أستراليا - المهاجرون والبازار السياسي/ عباس علي مراد

أرى أن برنامج الهجرة مصدر قوة وطنية ( فيليب لويي حاكم البنك المركزي الأسترالي)
الحرب الأهلية الداخلية التي تدور رحاها بين أجنحة حزب الأحرار إلى مزيد من الإنحدار، وإلى مستويات غير مسبوقة بعد دخول عدة أطراف جديدة إلى حلبة الصراع وتخلّي رئيس الوزراء عن العرف السياسي المعروف بعدم التعليق على استطلاعات الرأي ولم يكتفي بذلك بل إنه اتّهم سلفه طوني أبوت الذي أطاح به أيلول عام 2015 قبل أن يكمل ولايته الاولى، بأنه السبب في تراجع الحكومة في استطلاعت الرأي الاخيرة، حيث تقدّم العمال على الحكومة بعشر نقاط بعد فرز الأصوات التفضيلية  45% للحكومة و55% للمعارضة، وكذلك تراجعت الأصوات الأولية للحكومة إلى 34%، وكان أبوت في تصريحاته قد دعى إلى الحد من الهجرة إلى أستراليا للحد من ارتفاع أسعار المنازل، إلغاء مفوضية حقوق الإنسان الأسترالية، تجميد العمل ببرنامج الطاقة المتجددة وخفض الضرائب على الشركات والحد من الإنفاق الحكومي. وكانت لبعض الوزراء ردود فعل قوية على تصريحات أبوت من قِبل الوزير كريستوفر باين وماثيوس كورمن  والاخير يعتبر من أشدّ الموالين لأبوت وكانت التصريحات الأكثر عنفاً جاءت من الوزيرة السابقة للهجرة في عهد حكومة جان هاورد أماندا فانستون التي اتهمت أبوت بالنرجسية.
الأزمة السياسية والقيادية التي يعانيها حزب الأحرار وحليفه الحزب الوطني بدأت تداعياتها تنعكس على إداء الحكومة وتترك آثارها على المجتمع والإقتصاد الذي أظهرت الأرقام تحسّن إداءه في الربع الأخير من العام 2016، 1.1% و2.4 على مدار العام بعكس كل توقعات الإقتصاديين.
الجدل حول سياسة الهجرة لم تقتصر على طوني أبوت بل تعدتها إلى سياسيي الأحزاب الصغيرة والنواب المستقلين الذين رفعوا من وتيرة خطابهم العدائي، فبالإضافة إلى مواقف بولين هانسون زعيمة حزب أمة واحدة المعروفة من الهجرة والمهاجرين حصوصاً المسلمين كما استهدفت  المهاجرين الصينيين سابقاً،  أو مواقف النائبة المستقلة جاكي لامبي أو مواقف النائب المنشق عن حزب الأحرار كوري بارنبي والنائب من الحزب الوطني جورج كريستنسن المعادية لهجرة المسلمين كهانسون، حتى أن رئيس الوزراء الاسبق جان هاورد الذي خسر الانتخابات عام 2007 ومقعده الانتخابي ليكون ثاني رئيس وزراء يخسر مقعده في تاريخ أستراليا ادلى بدلوه في الموضوع مستعملاً اسلوب المواربة لمقاربة موضوع الهجرة كما كتب  الكاتب تيم ديك في مقالته في صحيفة سدني مورننغ هيرالد (6/3/2017 ص 16) متهماً هاورد باللعب على الكلام حتى لا يظهر بمظر المعادي للهجرة، وكان موقف لافت للنائب المستقل بوب خطار من شمال كوينزلاند الذي سأل وزير الهجرة:" هل ستستمع إلى نواب المقاعد الخلفية في حزبك وكما في الولايات المتحدة وتمنع حاملي تأشيرات الدخول من شمال أفريقيا والبلدان الواقعة ما بين اليونان والهند، بالطبع مع إعفاء الأقليات المضطهدة أي السيخ، اليهود والمسيحيين سواء كانوا مضطهدين أم لا!" (سدني مورنيغ هيرالد عدد السبت 04/03/2017 ص 32 قسم ما وراء الأخبار).
وقد جاء موقف خطار هذا بعد اعتقال المتهم بالإرهاب هيثم ذهب من بلدة يانغ وبعد تصريحات قيصر طراد رئيس المجلس الإسلامي الفيدرالي الأسترالي عن ضرب المرأة كآخر حل والتي يعتقد أن طراد يشجع هذا الاسلوب، يشار الى أن طراد عاد واعتذر عن تصريحاته قائلاً ليس صحيحاً أبداً أن تضرب المرأة (نفس المصدر السابق).
وزير الهجرة بيتر داتون والذي كان له مواقف سابقة ومتطرفة حول هجرة المسلمين اللبنانيين اعتبر أن أولوياته المصلحة الوطنية الأسترالية، قائلاً أننا نريد القضاء على داعش وكل من يريد أن يلحق بنا الأذى ولكننا لن نغيّر برنامج الهجرة الأسترالي لأنه يوجد لدينا أفضل نظام لحماية الحدود في العالم وأضاف: "أنه من المهم الاشارة إلى أن الغالبية العظمى من الناس في بلدة يانغ يعلمون بجهد في المجتمع… ويدعمون الإقتصاد المحلي وإنهم يفعلون الشيء الصح مثل 99% من أبناء الجالية الإسلامية في البلاد" (المصدر الأول).
وهنا لا بد من الإشارة إلى دور الهجرة والمهاجرين في بناء أستراليا والتي يشكلون نسبة كبيرة من سكانها حيث 1 من كل 10 أشخاص مولودون في الخارج أو على الأقل أحد والديهم مولود في الخارج.
وعن مساهمة المهاجرين يقول الإقتصادي البرفسور كلن ويذرز من معهد كروفورد في الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبرا:" الشيء الواضح من الأدلة أن المهاجرين يساهمون أكثر في تعزيز الخزينة أكثر مما يأخذون منها: وأحد الأسباب أن المهاجرين هم من الشباب مقارنة بالسكان بشكل عام (س م ه 02/03/2017 ص 18). وحسب نفس المصدر فإن حكومة طوني أبوت كانت قد كلّفت مفوضية ألأنتاج أجراء دراسة حول تأثير الهجرة على أسعار المنازل فوجدت أنها مفيدة لمالكي البيوت الحاليين ولكن الدراسة وجدت أيضاً أنه وبشكل عام أن المهاجرين يعززون الإقتصاد، وهناك رأي للإقتصادي سول ايسليك وحسب الدراسة الآنفة الذكر :إن العديد منا يحصلون على وظائف ومعاشات أفضل بسبب نسبة المهاجرين إلى أستراليا".
أخيراً، فإنه من الأجدى وقف هذه السياسة الشعبوية المعادية للمهاجرين والتي تضر بالمصلحة الوطنية بحجة محاربة الإرهاب تارة وأخرى بحجة ارتفاع أسعار المنازل ولا ندري إن كان المهاجرون سيتّهمون بالتلوث البيئي وغيرها من المشاكل التي من المفروض على الحكومة حلّها من خلال بناء البنى التحتية من طرقات، مدارس، مستشفيات، سكك حديد، مطارات، محطات طاقة وغيرها وعدم التلهّي بالحروب السياسية الحزبية الداخلية حول من سيتولى زعامة الحزب التي سئمها المواطن الذي يريد الحفاظ على مستوى معيشته وأمنه والنمو الإقتصادي.
يبدو أن الأحرار لم يتّعظوا من تجارب العمال وصراعاتهم والتي أوصلت الأحرار إلى السلطة عام 2013 والتي قد تعيد العمال كما تُظهر استطلاعات الرأي ولعله قد يبنى على رد وزير الهجرة بيتر داتون على سؤال النائب خطار وتقديمه المصلحة الوطنية على المصلحة السياسية رغم علمه أن حزبه ما زال ينزف مؤيديه لصالح الأحزاب المتطرفة خصوصاً حزب أمة واحدة.
 فمتى يبادر  رئيس الحكومة السيد مالكوم تيرنبول ويضع حداً لأستغلال قضايا الهجرة والمهاجرين في البازار السياسي لنعيش بتناغم وبدون خوف وأحكام  مسبقة لنثبت للعالم فعلاً وقولاً إن التعددية الثقافية في أستراليا هي ألأنجح في العالم كما يردد ذلك رئيس الوزراء نفسه ؟!
وكما يقول  المستشرق الألماني كارل هينرش بكر: أن الشعوب مهما كانت مختلفة من الناحية الجغرافية والجنسية فذلك لا يمنع من تكوين أسس حضارية واحدة لأن عامل الجغرافيا والجنس لا يلعب دوراً حاسماً في بناء الحضارات. 
بالختام نشير إلى أن ما يتعرض له المسلمون حالياً حصل سابقاً مع الإيرلنديين الذين كان ممنوعين من اللعب في صفوف فريق الكريكت الأسترالي حتى ثلاثينيات القرن الماضي. كذلك عانى اليابانيون والأيطاليون إبان الحرب العالمية الثانية ومن ثم جاء دور الأوروبين الشرقيين واليونانيين وتلاهم الصينين ثم اللبنانيين ولا نعرف على من ستدور الدائرة في المستقبل في حال استمرارنا البحث عن كبش فداء سياسي آخر؟!

سدني
Email:abbasmorad@hotmail.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق