ثلاثة فصول تنشر تباعاً
الفصل الرابع
تنوع ألفاظ القافية ( ألقابها ) في القصيدة الواحدة
بادىء ذي بدء يجب أن نفرق بين القافية والضرب ، فالقافية عرفناها : تبدأ من الحرف المتحرك قبل الساكنين الأخيرين من البيت ، وما بينهما من حروف متحركة - إن وجدت - على أن لا تتجاوز الأربعة ، أما (الضرب ) (44) فهو آخر تفعيلة البيت في البحور التامة أو مجزوءاتها ، وهو العروض نفسها (45) في مشطورات أو منهوكات البحور - إن تتولد منها - والقافية قد تكون مساوية للضرب (فعْلـُنْ /ه/ه متواتر) ، من البسيط التام ، المقطوع الضربـ (فعْلـُنْ ) (46) :
الخيرُ أبقى وإنْ طالَ الزّمانُ بهِ ***والشـّرّ ُأخبث ُما أوعيتَ منْ زادي
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعِلن***مستفعلن فعِلن مسـتفعلن فعْلن
القافية (زادي /ه/ه - - 2 2 ) تساوي تفعيلة الضرب (فعْلـُنْ)
أوالقافية أقل من تفعيلة الضرب كما في (مستفعلنْ) قافيتها (تـَفـْعَِلـَنْ /ه//ه اللفظ متدارك) ، كقول كشاجم من مجزوء الرجز ، تقطيع البيت الأول :
والبدرُ فوقَ دجلةٍ ***والصبحُ لمّا يشرق ِ
كحليةٍ منْ ذهبٍ*****على رداءٍ أزرق ِ
ولْبدْرفوْ قدِجْلـَتنْ ** وصْصُبْحُلـَمْ مايشـْرُقِي
مستفعلن متفعلن ** مستفعلن مستفعلن
القافية ( يشرقي/ه//ه - ب - 2 3 ) ، وهي جزء من تفعيلة الضرب ( ما يشرقي مستفعلن)
أوتكون القافية أكثر من تفعيلة الضرب (فَعِلـَنْ فعِلـَنْ ) ، بينما القافية (لـَنْ فَعِلَنْ /ه///ه متراكب ) ، كما في البحر (المتدارك ) المخبونة خواتيمه ، يقول شوقي :
ما بالُ العاذلِ يفتحُ لي** بابَ السّلوان ِوأوصِدُهُ ؟
مابا للْعا ذلِيَفْ تحًلِي ** بابسْ سلـْوَا نِوَأَوْ صدُهُو
فعْلنْ فعْلنْ فعِلنْ فعِلنْ ** فعْلنْ فعْلنْ فعِلن فعِلنْ
القافية (لنْ فعِلنْ /ه///ه - ب ب - 2 4 ) ، تفعيلة الضرب (فعِلنْ) ، فالقافية تفعيلة ونص !!
وعلينا أنْ ندرك أنَّ الشاعر الملهم أوالقدير عندما يشرع بنظم قصيدته , ويدرك في أيّ بحريغوص لاستخراج لآلئه ، تأتي القوافي طوع بنانه دون النظر إلى تفعيلات الضروب ، فالقافية هي التي تحدد ضرب البحر وعروضه ، بل قد توجّه الشاعر للبحر الملائم لها ، حيث لكلّ بحر قوافيه الشجية الألحان ، أو الرنانة الأنغام ، لذلك لا أميل إلى رأي الدكتور صفاء خلوصي : إنّ ضروب البحر الواحد هي التي تحدد القافية ، وليست القافية هي التي تحدد الضروب (47) ويذهب إلى ما ذهبنا م .عباس عودة ، ويذكر أن القافية تتشكل من كلمة وليس تفعيلة ، ورأي الدكتور خلوصي تجريد للواقع.(48)
ربما يصح رأي د . خلوصي من الناحية النظرية للناظم أوالمبتدىء عندما ينحت بخواتيم الأبيات لتشكيل القوافي العليلة ، وهذا شأنه ! والحقيقة منذ بدء علمي العروض و القوافي ، حاول العلماء إيجاد علاقة بين القوافي والضروب ، أو اشتقاق الأولى من الثانية ، تتبع الأستاذ عباس عودة في رسالة له - أنظر الهامس السابق - الجذور التاريخية لهذه العلاقة ، ونذكر موجزين وبتصرف كبير وإضافات , ونعتمد ما اعتمده من مصادر : لعل أول من وضع أصبعه مشيراً إلى هذه النقطة ابن عبد ربّه الأندلسي (ت 328هـ /940م) في عمدته ، وذلك عند بحثها في باب ( ما يجوز في القافية من حروف اللين ) (49) ، ثم اقترب ابن رشيق (ت 456 هـ / 1063م) في (عمدته) من تحديد العلاقة التامة بينهما ،ورماها على الناس بقوله : " ومن الناس من جعل القافية آخر جزء من البيت " (50) ،ويعني بالجزء الضرب , وربط بين اسماء القوافي وتفعيلات الضروب , إلا أنّ أمثلته لا تستوفي الضروب كلها (51) ، والزمخشري (ت 538 هـ / 1143م ) في (قسطاسه ) مثـّل لبعض أنواع القوافي بتفعيلات الضروب (52 ) , والشنتريني (ت 549هـ /1154 م) وضع قاعدة للقوافي حسب الحركات بين الساكنين للضروب المنتهية بحروف الروي فقط دون النظر للحروف الملتزمة كالتأسيس والردف ..، ولم يأخذ اعتبارات العلل والزحافات قائلاً : " اعلم أن كلَّ ضرب كان آخره سبب خفيف فهو متواتر , فإن كان آخره وتد مجموع فهو متدارك ، وإن كان آخره فاصلة صغرى فهو متراكب , وإن كان آخره فاصلة كبرى فهو متكاوس , وإن كان آخره حرفان ساكنان فهو مترادف"(53) ، وكذلك القرطاجني (684 هـ / 1285 م) يقع في الخلط نفسه ، كما نستنتج من قوله : " فأمّا التغييرات التي تكون بزيادة فمنها ما يقع في القوافي ، ومنها ما يقع في الأعاريض " (51) وضع الرجل القوافي مقابل الأعاريض , المفترض أن يذكر الضروب بدلاً من القوافي في نصّه، وجرى على هذا المنوال حتى عصرنا الحاضر السيد أحمد الهاشمي في ( ميزان ذهبه) ، والرصافي في (ادبه الرفيع ) قائلاً " ويقال للضرب قافية أيضاً " (55) ، لا ريب هنالك روابط مشتركة ومتينة بين قوافي وضروب القصيدة نفسها لأنّ كليهما يقعان في خواتيم الأبيات ، ولكن ليس إلى حد المطابقة أو التوأمة !! فالقافية قافية ، والضرب ضرب، بل قد يجتمع بعض أنواع القوافي في قصيدة واحدة كـ ( المتراكب والمتدارك والمتكاوس ) , ولا عيب في ذلك كما يقول الدكتوران عبد العزيز شرف و محمد عبد المنعم خفاجي في كتابهما (النغم الشعري عند العرب ) : "هذه الأنواع الخمسة يجوز اجتماع بعضها مع بعض آخر منها في قوافي الكلام المنظوم ، فلا يُعدُّ ذلك عيباً ، وتفصيل ذلك أنّ ..."(56) ثم يفصلان الأمر بثلاث نقاط مطولة , وهنا اختلف مع وجهة نظر الأستاذ عودة وإشارته في رسالته آنفة الذكر، إذ يقول " إشارة فريدة لنفي علاقة الضرب بالقافية ، وردت عرضاً في كتاب ( موسيقى الشعر العربي ) للدكتور عبد المنعم خفاجي ، لا أظنه محصها وحققـّها جيداً ، يقول بعد أن عرض الأنواع الخمسة للقوافي " هذه الأنواع الخمسة يجوز اجتماعها بعضها مع البعض الأخر منها في قوافي القصيدة الواحدة، فلا يعدُّ ذلك عيباً " والحق أنه زعم غريب" (57) .
من المقارنة بين ما نقلته عن الدكتورين شرف وخفاجي من كتابهما (النغم الشعري...) - طبع 1987م - وبين ما نقله الأستاذ عودة عن الدكتور خفاجي من كتابه ( موسيقى الشعر ...) ، يتضح ما يلي :
1 - مع شكري للمؤلف على رسالته ، وتقديري للجهود المبذولة ، لا يجوز من حيث المنهج العلمي أن يعطي الباحث الحق لنفسه جازماً ، ومن الأجدر - كما أرى - أن يقول على أغلب الظن ، فيما أرى ، وأحسبه "أنه زعم غريب " ، ينقل القاضي أبو يعلى التنوخي في كتابه (القوافي ) " سألت الشيخ أبا العلاء - رحمه الله - ما يسمى القصد من الرجز تجتمع فيها القافية المتكاوسة والمتراكبة والمتداركة.
وذلك لأن ضروب الرجز مستفعلن على ما تقدم إلا الثاني ، فمستفعلن متدارك : وكذلك إن نقله الخبن إلى مفاعلن ونقله الطي إلى مفتعلن فيكون متراكباً، وينقله الخبل فعلتن فيكون متكاوساً.
فقال : ما علمت أنّ أحداً قاله . ذكر هذا..." (58) من حقـّه أن لا يعلم كلّ شيء ، والله الأعلم .
2 - يقول الأستاذ عودة : " وردت عرضاً في كتاب ..." ثم يردف " لا أظنه محصها وحققـّها جيداً..." !!، الأستاذ استند في حكمه على كتاب واحد للدكتور خفاجي , ولم يذكر سنة طبعه ، ولا كلمة (بلا ) التي تعني الكتاب لا يحمل سنة الطبع ، و(عودة) كتب رسالته في 2002م ، في حين كتاب (النغم الشعري ...) الذي ألفه الدكتوران شرف و خفاجي يحملان درجة الأستاذية علمياً ، أي رأي دكتورين أستاذين ، أحدهما خفاجي . طبع سنة 1987م , قبل عقد ونصف من كتابة البحث , وذكرا العبارة نفسها " فلا يُعدُّ ذلك عيباً " وأعقباها بتفصيل مكثف من ثلاث نقاط تشمل البحور ومجزوءاتها التي تعتري بعض قوافيها العلل و الزحافات في قصيدة أو مقطوعة واحدة ، لذا الأستاذ عودة نفسه لم يمحص ولم يحقق جيدا على ما يبدو لي.
إلى أين أريد أن أصل القافية غير الضرب بالرغم من تداخلهما في خواتيم الأبيات ، ولا يعد عيباً اجتماع أكثر من لقب واحد في القصيدة أو المقطوعة الواحدة ، بل أعد الأمر أكثر جمالية للتخلص من الرتابة ، فيما إذا جاء الآختلاف منظماً.
يقول الدكتورعلي يونس : للقافية في الشعر العربي أساس كمي ، كذلك فكل بيتين تجمعهما قافية واحدة يجب أن يتشابه بينهما التركيب المقطعي لمنطقة القافية ، ويزيد " قواعد النظم تحافظ على التركيب المقطعي لهذه المنطقة أكثر مما تحافظ على التركيب المقطعي لبقية البيت ، فلا يسمح للزحاف أن يحدث اختلافاً بين البيتين في مقاطع هذه المنطقة " (59) ، إلى هنا الكلام صحيح ، ولا يمكن مؤاخذة الدكتور عليه ، ولكن أين المؤاخذة ؟! المؤاخذة - من وجهة نظري - في تهميشه غير الكامل ، إذ يمرُّ مرورا عابرا على تحديد القافية العربية ، فيذكر في الهامش " ويُستثنى من ذلك بعض البحور كالرجز والرمل أذ يسمح فيها ببعض الإختلاف في هذه المنطقة " (60) ، هذا الهامش البسيط ، وبدون تكامل للشرح ، وبغير أمثلة في المكان المناسب ، لا يعطي صورة مستقبلية للشعر العربي ، أو للتطلع إلى تحديثه الجميل ، فيجعله في خانة ضيقة الأفق ،في عصر يتسابق فيه الشعراء المحدثون للتمرد على رتابته ، بشكل لا يمس الصيغة الجمالية للأذن العربية ، وسبق أن ذكرنا قول رائدة الشعر العربي (نازك الملائكة) ، فلذا أنا أميل لرأي الدكتورين شرف وخفاجي وتفصيلهما الأمر ، وإحاطتهما الموضوع من كلّ جوانبه - بالرغم من عدم استشهادهما بالشعر إلا لماما - منه إلى وجهة نظر د. يونس وتهميشه المنقوص !
ونأتي على اختلاف ألفاظ القافية في االقصيدة نفسها ، فهذا الشاعر سليط اللسان الحطيئة ، وما كان سليطاً في هذه الأبيات ، بل صريحاً ، إذ طُلب منه أن يوصي الشعراء ) قبل موته ، فقال من (مشطور الرجز) :
فالشعرُ صعبٌ وطويلٌ سُلـَّمُهْ
إذا ارتقى فيهِ الذي لا يَعْلمُهْ
زلـّتْ بهِ إلى الحضيض ِقـَدَمُهْ
والشعرُلا يستطيعهُ منْ يظْاـَمُه
يريدُ أنْ يُعْربـــــهُ فيُعْجِمُهْ (61)
ألقاب القافية في البيت الأول (متدارك) من كلمة واحدة (سُلـْلـّمُهْ /ه//ه) ، و في الثاني أيضاً (متدارك) من كلمة واحدة (يَعْلـَمُهْ /ه//ه) ، أمّا البيت الثالث ( متكاوس) (62) , أكثر من كلمة (ضِيْض ِقـَدَمُهْ /ه ////ه) ، والرابع من كلمة واحدة (متدارك) , الخامس متدارك أقل من كلمة عرفية ، وأيضاً قال دعبل الخزاعي (منسوب له) في هجاء جارية من (مشطور الرجز) :
فتخضبُ الحناءَ من مسْوِدِّها
كأنها والكحل في مِرْوَدِها
تكحلُ عينيها ببعض ِجلدهاِ (63)
البيت الاول والأخير لفظهما (متداركان ) : وَدْدَهَا /ه //ه....جٍلـْدٍها /ه//ه وبالمفاطع كلاهما - ب - ، وبالعروض الرقمي 2 3 ، أما البيت الثاني فلفظه ( متواتر) مَزْوَدِهَا /ه ///ه... - ب ب -...2 4.(64)(هامش عن العروض الرقمي ) .
البحث قد طال وفي الإطالة إفادة، وساواصل الاستشهاد بشعر الشعراء لهذا التداخل بين الألقاب للقوافي العوافي , وإلى غدنا المزعوم ، وإنَّ غداً لناظره قريبُ ...!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرقام الصفحات ، وأجزاء الكتب تجدها في مؤلفي المطبوع .
(44) الضرب : مذكر , جمعه أضرب أو ضروب ، تفعيلة تقع في نهاية البيت ، أي في نهاية الشطر الثاني ( العجز ).
(45) العروض : مؤنثة جمعها أعاريض ، تفعيلة تقع في نهاية الشطر الأول (الصدر).
(46) يُشترط دخول حرف لين (الردف) قبل الروي).
(47) فن التقطيع الشعري والقافية : د. صفاء خلوصي ص ط - مؤسسة المطبوعات العربية -م - بيروت .
(48 ) علاقة ضروب البحور بالقوافي - ديوان البحتري إنموذجاً : عباس عودة - ص - من أصل صفحة - جامعة البصرة - قسم اللغة العربية م ( حصل عودة الماجستير برسالة أخرى قدمها 1996 م للجامعة نفسها ، تحت عنوان " ضروب البحور بين النظرية والتطبيق " ) .
(49) المصدر السابق نقلاً عن العقد الفريد : أحمد بن محمد بن عبد ربه ج ص ، شرحه وحققه أحمد أمين وآخران - مطبعة لجنة التاليف والترجمة والنشر م القاهرة .
(50) العمدة ...: ابن رشيق القيرواني ج /ص حققه محمد محي الدين عبد الحميد ط القاهرة 1934 م مطبعة حجازي .
(51) علاقة ضروب البحور ...: ص المصدر السابق .
(52) القسطاس المستقيم في علم العروض : جار الله الزمخشري ص حققه د .بهيجة الحسني م مطبعة النعمان - النجف الأشرف.
(53) المعيار قي أوزان الأشعار والكافي في علم القوافي : أبو بكر محمد بن عبد الملك ابن السراج الشنتريني ص ، تحقيق محمد رضوان الداية - دار الأنوار بيروت .
(54) منهاج البلغاء ...: أبو الحسن حارم القرطاجني ص تحقيق محمد الحبيب بن محمد - دار الكتب الشرقية م تونس .
(55) الأدب الرفيع في ميزان الشعر و قوافيه : معروف الرصافي ص مطبعة المعارف م بغداد ., وراجع أيضا عباس عودةص المصدر السابق .
(56) النغم الشعري عند العرب :د. عبد العزيز شرف و د. محمد عبد المنعم خفاجي ص دار المريخ - طبعة م -الرياض -
(57) علاقة ضروب البحور ...: عباس عودة ص من الرسالة - مصدر سابق - ، نقل قول د. خفاجي من كتاب :موسيقى الشعر العربي أوزانه وقوافيه : د. محمد عبد المنعم خفاجي ط دار ابن زيدون لبنان لم يذكر
(58) القوافي : القاضي أبو يعلى التنوخي ص من - مكتبة المصطفى الألكترونية
(59) نظرة جديدة ...: د. علي يونس ص مصدر سابق.
(60) المصدر نفسه : الهامش () .
(61) ديوان الحطيئة : شرح ابن السكيت ...تحقيق نعمان أمين طه ص ، القاهرة م .مكتبة الحلبي وأولاده بقاهرة مصر .
(62)المفصل... :عدنان حقي ص جاء لفظ قافية البيت الثالث ( متراكب ) ، وهذا ليس بصحيح ، ربما وقع سهواً ، والصحيح ما دوّناه ( متكاوس), كما لا يخفى .
(63) ديوان دعبل:تحقيق عبد الصاحب الدجيلي ص ، جعله من الرجز وهو من مشطوزه - منشورات الشريف الرضي - قم.
(64) ملاحظة حول العروض الرقمي : في الحلقة السابقة كتبت ألفاظ القوافي ( ألقابها ) الخمسة بالعروض الرقمي حسب اجتهادي وتحليلي الخاص - والأمر غاية البساطة بالنسبة لي، ولا أعلم إن كانت موجودة في كتاب أو موقع آخر - وفقاً للمنهج الذي سرت عليه في بحثي بعلمي العروض والقوافي ، لذا طلبت من القارىء الكريم الذي يحبذ العروض الرقمي أن يرجع للحلقة الرابعة من بحثي في علم العروض ، ثم يواصل بقية الحلقات ليعرف المنهجية , لأن العروض الرقمي علم حديث تحليلي غير تركيبي أي لا يستطيع دارسه المتعمق أن ينظم الشعر , إذا لم يمتلك الموهبة الشعرية ، يقول الدكتور علي يونس في كتابه ( نظرة جديدة في موسيقى الشعر العربي ) ص - مصدر سابق - " واللجوء إلى الأساليب الحسابية والآلية قد يكون مفيدا ًلمن يتصدون لدراسة الشعر العربي دون قدرة على الإحساس بموسيقاه ، وبخاصة غير المتكلمين بالعربية ، أمّا القادرون على على الإحساس بهذه الموسيقى فلا حاجة لهم إلى هذه الأساليب ، فما زال الاعتماد على الأذن الحساسة المحبة المدرّبة أفضل الطرق وأيسرها في الوقت نفسه." ، فعندما استخدم العروض الرقمي للدلالة على أوزان البحور وحدود القوافي احتراما لمريديه ورواده ، ليس علي أن أذكر الفروق بين عاني وعوني وعيني ، بالرغم من أنني فصلت الكلام عن حروف العلة ، ومتى تكون علـّة أو حروف مد ، أو حروف لين ، وما الفرق بين الألف من جهة والياء والواو من جهة أخرى في هامش الحلقة الثانية من علم القوافي . وعلم العروض الرقمي ما زال يحبو ، لذلك رواده الأوائل من منظريه يختلفون كثيرا أي طريق يسلكون ، فالدكتور عبد العزيز محمد غانم الذي صدر كتابه ( العروض الرقمي ...) - 1993 م - بتنبيه يمنع أي اقتباس أو نقل من كتابه إلا بإذن خطي منه ، ووضع أرقام هواتفه للإتصال به !!
ربما خشية من الأخذ والرد - والرياضيات يمكن أن تحل ألغازها بعدة طرق ، والأسهل أوجب - يستخدم أرقاماً خاصة للساكن والمتحرك والسبب الخفيف والسبب الثقيل والوتد المجموع والوتد المفروق والفاصلة الصغرى والفاصلة الكبرى (في جدوله لم يستخدم هذه المصطلحات ) (راجع جدول )، والدكتور محمد طارق الكاتب الذي طبع كتابه ( موازين الشعرالعربي باستعمال الأرقام الثنائية ) سنة م ، في مطبعة الموانىء العراقية - البصرة - أي بأكثر من عشرين عاماً من كتاب د. غانم ، له طريقته ، إذ يعتبر كل ساكن (1) ، وكل متحرك (0) ، أي التفعيلة ( مستفعلن 10 - 10 - 100) ، ثم يختزل الأرقام العشرية إلى أرقام ثنائية ( 2 - 2- 4) (راجع ص ) ، أما الدكتور أحمد مستجير في كتابه (في بحور الشعر- الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي ) مكتبة غريب - القاهرة - بلا ، يعتبر البحور كلها تتشكل من أسباب خفيفة، تحذف سواكنها في مواقع معينة لتركب بحرا من البحور فمثلا إذا كان شطر بحر الرمل ( فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن ) فيرمز له (2 -6 - 10) ، وإذا كان البحر رجزاً ، فشطره ( مستفعلن مستفعلن مستفعلن ) ، فإذن رمزة الرقمي (3 - 7 - 11) ، الطرق سهلة يسيرة ، ولكن المشكلة لا تشمل كل البحور ، ولا يمكن أن تحيط بكل العلل والزحافات ، لذلك لجأ د . مستجير إلى تأليف كتاب آخر أوسمه " مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي ) - المكتب الدولي ...- م القاهرة ، وما فلحت تفعيلاته ، راجع علي يونس ص ، فعلم العروض الرقمي متعدد المسارب ، ونحن نسلك أسهل الطرق وأيسرها لفهم القارىء الكريم دون تعقيد وتفلسف ، ودون أي إخلال بالنواحي العلمية، ونجتهد حول الأصلح ، والأذوق جمالياً حسب قدرتنا المتواضعة ، والذي يتابع بحوثي يفهمها على درجة تعمقه لعلم العروض الرقمي ، وفي تسلسل الحلقات أشير لكل غامض وجديد ، مع احترامي وتقديري ومحبتي لكل طالب علم بالعروض الرقمي وغيره ، والكمال لله وحده .
**
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق