مباشرة بعد إنتخاب الرئيس الأمريكي ترامب وقبل تسلمه لمقاليد الحكم في العشرين من كانون الثاني/يناير 2017، أوعزت وزارة خارجية الكيان الإسرائيلي المحتل لأدواتها من مراكز أبحاث ودراسات بالهجوم واستهداف وكالة "الأونروا"، باختلاقها الإشاعات والأكاذيب والفبركات الإعلامية، وتصاعدت وتيرة الإستهداف وبشكل ملحوظ مع بداية العام 2017. لطالما شكلت الوكالة عنصر قلق وإزعاج لرافضي حق العودة للاجئين الفلسطينيين يُراد تصفيتها وإنهاء خدماتها، أو تحويل تلك الخدمات إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أو إنشاء منظمة دولية أخرى تقوم بتقديم الخدمات، وفي مقدمة هؤلاء الرافضين الكيان الصهيوني وحلفائه في الإدارة الأمريكية، وممارسة كافة أشكال الضغط على الدول المانحة لوقف مساهماتها المالية في صندوق الوكالة.
تتعمّد مراكز دراسات وأبحاث ومواقع الكترونية صهيونية بفبركة ونشر أخبار كاذبة عن الوكالة، بالإضافاة إلى إستحداث مواقع إلكترونية باللغة العربية لتضليل القارئ يجري إعتمادها كمراجع لتقارير كاذبة تُكتب باللغة الإنكليزية يتم تزويدها للأمم المتحدة ولحكومات الدول المانحة للأونروا، فحسب تلك المراكز والمواقع الإلكترونية وحتى بعض الصحف، فإن المناهج الدراسية في مدارس الوكالة "تُعلن الحرب على اليهود"، وتارة أن "الأونروا مرتبطة بحركتي حماس والجهاد"، وأخرى بأن الأمم المتحدة تموِّل مدارس في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية "تَستخدم كتب ضد إسرائيل"، وبأن "حركة حماس تستخدم الأونروا لتحقيق أهدافها"، عدا عن إنتقاد الحكومة الكندية لإستئناف دعمها للأونروا "على الرغم من دعوات العاملين فيها لقتل اليهود" حسب زعمهم، ومحاصرة موظفي الوكالة للتعبير عن آرائهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر إجبار الناطقة باسم مكتب "الأونروا" في أمريكا ليلى مخيبر على إقفال حسابها على تويتر لأنها غرّدت بـ "أنا أدعم أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي"، وكان أحد تلك المراكز قد وجه رسالة للإدارة الأمريكية الجديدة باسم الرئيس في 10/11/2016، أي مباشرة بعد يوم واحد من الإعلان عن فوز ترامب فيها توجيهات وبرنامج عمل للرئيس المنتخب لوقف الدعم المالي للأونروا لأنها "تحرض على الإرهاب"، وأن وكالات حكومية أمريكية تدعو للتحقيق "بعلاقة الأونروا بالإرهاب"، وأن بريطانيا تدعو إلى إعادة النظر في الإنفاق على مدارس "الأونروا" التي "تُعلِّم الكراهية"، وغيرها من الإتهامات الباطلة..
إذا كان مصطلح "الإرهاب" يعني إنتهاك حقوق الإنسان واغتصاب ومصادرة الأراضي وبناء مستوطنات غير شرعية وهدم المنازل والإقتحامات المتكررة وترويع الآمنين والتحريض الدائم على الكراهية وقتل العرب والفلسطينيين والمدنيين بدم بارد، والعبث بمعالم المدن والقرى وتغيير أسمائها، واحتلال أراض الغير واستجلاب أناس آخرين ليحل محل السكان الأصليين، وانتهاك فاضح وصريح للقوانين والقرارات الدولية بحق الأسرى والمعتقلين من الشيوخ والأطفال والنساء.. فلا شك أن الكيان الصهيوني المحتل يتصدر قائمة الإرهاب وحليفه الإستراتيجي الإدارة الأمريكية.
لا شك بأن محاولات إستهداف وتشويه صورة وكالة "الأونروا" إنما هي في الحقيقة إستهداف لقضية اللاجئين الفسطينيين وحق العودة ولإنهاء خدمات الشاهد الدولي على جريمة نكبة فلسطين وما باتت تمثله الوكالة من إرتباط عضوي بين قضية اللاجئين وحق العودة يُراد التخلص منها بأي طريقة. ومع تصاعد الهجوم المنهجي والمسعور على وكالة "الأونروا" خاصة مع تولي الرئيس ترامب للحكم، لا يمكن إعتبار ما تقوم به تلك "المراكز والمواقع.."، إلا تكريس لساحة أخرى من ساحات الصراع مع الإحتلال، لذلك نرى ضرورة وأهمية الإستنفار الإقليمي والدولي لقيام القوى السياسية والشعبية والدبلوماسية والرسمية لا سيما الدول المضيفة للاجئين، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني ومراكز الدراسات والأبحاث والمؤسسات الإعلامية.. للرد وفضح تلك الإدعاءات الكاذبة وأهدافها، والتأكيد الدائم على الضرورة الإنسانية والسياسية لإستمرار الوكالة بتقديم الخدمات الكاملة للاجئين الفلسطينيين إلى حين العودة.
*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
بيروت في 18/1/2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق