أخوانيات وطرائف أشهر شعراء النجف/ كريم مرزة الأسدي

مسألة التحكيم : بحرالعلوم حكماً بين النحوي والنواب، والأعسم يقرض..! (*)
 أخوانيات وطرائف أشهر شعراء النجف
بين 1775 م - 2016م 
الحلقة الثالثة 

تمهيد

قد يتساءل بعض القرّاء الكرام ، ممن لم يتعمق في خفايا الأدب العراقي وأسراره ، وعظمة القائل قبل القول في عصور -  ومنها عصرنا - تقدس  عظماء رجال الدين والأدب و التاريخ  ، وتتأثر بأقوالهم وآثارهم  وأعمالهم  ، فتتأجج بادراتهم ، وتشتعل كالنار في الهشيم  ، وتشع أنوارهم البهية على المسيرة الأدبية ..!! 
 على مهلكم !! سيروا معي خطوة خطوة ، لتتلمسوا أثرهم وتأثيراتهم ، وإنّ غداً لناظره قريبُ ...!!
 أقول ....ليقول لي هذا البعض  !! : لماذا الاهتمام بهذه المسألة التحكيمية ، والمعارك الخميسية  ، وقد أكل الدهر عليها وشرب ؟!!  وإلى أين أنت ذاهب يا رجل ؟!! ، أضع أمام سيادتك ما يلي ، والحديث شجون وشؤون :
أ - أنا ذاهبٌ إلى حيثُ شئتُ أنا ، لا إلى  ما شئت أنت  ، لك أن ترضى ...!! ، ولك أن تأبى ...!!! والمرء حرٌّ  حيثما جعله ..!! والحياة تتسع لجميع الأراء ، ويعجبني قول  المتنبي العظيم  :
أنا الذي بين الإله به الأقد****ارُ والمـرء حيثما جعله
سيظهر الجهلُ بي وأعرفهُ **والدرُّ درٌّ برغم من جهلهْ
يا ستار ...!!
رويدك لا تستعجل ... الأمور بعواقبها ...!!
ثم السيد  الشنفرى ، أليس هو القائل ؟!!:
وفي الأَرِضِ مَنَأى لِلْكَرِيمِ عَــــنِ الأذَى**** وفيها لِمَنْ خَافَ القِلَى مُتَعَزَّلُ
لعمرك ما في الأرض ضيقٌ على امرئ** سرى راغباً أو راهباً وهو يعقلُ
ولكن  - جزماً - أنا لست مع   ابن هانيء الأندلسي ، وقوله المجنون ، في مخاطبة حاكمه الآمر بنفسه ، كبقية الحكّام ، يا ويلهم من صولة الشعوب ، و حاكم الحكّام:
ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ *** فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ
و كأنّما أنتَ النبيُّ محمّـــــدٌ ****وكأنّما أنصـــاركَ الانصارُ
أنتَ الذي كانتْ تُبشِّرنَا بــهِ *****في كُتْبِها الأحبارُ والأخبارُ
 أنا لستُ دكتاتوري بسلوكي ، ولا شوفيني بفكري ، بل رجل بسيط  ، لي فم وأذنان ، وقلم وعينان ، والجميل يجر الجميل ، والأدب متعة وفسحة ، وفكر ، وخيال ...خذها مني ...!!    
ب - نعم أنا شاعرٌ ، وكاتبٌ أدب وثقافة واقعي  ، لست بفقيهٍ متعبد ، ولا بمتفلسف منظر...!! أتجول بين الرّبى والأزهار والرياحين ، وأقتني كل ما هو جميل بديع في لغتني الخالدة ، وأنشر طيبه بين الذوق والناس ، لا أخشى لومة لائم ، ولا أبحث بين جذور وأصول وعقائد من أكتب عنهم سوى الحقيقة الحلوة ، وأترك الحقيقة المرة إليك ...!!   فتراني مرّة بين بودلير وغوته وإليوت وطاغور والشيرازي وشللر ...وطوراً بين المتنبي والمعري وابن الرومي وابن زيدون والسيد بحر العلوم ، والشيخ كاشف الغطاء ، والسيد الحلي والجواهري وشوقي والقباني والدكاترة مبارك ...وووو .... ونسيت الدرويش ، فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر ...!!
ج - السيد محمد مهدي بحر العلوم والشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير ليس برجلين عاديين ، وإنما من عمالقة عصرهما دون منازع على المستويين الديني والأدبي  ، بل والاجتماعي ، ونوهت لك  أنّ ناس عصورنا وعصرنا تقدس أعمال وأقوال هؤلاء الرجال الأفذاذ  ، لذا مسألة التحكيم والمعارك الخميسية أثرت تأثيراً بالغاً وفعّالاً في تأجيج جذوات النهضة الأدبية في كل العراق ... بغداد .. الحلة .. البصرة ... الموصل ... وبقت النجف رائدة ومتميزة بأشواط عن غيرها...إلا هذا اليوم الأدبي الأكشر ... والدنيا تدور ، والأرض المشرفة ، مباركة معطاء ، وستبقى...  !!
 د -  دعنا  أن نشارك   د. عبد الرزاق محي الدين  الرأي في ( حاليه وعاطله ) حول الموضوع : معركة الخميس ، معركة أدبية جرت أحداثها في النجف في مجلس كان يعقد كل خميس من كل أسبوع وفي هذا المجلس يلتقي أعلام الأدب والدين لمناقشة القضايا الأدبية خلال عطلة الأسبوع وفراغهم من الدراسات الدينية ، وكانت إحدى مظاهر النشاط الأدبي الذي طرأ على الحياة الدينية.....  لقد امتدت النهضة الأدبية التي شهدتها النجف خلال هذه المرحلة إلى الحلة وبغداد والموصل والبصرة ، وظهرت آثارها في تدرج متلاحق متكامل في شعر عبدالباقي العمري ، والأزري ، وعبدالحيسن محي الدين ، وآل النحوي والبلاغي ، وتدرج الأثر في تكامل شعر السيد حيدر الحلي والسيد الحبوبي والسيد رضا الهندي والشيخ جواد الشبيبي ، وامتدت مستمرة في آثار الشيخ محمد رضا الشبيبي ، والشيخ علي الشرقي ، ومحمد مهدي الجواهري ، وأحمد الصافي النجفي .....إن النهضة الشعرية في العراق ستظل مدينة إلى الأوساط الدينية وبخاصة النجف ـ حتى عهد قيام الدولة ونشوء الدواوين والمعاهد والجامعات ...(11)
سنأتي على هؤلاء الرجال حسب حقبهم الأدبية ، وأدوارهم ، وأزيدك جامعاً مانعاً ، والتوفيق من الله ، وهو المستعان على كل حال .    

أ- مسألة التحكيم :
  يقول سلمان هادي الطعمة في ( تراث كربلائه ) : كانت تعقد في كربلاء  مجالس أدبية ، ونوادي علمية يلتقي بها رجال الأدب وأكابر رجال البلد والوجهاء والأغنياء والشعراء والأدباء من شيوخ وشباب يقضون أوقاتهم في سمر ومنادمة ، ويتحدثون ويتغنون بخرائد المنظوم وروائع المنثور  ، لا تخلو من وجود أساليب التسلية واللهو ليلاً ونهاراً .فقد كان سراة القوم يجتمعون بالعامة من الناس لدراسة أمورهم المعاشية وحل معضلاتهم ، فيحتكمون عندهم فيحكمون لهم في كل كبيرة وصغيرة دون أن يعدم لأحدهم حق ، فضلاً عن اتخاذها ندوات أدبية يتطارحون فيها الشعر ويتذاكرون فيها سيرالأولين ويقصون روائع الأسمار وطرائف القصص ما يخلب الألباب . وتنسيهم مشاكل الحياة وهمومها فيقضون ساعات في جو من الغبطة والارتياح .(12)
مسألة التحكيم ليست بمعارك أدبية مستمرة كمعارك الخميس  ، وإنما  مساجلة شعرية عابرة حدثت في عصر السيد محمد مهدي بحر العلوم ، ولجأ فيها شعراء وأدباء كبار لتحكيمه فيها ، . وتناولتها عدة مصادر كأعيان الشيعة وديوان السيد نصر الله الحائري والبابليات وشعراء الحلة ، وتراث كربلاء والفوائد الرجالية وغيرها ، فحواها :
كان للأديب الكبير أحمد النواب (13)  ديوان أدبي في كربلاء مطلع القرن الثالث عشر الهجري ، يرتاده كبار الشعراء من حاشية ورجالات المرجع الديني الكبير السيد محمد مهدي بحر العلوم كالشيخ أحمد النحوي ( ت 1183 هـ/ 1769م)  - لا أعتقد من شعراء مسألة التحكيم - وابنه الشيخ محمد رضا النحوي ( ت 1226هـ /1811م) ، والشيخ محمد علي الأعسم ( ت 1233 هـ /1817م)، والشيخ محمد بن يوسف الجامعي العاملي النجفي ( ت 1219هـ / 1804 م) ، الشيخ محمد مهدي النراقي ( ت 1209 هـ1794م) ، السيد محسن الأعرجي الكاظمي ( ت 1227هـ / 1812م) وغيرهم ...
ذات يوم استعرض الجماعة قصيدة العلامة الكبير الشاعر السيد نصر الله الحائري(14) المستشهد بأسطنبول  سنة ( 1168 / 1754م ) ، وهي التي قالها في مدح تربة كربلاء ، ومطلعها: 
يا تربةً شرفتْ بالسّيد الزاكـــــي *** سقاك دمع الحيا الهامي وحيّاكِ
ومنها قوله: 
أقدامُ من زار مغناك الشريف غدتْ ** تفاخرُ الرأسَ منهُ، طابَ مثواكِ
الأبيات من البحر البسيط  التام ، العروض  مخبونة ، والضرب مقطوع شرط الردف .
  اعترض بعض الأدباء الحاضرين على قافية هذا البيت وادّعى أنها نابية ، وبدلها بكلمة " (حين وافاك ) غير أن " النواب " لم يرتض التبديل مدعيا صحة القافية الأولى ، وكان لكلٍّ فريق ، وطال الشجار بين الفريقين ، فاقترح النواب تحكيم  السيد بحر العلوم له بالأمر ، وأن قوله هو الفصل ، فصوت الحاضرون - بالاجماع - على هذا الاقتراح . وقال النواب للشيخ محمد رضا النحوي،  اكتب إليه : 
" إنّا جعلناك - يا أقضى الورى - حكما "
 فأجازه النحوي بقوله  - البسيط التام المخبون عروضه وضربه - :
إنّا جعلناك يا أقضي الورى حكما ** فأنت أعدل من بالعدل قد حكما
إنّا اجتمعنا ببيتٍ قد علا شرفـاً **** هام الثريا بمن قد حلّه ، وسما
وقد حوى من علا (النواب) بدرعلاً * ومن بهاء ابنه نجماً سما ونما
وضمَّ كلّ أخي علــــمٍ وذي أدبٍ **** حتّى غدا حرماً للعلــــم والعُلما
وعاد سفْليّهُ علْويّ كلّ علا **وأرضه من نجوم الفضل - وهي سما -
فأنشدوا بيت شعرٍ فيه قافيةٌ *****أتـــمَّ فيها نظام البيت مَــنْ نظما
فقال ذو أدبٍ منهم ومعرفةٍ : ***لو بدّلتْ صحَّ نسج البيت وانسجما
فثمّ بدّلها من كــــان بدّلها *** بغيرها ، فاســــــــتقام النظم وانتظما
فمذ رآها أديبٌ منهم فطــــنٌ ***** ما زال يستخدم القرطاس والقلما
سما بترْجيْحهِ الأُوْلى،وقال :هي الْـ * أَوْلَى ، فأكْرمْ بهِ من حاكمٍ حكما
والكلُّ منهم غدا يدلي بحجّتـــــه **** فيها ، ويزعم أن الحق ما زعما
فاعتاص ظاهرها عنهم وباطنها ***** وباعدت ما غدا من أمرها أمما
والتاث منطقهم عنها ومنطقها ***** عنهم ، ومعربها قد عاد منعجما
وكلّما استنطقوها أظهرت خرسا ****** وكلّما أسمعوها جدّدت صمما
فاكشف نقاب الخفا عن وجهها وأمط * عن عينها،لا لقيت السوء،كلّ عمى
اختر لذا البيت من هاتين قافية **** يغدو بها مثل سمط الدر منتظما
فأنت عونٌ لنا إن أزمةٌ أزمتْ ******* وأنت غوثٌ لنا إن حادثٌ هجما
وامنن بعفوٍ إذا طال الخطاب، فعا** داتُ المحبين أن لا يوجزوا الكلما
كما لموسى العصا،حال السؤال لهُ * عنها، فأسهب وصفاً بالذي علما
هذي عصاي التي فيها التوكؤ لي **** وقد أهش بها في رعيي الغنما
ولي مآرب أخرى ، كي يسائله ******* عنها ، فيظهر فيها كلّما كتمــا
كلّ هذا التوضيح والتفصيل والأطناب  في إجازته لشطر الأديب أحمد النواب ، وللشيخ محمد رضا النحوي ( مآرب أخرى) ، لنرى إجابة السيد محمد مهدي بحر العلوم .
 فلما عرضت هذه القصيدة على السيد ، طلب أن تكون المحاكمة على روي وقافية قصيدة الحائري جرياً على نسق واحد ، فانبعث الشيخ النحوي ،  وهو لها ،  إذ كان الشاعر المحلق الأول ، وقال - الأصل فيه تحريف وتصحيف ، نقحتها وحرّكت بعض الحروف اللازمة ، قدر الوقت المتاح -  : 
يا نبعةً نبعتْ من أحمد الزاكي **ونفحةً نفحتْ من عرفه الذاكي
ومن غدتْ قبلةً للقصد وجهتهُ * ونجعةً روضها غــضٌّ لهـــلاكِ
ومن برى خلقه الباري لمعدلةٍ * وأخْذ حقٍّ من المشكوِّ للشــاكي
إنّا إليك تقاضيْنا فأنت فـــــتىً **** منزّه الحكم عن شكٍّ وإشراك
قد ضمّنا منزلٌ قد زيد منزلةً **** بباسمٍ في وجوه الوفد مضحاك
 (صدرُ الممالكِ(محمود المسالك،خوّاض المهالكِ،غوث الضارع الباكي
قد زيّنتْ علماء العصر ناديــــــهُ ****** كأنّهم في ذراهِ شهب أفلاكِ
فعاد منه ومنهم حين ضــــمّهمُ ***** وضمّهُ ربــــــع أملاكٍ وإمـلاك
فأنشدوا بيت شعرٍ في مديح فتىً ***** دقت معاليه عن حـسٍّ وإدراك
أعني ابن فاطمةٍ المولى الشهيد ومن * لرزئه المجد أمسى طرفهُ باكي
من قطعةٍ من علاه كـــان مطلعها ***" يا تربة شرفت بالسيد الزاكي "
" أقدام من زار مغناك الشريف غدتْ * تفاخر الرأس منه طاب مثواك "
فعاب قافيةَ البيت الأخير فـــتىً ****** مبرّأً قوله عن إفـــــــك أفّـــاك
فقال : لو بدلت صـــــحّ النظام بها **** وعاد كالدرِّ منظومــــاً بأسلاك
فبدلت فاستقام البيت حين حكى *** باقي البيوت ، وكان الفضل للحاكي
" اقدام من زار مغناك الشريف غدت * تفاخر الرأس منه حين وافـــاك "
فمذ رأى الحال( صدر الملك) مال لترْ**جيْح القديْمة عن حـــذقٍ وادراكِ
وكرّ للبحث في تحقيق مطلبــــهِ **** بمقولٍ مثل حدّ السّــــيف بتــــــاكِ
وللأخيرة ذاك الحبر رجّح عـــــن ****** رأيٍ لســـرّ الخفــــايا أيّ درّاك
وقام يملي عليها من أدلّتـــــــــــهِ **** كالغيث ان جــاد لا يمني بإمسـاكِ
وطال بينهما فيها النزاع وقـــــــد **** كرّا بعزمٍ - يروض الصعب - فتّاك
وكلّما قرّباها منهمـــا بعـــــــدت **** كالصيد منفلتاً مــــن قـيد أشـــــراكِ
وكلّما أسمعوها أظهرتْ صممــــاً ***** عـــن قول كـــلّ بليغ القول ســفّاك
وارتج البابَ حتى ليـــــس يفتحه ****** سكاك فتح ولا " مفتاح " سكاكي
فوجهوها إلى عليـــــاك وانتظروا ****** والكلُّ يرنو بطرفٍ شاخصٍ شاكي
وأرسلوها وهم في أسرها ثقـــــــة ٌ***** منهم بمولى لقيـــــــد الأسر فكّاكِ
فافلق برأيك عـــــن ظلمائها فلقاً ***** واكشف دجى شكّها عــن كل شكّاك
واخترْ لذا البيت مـن هاتين قافيةً ****** يغدو بها كعروسٍ حـال إمٍــــــلاك
وخذ صفايا العلا واترك نفاوتهـــــــا ****** فأنت أفضـــــل أخّاذٍ وتـــــرّاك
ولا تزال بك الأيام صالحــــةً ******** يذكو شذى عرفها من عرفك الذاكي
ولا تزال الليالي فيك باسمــــهً ******* رضاً وطرف العدى من غيظهم باكي

فأجاب السيد بحر العلوم بما لا يتوقعه أصحابه الشعراء ، وكان حكمه الخروج عن القافيتين، فلا النواب حظى بـ ( طاب مثواكِ ) ، ولا النحوي فاز بـ ( حين وافاكِ) ، يقول السيد الأمين في أعيانه : " فقد اختار السيد للبيت قافية غير القافيتين السابقتين. والذي أراه انها لا تجاري واحدة منهما ولكن رياسة السيد أسكتتهم." (15) ، اقرأ رجاءً جواب السيد بحر العلوم :
     
ملكتما في القوافي غير مــــلّاكِ  *** ولا محكّـــك رأيٍ فيك سفّاكِ
وقلتما:اخترْ لنا من (تين) قافيةً * حتى نميز به الأزكى من الزاكي
كلتاهما نسج داود وناســـــجها ***** مقدر السرد في نظم بأسلاك
وللأخيرة في فن القريض سمتْ ***** بحسن حبك فتىً للنظم حبّاك
فتىً إذا قال بذّ القائلين ، وإنْ ***** يمسك فعن كــرمٍ يدعو لإمسـاك
ما قدّم الصدر(صدر الملك) زيد علا * أولاهما ، فهو في غلواء إدراكِ
لكن حمى ضعفها إذ لاث لوثتها * وهو الحمى للضعيف الضارع الشاكي
مهما شككت - وليس الشكُّ من خلقي - ** فإنني لست في حكمي بشكّاك
لكنني لا أرى للبيت قافيــــةً ******* مثل التي ليس يحكى فضلها حاكي
" أقدام من زار مغناك الشريف غدتْ * تفاخر الرأس إذ أرست بمغنــــاك "
 السيد البحر العلوم يدور هتا بمهارة ربان مقتدر ، محنك ، إذ مهر واسطة العقد بالبيت القصيد ، والحكم الفصل ، فردَّ العجز على الصدر بصيغة بلاغية ، ولا أروع ! ، وحسن تخلص ولا أبدع !... فلم يبق للنواب والنحوي إلا رفع الرايات البيض ...لا غالب ولا مغلوب ...ولا عاتب ، ولا معتوب ، ولا ( طاب مثواكِ) ، ولا ( حين وافاكِ)...، اكمل القصيد ، ولله ا لأمر من قبلُ ومن بعدُ ...!!   
أضحت تطاول شأواً كل ذي أدبٍ * وان سما رتبة من فوق أمـــــــلاكِ
استغفر الله ما قصدي الفخار ولا ** فخري القوافي وان خصّت بأملاك

 العلامة  الشاعر الشيخ محمد على الأعسم قرضها  بقوله : 
ما ذات ضوء جبينٍ مشرقٍ حاكى *** شمسا تجلت لنا من فوق أفــلاكِ
حييّةٌ ما رآها غيـــــــر حليتها ***** ولم يذق ريق فيها غير مســواك
ولو تمر على النّسّاك لافتتنوا ***** وأصبحوا فــــي هواها غير نساكِ
يوما بأبهى سنا من قطعةٍ نظمتْ ***** فيها محاكمة مـــــا بيــن أملاكِ
لمّا وقفتْ عليها طرتُ من فــــرحٍ ***** لكنْ تداركني صحبي بإمــــساك
إن قلت سحرا وحاشى ليس يشبهها ***** سحر فما أنا في قولي بأفــاكِ
تحكى بأحسن نظم " وقعة " عجزوا **** عنها بنثرٍ وكان الفضل للحاكي
تبدي اختلافاً وشكوىً والرضا معهم *** ولا اختلاف ولا شكوى ولا شاكي
ولا نكيرٌ إذا خاضوا بمعضلـــــــةٍ ****** لم يدركوها وكانــــوا أهل إدراكِ
والحقُُّ ينتظر " المهديّ " فيه إذا ***** أعيى علـــى كلِ نقــــــادٍ ودرّاك
فقف على الشيخ نجل الشيخ ثمَّ وقل **** " يا نبعةً نبعتْ من احمد الزاكي ( 16) 
ويا ذبالته من نوره اتقــدتْ ***** " ونفحة نفحتْ من عرفــــــه الذاكي "
ملكتم النظم والنثر البديع ، وكم ****** سما لدعواه قـــــــومٌ غير مــــلّاكِ
وكم لكم آيـــــةٌ غرّاء بانَ لهــــا ****** نهج الهدى لم تدعْ شـــــكّاً لشكّاكِ

وقال الشيخ هادي ابن المرحوم الشيخ أحمد النحوي أيضا :
أكرمْ بحاكم عدل منصف الشاكي *** أمن المروع أمان الخائف الباكي
أكرم بـــــهِ ربَّ آراءٍ وإدراك ***** لكـــلّ معجمــــــةٍ غمّــــــاءَ درّاك
فكّاك معضلةٍ حلّال مشكلــــةٍ ****** أكرم بحلّال إشكالٍ ، وفكّــــــــاكِ
حكّمتما عادلاً في حكمهِ ثقةٌٌ **** لــــم يبق شكّاً لمرتـابٍ وشكّـــــاك
يقضي القضا لا يحابي عنده أحداً * ما زال يرضى به المشكو والشاكي
كم قد هدى برشاد الحق كل أخـــي * غيٍّ ، وكــــــــم ردَّ من إفكٍ وأفّاكِ
وكم أنار لنا طخياء مظلمة ً ****** منارها لم يبـــــنْ يوما لـــــــسلاكِ(17)
نكتفي بهذا القدر الوافي الشافي عن مسألة التحكيم ، وهي البادرة الأولى في تاريخ أدب القترة المظلمة  في العراق لتفتح بعدها الآفاق لمعارك الخميس الشعرية ، وبند النهضة الحلية ، ونقائض ومساجلات المجموعة البغداية ، وتجمع حقبة العشرة النجفية ، وتكلل برواد النهضة الشعرية والأدبية في القرن العشرين ....الحركة بركة ، والمسيرة تبدأ بخطوة جادة حازمة مؤثرة ، لو كنتم تتذكرون ...!!
كريم مرزة الأسدي 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) قصائد المساجلة التحكيمية  في كلّ المصادر التي عثرت عليها غير منقحة ولا محققة ، لا حركات ولا شدّات ولا تنوين ، وبعض الهمزات ساقطة ، وبعض أبياتها غير موزونة للتصحيف والتحريف ، فالشعراء كبار  ، حاولت مجتهداً  أن أخرجها بالشكل المقبول الموزون ، وذكرت البحر البسيط المخبونة عروضه ، والمقطوع المردوف  ضربه ، عدا القصيدة الميمية للشيخ النحوي من البحر البسيط المخبون بعروضه وضربه ، وطلب السيد بحر العلوم أن يعارضوا أبيات الحائري بالبحر نفسه والقافية ذاتها ، وأعتذر عن كلّ سهوٍ عابر . نعم هنالك :
  ديوان
السيد محمد مهدي بحر العلوم
جمع
محمد صادق بحر العلوم
تحقيق
محمد جواد فخر الدين .... حيدر شاكر الجد
الطبعة ألأولى
1427 هـ / 2006 م
ولكن لم أطلع عليه !!
   (11)  الحالي والعاطل : د. عبد الرزاق محي الدين -. 
(12 ) تراث كربلاء : سلمان هادي الطعمة .
 (13) يذكر السيد  محسن الأمين في ( أعيان الشيعة ) ج  عنه  ما يلي :
أديب كبير كان يقيم في كربلاء في عصر السيد مهدي الطباطبائي بحر العلوم . ولا يعرف عنه شيء اليوم ، ويحتمل أن يكون من آل النواب في يزد وهم أسرة علوية من بقايا الصفوية ، ويحتمل أن يكون من الأسرة الهندية التي كانت تستوطن كربلاء واليها ينسب بعض العقار إلى الآن والله أعلم ، وهم غير آل النواب الذين يسكنون بغداد ، فاولئك أسبق هجرة من سكان بغداد.
  (14) يذكر السيد جواد شبر في ( أدب الطف)  ما يلي : 
وكتب الشيخ محمد رضا الشبيبي في مجلة الاعتدال النجفية عنه فقال:
يُعد الاستاذ المحدث الأديب السيد نصر الله الحائري رحمه الله من أئمة الأدب في منتصف القرن الثاني عشر ، شدت اليه الرحال وكانت له في الحائرمدرسة مشهورة وخزانة من أنفس خزانات الكتب في عصره جلب اليها النسخ المختارة من الأقطار البعيدة فقد كان الاستاذ المشار اليه رحالة كثير الأسفار وقد زار القسطنطينية وعواصم البلاد الايرانية وسواها غير مرة . وقد روى عنه وقرأ عليه أشهر أدباء العصر الذي يلي عصره أو الطبقة التي تلي طبقته ومنهم بعض آل النحوي ومنهم على الغالب الاستاذ اللغوي الأديب السيد صادق الفحام النجفي وهذا من أشهر أدباء العصر المذكورين الذين تخرجوا على الحائري والسيد مير حسين الرضوي النجفي.
في أدب الطف ومؤسسة السبطين استشهد 1168 هـ ، وفي الفوائد الرجالية 1156هـ ، وأنا أرجح الأول، لأن التاريخ الثاني ولد في سنتها جعفر كاشف الغطاء الكبير ، ولم أعثر أنها قرنت باستشهاد  السيد نصر الله الحائري !!
(15) أعيان الشيعة : السيد محسن الأمين  --
 (16) يقصد الشيخ محمد رضا ابن الشيخ احمد النحوي ، وفيه تورية.
(17) راجع : الفوائد الرجالية : السيد محمد مهدي بحر العلوم --   ، أعيان الشيعة : السيد محسن الأمين وما بعدها .
أدب الطف : السيد جواد شبر ج....  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق