خمسة مواقف وحكاية واقعية ساخرة/ نبيل عودة

1 - الصراع الطبقي والنقابات

شبعنا من ترديد مفهوم الصراع الطبقي خلال المائة سنة الأخيرة ، دون ان نفكر هل حقا برز هذا الصراع في الواقع الاجتماعي ام هو مجرد فكرة معششة في عقول لا تستوعب التطور التاريخي؟ المفهوم الأيديولوجي للصراع الطبقي التناحري بات مهزلة فكرية لان قوى سياسية قديمة ما تزال تبني سياساتها بناء على اوهام ان الصراع التناحري بين البروليتاريا (طبقة العمال) والطبقة البرجوازية (النظام الرأسمالي) سيقود الى القضاء على النظام الرأسمالي وبناء نظام الطبقة العاملة... تخريف لم يتنازلوا عنه بعد...رغم ان الصراع لم يبرز إطلاقا بمفهومة التناحري، والتطور كان عكسيا بشكل مطلق. وكل ما هنالك نضال طبقي اجتماعي سلمي (أي بلا عنف) للحصول على المزيد من المطالب وتعميق واقع الرفاهية الاجتماعية لمجمل المواطنين ، بينما النظام البروليتاري غرق بالاستبداد والقمع الدموي وتشويه الفكرة الاشتراكية وإسقاط كل مفاهيم العدالة الاجتماعية، حتى اختفى من التاريخ.. شيء من التفكير واعتماد العقلانية سيفيد من يتمسكون بأوهام فكرية تجاوزها تاريخ التطور البشري!!
حتى مفهوم الطبقات يتغير.. حسب تقارير استمعت اليها مؤخرا، اعضاء التنظيم العمالي في إسرائيل ، والذي يعرف باسم الهستدروت ، يضم 25% من عمال إسرائيل فقط، وأكثريتهم المطلقة هم من عمال الشركات القوية او موظفي الدولة (وبالتالي التنظيمات العمالية القوية)،  معاشاتهم هي ضعف متوسط الأجور في إسرائيل. فهل يحتاج مثل أولئك العمال الى صراع طبقي؟ أو إلى نضال طبقي؟ العمال المنظمون في النقابات بالدول الأوروبية هم 50% فقط من مجمل العمال. أي ان ذوي القوة الاقتصادية ليسوا بحاجة لتنظيم عمالي. في الدول الاسكندنافية 80% اعضاء في نقابات العمال، لا اعرف هل هي نقابات تحتاج الى نضال طبقي، في مجتمعات تطورت فيها  الرفاهية الاجتماعية بحيث لا يمكن الحديث عن فقر؟ ربما قوتها انها الحارس الأمين لاستمرار تطور الرفاهية الاجتماعية. العمال الضعفاء من ناحية أجور.. أكثريتهم خارج التنظيم النقابي. وصل الى علمي ايضا ان النقابات العمالية في الدول الاسكندنافية هي التي تدفع بدل البطالة للعمال ومن هنا النسبة الكبيرة للعمال المنضمين لهذه النقابات .
2 - مفهوم البروليتاريا

 كان هذا المفهوم خاطئا من يومه الأول. أصل التعبير من الإمبراطورية الرومانية القديمة ، استعمل لوصف الفئات المسحوقة اجتماعيا والمعفية من الضرائب. استعمل التعبير اقتصادي انكليزي لوصف فئة العمال الأشد فقرا وإملاقا وهم أصلا رعاة وفلاحين دمرت مراعيهم ومزارعهم بقوانين تركيز الأراضي الذي اقر لمصلحة تطوير الصناعة البرجوازية . ماركس استعمل الاصطلاح لوصف الطبقة العاملة كلها، ربما في وقته كان الاصطلاح مقبولا نسبيا، لكن البروليتاريا ظلت ظاهرة أوروبية لم تتطور خارج أوروبا. مثلا لم تنشأ بروليتاريا في الولايات المتحدة ولا في بلاد الرمال.. واستعمال الاصطلاح اليوم بات مضحكا.. تصوروا مدير بنك بمعاش 50 او 100 الف دولار سنويا(وربما شهريا) او مدير شركة بمعاش ربع مليون دولار سنويا او طبيب بمعاش 20 الف دولار شهريا وغيره من الاداريين والمهنيين والمهندسين بمعاشات تتجاوز ال 5 آلاف دولار شهريا ضمن البروليتاريا المعدمة من القرن التاسع عشر.

3 - دور تاريخي كبير للطليعة الشيوعية
ربما يصطدم بعض القراء بنقدي للواقع الشيوعي كما أراه اليوم ، لذا أؤكد ان نقدي لا يتناول الدور التاريخي للطليعة الشيوعية، ودورها الهام والعظيم في تاريخ شعبنا الفلسطيني بالتحديد، الذي لم يهاجر او يُهجر من وطنه خلال النكبة (1948)، رغم الجرائم التي ارتكبتها الحركة الصهيونية لدفع المواطنين العرب للهرب من وطنهم. اذ أسفرت النكبة عن تدمير ما يقارب او يزيد عن 520 بلدة عربية، وارتكبت مجازر مختلفة ، دير ياسين أبرزها، والحديث يدور عن 50 مجزرة دفعت ما يقارب المليون فلسطيني للهرب من وطنهم.. وما زالوا مقيمين في مجمعات للاجئين في الأقطار العربية المحيطة بفلسطين، بانتظار "حل إنساني" لمشكلة التهجير وبناء وطنهم - الدولة الفلسطينية المستقلة.. لكن للأسف لا يبدو ان العالم العربي يأخذهم ويأخذ قضيتهم بالحساب.. ويدفعون ثمنا رهيبا نتيجة الأحداث الدموية في العالم العربي، اسوة بالمواطنين العرب الآخرين.

4 - صحافة يوك
عشت بفكرة ان الصحافة هي منصة للفكر.. بعد ان تعرفت على صحيفة "يسرائيل هيوم" (إسرائيل اليوم - أنشأها ملياردير أمريكي يهودي لدعم نتنياهو) الصحيفة تمجد نتنياهو بدون حدود عقلانية.
 صرت أرى ببعض الصحف حفارة قبور للفكر والمصداقية.. ومن يظن ان صحافتنا العربية تختلف يعيش بالوهم.. انا كاتب مقاطع بشكل لا تفسير له.. والمقاطعة تتعمق.. رغم ذلك احترم من يقاطعني واراه إثباتا على الهزالة الفكرية. ما الذي يخيفهم من قلمي؟ هل المصداقية هي السبب؟ لن أغير ما ترسخ في ذهني منذ اكتشفت ان اللغة هي للبناء وتطوير التفكير والتعبير عن الرأي الحر والعقلاني. وان للحوار ضرورة فكرية من اجل الوصول الى الحقيقة.. بمعنى ان رأيي ليس حكما، بل تفكيرا قابلا للحوار والوصول الى الرأي الأكثر صوابا. لكن من يخاف من رأي مختلف.. الأفضل ان يبحث عن عمل آخر. 
للأسف نشهد  هذه الحالة المؤسفة في الكثير من وسائل الإعلام .. ليس مهما ان تكون مبدعا ومفكرا ومتزنا في رأيك.. سيجري تجاهلك لحساب تفاهات او حتى ما دون التفاهات... يؤسفني أن أقول ان نسبة كبيرة مما ينشر لا يعني القارئ.. ولا يستحق النشر، وهو أمر مخجل لأنه يؤثر سلبيا على النصوص العقلانية والإبداعية...ويقود إلى نهج سلبي من كل أشكال المطبوعات، هذا ينعكس بالتالي على الجمود الفكري والتفكيري ولا يخدم الرؤية الحضارية والمضامين التنويرية والتثقيفية الجادة.. وهي جريمة ترتكب بحق القارئ اولا والمجتمع ثانيا.  الظاهرة الأخطر في هذا الأمر ان الإعلام يفقد مكانته ودوره كوسيلة تنويرية، الإعلام ليس نشر أخبار فقط ..  السؤال الذي لا جواب عليه: هل تدار وسائل الإعلام من تصور فكري ثقافي مسؤول ؟ ام من منطلق الحصول على الإعلان فقط وليسقط التنوير والفكر ؟ لست قلقا من المقاطعة، مقالاتي تنشر في أهم وأبرز المواقع على الاطلاق.. وتصل لكل أطراف المعمورة، لدرجة أن دور نشر عالمية بدأت تستفسر عن كتاباتي وقريبا لي سيصدر كتاب جديد عن دار نشر دولية مركزها في نيويورك، توزع منشوراتها في أربعين دولة  وسيكون أول إصدار من نوعه لكاتب عربي فلسطيني من إسرائيل.

5 - ما هي القوة ؟ 
في المجتمعات التي تعاني من مستويات ثقافية متدنية نرى ان صاحب المال هو صاحب النفوذ ومقرر الرأي حتى لو كان رأيه حثالة لا معنى لها.. ترى للأسف ان القوة تنتشر بكل مجالات حياتنا.
السيطرة على السلطة هي قوة. السيطرة على المال هي قوة. السيطرة على الإعلام هي قوة. السيطرة على سوق العمل هي قوة. السيطرة في حلبة المصارعة هي قوة.
السيطرة على رواية الحدث هي قوة. السيطرة على تشويه الحقائق هي قوة. القوة قد لا تكون بالعنف.. والعنف ليس أخطر أشكالها. التحكم بتطبيق العدالة أيضا قوة. لكنه عملة نادرة!!

6 - السفير الباكستاني  
(قصة عن حادثة سياسية حقيقية)
رفضت العربية السعودية قبل سنوات قبول سفير باكستاني ليمثل بلاده في السعودية، رغم أنه معروف كسفير مهني ممتاز خدم بلاده خلال سنوات طويلة في مختلف أنحاء العالم.
المشكلة أن اسمه غير مقبول للسعوديين أو لسائر الأقطار العربية.
صحيح أن الحجم الكبير هام كثيرًا للسعوديين، لكن أن يكون اسم سفير باكستان "أكبر (ز...) خان" (العضو التناسلي باللهجة الدارجة) فهذا غير مقبول للسعوديين، ويتعذر عليهم استقباله واعتماده سفيرًا للدولة الصديقة للسعودية: باكستان.
السؤال الهام: هل إرسال هذا السفير ليمثل بلاده في الدول الناطقة بالعربية هو إشارة من باكستان الى استهتارها بالدول العربية؟ خاصة وان أهم ما يقلق العربي في السعودية وغير السعودية من بلاد العرب الواسعة هو حجم ذلك الشيء؟... كيف يمكن أن يكون أجنبيٌّ ممثلٌ لدولة أجنبية يملك (وهذا مؤكد باسمه ( أكبر ز...) من (جميع الأز ...اب) التي منحها الله للسعوديين أو للعرب الآخرين...؟ كيف يمكن أن يخاطبه الملك السعودي أو أي رئيس أو ملك عربي أو وزير خارجية: أهلا بأكبر ز... ؟ وإذا اشترك في احتفال وكُلف بإلقاء كلمة، هل سيقدَّم بصفته أكبر ز...، هل يقبل أمراء العائلة المالكة وورثاء الرؤساء العرب أن يكون في عواصم دولهم من يحمل بين ساقية أكبر مما يحملون؟

nabiloucdeh@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق