القافية المقيدة والقافية المطلقة
وتتضمن بقية حروف القافية
عرّفنا حرف الروي ، هوالحرف الرئيسي في القافية ، واجب الوجود في الشعر العمودي ،وإليه تنسب القصيدة العمودية أو المقطوعة ، ويقال عنها ميمية أو دالية أو سينية.... ، وإذا تغير أحد أحرفها ، أو حركته يكسر القصيدة ، ويُعدّعيباً ، ويحط ُ من هيبة الشاعر ومنزلته ، وخصوصاً إذا تكرر هذا العيب مراراً ، وغفر لبعض الشعراء الجاهليين لشهرتم الكبيرة ، وعدم تكراره .
حرف الروي يجرنا للقافية المقيدة والقافية المطلقة ، المقيدة ما كان فيها حرف الروي ساكناً ، والمطلقة ما كان فيها حرف الروي مُحركاً, وحركة حرف الروي تسمى (المجرى ) : وهناك سبع قوافٍ لكلتيهما حسب تقسيمنا ، للمقيدة ثلاثة أنواع ، وللمطلقة أربعة أنواع .(103)
ونشرع بالقوافي المقيدة :
ولا يأتي بعد القافية المقيدة (الساكنة)أي حرف ، لا وصل ، ولا خروج ، بل قد يأتي قبله حرف الردف ، أو حرف التأسيس ويرافقه بعده حرف الدخيل ثم يأتي حرف الروي المقيد ، ومن الجدير ذكره ، التأسيس والردف لا يلتقيان مطلقاً ، والسبب كلاهما ساكنان ، وفي اللغة العربية لا يتوالى ساكنان ، إلا في خواتيم القوافي المقيدة ، وهذه أصعب من القوافي المطلقة ، لا يتمكن عليها سوى الشعراء القادرين ، وخصوصاً إذا توالى ساكنان، وتأتي في بحور الرمل والمتقارب والطويل أكثر من بقية البحور والأنواع الثلاثة هي:
1- قافية مجردة من الردف والتأسيس :
من قصيدة لكاتب هذه السطور تحت عنوان ( من وحي القلم) من البحر الرمل :
ليس في ليلي سميرٌ كالقلـَمْ ***يسكبُ الآهاتِ من نبع ِالألـَمْ
صحبَ العقلَ ولمّا استأنسا***سهرَ الفكرُ وعيني لـــمْ تنـَمْ (104)
كما ترى بعد الميم الساكنة لا يوجد أي حرف ، وقبلها لا توجد ألف التأسيس ، ولا يوجد حرف ردف (الألف أوالياء أوالواو الساكنات ) ، والحرف قبل الروي حركته الفتح .
2 - مقيدة يسبقها حرف الردف :
أي يكون حرف الروي ساكناً ، ويسبقه أحد حرؤف الردف الساكنات وهي (الألف أو الياء أو الواو ) ، فتكون من حيث لفظ القافية (مترادف ) ، لإلتقاء الساكنين في آ خر البيت ،وهذا لا يأتي إلا في الشعر (105)، كقوله :
ما هاجَ حسانَ رسومُ المقـَامْ***ومظعن الحيّ ومبنى الخيَامْ (106)
كما ترى- يا صاحبي - لا تأتي قبل ألف الردف إلا حركة الفتح فقط ، لذلك هوحرف مد دائماً ، و حرف المد يمكن له أن يكون حرف لين ، وحروف المد واللين أصلها حروف علـّة (الألف والياء والواو ) ، وحروف العلة الثلاثة لا تبالي أن تكون ساكنة أو متحركة ، ولكن لا تكون ردفاً إلا إذا كانت ساكنة ، بمعنى آخر أنّ حروف اللين والمد لا تكون إلا ساكنة ، لذلك أياك أن تعتبر حرفي الياء والواو المُحركين حرفي ردف (الألف دائماً ساكنة ، وقبلها حركة فتح) ، أنا أعرف قد ذكرت من قبل هذا ، وهذا للتأكيد ولمن فاته الأمر .
تعال معي لحرفي الياء والواو من حروف العلة الساكنة ، هذين الحرفين إذا سبقهما حركتال من جنسيهما الكسرة للأول والضمة للثاني ، فهما حرفا مد ولين وعلة (ساكنان) ، وإذا كانت الحركة قبلهما الفتح فهما حرفا لين وعلة (ساكنان) فقط وإليك أمثلة على ردفيهما في حالتي تجانس الحركة قبلهما ، وطبعاً حرف الروي ساكن مقيد ، مثال الياء الردف وما قبله الكسر قول طرفة :
وجامل ٍخوّعَ من نيبهِ ****زجرُ المعلـّى أ ُصلا ًوالمنِيْحْ (107)
والياء ردف ، إن كانت الحركة التي تسبقها مجانسة ، وإليك الحركة التي تسبقها غير مجانسة (الفتحة ) :
يمنعها شيخ ٌ بخدّيهِ الشـَّيْبْ ****لا يحذرُالرَّيبَ إذا خيفَ الرَّيْبْ
الياء ردف ، وما قبلها حركة فتح , والروي ساكن فالقافية مقيدة ، وهاك الواو وهي ردف وما قبلها حركة مجانسة وغير مجانسة ( الفتح) ، يقول منظور بن مرثد الأسدي
:
هل تعرفُ الدارِ بأعلى ذي القـُوْرْ ***قد دُرستْ غير رمادٍ مكفـُوْرْ (108)
لاحظ الحرف الذي يسبق الواو الساكنة (الردف) مضموم ، فالحركة من جنس الردف ، بينما البيت الآتي الحرف الذي يسبق الردف (الواو الساكنة ) حركته الفتحة من غير جنس الواو ، وإليك قول الراجز :
ما لك لا تنبحُ يا كلبَ الدَّوْمْ****بعد هدوء الحيّ أصوات القـَوْمْ
قد كنت نبّاحًا فما لك اليَوْمْ (108) .
3- القوافي المقيدة المؤسسة :
وهذا يعني طبعا أنّ حرف الروي ساكن ، ويسبقه حرفان الذي قبله مباشرة حرف الدخيل ، وقبل الدخيل حرف الألف يسمى ألف التأسيس ، فمن قصيدة مطولة للمتنبي يمدح فيها عضد الدولة يقول :
حكيتَ يا ليل ُفرعها الوار ِدْ *** فاحكِ نواها لجفني السّاهِدْ
طالَ بكائــــي على تذكـّرها****وطلتَ حتى كلاكمـــا واحِدْ (109)
دقق رجاءً الألف ألف التأسيس، والحرف الذي بعده هو حرف الدخيل حركته الكسر في كل القصيدة المطولة ، والدال هو حرف الروي الساكن ، فالقافية مقيدة مؤسسة.
القوافي المطلقة :
وهي القوافي التي يكون فيها حرف الروي محركاً بحركة ( المجرى) ، وحركة المجرى طبعا ً إمّا الضمة أو الفتحة أو الكسرة ، وتشبع هذه الحركات إلى حروف لين (110) ، الواو والألف والياء على التوالي، لذلك تسمى بالقوافي المطلقة ، وهذه القوافي يأتي بعد رويها حرف (الوصل ) بأنواعه ، وربما يلحقه حرف لين آخر هو ( الخروج ) ، ويسبقه إمّا حرف عادي أو الردف ، أو التأسيس والدخيل، وسنفصل الأمر بالنقاط الآتية :
أ - الحرفان بعد الروي المحرك ، وهما الوصل والخروج :
1- قافية مطلقة مجردة من الردف والتأسيس ، ولابدّ لحرف رويها الأخير من وصل ، إذ تتحول حركة الروي (المجرى) إلى حرف لين بعد الإشباع، وإليك أمثلة من شعر السيد جعفر الحلي :
قد فرّق الفكر أيّام الحياة على *** علم ٍيقول لأشتــات العلى اجتمعي
ولـّتْ على إثره الدنيا وزينتها***ما لامرىءٍ بعده بالعيش من طمع(111)
القافية مطلقة ، وحرف الروي العين ، ودقـّقْ في البيت الأول تجد ياء المخاطبة الساكنة، ولكن ياء المخاطبة لا يمكن أنْ تكون حرف روي مطلقاً ، فهي وصل لحرف الروي العين، أمّا في البيت الثاني فتشبع الكسرة إلى حرف لين (الياء الساكنة) ، فتصبح وصلا للعين .
يقول المتنبي :
سأطلب حقـّي بالقنا ومشايخ ٍ***كأنـّهم من طول ما التثموا مُردُ
ثقال ٍإذا لاقوا خفافٍ إذا دعوا **** كثير ٍإذا اشتدّوا قليل ٍإذا عُدّوا (112)
القافية دالية مطلقة ، في البيت الأول تشبع الضمة إلى حرف لين (مد) ، وهو الواو الساكنة ، أما البيت الثاني فتشاهدون ملحق الفعل الماضي المبني للمجهول ألحق بنائب الفاعل واو الجماعة ، وهذه تعتبر وصلاً ، لاحرف روي , وهكذا يجري الأمر مع كل حرف غير أصلي من الكلمة , حرفالألف لا ينطق ، فهو مجرد حرف زائد للتمييز ، وأعطيك حرف ألف أصلي وينطق ، ويحسب وصلاً لا حرف روي , إقرأ ما يقول حلـّينا السابق :
لو أقبلتْ مضرٌ تقفو ربيعتهـــــــــــا *** يستنزلونهمـــــا ألفوا هدًى وندى
بالراسبات السحام الدكن ما برحتْ****كالمنهل العذب تروي كلّ من وردا(113)
حرف الروي للقافية المطلقة هو الدال ، بالرغم من أن الألف المقصورة في البيت الأول حرف أصلي ، وإن كان الحرف الأصلي ألفا ممدودة يجري الحكم نفسه ، إذا التزم الشاعر بالحرف السابق له ، فيعدّ السابق للألف هو الروي ، كالصاد في البيت التالي :
واللوم للحرِّ مقيمٌ رادعٌ****والعبد لا يردعهُ إلا العصا (114)
فكلُّ حروف العلة إذا التزم الشاعر الحرف السابق لها يُعتبر رويا , فيصبح حرف العلة وصلاً ، وإذا لم يلتزم الشاعر بالحرف السابق لها , تكون هي حرف الروي ، وفي حالة الألف تسمى القصيدة المقصورة ، وكما ذكرنا من قبل ألف الأثنين الملحقة بالفعل أيضا لا تحسب روياً ، وإنما وصلاً . وذكرنا قوول الراعي النميري:
يا صاحبي دنا الأصيلُ فسيرا
ألف الأثنين المرفق بالفعل ( سِير) وصل والروي الراء . وقد تتصل الهاء الساكنة ، أو الهاء المتحولة من تاء التأنيث الساكنة مثل قول المتنبي :
لا تحسبوا ربعكمْ ولا طللـّهْ ****أولَ حيٍّ فراقكـــــــمْ قتلـَهْ
قد تلفتْ قبلهُ النفوس بكمْ ****وأكثرتْ في هواكمُ العذلـهْ (115)
القافية المطلقة لامية حركتها الفتح ، والهاء وصل ساكنة. وإليك مثال آخر لنذكر الوصل :
وتجتنب الأسودُ ورودَ مــــاءٍ** إذا كُنَّ الكلابُ وَلَغْنَ فيْهِ
ويرتجع الكريم خميصَ بطنٍ**ولا يرضى مساهمة السَّفِيْه (116)
الروي في البيتين الهاء ، لأن حرف الياء قبلها ساكن، والوصل الياء المتولدة من إشباع حركة الكسر ، فالقافية هائية مطلقة ، وقد تكون القافية مطلقة ووصلها كاف المخاطب ، ولكن يجب أن يلتزم الشاعر بالروي ، مثل قول دعبل في هجاء أحمد بن أبي دواد :
إنْ كان قــــــــومٌ أراد الله خزيهمُ *** فزوّجوك ارتغاباً منــك في ذهبـِك
ولو سكتَ ولم تخطب إلى عربٍ **لما نشيت الذي تطويه من سببـِكْ (117)
القافية مطلقة الباء المكسورة هي الروي والتزم الشاعر بها في كل القصيدة . و كاف المخاطبة الساكنة وصل .
2 - قافية مطلقة مجردة من الردف والتأسيس ، فالروي محرك بحركة المجرى ، ولكن بعد الروي يأتي حرفان الوصل والخروج، وطبعاً هذان الحرفان لا يمكن أن يدخلا على القافية المقيدة ، لأن حرف الروي فيها ساكن وينتهى الأمر ، أمّا القافية المطلقة التي يلي حرف رويها حرفان الأول الوصل والثاني الخروج ، وما بعد الخروج خروج ! مثالها قول السيد حيدر الحلي :
محضُ النجار ِكريمُ الفرع ِطيّبُهُ **** سامي العلى من نطافِ العزِّ مشربُهُ (118)
الروي الباء المضمومة ، فالقافية مطلقة , والهاء وصل , وضمة الهاء تشبع إلى واو ساكنة وهي الخروج ، وإليك مثال آخر من دعبل :
تخضبُ كفـّاً بُتِكتْ من زندِها****فتخضبُ الحنـّاءَ من مسوَدِّها (119)
أولاً القافية مطلقة ، لأنّ حرف الدال الروي حركته الكسر ، ثانياً لا تتوهم بأنّ القافية مردوفة بالواو ، لأنّ الواو حرف علـّة فقط محرك بالفتح وليس بساكن ، والدليل قبلها حرف السين ساكن ، ويشترط بالردف أن يكون حرف العلة ساكناً ، وجاء بعد الروي حرفان ، وهما ضمير الغائبة المؤنثة المتصل(هـا) ، فالهاء وصل والألف خروج ، ومثل ذلك قول شوقي :
قمْ سابق الساعة واسبقْ وعدَها ***الأرضُ ضاقتْ عنكَ فاصدعْ غمدَها (120)
ب - القوافي المطلقة التي يسبق رويها حروف الردف أو التأسيس والدخيل معه ، وأنواعها ، ونتابع التسلسل نفسه لحروف القوافي المطلقة :
3-القوافي المطلقة المردوفة والموصولة بأحد حروف اللين أو الهاء الساكنة ، أو الهاء وحرف خروجها ، وحرف الردف هو أحد حروف العلة الثلاثة الساكنة (121) يسبق حرف الروي.
أ- يقول المتنبي عند مغادرته مصر في عيد الأضحى هجاءً لكافور الأخشيدي ، الردف الياء الساكنة ، ويجوز أن تأتي الواو الساكنة معها كردف في القصيدة نفسها أو المقطوعة دون عيب :
عيدُ بأيةِ حال ٍ عدتَ يا عِيْدُ ****بما مضى أم لأمر ٍفيكَ تجدِيْدُ
ماذا لقيتُ من الدنيا وأعجبهُ ****نـّي بما أنا شاكٍ منهُ محسُوْدُ (122)
تكتب القوافي عروضياً (عِيْدُوْ) (دِيْدُوْ) (سُوْدُوْ) ، الياء الساكنة في قافيتي صدر وعجز البيت الأول ردف ، والواو الساكنة الأولى في قافية البيت الثاني (ردف) ، والدال المضمومة في القوافي (روي) ، وحركة (المجرى) في الروي الضمة ، والواو الساكنة الأخيرة الناتجة عن إشباع حركة الضمة في القوافي (وصل) ، وهاك مثال آخر من الجواهري وهو يناغي لبنان :
ورددتُ بالنغم الجميل لأرزهِ *** ظلاً أفـــــــاء به عليّ ظلِيلا
أو ما ترى شعري كأنّ خِلاله**** نسي النسيم جناحهُ المبلـُولا (123)
ركز على وصل البيت الأول أصله تنوين (ظليلاً - ظليلن بالكتابة العروضية ) , ولكن حول التنوين إلى ألف الإطلاق وصلاً ، أما البيت الثاني الفتحة شبعت إلى ألف كوصل .
يعلل الدكتور جميل سلطان سبب جوازالجمع بين الحركتين السالفتين "لأنّ الضمة والكسرة اختان "(124) بمعنى - حسب المفهوم الحالي - إنّ الإيقاع الكمي للحركتين بعد إشباعهما متساو ٍ تقريباً ، بينما الفتح بعد الإشباع يتحول إلى الألف، والإيقاع الكمي للألف أطول كمّاً ، فلا ينسجم مع الكسر والضم ، ثم ينتقل الدكتور جميل في الصفحة الأخرى إلى قوله " وهذا الجمع لا يجوز في ردف اللين عند العارفين بالأصول الأساسية " (125) ، والحقيقة كما ذكرنا سابقاً حروف المد يجب أن تكون حركة الحرف الذي يسبقها من جنسها ، أما حروف اللين أشمل قد تكون حركة الحرف الذي يسبقها من جنسها أو ليس من جنسها ما عدا حرف الألف فهو حرف مد دائماً ، لذلك في حالة مخالفة حركة الحرف الذي يسبق الواو أوالياء لجنسهما - كأن تكون حركته الفتح - لا يجوز جمعهما في القصيدة الواحدة أو المقطوعة .
ب - بعد أن انتهينا من ردف حرفي الواو والياء ، ويجوز اجتماعهما في القصيدة الواحدة في حالة كونهما حرفي مد ، والآن نأتي إلى القافية المردوفة بالألف ، ونلجأ إلى السيد مصطفى جمال الدين إذ يقول :
بحروفٍ شدّتْ عيوني للنور*** ِوروتْ من العبير انتظَـَاري
وحوار ٍلو أنّ لليلِ قلبــــــــــاً *** لاكتفى عن ترصّدِ الأقمَـــار ِ(126)
الروي حرف الراء ، والألف التي تسبقه في البيتين ردفه (الردف) ، وياء المتكلم الساكنة في البيت الأول وصل ، وعموماً ياء المتكلم لا تكون حرف روي مطلقاً ، وفي البيت الثاني تشبع حركة الكسر إلى ياء ساكنة فتصبح وصلاً .
ج - قافية مطلقة مردوفة بعد رويها هاء ساكنة مثل قول دعبل يهجو الفضل بن العباس الخزاعي ، وكان دعبل مؤدبه ، قائلاً :
ما أن يزالُ - وفيه العيب يجمعهُ -*** جهلاً لأعراض أهل المجد عيّابهْ
إنْ عابني لـــــــم يعبْ إلا مؤدبهُ ***ونفسهُ عــــــــاب لمّا عاب آدابهْ (127)
الباء الروي والألف الذي قبلها ردفها ، والهاء الساكنة بعدها وصلها.
د - قافية مطلقة مردوفة بعد رويها وصل هاء تنتهي بخروج حرف لين عقبى تشبعه من حركته, إليك قول أبي فراس وهو يصفالسحاب :
جاءتْ به مسبلة ً أهدابُهُ *** رائحة ً هبـوبها هِبابُهُ
ولم يؤمن فقدهُ إيــــــابُهُ *** شيخ ٌ كبيرٌ عادهُ شبابُهُ (128)
الباء المضمومة الروي ، الألف الذي قبلها الردف ، الهاء بعد الروي الوصل , وتشبع حركة الهاء إلى واو ساكنة ، فتصبح الخروج , أو خروج ألف ضمير المونث الغائبة المتصل ، كقول السيد جعقر الحلي :
بالغلس انســـــلت إلى حبـِيْبـِها ****تخطو وعينــــاها إلى رقِيْبِـِها
ساحبة الأبراد فـــــي مـــرابع ٍ ***أرجآوءها تضوّعــــتْ بطِيْبـِها
مرّتْ بها ريحُ الشمال فاغتدتْ *** تحمل طيب المسك في جيُوْبـِها (129)
لاحظ من خارج القافية المطلقة إلى داخلها , يطلّ عليك من خارجها حرف (الخروج) ألف ضمير الغائبة المتصل ، ثم (الهاء) وهي الوصل , فحرف (الروي) الرئيسي وهو الباء المكسورة ، فالردف ، وفي الأبيات السابقة حرفا الياء أوالواو الساكنان ، ولكن دقق في حركة الحرف الذي يسبق الردف تجدها من جنسه ، الضمة للواو الساكنة ، والكسر للياء الساكنة ، لذلك جاز للشاعر جمعهما (الواو والياء ) في قافية القصيدة نفسها ، وهذا رأي سيبويه ( 130) .
ومن الجدير ذكره أفضل شعرياً إن كان حرف الردف نفسه في كل القصيدة دون تصنع أو تكلف ، ولكن مجيء الياء مع الواو وفق الضوابط لا تعد عيباً مطلقاً.
4 - القوافي المطلقة المؤسسة بألف التأسيس يعقبه حرف الدخيل فحرف الروي الأساسي المحرك ، وتشبع حركته فيتولد الوصل أو يكون الوصل هاء ساكنة متصلة بالروي , أو متحركة تؤدي لحرف الخروج ، سنوضح الأمر تدريجياً و بالأمثلة :
أ - إمّا أن يكون حرف التأسيس من نفس الكلمة التي بها حرف الروي ، وبينهما حرف واحد يسمى الدخيل ، مثل أبيات ابن المعتز العباسي الشاعر الشهير في دفاعه عن نفسه ، لما أشاع عليه القرامطة هجوه للإمام علي (ع) قائلاً :
أآكل من لحمي وأشرب من دمي****كذبت لحــــــاك الله يا شرَّ واغل ِ
عليٌّ وعبّــــــــــاسٌ يدان كلاهما *** يمين سواء في العلى و الفضائل ِ(131)
كما ترى (واغل) كلمة واحدة تشمل حرفي التأسيس (الألف) والروي (اللام) ، وبينهما حرف الدخيل (الغين) ، وتشبع كسرة اللام إلى ياء ساكنة (حرف لين ) ، فتصبح (الوصل) ، ومثلها كلمة (الفضائل) في البيت الثاني ، ولكن إذا كان بين الألف وحرف الروي حرفان مثل (عقابيل) لا تكون الألف حرف تأسيس .
ب - وقد يكون التأسيس من كلمة ، والروي من كلمة أخرى، فكلمة الروي إما أن تكون متصلة بضمير أو غير متصلة ، فإن كان فيها ضمير فلا يخلو إما أن يكون ذلك الضمير حرفاً متصلاً بحرف خفض أو غير متصل ، فإن لم يكن متصلاً بحرف خفض كالكاف في الخطاب المذكر والمؤنث مثل قول طرفة :
قفي قبل وشك البين يا ابنة مالكٍ ***وعوجي علينا من صدور جمالكِ (132)
فالألف هنا تأسيس.
أمّا إذا كان الضمير متصلاً بحرف خفض (مكسور) ، كقول سحيم عبد بني الحسحاس :
ألا نادِ في أثارهنّ الغوانيا ***سقين سِماماً ما لهنَّ وما لِيا (133)
فصدر البيت واضح ألف التأسيس من نفس كلمة حرف الروي (الياء)، ونعني كلمة ( الغوانيا ) ، النون فيها ( الدخيل) ، والألف الأخيرة هي فتحة فوق الياء شبعت إلى ألف فيصبح (الوصل) .
أمّا في العجز(ما ليا ) فكلمتان ، ألف التأسيس في كلمة (ما ) ، والكلمة الثانية (ليا ) اللام حرف جر مكسور ، (ياء )المتكلم (الروي) ، والألف الأخيرة (الوصل) ، وقيل الألف الأولى ليست بتأسيس ، لأنهما كلمتان ( ما ) و ( لي) ، وعندي أنّها تأسيس ، لأن الشعر لفظ منطوق ، لا كلام مكتوب ...!!
وما عدا كاف المخاطبة للمذكر و المؤنث والضمير المتصل بحرف خفض (مكسور) ، لا يمكن أن نحسب الألف المفصولة عن حرف الروي - من كلمة أخرى - بحرف واحد تأسيساً ،مثل قول حسان :
إذا لم يسدْ قبل شدّ الإزار ِ*** فذلك فينا الذي لاهُوهْ
(لاهُوهْ) هنا الألف ليس بحرف تأسيس (134) ، لأن حرف الروي الواو قبلها الهاء مضمومة وليس مكسورة (مخفوضة) ، وضمير الهاء الساكن الذي بعدها منفصل عنها ،بينما لو (ماهِيا) يحسب الألف الأول حرف تأسيس ,لأن الياء حرف الروي قبله هاء مكسورة ( الدخيل) ، والألف الأخيرة حرف الوصل متصل بالروي الياء.
ج - قافية مطلقة مؤسسة وصلها هاء ساكنة : من قصيدة لكاتب هذه السطور مؤسسة رائية مجراها حركة الفتح و وصلها الهاء أو تاء التأنيث المحولة إلى هاء ساكنة :
مرّوا كما مرَّ العجاجُ على الحقول ِالزاهرَة ْ
رسفتْ بقيدِ الذّل أقـــــــــدامُ العبيدِ الخائرَة ْ
صبراْعلى البلوى فكمْ ليل ٍيفلقُ بــــــاكرَهْ (135)
الراء متحركة بالفتح , البيت الأول والثاني نهايتهما تاء التأنيث المحولة إلى هاء ساكنة ، والبيت الثالث نهايته الضمير المذكر المتصل (الهاء) الساكن ، وكلها حروف وصل ، ولكن إذا جاءت الهاء بعد حرف ساكن تعتبر هي الروي ، وذكرنا هذا في الحلقة السابقة.
د -قافية مطلقة مؤسسة متصلة بهاء محركة أو متصلة بحرف ساكن ، بمعنى الهاء تؤدي لحرف (الخروج ) , مما ينسب إلى دعبل الخزاعي :
ما أعجبَ الدهر في تصرّفهِ *** والدّهر لا تنقضي عجائبُهُ
فكم رأينا في الدّهر من أسدٍ *** بالتْ على رأســــهِ ثعالبُهُ (136)
القافية مطلقة مؤسسة بـ (ألف التأسيس ) ، (الروي) الباء ، ما بينهما ( الدخيل ) ، الهاء بعد الروي( وصل) ، الوصل محرك بالضمة ، تشبع الضمة إلى الواو فتصبح حرف (الخروج) ، وإليك قول السيد حيدر الحلي :
جلا على الطرس من فرائده ***عروسَ فكر ٍ زهتْ فرائدُها
خلوقها من شذا حجــاهُ ومن *** جوهر ٍألفاظـــهُ قلائـــــدُها (137 )
أيضاً القافية مطلقة مؤسسة بألف التأسيس والدال خرف رويها وما بينهما الدخيل ، والهاء بعد الروي الوصل ، والألف الأخيرة التابعة لضمير المؤنثة الغائبة هو حرف الخروج.
مما سبق توضحت لنا حروف القافية الممكن ورودها في قوافي الشعر العربي ، فالروي لابدّ منه ، ولا بديل عنه في الشعر العمودي ، فهو الأساس , ففي القوافي المقيدة الساكنة لا يأتي بعده أي حرف ، ولكن قبله يأتي : إما حرف أصلي ، أو أحد حروف العلة الساكنة (اللين) ويسمى الردف ، أو يأتي ألف التأسيس ، ويفصل بينه وبين الروي حرف واحد هو حرف الدخيل ، ومن المحال في اللغة العربية أن يجتمعا حرفا التأسيس ( الألف) مع أحد حروف (الردف) ، والسبب لا يجتمع ساكنان متتاليان في لغتنا الجميلة ، أما في القافية المطلقة فتنطبق القاعدة نفسها بضوابطها من الروي وما يسبقه من الحروف المذكورة في القافية المقيدة ، وبما أنّ حرف الروي محرك ، فتشبع الحركة أو يتصل بحرف آخر يسمى الوصل ، والوصل قد يؤدي إلى حرف خروج ، لذلك حروف القوافي المحتمل مجيئها من الخارج إلى الداخل :
1- الخروج 2- الوصل 3 - الروي ( الأساسي) 4 - الردف 5 - الدخيل 6 - التأسيس .
و لخصها صفي الدين الحلي بقوله :
مجرى القوافي في حروفٍ ستةٍ ***كالشمس تجري في علو بروجها
تأسيسها , ودخيلها , مع ردفها *** ورويّها , مع وصلها , وخروجها ( 138)
ونخرج بعد خروجها ، وسنواصل الموضوع عن حركاتها وعيوبها ، والكمال لله وحده ، وما بعد الكمال من قيل وقال !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(103) النغم الشعري عند العرب :الدكتوران شرف الدين وخفاجي ص مصدر سابق ،يجعلونها تسع قواف ، ونحن دمجنا المردوفة المطلقة في نقطة واحدة بدل نقطتين وفصلناهما بوضوح لوحدة الموضوع ، وكذلك فعلنا مع المؤسسة المطلقة ، وفي المقيدة قسمنا حسب وجهة نظرنا ، وفصلنا الأمر تفصيلاً .
(104) حصاد أيّام وأيام : كريم مرزة الاسدي ص مصدر سابق .
(105) وذكر أبو العلاء حالة شاذة نادرة إذ ورد ساكنان في وسط الكلام , وهذه لا يؤخذ بها مطلقاً .
(106) لزوم ما لا يلزم : أبو العلاء المعري ص شر ح الدكتوران طه حسين وزميله م . س الشعر فقط.
(107)المصدر نفسه ص ، جامل جمع الإبل ، النيب : النوق (الأناث) ، المنيح قدح الميسر الثامن ، والمعلى السابع ، الشعر وشرح مفرداته في الهامش فقط من المصدر.
(108 ) المصدر نفسه ص : الدّوم : الشجر الضخم
(109) ديوان المتنبي : شرح علي العسيلي ص مصدر سابق ، الفرع : الشعر ، الوارد الطويل المسترسل ، الساهد : الساهر.
(110) بعض المصادر تذكر تشبع الحركات إلى حروف مد ، وهي ليس بخطأ إذا كانت حركات الروي أو الوصل من جنس الحركة المشبعة وهو الغالب الأعم ، ولكن في (النغم الشعري عند العرب ) للدكتورين المذكورين سابقاً يستخدمان حروف اللين بمكان المد ، وأنا معهما لأن حروف اللين أعم ، أي كل حرف لين بالضرورة هو حرف مد ، والعكس غير صحيح -راجع الهامش في الحلقة الثانية .
(111) سحر بابل وسجع البلابل : السيد جعفر الحلي ص دار الأضواء - بيروت م الطبعة .
(112) ديوان المتنبي : شرح العسلي ص م. س.
(113) سحر بابل ...: ص م. س.
(114) ميزان الذهب : السيد أحمد الهاشمي ص م. س.
(115) ديوان المتنبي : ص م. س.
(116) تنسب البيتان إلى الإمام الشافعي , ولكن على أغلب الظن مجهولة القائل .
(117) ديوا ن دعبل : ص ت الدجيلي
(118) ديوان السيد حيدر الحلي : ج ص الطبعة م- مؤسسة الأعلمي بيروت.
(119) ديوان دعبل بن علي الخزاعي : ت. عبد الصاحب الدجيلي ص دار الكتب اللبنانية ط سنة م بيروت .
(120) الشوقيات : ديوان أحمد شوقي م
شرح علي العسيلي ص - مؤسسة النور م بيروت.
(121) شرط أن لا يسبق حروف العلة حرف ساكن , لأنه لا يجتمع ساكنان في اللغة العربية فيصبح حرف العلة متحركاً , وبالتالي لا يمكن أن يكون حرف ردف .
(122) ديوان المتنبي : ص م. س.
(123) ذكرياتي : الجواهري ج ص دار الرافدين دمشق .
(124) راجع : كتاب الشعر : د. جميل سلطان ص منشورات المكتبة العباسية ، بلا .
(125) ص المصدر نفسه .
(126) الديوان : مصطفى جمال الدين ص ط دار المؤرخ العربي م بيروت.
(127) ديوان دعبل : م ، س. ص ت الدجيلي .
(128) ديوان أبي فراس الحمداني : ت . د . محمد التنوجي ص م. س.
(129) سحر بابل ...: السيد جعفر الحلي ص م . س .
(130) القوافي :أبو يعلى التنوخي ص م . س .ينقل "وذكر سيبويه أن فتح ما قبل الواو والياء لا يجوز"
(131) ابن المعتز العباسي : د. أحمد كمال زكي ص - المؤسسة المصرية العامة ( أعلام العرب ) - بلا.
(132) القوافي : التنوخي ص م . س.
(133) المصدر نفسه
(134) المصدر نفسه
(135 ) ديوان ( وطني ) : كريم مرزة الأسدي ص م. س .
(136) ديوان دعبل ...: الدجيلي ص م . س .
(137 ) ديوان السيد حيدر احلي : ج ص م . س .
(138) راجع : كتاب الشعر : د. جميل سلطان ص م . س .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق