القافية: تنوع ألفاظها، حروف رويّها، المقيدة منها والمطلقة ـ الفصل السادس/ كريم مرزة الأسدي

الفصل السادس 
القافية المقيدة والقافية المطلقة
وتتضمن بقية حروف القافية  

عرّفنا حرف الروي ،  هوالحرف الرئيسي في القافية ، واجب الوجود  في الشعر العمودي ،وإليه تنسب القصيدة العمودية أو المقطوعة ،  ويقال عنها ميمية أو دالية أو سينية.... ، وإذا تغير أحد أحرفها ،  أو حركته يكسر القصيدة ،  ويُعدّعيباً ،  ويحط ُ من هيبة الشاعر ومنزلته ،  وخصوصاً إذا تكرر هذا العيب مراراً ،  وغفر لبعض الشعراء الجاهليين لشهرتم الكبيرة ، وعدم تكراره .
حرف الروي يجرنا للقافية المقيدة والقافية المطلقة ،  المقيدة ما كان فيها حرف الروي ساكناً ، والمطلقة ما كان فيها حرف الروي مُحركاً, وحركة حرف الروي تسمى (المجرى ) : وهناك سبع قوافٍ لكلتيهما حسب تقسيمنا  ، للمقيدة ثلاثة أنواع ،  وللمطلقة أربعة أنواع .(103)

    ونشرع بالقوافي المقيدة : 

ولا يأتي بعد القافية المقيدة (الساكنة)أي حرف ،  لا وصل ،  ولا خروج ،  بل قد يأتي قبله حرف الردف ،  أو حرف التأسيس ويرافقه بعده حرف الدخيل ثم يأتي حرف الروي المقيد ، ومن الجدير ذكره ،  التأسيس والردف لا يلتقيان مطلقاً ،  والسبب كلاهما ساكنان ،  وفي اللغة العربية لا يتوالى ساكنان ،  إلا في خواتيم القوافي المقيدة ،  وهذه أصعب من القوافي المطلقة ،  لا يتمكن عليها سوى الشعراء القادرين ،  وخصوصاً إذا توالى ساكنان، وتأتي في بحور الرمل والمتقارب والطويل أكثر من بقية البحور  والأنواع الثلاثة هي:
  
 1- قافية مجردة من الردف والتأسيس :

 من قصيدة لكاتب هذه السطور تحت عنوان ( من وحي القلم) من البحر الرمل :

ليس في ليلي سميرٌ كالقلـَمْ ***يسكبُ الآهاتِ من نبع ِالألـَمْ
صحبَ العقلَ ولمّا استأنسا***سهرَ الفكرُ وعيني لـــمْ تنـَمْ (104)

كما ترى بعد الميم الساكنة لا يوجد أي حرف ،  وقبلها لا توجد ألف التأسيس ،  ولا يوجد حرف ردف (الألف أوالياء أوالواو الساكنات ) ،  والحرف قبل الروي حركته الفتح .

2 - مقيدة يسبقها حرف الردف : 
أي يكون حرف الروي ساكناً ،  ويسبقه أحد حرؤف الردف الساكنات وهي (الألف أو الياء أو الواو ) ،  فتكون من حيث لفظ القافية (مترادف ) ،  لإلتقاء الساكنين في آ خر البيت ،وهذا لا يأتي إلا في الشعر (105)، كقوله :

ما هاجَ حسانَ رسومُ المقـَامْ***ومظعن الحيّ ومبنى الخيَامْ (106)

كما ترى-  يا صاحبي - لا تأتي قبل ألف الردف إلا حركة الفتح فقط ،  لذلك هوحرف مد دائماً ،  و حرف المد يمكن له أن يكون حرف لين  ،  وحروف المد واللين أصلها حروف علـّة (الألف والياء والواو ) ،  وحروف العلة الثلاثة لا تبالي أن تكون ساكنة أو متحركة ،  ولكن لا تكون ردفاً إلا إذا كانت ساكنة ،  بمعنى آخر أنّ حروف اللين والمد لا تكون إلا ساكنة ،  لذلك أياك أن تعتبر حرفي الياء والواو المُحركين حرفي ردف (الألف دائماً ساكنة ،  وقبلها حركة فتح)  ،  أنا أعرف قد ذكرت من قبل هذا ، وهذا للتأكيد ولمن فاته الأمر .

تعال معي لحرفي الياء والواو من حروف العلة الساكنة  ،  هذين الحرفين إذا سبقهما حركتال من جنسيهما الكسرة للأول والضمة للثاني ،  فهما حرفا مد ولين  وعلة (ساكنان) ، وإذا كانت الحركة قبلهما الفتح فهما حرفا لين وعلة (ساكنان)  فقط وإليك أمثلة على ردفيهما في حالتي تجانس الحركة قبلهما ،   وطبعاً حرف الروي ساكن مقيد ، مثال الياء الردف وما قبله الكسر قول طرفة :

وجامل ٍخوّعَ من نيبهِ ****زجرُ المعلـّى أ ُصلا ًوالمنِيْحْ (107)

والياء ردف ،  إن كانت الحركة التي تسبقها مجانسة ،  وإليك الحركة التي تسبقها غير مجانسة (الفتحة ) :

يمنعها شيخ ٌ بخدّيهِ الشـَّيْبْ ****لا يحذرُالرَّيبَ إذا خيفَ الرَّيْبْ

الياء ردف ،  وما قبلها حركة فتح , والروي ساكن فالقافية مقيدة ، وهاك الواو وهي ردف وما قبلها حركة مجانسة وغير مجانسة ( الفتح) ،  يقول منظور بن مرثد الأسدي 
:
هل تعرفُ الدارِ بأعلى ذي القـُوْرْ ***قد دُرستْ غير رمادٍ مكفـُوْرْ (108)

لاحظ الحرف الذي يسبق الواو الساكنة (الردف) مضموم ،  فالحركة من جنس الردف ،  بينما البيت الآتي الحرف الذي يسبق الردف (الواو الساكنة ) حركته الفتحة من غير جنس الواو ، وإليك قول الراجز :

ما لك لا تنبحُ يا كلبَ الدَّوْمْ****بعد هدوء الحيّ أصوات القـَوْمْ

قد كنت نبّاحًا فما لك اليَوْمْ (108) .

3- القوافي  المقيدة المؤسسة :

وهذا يعني طبعا أنّ حرف الروي ساكن ،  ويسبقه حرفان الذي قبله مباشرة حرف الدخيل ، وقبل الدخيل حرف الألف يسمى ألف التأسيس ، فمن قصيدة مطولة للمتنبي يمدح فيها عضد الدولة يقول :

حكيتَ يا ليل ُفرعها الوار ِدْ *** فاحكِ نواها لجفني السّاهِدْ
طالَ بكائــــي على تذكـّرها****وطلتَ حتى كلاكمـــا واحِدْ (109)

دقق رجاءً الألف ألف التأسيس، والحرف الذي بعده هو حرف الدخيل حركته الكسر في كل القصيدة المطولة ،  والدال هو حرف الروي الساكن ،  فالقافية مقيدة مؤسسة.

القوافي المطلقة :

وهي القوافي التي يكون فيها حرف الروي محركاً بحركة ( المجرى) ،  وحركة المجرى طبعا ً إمّا الضمة أو الفتحة أو الكسرة ،  وتشبع هذه الحركات إلى حروف لين (110) ،  الواو والألف  والياء على التوالي، لذلك تسمى بالقوافي المطلقة ،  وهذه القوافي  يأتي بعد رويها حرف (الوصل ) بأنواعه ،  وربما يلحقه حرف لين  آخر هو ( الخروج ) ،  ويسبقه إمّا حرف عادي أو الردف ،  أو التأسيس والدخيل، وسنفصل الأمر بالنقاط الآتية :

أ - الحرفان بعد الروي المحرك ، وهما الوصل والخروج :

1- قافية مطلقة مجردة من الردف والتأسيس ،  ولابدّ لحرف رويها الأخير  من وصل ،  إذ تتحول حركة الروي (المجرى) إلى حرف لين بعد الإشباع، وإليك أمثلة من شعر السيد جعفر الحلي :

قد فرّق الفكر أيّام الحياة على *** علم ٍيقول لأشتــات العلى اجتمعي 
ولـّتْ على إثره الدنيا وزينتها***ما لامرىءٍ بعده بالعيش من طمع(111)
                                                 
القافية مطلقة ،  وحرف الروي العين ،  ودقـّقْ في البيت الأول تجد ياء المخاطبة الساكنة، ولكن ياء المخاطبة لا يمكن أنْ  تكون حرف روي مطلقاً ،  فهي وصل لحرف الروي العين، أمّا في البيت الثاني فتشبع الكسرة إلى حرف لين (الياء الساكنة) ،  فتصبح وصلا للعين .
يقول المتنبي :

سأطلب حقـّي بالقنا ومشايخ ٍ***كأنـّهم من طول ما التثموا مُردُ
ثقال ٍإذا لاقوا خفافٍ إذا دعوا **** كثير ٍإذا اشتدّوا قليل ٍإذا عُدّوا (112)

القافية دالية مطلقة ،  في البيت الأول تشبع الضمة إلى حرف لين (مد) ،  وهو الواو الساكنة ،  أما البيت الثاني فتشاهدون ملحق الفعل الماضي المبني للمجهول ألحق بنائب الفاعل واو الجماعة ،  وهذه تعتبر وصلاً ،  لاحرف روي , وهكذا يجري الأمر مع كل حرف غير أصلي من الكلمة ,  حرفالألف لا ينطق ،  فهو مجرد حرف  زائد للتمييز ،  وأعطيك حرف ألف أصلي وينطق ، ويحسب وصلاً لا حرف روي , إقرأ ما يقول حلـّينا السابق :

لو أقبلتْ مضرٌ تقفو ربيعتهـــــــــــا  *** يستنزلونهمـــــا ألفوا هدًى وندى
بالراسبات السحام الدكن ما برحتْ****كالمنهل العذب تروي كلّ من وردا(113)

حرف الروي للقافية المطلقة هو الدال ،  بالرغم من أن الألف المقصورة في البيت الأول حرف أصلي ،  وإن كان الحرف الأصلي ألفا ممدودة يجري الحكم نفسه ،  إذا التزم الشاعر بالحرف السابق له ،  فيعدّ السابق للألف هو الروي ،  كالصاد في البيت التالي :

واللوم للحرِّ مقيمٌ رادعٌ****والعبد لا يردعهُ إلا العصا (114)

   فكلُّ حروف العلة إذا التزم الشاعر الحرف السابق لها يُعتبر  رويا , فيصبح حرف العلة  وصلاً  ،  وإذا لم يلتزم الشاعر بالحرف السابق لها , تكون هي حرف الروي ،  وفي حالة الألف تسمى القصيدة المقصورة ،  وكما ذكرنا من قبل ألف الأثنين الملحقة بالفعل أيضا لا تحسب روياً ،  وإنما وصلاً . وذكرنا قوول الراعي النميري:

  يا صاحبي دنا الأصيلُ فسيرا 

ألف الأثنين المرفق بالفعل ( سِير) وصل والروي الراء . وقد تتصل الهاء الساكنة ،  أو الهاء المتحولة من تاء التأنيث الساكنة مثل قول المتنبي :

لا تحسبوا ربعكمْ ولا طللـّهْ ****أولَ حيٍّ فراقكـــــــمْ قتلـَهْ
قد تلفتْ قبلهُ النفوس بكمْ ****وأكثرتْ في هواكمُ العذلـهْ (115)

القافية المطلقة لامية حركتها الفتح ،  والهاء وصل ساكنة. وإليك   مثال آخر لنذكر الوصل :

وتجتنب الأسودُ ورودَ مــــاءٍ** إذا كُنَّ الكلابُ وَلَغْنَ فيْهِ

      ويرتجع الكريم خميصَ بطنٍ**ولا يرضى مساهمة السَّفِيْه (116)

      الروي في البيتين الهاء ، لأن حرف الياء قبلها ساكن، والوصل الياء المتولدة من إشباع حركة الكسر ،  فالقافية هائية مطلقة ،  وقد تكون  القافية مطلقة ووصلها كاف المخاطب ،  ولكن يجب أن يلتزم الشاعر بالروي ،  مثل قول دعبل في هجاء أحمد بن أبي دواد :

       إنْ كان قــــــــومٌ أراد الله خزيهمُ *** فزوّجوك ارتغاباً منــك في ذهبـِك
       ولو  سكتَ ولم تخطب إلى عربٍ  **لما نشيت الذي تطويه من سببـِكْ (117)

القافية مطلقة الباء المكسورة هي الروي والتزم الشاعر بها في كل القصيدة . و كاف المخاطبة الساكنة وصل .

2 - قافية مطلقة مجردة من الردف والتأسيس ، فالروي محرك بحركة المجرى ،  ولكن بعد الروي يأتي حرفان الوصل والخروج، وطبعاً هذان الحرفان لا يمكن أن يدخلا على القافية المقيدة ، لأن حرف الروي فيها ساكن وينتهى الأمر ،  أمّا القافية المطلقة التي  يلي حرف رويها حرفان الأول الوصل والثاني الخروج ،  وما بعد الخروج خروج ! مثالها قول السيد حيدر الحلي :

محضُ النجار ِكريمُ الفرع ِطيّبُهُ **** سامي العلى من نطافِ العزِّ مشربُهُ (118)

الروي الباء المضمومة ،  فالقافية مطلقة , والهاء وصل , وضمة الهاء تشبع إلى واو ساكنة وهي الخروج ،  وإليك مثال آخر من دعبل :

تخضبُ كفـّاً بُتِكتْ من زندِها****فتخضبُ الحنـّاءَ من مسوَدِّها (119)

أولاً القافية مطلقة ،  لأنّ حرف الدال الروي حركته الكسر ،  ثانياً لا تتوهم بأنّ القافية مردوفة بالواو ،  لأنّ الواو حرف علـّة فقط محرك بالفتح وليس بساكن ،  والدليل قبلها حرف السين ساكن ،  ويشترط بالردف أن يكون حرف العلة ساكناً ، وجاء بعد الروي حرفان ،  وهما ضمير الغائبة المؤنثة المتصل(هـا) ،  فالهاء وصل والألف خروج ، ومثل ذلك قول شوقي :

قمْ سابق الساعة واسبقْ وعدَها ***الأرضُ ضاقتْ عنكَ فاصدعْ غمدَها (120)
  
 ب - القوافي المطلقة التي يسبق رويها حروف الردف أو التأسيس والدخيل معه ، وأنواعها ،  ونتابع التسلسل نفسه لحروف القوافي المطلقة :

3-القوافي المطلقة المردوفة والموصولة بأحد حروف اللين أو الهاء الساكنة ،  أو الهاء وحرف خروجها ،  وحرف الردف هو أحد حروف العلة الثلاثة  الساكنة  (121) يسبق حرف الروي.

أ- يقول المتنبي عند مغادرته مصر في عيد الأضحى هجاءً لكافور الأخشيدي ،  الردف الياء الساكنة ،  ويجوز أن تأتي الواو الساكنة معها كردف في القصيدة نفسها أو المقطوعة دون عيب : 
عيدُ بأيةِ حال ٍ عدتَ  يا عِيْدُ ****بما مضى أم لأمر ٍفيكَ تجدِيْدُ
ماذا لقيتُ من الدنيا وأعجبهُ ****نـّي بما أنا شاكٍ منهُ محسُوْدُ (122)

تكتب القوافي عروضياً (عِيْدُوْ) (دِيْدُوْ) (سُوْدُوْ)  ،  الياء الساكنة في قافيتي صدر وعجز البيت الأول ردف ،  والواو الساكنة الأولى في قافية البيت الثاني (ردف) ،  والدال المضمومة في القوافي (روي) ،  وحركة (المجرى) في الروي الضمة ،  والواو الساكنة الأخيرة الناتجة عن إشباع حركة الضمة  في القوافي (وصل) ، وهاك مثال آخر من الجواهري وهو يناغي لبنان :

ورددتُ  بالنغم الجميل لأرزهِ  *** ظلاً أفـــــــاء به عليّ ظلِيلا
أو ما ترى شعري كأنّ خِلاله**** نسي النسيم جناحهُ المبلـُولا (123)

ركز على وصل البيت الأول أصله تنوين (ظليلاً - ظليلن بالكتابة العروضية ) , ولكن حول التنوين إلى ألف الإطلاق وصلاً ،  أما البيت الثاني الفتحة شبعت إلى ألف  كوصل .
يعلل الدكتور جميل  سلطان  سبب جوازالجمع بين الحركتين السالفتين "لأنّ  الضمة والكسرة اختان "(124) بمعنى - حسب المفهوم الحالي - إنّ الإيقاع الكمي للحركتين بعد إشباعهما متساو ٍ تقريباً ،  بينما الفتح بعد الإشباع يتحول إلى الألف، والإيقاع الكمي للألف أطول كمّاً  ، فلا ينسجم مع الكسر والضم ،  ثم ينتقل الدكتور جميل في الصفحة الأخرى إلى قوله " وهذا الجمع لا يجوز في ردف اللين عند العارفين بالأصول الأساسية " (125) ، والحقيقة كما ذكرنا سابقاً حروف المد يجب أن تكون حركة الحرف الذي يسبقها من جنسها ،  أما حروف اللين أشمل  قد تكون حركة الحرف الذي يسبقها من جنسها أو  ليس من جنسها  ما عدا حرف الألف فهو حرف مد دائماً ،  لذلك في حالة مخالفة حركة الحرف الذي يسبق الواو أوالياء لجنسهما - كأن تكون  حركته الفتح -  لا يجوز جمعهما في القصيدة الواحدة أو المقطوعة .

ب - بعد أن انتهينا من ردف حرفي الواو والياء ، ويجوز اجتماعهما في القصيدة الواحدة في حالة كونهما حرفي مد ،  والآن نأتي إلى القافية المردوفة بالألف ،  ونلجأ إلى السيد مصطفى جمال الدين إذ يقول :

بحروفٍ شدّتْ  عيوني للنور*** ِوروتْ من العبير انتظَـَاري
وحوار ٍلو أنّ لليلِ قلبــــــــــاً *** لاكتفى عن ترصّدِ الأقمَـــار ِ(126)

الروي حرف  الراء ، والألف التي تسبقه في البيتين ردفه (الردف) ،  وياء المتكلم  الساكنة في البيت الأول وصل ،  وعموماً  ياء المتكلم لا تكون حرف روي مطلقاً ، وفي البيت الثاني تشبع حركة الكسر إلى ياء ساكنة فتصبح وصلاً .

ج - قافية مطلقة مردوفة بعد رويها هاء ساكنة مثل قول دعبل يهجو الفضل بن العباس الخزاعي ،  وكان دعبل مؤدبه  ،  قائلاً :

ما أن يزالُ - وفيه العيب يجمعهُ -*** جهلاً لأعراض أهل المجد عيّابهْ
إنْ عابني لـــــــم يعبْ إلا مؤدبهُ  ***ونفسهُ عــــــــاب لمّا عاب آدابهْ (127)

الباء الروي والألف الذي قبلها ردفها ،  والهاء الساكنة بعدها وصلها.

د - قافية مطلقة  مردوفة بعد رويها وصل  هاء  تنتهي بخروج حرف لين  عقبى تشبعه من حركته, إليك قول أبي فراس وهو يصفالسحاب :

جاءتْ به مسبلة ً أهدابُهُ *** رائحة ً هبـوبها هِبابُهُ
ولم يؤمن فقدهُ إيــــــابُهُ *** شيخ ٌ كبيرٌ عادهُ شبابُهُ (128)

الباء المضمومة الروي ، الألف الذي قبلها الردف ،  الهاء بعد الروي الوصل , وتشبع حركة الهاء إلى واو ساكنة ،  فتصبح الخروج , أو خروج ألف ضمير المونث الغائبة المتصل ، كقول السيد جعقر الحلي :

بالغلس انســـــلت إلى حبـِيْبـِها ****تخطو وعينــــاها إلى رقِيْبِـِها
ساحبة الأبراد  فـــــي مـــرابع ٍ  ***أرجآوءها تضوّعــــتْ بطِيْبـِها
مرّتْ بها ريحُ الشمال فاغتدتْ  *** تحمل طيب المسك في جيُوْبـِها (129)

لاحظ من خارج القافية المطلقة إلى داخلها , يطلّ عليك من خارجها حرف (الخروج) ألف ضمير الغائبة المتصل ،  ثم (الهاء) وهي  الوصل , فحرف (الروي) الرئيسي وهو الباء المكسورة ،  فالردف ،  وفي الأبيات السابقة  حرفا الياء أوالواو الساكنان ،  ولكن دقق في حركة الحرف الذي يسبق الردف تجدها من جنسه  ،  الضمة للواو الساكنة ،  والكسر للياء الساكنة ،  لذلك جاز للشاعر جمعهما (الواو والياء ) في  قافية القصيدة نفسها ،  وهذا رأي سيبويه ( 130) .

  ومن الجدير ذكره أفضل شعرياً إن كان حرف الردف نفسه في كل القصيدة دون تصنع أو تكلف ، ولكن مجيء الياء مع الواو وفق الضوابط لا تعد عيباً مطلقاً.

4 - القوافي المطلقة المؤسسة  بألف التأسيس يعقبه حرف الدخيل فحرف الروي الأساسي المحرك ،  وتشبع حركته فيتولد الوصل أو يكون الوصل هاء ساكنة متصلة بالروي  , أو متحركة تؤدي لحرف الخروج ،  سنوضح الأمر تدريجياً و بالأمثلة :

أ - إمّا أن  يكون حرف التأسيس من نفس الكلمة التي بها حرف الروي  ، وبينهما حرف واحد يسمى الدخيل ،  مثل أبيات ابن المعتز العباسي الشاعر الشهير في دفاعه عن نفسه ،  لما أشاع عليه القرامطة هجوه للإمام علي (ع) قائلاً :

أآكل من لحمي وأشرب من دمي****كذبت لحــــــاك الله يا شرَّ واغل ِ
عليٌّ وعبّــــــــــاسٌ يدان كلاهما *** يمين سواء في العلى و الفضائل ِ(131)
كما ترى (واغل) كلمة واحدة تشمل حرفي التأسيس (الألف) والروي (اللام) ، وبينهما حرف الدخيل (الغين) ،  وتشبع كسرة اللام إلى ياء ساكنة (حرف لين ) ،  فتصبح (الوصل) ،  ومثلها كلمة (الفضائل) في البيت الثاني ، ولكن إذا كان بين الألف وحرف الروي حرفان مثل (عقابيل) لا تكون الألف حرف تأسيس .

ب - وقد يكون التأسيس من كلمة ، والروي من كلمة  أخرى، فكلمة الروي إما أن تكون  متصلة بضمير أو غير متصلة ،  فإن كان فيها ضمير فلا يخلو إما أن يكون ذلك الضمير حرفاً متصلاً بحرف خفض أو غير متصل ،  فإن لم يكن متصلاً بحرف خفض كالكاف في الخطاب المذكر والمؤنث مثل قول طرفة :

قفي قبل وشك البين يا ابنة مالكٍ ***وعوجي علينا من صدور جمالكِ (132)

فالألف هنا تأسيس.
 أمّا إذا كان الضمير متصلاً بحرف خفض (مكسور) ،  كقول سحيم عبد بني الحسحاس :

ألا نادِ في أثارهنّ الغوانيا ***سقين سِماماً ما لهنَّ وما لِيا (133)

فصدر  البيت واضح ألف التأسيس من نفس كلمة حرف الروي (الياء)، ونعني كلمة ( الغوانيا )  ،  النون فيها ( الدخيل) ،  والألف الأخيرة هي فتحة فوق الياء شبعت إلى ألف فيصبح (الوصل) .
  أمّا في العجز(ما ليا ) فكلمتان ،  ألف التأسيس في كلمة (ما ) ، والكلمة الثانية (ليا ) اللام  حرف جر مكسور ، (ياء )المتكلم (الروي) ،  والألف الأخيرة (الوصل) ، وقيل الألف الأولى ليست بتأسيس ، لأنهما كلمتان  ( ما ) و ( لي) ، وعندي أنّها تأسيس ، لأن الشعر لفظ منطوق ، لا كلام مكتوب ...!!
  
وما عدا كاف المخاطبة للمذكر و المؤنث والضمير المتصل بحرف خفض (مكسور) ، لا يمكن أن نحسب الألف المفصولة  عن حرف الروي - من كلمة أخرى -  بحرف واحد تأسيساً ،مثل قول حسان :
إذا لم يسدْ قبل شدّ الإزار ِ*** فذلك فينا الذي لاهُوهْ 
(لاهُوهْ) هنا الألف ليس بحرف تأسيس (134) ، لأن حرف الروي الواو قبلها الهاء مضمومة وليس مكسورة (مخفوضة) ،  وضمير الهاء الساكن الذي بعدها منفصل عنها ،بينما لو  (ماهِيا) يحسب الألف الأول حرف تأسيس ,لأن الياء حرف  الروي قبله هاء مكسورة ( الدخيل) ، والألف الأخيرة حرف الوصل متصل بالروي الياء.
        
ج - قافية مطلقة مؤسسة  وصلها هاء ساكنة  : من قصيدة لكاتب هذه  السطور مؤسسة  رائية مجراها حركة الفتح و وصلها الهاء أو تاء التأنيث المحولة إلى هاء ساكنة :

مرّوا كما مرَّ العجاجُ على الحقول ِالزاهرَة ْ
رسفتْ بقيدِ الذّل أقـــــــــدامُ العبيدِ الخائرَة ْ
صبراْعلى البلوى فكمْ ليل ٍيفلقُ بــــــاكرَهْ (135)

الراء متحركة بالفتح , البيت الأول والثاني نهايتهما تاء التأنيث المحولة إلى هاء ساكنة ، والبيت الثالث نهايته الضمير المذكر المتصل (الهاء) الساكن ، وكلها حروف وصل ، ولكن إذا جاءت الهاء بعد حرف   ساكن تعتبر هي الروي ،  وذكرنا هذا في الحلقة السابقة.

د -قافية مطلقة مؤسسة متصلة بهاء محركة أو متصلة بحرف ساكن ، بمعنى الهاء تؤدي لحرف (الخروج ) , مما ينسب إلى دعبل الخزاعي :

ما أعجبَ الدهر في تصرّفهِ *** والدّهر لا تنقضي عجائبُهُ
فكم رأينا في الدّهر من أسدٍ *** بالتْ على رأســــهِ ثعالبُهُ (136)

القافية مطلقة مؤسسة بـ (ألف التأسيس ) ،  (الروي) الباء ،  ما بينهما ( الدخيل ) ، الهاء بعد الروي( وصل) ،  الوصل محرك بالضمة ، تشبع الضمة إلى الواو فتصبح حرف (الخروج) ،  وإليك قول السيد حيدر الحلي :

جلا على الطرس  من فرائده ***عروسَ فكر ٍ زهتْ فرائدُها
خلوقها من شذا حجــاهُ ومن *** جوهر ٍألفاظـــهُ قلائـــــدُها (137 )

أيضاً القافية مطلقة مؤسسة بألف  التأسيس والدال خرف رويها وما بينهما الدخيل ، والهاء بعد الروي الوصل ، والألف الأخيرة التابعة لضمير المؤنثة الغائبة هو حرف الخروج. 
مما سبق توضحت لنا حروف القافية الممكن ورودها في قوافي الشعر العربي ، فالروي لابدّ منه ، ولا بديل عنه في الشعر  العمودي ،  فهو الأساس , ففي القوافي المقيدة الساكنة لا يأتي بعده أي حرف ،  ولكن قبله يأتي : إما حرف أصلي ،  أو أحد حروف العلة الساكنة (اللين) ويسمى الردف ، أو يأتي ألف التأسيس ،  ويفصل بينه وبين الروي حرف واحد هو حرف الدخيل ،  ومن المحال في اللغة العربية أن يجتمعا حرفا التأسيس ( الألف) مع أحد  حروف (الردف) ،  والسبب لا يجتمع ساكنان متتاليان في لغتنا الجميلة ،  أما في القافية المطلقة فتنطبق القاعدة نفسها بضوابطها  من الروي وما يسبقه من الحروف المذكورة في القافية المقيدة ، وبما أنّ حرف الروي  محرك ، فتشبع الحركة أو يتصل بحرف آخر يسمى الوصل ، والوصل قد يؤدي إلى حرف خروج ، لذلك حروف القوافي المحتمل مجيئها من الخارج إلى الداخل :

1- الخروج        2- الوصل       3 - الروي ( الأساسي)   4 - الردف  5 - الدخيل       6 - التأسيس . 
و لخصها صفي الدين الحلي بقوله :

مجرى القوافي في حروفٍ ستةٍ ***كالشمس تجري في علو بروجها
تأسيسها , ودخيلها , مع ردفها *** ورويّها , مع وصلها , وخروجها ( 138)

ونخرج بعد خروجها ،  وسنواصل الموضوع  عن حركاتها وعيوبها ،  والكمال لله وحده  ، وما بعد الكمال من قيل وقال !

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(103) النغم الشعري عند العرب :الدكتوران شرف الدين وخفاجي ص  مصدر سابق ،يجعلونها تسع قواف ،  ونحن دمجنا المردوفة المطلقة في نقطة واحدة بدل نقطتين وفصلناهما بوضوح لوحدة الموضوع ،  وكذلك فعلنا مع المؤسسة المطلقة  ، وفي المقيدة قسمنا حسب وجهة نظرنا ، وفصلنا الأمر تفصيلاً .
 (104) حصاد أيّام وأيام : كريم مرزة الاسدي ص مصدر سابق .
  (105) وذكر أبو العلاء حالة شاذة نادرة إذ  ورد ساكنان في  وسط الكلام , وهذه لا يؤخذ بها مطلقاً .
(106) لزوم ما لا يلزم : أبو العلاء المعري ص شر ح الدكتوران طه حسين وزميله م . س  الشعر فقط.
(107)المصدر نفسه ص  ،  جامل  جمع الإبل ،  النيب : النوق (الأناث) ، المنيح قدح الميسر الثامن ،  والمعلى السابع ، الشعر وشرح مفرداته في الهامش فقط  من المصدر.
(108 )  المصدر نفسه ص :  الدّوم : الشجر الضخم 
(109) ديوان المتنبي : شرح علي العسيلي  ص مصدر سابق ،  الفرع : الشعر ،  الوارد الطويل المسترسل ،  الساهد : الساهر.
(110) بعض المصادر تذكر تشبع الحركات إلى حروف مد ، وهي ليس بخطأ إذا كانت حركات الروي أو الوصل من جنس الحركة المشبعة وهو الغالب الأعم ،  ولكن في (النغم الشعري عند العرب ) للدكتورين المذكورين سابقاً  يستخدمان حروف اللين بمكان المد ، وأنا معهما لأن حروف اللين أعم ،  أي كل حرف لين بالضرورة هو حرف مد ، والعكس غير صحيح -راجع الهامش في الحلقة الثانية .
(111) سحر بابل وسجع البلابل : السيد جعفر الحلي ص دار الأضواء - بيروت م الطبعة  .
(112) ديوان المتنبي  : شرح العسلي ص م. س.
(113) سحر بابل ...: ص   م. س.
(114) ميزان الذهب : السيد أحمد الهاشمي  ص م. س.
(115) ديوان المتنبي : ص م. س.
(116) تنسب  البيتان  إلى الإمام الشافعي , ولكن على أغلب الظن  مجهولة القائل .
(117) ديوا ن دعبل : ص  ت الدجيلي   
(118) ديوان السيد حيدر الحلي : ج  ص الطبعة م- مؤسسة الأعلمي بيروت.
(119) ديوان دعبل بن علي الخزاعي : ت. عبد الصاحب الدجيلي  ص دار الكتب اللبنانية ط سنة م بيروت .
(120) الشوقيات  : ديوان أحمد شوقي م
   شرح علي  العسيلي ص - مؤسسة النور  م بيروت.
(121) شرط أن لا يسبق حروف العلة حرف ساكن , لأنه لا يجتمع ساكنان في اللغة العربية فيصبح حرف العلة متحركاً , وبالتالي لا يمكن أن يكون حرف  ردف . 
(122) ديوان المتنبي : ص  م. س.
(123) ذكرياتي : الجواهري ج   ص    دار الرافدين دمشق .
(124) راجع : كتاب الشعر : د. جميل سلطان  ص   منشورات المكتبة العباسية ،  بلا .
(125)  ص   المصدر نفسه .
(126) الديوان : مصطفى جمال الدين  ص ط  دار المؤرخ العربي   م بيروت.
(127) ديوان دعبل : م ،  س.  ص ت الدجيلي .
(128) ديوان أبي فراس الحمداني : ت . د . محمد التنوجي ص    م. س.
(129) سحر بابل ...: السيد جعفر الحلي ص   م . س .
(130) القوافي :أبو يعلى التنوخي ص م . س .ينقل  "وذكر سيبويه أن فتح ما قبل الواو والياء لا يجوز"
(131) ابن المعتز العباسي : د. أحمد كمال زكي  ص - المؤسسة المصرية العامة ( أعلام العرب  ) - بلا.
(132) القوافي :  التنوخي ص م . س.
(133) المصدر نفسه
(134) المصدر نفسه
(135 ) ديوان ( وطني ) : كريم مرزة الأسدي ص م. س .
(136) ديوان دعبل ...: الدجيلي ص   م . س .
(137 ) ديوان السيد حيدر احلي  : ج  ص   م . س .
(138)  راجع : كتاب الشعر : د. جميل سلطان  ص م . س .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق