ثنائية الجنــــس والفكــــــــــــــر/ الدكتور حمدى حمودة


لكل مجتمع ظروفه التاريخية وثقافته وعقيدته الموروثة التى لاتتشابه مع أى مجتمع آخر على مر العصور قديما وحديثا ، لذلك كان وضع المرأة مرهون بهذه الثقافات فى كل مجتمع على حدة ، وعلى ذلك تنوعت الحركات النسائية من مجتمع لآخر .
ظهرت حركة تحرير المرأة أول ماظهرت فى الغرب ( دول الشمال) ونقل عنها ( دول الجنوب ) فى الشرق فكرة تحرير المرأة فكانت فى مصر عندما تزعمها قاسم أمين ، لكن بالرغم من ذلك فالمرأة الغربية مازالت محرومة من مساوتها مع الرجل فى الأجور ، وقد أضافت الحركة اليها أخيرا حق العرى للتمتع بالأناقة وحق الشذوذ الجنسى ، وكذلك حق الأجهاض بعد أن تفككت الأسرة وزادت العلاقات الجنسية الحرة وأولية المرأة كفرد عليها كأم ، وحق التمتع بالجنس دون الألتزام بأسرة وبالحمل وبالوضع لعدد من الأبناء قبل أن ترتبط بالرجل الذى حملت منه حيث يأتى ذلك آنفا ، مما أدى الى ثورة ضد وضع المرأة الأجتماعى التى تمثل فى الفلسفة المثالية عند فيتشة الأقرب الى المحافظة والتقليد كربة بيت ، أم للأولاد ،راعية الزوج ، طاهية المطبخ ، وفى فلسفة أخرى عند شوبنهور فهى الشيطان الرجيم ، الغريزة الجنسية ، الأهواء والميول والرغبات والشر المستطير .
أمافى المجتمعات الأخرى الشرقية مثل اليابان فلا توجد حركة لتحرير المرأة كما حدث فى الغرب أو مصر على سبيل المثال ، فالمرأة عليها طاعة الرجل الذى له سيادة عليها فقسمة عمل بينهما غير متنافسة ، فللرجل شئونه والمرأة لها شئونها التى لايقوم بها الرجل الذى يوفر لها كل وسائل الأعاشة والأنفاق لتقوم هى الأخرى برعاية زوجها وأطفالها وتدبير حجات منزلها لكى تنشئ جيلا متمسكا بقيم الولاء والطاعة والتضحية ، أما فى المجتمعات الأفريقية فنجد صورة مختلفة عن الصورة التى ذكرناها آنفا ، فالمرأة هنا مساوية للرجل فى العمل والأنتاج ، فى الغابة والحقل ، جسدها العارى ليس عورة ، وليست محتاجة للبقاء فى المنزل من أجل رعاية الأطفال فيمكنها حمل الأطفال على ظهرها وهى تؤدى عملها فى أى مكان كان هنا نجد مجتمع النساء ليس أقل فى القيمة من مجتمع الرجال ، بل يمكن القول أن المرأة يعتمدعليها فى الداخل والخارج بسبب تغيب الرجل فترات طويلة خارج البيت من أجل جلب الرزق لأسرته ، وقد قامت الفلاحة المصرية بهذا الدور فهى تعمل فى الحقل مع زوجها وتقوم أيضا على رعاية منزلها وتربية أطفالها ، فهى تبذر البذور وتسقى الزرع وتجمع الحصاد ، فلا فرق بين الداخل والخارج بين الحظيرة والمنزل ، بين أرضاع الأطفال وحلب الأبقار والأغنام .
وفى المجتمعات الأسلامية نرى ربطا بين المرأة والدين وهذا اختلاف آخر بين المرأة فى المجتمعات الغربية والوثنية التى ينتفى فيهاهذا الربط ، ففى المجتمعات الشرقية يتمثل فيها معرفة صورة المرأة فى الموروث الدينى والثقافى الذى عادة ما يفرق فيه علماء الأجتماع فى الخلط بين الموروث القديم والحديث ، كالوقوع فى المثالية والتجريد والتاريخية والفقهية ، لذلك يتطلب الموقف العلمى نقد الموروث وتحليل الواقع فى آن واحد ، واثبات تاريخية الموروث وامكانية تطويره طبقا للظروف المجتماعية ، كما يتطلب تحليل وضع المرأة الأجتماعى بعد نيلها الحرية والمساواة بالرجل كما جاء بالنص بعيدا عن الموروث الثقافى والدينى والذى تخلت فيه عن حقوها الشرعية ورغبت فى تسليم أمورها الى الرجل الذى ينظر اليها كعبدة أو كأى شيئ مملوك له فى المنزل لكى تصبح جزء من ظاهرة التخلف الأجتماعى الشامل .
لذلك من الضرورى أن نبحث عن وضع المرأة فى كل من النص ( القرآن ) وهو يمثل المصدر الأول للموروث الثقافى الدينى ، والحديث الذى يمثل المصدر الثانى لذلك الموروث ، لنجد فى الأول الأختلاف الواقع بين الفريقين ، التقليديون المحافظون ، الذين يأخذون الجمهور فى جانبهم دفاعا عن الأيمان والسنة فى مجتمع ايمانى نصى تقليدى ، ودفاعا أيضا عن أصول الدين والعقائد والثقافة الموروثة ، فى حين يقومون بحصار الفريق الثانى المجدد والذى يبحث عن الأصلاح وتشغله مشكلة التنوير فى الثقافة الموروثة سعيا منه لتغير الوضع الأجتماعى للمرأة فى نيل حريتها الدينية والثقافية وحثها عن عدم تخليها عن حقوقها الشرعية التى جاءت فى كل من النص والحديث النبوى الصحيح وليس المدسوس أو الضعيف الذى كان من جراؤه أن أصبحت الأحاديث تزيد عن ثلاثون ألف حديث فى الشيخان ( البخارى ومسلم فيهما ثلاثة آلاف حديث أغلبها اسرائيليات) فى حين أن الروايات تؤكد أن الأحاديث النبوية الصحيحة لا تزيد عن بضعة عشرات.
اذن التنويريون يحاولون تغير الأمر الواقع فى مواجهة التقليديون المتمسكون بالثقافة الموروثة ، فى حين أن الأصلاحيون يحاولون وضع المرأة فى الصورة الأيجابية لها فى بعض النصوص التى رفعت من شأنها بعد أن كان ينظر للمرأة فى الجزيرة العربية على انها حيض ونفاس وطهارة وولادة ونفقة وناقصة عقل ودين ونذير شؤم ، شيطانا رجيما ، فتنة وغواية ، وعامة أهل النار وصداق وايلاء وظهار وزواج وطلاق وصلح ونشوز وزنى واحصان وحجاب ومتعة وحضانة ورضاع ، هكذا كان وضع المرأة سلبيا أكثر من ايجابيته فى الجزيرة العربية فى العهد القديم والحديث وفى بلاد المشرق عامة وفى المجتمعات القبلية ، وبالتالى تكون صورة المرأة فى الحديث محملة بالأعراف وخاضعة للتطور والزمان على مدى أربعة عشر قرنا .
                                                                             
Dr_hamdy@hotmail.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق