مع وجاهة السبب العائلي الذي أعلنه رئيس ولاية نيوسوث ويلز السابق مايك بيرد الذي استقال من رئاسة الوزراء ومن منصبه كنائب عن منطقة مانلي إلا أن ذلك لا يكفي للتغطية على الأسباب السياسية الأخرى والوجيهة والتي قد تكون هي السبب الرئيسي للإستقالة.
بيرد من القادة القلائل الذين استطاعوا في فترة زمنية مشهودة تغيير الأسلوب الذي تألفه النخبة والمؤسسة السياسية مما جعل بيرد يمثّل حالة قلق داخل حزب الأحرار خصوصاً بعد أن أصبح السياسي الأكثر شعبية في كل أستراليا فيدرالياً وعلى مستوى الولايات، حيث لم يتوانى عن اتخاذ القرارات السياسية الصعبة لمواجهة القضايا التي تهمّ المواطنين مستثمراً رأس ماله السياسي الذي بناه من خلال ذهابه إلى الإنتخابات عام 2015 مع وعد بتخصيص قطاع الكهرباء ليفوز بهذه الإنتخابات مع كل ما كان يواجه حزب الأحرار من فضائح فيما يتعلّق بالتبرعات الانتخابية والتي أدّت إما إلى إستقالة نواب وتراجع آخرين إلى المقاعد الخلفية، لينتقل بعد ذلك إلى مقاربة قضايا ذات حساسية سياسية كبناء البنى التحتية والتي لاقت بعض المعارضة مثل ويست كونيكس وإعادة القطار الداخلي الخفيف إلى قلب سدني وربطه بالضواحي القريبة، بالإضافة إلى قرار إغلاق الحانات في أوقات مبكرة للحدّ من أعمال العنف التي كانت تحصل في شوارع سدني، إلى عملية دمج البلديات والتى لاقت معارضة من أكثر من طرف، ومن ثم قرارمنع سباق الكلاب والذي كان القشة التي قسمت ظهر البعير بسبب تعارض ذلك القرار مع مصالح قوى سياسية داخل حزبه والحزب الوطني الحليف وإعلاميين بارزين (ألين جونز وراي هادلي) ولوبي المقامرين بالإضافة إلى حزب العمال، وكلنا يعلم ما حصل في الإنتخابات الفرعية التي جرت في مقعد اورانج الذي خسره الحزب الوطني لأول مرة منذ 69 سنة لصالح حزب الرماة والصيادين بسبب الحملة المركزة التي نظمتها كل القوى المتضررة من قرار بيرد بالإضافة إلى المعارضة العمالية وحزب الخضر لإسبابهم السياسية الخاصة.
بعد إنتخابات اورنج وقرار دمج البلديات وقرار وقف سباق الكلاب، بدأت شعبية بيرد تتراجع ومعها بدأت الضغوط السياسية، الحزبية والإعلامية تتصاعد فتراجع بيرد عن قراره حظر سباق الكلاب، كما تراجع جزئياً بإدخال تعديلات على قوانين إغلاق الحانات واستمرار الحزب الوطني الحليف الأصغر في الإئتلاف بالضغط من أجل وقف دمج البلديات في المناطق الريفية. من هنا حتى تتضح معالم الصفقة التي أطاحت ببيرد وجاءت بغلاديس برجيكلين ومن هم الرابحون والخاسرون نعرف إلى أي مدى ستصل تداعيات الإنقلاب الأبيض على بيرد، خصوصاً أننا رأينا أول الغيث بالهجوم غير المبرر على برجيكلين من قبل رئيس الوزراء السابق طوني ابوت والمذيع ألن جونز الذي شكك بمقدرة برجيكلين واعتبر وصولها (تضبيطه) على حساب الديمقراطية وكان رأي مماثل لزعيم المعارضة لوك فولي في كيفية وصول برجيكلين الى الحزب ومن ثم رئاسة الولاية، برجيكلين رفضت الرد بطريقة مباشرة على تلك الانتقادات لكنها شددت على أنها سيدة قرارها مضيفة أنها عملت بجد للحفاظ على أستقلاليتها ونزاهتها، يشارإلى أن برجيكلين تنتمي الى جناح اليسار لحزب الاحرار بينما ينتمي نائبها وزير المالية دومنيك بيروتت إلى الجناح المحافظ الذي يعارض بعض سياسات رئيسته في ما يتعلق بالتغييرات المناخية وزواج المثليين، إضافة الى أنه يحق له اختيار المنصب الوزاري الذي يرغب به علماً أنهما نجحا في الماضي بالعمل معاً في وزراتي الخزينة والمالية، لكن المستقبل قد يكون مثقلاً بالبعد العقائدي وصراع الاجنحة الحزبية .
من هنا يحق لنا التساؤل إذا ما كانت إستقالة بيرد ستشكل عودة إلى الباب الدوّار لدخول رؤساء الولاية وخروجهم التي خبرناها خلال فترة حكم العمال في الولاية بين عامي 2005 و2009 أو ما حصل داخل الحزبين الكبيرين الأحرار والعمال على المستوى الفيدرالي، حيث ظهر أن الأحرار غير محصنين كما كانوا يدعون ضد وباء الوصول إلى السلطة بأي ثمن وتعلموا الدرس من تجارب العمال.
يبقى أن نقول بأن هناك إرث سياسي وانجازات تركها مايك بيرد منها إعادة الفائض إلى الميزانية وجعل الولاية المحرك الاقتصادي للبلاد الى جانب ولاية فكتوريا واللتان تشكلان 67% من الحركة الاقتصادية في البلاد، بالإضافة إلى أسلوبه ومقاربته للأمور التي زادت من أعدائه داخل االمؤسسة السياسية أوضمن النخبة السياسية والتي لا تتسامح بسهولة مع من يخرج عن المواثيق غير المكتوبة والتي تحكم إداء هذا المؤسسة.
أخيراً، أن في فم مايك بيرد ماء، فهل سيأتي يوماً ويضع الحقيقة أمام الرأي العام؟!
وهل ستجري الرياح كما تشتهي سفن الإنقلابيين ويكون بمقدورهم تجديد دماء الحزب الانتخابية والعودة إلى السباق قبل العام 2019 كما قال مايك بيرد؟
لننتظر ونرى نتائج اول اختبارالذي سيكون في الانتخابات الفرعية عن مقعد مانلي الذي سيخلوا بسبب استقالة بيرد.
Email:abbasmorad@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق