آمال عوّاد رضوان وحضورها في المشهد الثّقافيّ الفلسطينيّ/ فراس حج محمّد

عند الحديث عن المشهد الثّقافيّ على امتداد التّاريخ الفلسطينيّ الحديث نجد أن للمرأة المبدعة حضورَها المتميز واللافت للنّظر، حضوراً يستحقّ المناقشة والتّأمُّل، ووضعَه في سياقه الثّقافيّ الّذي يجب أن يكون عليه. فثمّة شاعرات وروائيّات وباحثات ومترجمات أغنين الحركة الثّقافيّة الفلسطينيّة، من سلمى الخضراء الجيوسي وفدوى طوقان وسميرة عزّام وسحر خليفة، وصولا إلى الحضور النّسائي الحالي في المشهد الثّقافيّ الفلسطيني من سلمى جبران وهيام قبلان وفاطمة ذياب، وبالتأكيد الشّاعرة والنّاشطة الثّقافيّة المتوهّجة دائما في صلب العمل الثّقافيّ المتنوّع الشّاعرة آمال عوّاد رضوان.
لا شك في أنّ الحديث عن حضور الشّاعرة آمال عوّاد رضوان في المشهد الثّقافيّ الفلسطينيّ سيكون طويلا – لكنّني سأختصرُ- نظرا لتعدُّد نشاطات الشّاعرة في التّأليف الشّعريّ، وما يصاحبه من أنشطة داعمة من أمسيات شعريّة، وحفلات إطلاق الكتب والمشاركة في النّدوات ذات العلاقة وإغناء المشهد الثّقافي العامّ، والشِّعريّ على وجه الخصوص، ويكتسب حضور الشّاعرة آمال عواد رضوان أهميّة خاصّة كونها من الأصوات المميّزة في فلسطين، ولا تتوانى عن المشاركة بالأنشطة الثّقافيّة التي تنظمها المنتديات والمراكز الثّقافيّة في الشقّ الثّاني من فلسطين، لتكون جزءا أصيلا من مشهدنا الثّقافيّ المتنوّع الّذي لا يعترف بالتّقسيمات الزّمنيّة الاحتلاليّة ولا يخضع لشروط الاحتلال المُكَنْتِنَة للحالة الفلسطينيّة الجغرافيّة والسياسيّة.
أنجزت الشّاعرة آمال عوّاد رضوان إلى الآن أربعةً من الدّواوين الشّعريّة، لن يكون آخرها ديوان "أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرين"، فقد سبقه عدّة إنجازات شعريّة لاقت قبولا لدى النُّقاد والقرّاء، وهي: بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّج، وسلامي لك مطرًا، ورحلةٌ إلى عنوانٍ مفقود، كما أن للشّاعرة كتاب مقالات، وفي مجال البحث الاجتماعي فقد أعدّت كذلك كتابا بعنوان "سنديانة نور أبونا سبيريدون عوّاد"، وكتابا في التُّراث الثّقافيّ الفلسطينيّ، بعنوان "أمثال ترويها قصص وحكايا"، وقد شاركت مؤلفين آخرين بتأليف كتب مهمّة، لها قيمتها الإبداعية وهي "الإشراقةُ المُجنّحةُ" لحظة البيت الأوّل من القصيدة، ويشكّل الكتاب شهادات لـ 131 شاعراً من العالم العربيّ، وكتاب "نوارس مِن البحر البعيد القريب"/ المشهد الشّعريّ الجديد في فلسطين المحتلّة 1948، والكتابان بالاشتراك مع الشّاعر محمّد حلمي الرّيشة، رئيس بيت الشّعر في فلسطين، وأمّا الثّالث، فكتاب "محمود درويش/ صورة الشّاعر بعيون فلسطينيّة خضراء"، وشاركها في الإعداد والتّحرير غير الشّاعر الرّيشة أيضا الشّاعر ناظم حسُّون.
هذا الإنجاز المتعدّد والمفتوح الأفق على الشّعر وعلى التّجارب الشّعريّة المعاصرة، منح الشّاعرة أفقا شعريّا متحرِّرا من القوالب الشِّعريّة القديمة، وجعلها تكتب القصيدة بتقنيّات مختلفة، ليست تلك القصيدة السَّهلة المباشرة العاطفيّة المستندة على البوح الأنثويّ الفجّ، ولكنّها القصيدة الحيويّة الدّافعة للقراءة والتّأمّل، وتفتح مجالات واسعة من الرّؤيا والتّأويل في الدّراسات النّقديّة أو المقالات الانطباعيّة الّتي أنجزت حول هذه التّجربة الإبداعيّة.
ولا شكّ في أنّ هذا الإنجاز الشّعريّ بخصوصيّته الإبداعيّة قد التفت إليه النّقاد فكتبوا عن المنجز الإبداعيّ للشّاعرة آمال عوّاد رضوان، فتناول تجربتها الإبداعيّة نقّاد من فلسطين والعالم العربي، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر أ.د. فاروق مواسي، والدّكتور محمّد خليل، والأستاذ عبد المجيد جابر، وعلوان السّلمان، كما أعدّ الشّاعر الإيرانيّ جمال نصاري كتابا عن الشّاعرة باللّغة الفارسيّة بعنوان "بَعِيدًا عَنِ الْقَارب". ويتبع ذلك الحضور النّقدي الّذي تجاوز المقالات الانطباعيّة إلى الاحتراف النّقديّ ترجمة العديد من القصائد إلى اللّغة الإنجليزيّة والطليانيّة والرومانيّة والفرنسيّة والفارسيّة والكرديّة. 
ولم يقتصر حضور الشّاعرة آمال عوّاد رضوان على الشّعر تأليفاً واشتباكاً نقديّا وترجمة، بل امتدّ نشاطها ليشمل مجالات ثقافيّة أخرى، فهي صحفيّة وناشطة ثقافيّة، ومحرّرة في موقع الوسط اليوم، وتشارك في الأنشطة الثّقافيّة الّتي تعقدها المؤسسات والنّوادي الثّقافيّة، كنادي حيفا الثّقافيّ والمجلس الملّيّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ، واتّحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيين ومنتدى الحوار الثّقافيّ، وغيرها، لتترك بصمتها في كلّ لقاء سواء كان ذلك في إدارة اللقاء أو تقديم أوراق نقديّة، أو إعداد التّقارير الصحفيّة الّتي تعرّف بتلك الأنشطة. واستكمالا للحديث عن هذا الجانب في شخصيّة الشّاعرة آمال عوّاد رضوان الثّقافيّة دخولها إلى عوالم الكتاب والمؤلفين عبر حوارات أدبيّة وفكريّة موسّعة، فحاورت العديد من الكتّاب كما حاورها كثير من الصحفيين والكتّاب، وهذا النوع من النّشاط الثّقافيّ لا يستطيعه أي مثقّف أو كاتب لما له من أسس وقواعد وأصول، ليس أدناها أهمية صوغ الأسئلة وإدارة دفّة الحوار، وإنّما المعرفة العميقة بالكاتب وميّزاته الإبداعيّة، وإشكاليّاته الفكريّة والجماليّة، لذلك فإنّ لكل حوار خصوصيّتَه ومجاله حتى وإن تكرّر مع الكاتب نفسه مرّتين أو ثلاثة.
كلّ ذلك النّشاط الثّقافيّ للشّاعرة آمال عوّاد رضوان جعلها حاضرة بقوّة في المواقع الأدبيّة الإلكترونيّة الرّصينة، وفي متون الصحف والمجلّات العربيّة لتكون علامة ثقافيّة بارزة في الصّحافة والملاحق الثّقافيّة التي توثّق الحركة الثّقافيّة المعاصرة عربيّا وفلسطينيّا، وصوتا شعريّا باذخ الإحساس إبداعيّ الجمال.
بكلّ تأكيد لم نؤدِ كلّ الحقّ في التّعريف بالحضور الثّقافيّ المتميّز للشّاعرة والكاتبة والصّحفية والنّاشطة الثّقافيّة آمال عوّاد رضوان، ولكن كما قال الأسلاف: ما لا يُدركُ كلّه لا يترك جلّه، مع تمنياتنا للشاعرة والصديقة آمال عواد رضوان بالتوفيق والألق الدائم والحضور الجماليّ البهيّ.
_______________
* ألقيت في النّدوة الّتي نظّمها منتدى الأديبات الفلسطينيّات، بالتّعاون مع الجامعة العربيّة الأمريكيّة، لتوقيع ديوان الشّاعرة "أدموزكِ وتتعشترين"، يوم الأحد 6-11-2016.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق