما فعلت ذلك فى سوريا سنة 1946 وفى مصر عندما ساعدت الضباط الأحرار فى خلع فاروق ، وقد فعلت ذلك  عندما غزت العراق وانقلبت على حليفها صدام ، وتفعل ذلك الآن فى سوريا وفى فينزولا وفى غيرها ، وكما هددت منذ شهر حليفتهم القديمة فى الشرق الأوسط بتجميد أرصدتهم وتقديمهم للمحاكمات ( الرياض ) ، وكما قال أوباما فى خطابه الذى يودع فيه البيت الأبيض ( أننا نفخر بأن استطعنا عدم تمكين بلدان الشرق الأوسط من تحقيق الديمقراطية بعد انتفاضات الربيع العربى خاصة فى مصر التى توعد بأن يكون الدور عليها بعد سوريا والعراق ، وهذا ماأكده كيسنجر فى خطابه الأخير ( أنه بالضرورة وجب عليهم الزحف الى مصر لتقسيمها ).!
من كل هذا يتضح لنا أنه يجب علينا ألا نفصل بين رئيس ديمقراطى يرأس الولايات المتحدة أو رئيس جمهورى ، فليسوا مخولين للأنفراد بالقرار الا بعد مناقشته فى مجلسى الشيوخ والكونجرس اما ايجابا أو سلبا ، وهذه التصريحات النارية التى تفوه بها كل من المرشيحن ترامب وكلينتون قبل الرئاسة ، ماهى الا تصريحات تخدم وصول أى منهما الى البيت الأبيض علما بأن الأمر محسوم عند أصحاب القرار ومعد له اعدادا محكما ، لقد بلغت حملة كلينتون الدعائية والأعلامية التى تضامنت معها وزوروا لها استطلاعات الراى  حيث أخفوا عنها الحقيقة المرة ، فهى لم تتقدم على ترامب وأوهموها وأوهموا الشعب وضللوه ، بلغت تكلفة هذه الحملة ست مليون ونصف ساهمت فيها الدوحة وأنقرة وتل أبيب التى كانت تعلم مسبقا بفوز ترامب ، كما أعلنت ذلك موسكو قبل يومين من النتيجة النهائية للأنتخابات ، وهكذا تكون كلينتون أنفقت ضعف ما أنفقه ترامب الذى تبلغ ثروته أربعة مليارات ونصف ويمتلك فى العالم ناطحات سحاب حيث أنه أحب هذه المهنة وراثة عن أبيه رغم انه التحق بالأكاديمية العسكرية فى صغره ، وأنا أسأل بعد فوز ترامب ، هل بمقدوره فعلا أن يصدر قرارا بترحيل كل المهاجرين غير الشرعيين الذى يبلغ عددهم احدى عشر مليون والذى تبلغ تكلفة معيشتهم كعبئ مادى على واشنطن 140 مليون دولار سنويا ، هل يستطيع .؟ أعتقد أن ذلك غير وارد ، هل يستطيع عمل تسوية سياسية فى سوريا وفى اليمن وفى العراق وفى ليبيا .؟ هل بامكانه أن يلغى الأتفاق النووى الأيرانى .؟ هلى فعلا سيقوم ببناء جدار فاصل بين واشنطن والمكسيك ؟ كل هذه فرقعات مثل فرقعات كلينتون لو كانت رأست ، وذلك لأن القرار يشارك فيه أكثر من ادارة فى واشنطن ولذلك نجد دائما فى تصريحات المسئولين تضارب كبير وتناقضات فى كل المشاكل الكبرى ، فعندما يلقى أوباما بتصريح تجد البنتجون يصرح بنقيضه وهكذا مايقوله فى الصباح كيرى يقول عكسه تماما وزير الحرب أو الناطق الرسمى للبيت الأبيض .
اذن لا ترامب ولاغيره من يشكل أو يقرر فى الولايات المتحدة ، وأنا أتذكر ماقلته فى مقال لى نشر فى الوفد وعدة صحف أخرى بعد خطاب أوباما فى جامعة القاهرة وفى انقرة ، صرح ووعد ولم يفعل شيئا مما قاله غير انسحابه المؤقت من العراق وأفغانستان ليعود لهما مرة أخرى بحجج واهية وهى محاربة داعش أو محاربة الأرهاب ، وكذلك تصريحه بغلق معتقل جوانتنمو ولم يستطيع حتى لحظة وداعه البيت الأبيض ، فماذا حقق حتى هذه اللحظة فى محاربة الأرهاب ، الذى يحارب الأرهاب فعلا هى موسكو وليست واشنطن فى سوريا وهى على استعداد أن تحاربه فى كل مكان وقت أن يطلب منها ذلك ، حتى الأمس كانت قوات التحالف الأمريكية تضرب المدنيين فى الموصل وفى الرقة وقبلها ضربت الجسور والجيش العربى السورى فى الرقة وتمد الأرهابين بمختلف أنواع الأسلحة فائقة التكنولوجيا .                                                                     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق