الحلقات المفقودة في الشعر السرياني والعربي والكوردي والفارسي والتركي والعبري/ نزار حنا الديراني

ان كلمة شعر shaer تعبير قديم معروف متوارث منذ عهود السومريين والاكاديين والبابليين ومن بعدهم في ارض وادي الرافدين ، وان اقدم نصوص شعرية وجدت منقوشة على الواح ورقم وجدران وتماثيل يرجع تاريخ كتابتها الى الالف الثالث قبل الميلاد (على اقل تقدير) في بلاد ما بين النهرين وكان اهمها على الاطلاق ملحمة كلكامش ، وهي عبارة عن اناشيد وتراتيل يحاول الشاعر من خلالها تجسيد صراع الانسان وطموحه من اجل الخلود اي الحرب على الموت والفناء وغيرها من المواضيع المصيرية الهامة التي شغلت فكره واهتمامه ، منذ ان بدأ يعي وجوده ويتسائل عن جدوى وجوده ويفسر ظواهره  .. وغيرها من القصائد الاخرى كقصيدة نزول عشتار الى العالم السفلي والتراتيل الموجهة اليها والى انليل والشمس والكثير من الاشعار التي هي عبارة عن صلوات وابتهالات كصلوات شيكو واكريبو وصلوات الخسوف والكسوف وغير ذلك كثيرة . 
وقد عثر على هذه الملحمة (ملحمة كلكامش) وهي منقوشة على إثني عشر لوحا من الآجر المشوي كتب على كل لوح من هذه الالواح نشيد خاص بموضوع معين فلوح لجلجاميش وثان لانكيدو وثالث للطوفان... وغير ذلك من مواضيع استحوذت على اهتمام الانسان في ارض الرافدين فنظمها شعرا ولحنا ، فلما تكاملت شكلا ومضمونا كتبها باللغة الاكادية والخط المسماري وغناها وعزفها على آلته الموسيقية الكنارة harp وذلك بالحان   .
ان دراسة الشعر في كل الاداب ليس سهلا وذلك لوجود حلقات مفقودة مما يجعل البحث عسيرا، فما وصل الينا من الشعر السرياني والعربي والعبري والكوردي والفارسي والتركي و.. كان على درجة عالية من النضج. وهذا يعني انه لا بد ان يكون قد سبق هذا النضج تطور في المعنى وفي المبنى وكان هذا التطور طويلا الا ان الكثير منه ضاع . 
فالشعر السرياني يرجع الى ما قبل المسيحية بفترة استنادا الى ما وصل الينا من اشارات في بعض الدراسات القديمة . كقصائد وفا الارامي (ق م) التي اشار اليها انطون التكريتي في كتابه علم الفصاحة ، وهناك المزامير والتسابيح التي نسبت الى سليمان الحكيم وهي على وتر مزامير داود  والتي هي صلوات وتسابيح تعود إلى محيط مسيحيّ متهوّد وعددها اثنتان وأربعون موشّحة او قصيدة اكتشفها الانكليزي رندل هاريس  عام 1909 ، وبالرغم من تداولها في كثير من الاوساط من القرن الثاني وحتى القرن الخامس عشر ، اختلفت الاراء في نشأتها  . ويقول عنها شابو  انها موضوعة في اواخر القرن الاول الميلادي . الا اني انسبها إما لشاعر سرياني مجهول كتبها في الفترة المحصورة ما بين الشاعر وفا (قبل الميلاد) والشاعر برديصان ، او انها تعود الى الشاعر السرياني برديصان (154-222م) وبالتحديد في المرحلة الاولى من كتابته للشعر وحسب ظني ان برديصان في المرحلة الثانية من حياته الشعرية ( بعد اعتناقه المسيحية) اخضع قصائده الى الوزن لتكون سهلة الحفظ والاداء من قبل جوقات كنسية اسست لهذا الغرض من اجل نشر ايمانه وفلسفته المسيحية لذا اعتبر برديصان لدى كثير من المعاصرين كونه ابو الشعر السرياني وصانع اوزانه رغم اننا لم نعثر على قصائده ولكن من خلال ما كتب عنه الشاعر السرياني مار افرام (306- 373م ) نجزم ذلك لان مار افرام كان قد اطلع على قصائده واستفاد منها كثيرا ونعته مع الاخرين بالغنوصية وربما كان السبب في اختفاء قصائده ، البعض منها اتلفت وبعضها الاخر ربما نسبت للاخرين واخرى بقيت مجهولة المؤلف ومن بينها هذه الموشحات التي اعتقد الى حد كبير بانها كتبت في الفترة المحصورة بين وفا وبرديصان (القرن الثاني) استنادا الى شكلها الشعري رغم اني انسبها لبرديصان . الا ان الادب السرياني عامة والشعر خاصة تسلق عصره الذهبي من القرن الرابع للميلاد من خلال العديد من عمالقة الشعر السرياني من امثال مار افرام واسونا وبالاي ومار اسحق والسروجي ونرساي و...الى القرن العاشر وحيث بدأت العربية تكتسح عرش اللغة السريانية لتدخل بعد القرن الثالث عشر عصر الركود رغم ظهور شعراء كبار بعد ذلك أو قبل ذلك بقليل من امثال ابن العبري والصوباوي و... وبدأت الحركة الادبية تنتعش من جديد بعد القرن التاسع عشر وبفضل مدارس الارساليات الاوربية والامريكية وخصوصا في ايران . ولكن هناك عدة حلقات مفقودة تتراوح ما بين القرن السابع قبل الميلاد ـ وهو زمن كتابة حكمة احيقار (والتي ترقى الى سنة 680 ق م) ـ وربما من القرن التاسع او العاشر قبل الميلاد كون اللغة السريانية (الارامية) متداولة في تلك الفترة لعثور الباحثين على كتابات سريانية تؤكد ذلك وحتى القرن الثالث قبل الميلاد (فترة نشوء مملكة اورهاي) وحيث كانت لا تزال القصيدة النهرينية (البابلية الاشورية ) موجودة ومتداولة في هذه الحقبة كقصيدة نزول عشتار الى العالم السفلي . وكذلك من القرن الثالث قبل الميلاد وحتى القرن الرابع للميلاد بالرغم من وجود محطات اثبتت وجودها من خلال شعراء أكفاء دفعوا بالقصيدة السريانية الى الامام كالشاعر وفا وبرديصان وهوميرون وصاحب موشحات سليمان و ... ودارس القصيدة السريانية سيجد هناك حلقة اخرى مفقودة ما بين برديصان ( توفي سنة 222 ) ومار افرام ( ولد سنة 306 م) أي في المئة السنة المحصورة بينهما ، من المؤكد كان هناك شعراء أخرين في هذه الفترة ، لم نكن ندري هل كانوا يكتبون الشعر موزونا ام منثورا ؟ هذا يعني فعلا نحن بحاجة الى البحث عن هذه الحلقات لانها ستعيد النظر في العديد من الدراسات التي كتبت عن الشعر السرياني . 
ولكن لو عدنا الى مزامير (اناشيد) سليمان االتي ننسبها الى حد ما الى برديصان سنجدها قصائد تستحق التوقف عندها قليلا كونها تقر بوجود حداثة حقيقية في ذلك الوقت، فاذا نسبت الى برديصان هذا يعني فعلا انتقلت القصيدة السريانية من مرحلة ما تشبه بقصيدة النثر الى مرحلة القصيدة الكلاسيكية الموزونة أي علينا ان نقسم التجربة الشعرية لبرديصان الى مرحلتين المرحلة الاولى نسميها بقصيدة النثر او ربما يسميها اخر بالشعر الحر والثانية سنسميها بقصيدة الشعر الموزون .. اما ان كتبت كما يذهب البعض الاخر (امثال دوفال ) الى ما بعد مار افرام ( بعد القرن الرابع ) هذا يعني ان القصيدة السريانية قد انتقلت من المرحلة الكلاسيكيــة الى مرحلة الحداثــة ( قصيدة النثر) منذ ذلك الوقت أي إن قصيدة النثر ( ان صح القول) كانت مزدهرة منذ ذلك الزمان ( الا اني لا اتفق مع دوفال مطلقا بل اتفق الى تنسيبها الى برديصان او قبل ذلك بفترة قصيرة اي بعد منتصف القرن الاول للميلاد فترة ظهور المسيحية ) ، لذا علينا ان نعيد النظر في جميع ما كتب عن القصيدة السريانية وليومنا هذا .
اما ما وصلنا من الادب العربي فان جدودنا حين اعتنقوا الاسلام ايضا احرقوا او اتلفوا ما لديهم من الادب سواء أكان بالعربية او غير ذلك في سبيل دينهم الجديد اسوة بالعديد من التماثيل التي حطمت كما فعل السريان من قبلهم ، فاقدم شعر وصل الينا هو من الادب الجاهلي يرجع الى أواخر القرن الخامس للميلاد والنصف الأول من القرن السادس ، أي سبق ظهور الاسلام بنحو قرن ونصف القرن ولكنه لم يصل الينا مكتوبا بل على ألسنة الرواة ، كمحزمة بن نوفل وحويطب بن عبد وهما من القريش . وفي زمن الإسلام حماد الراوية (771 م) وخلف الاحمر (796 م) والاصمعي عبد الملك بن قريب (828 م) وغيرهم . فهو لم يسلم من التحريف لان الرواة لم يعاصروا أولئك الشعراء بل نقلوه من رواة قبلهم، إلا أن العلماء أهتموا بتدوينه من القرن الثامن للميلاد في مجموعات كديوان الحماسة لابي تمام وكتاب الاغاني للاصفهاني وغيرهما... فما وصل إلينا منه وكما قلنا كان عـن طريـق الـروي فقسم منه لم يحفظ ، وقسم آخر زال مع الرواة الكثيرين الذين ماتوا في حروب الفتح. وهذا لا يعني ان العرب لم تكن لديهم ابجدية يكتبون بها لغتهم في تلك الفترة، فلغة القرآن كانت على درجة من الرقي مما يؤكد انها مرت بطور التطور ولفترة لا تقل عن قرنين أو ثلاثة في حين يؤكد الباحثون(2) إن الكتابة قد جاءت بلاد العرب الداخلية في أزمنة مختلفة وقد جاءت قلب الجزيرة عن ثلاث طرق اقدمها ما جاءها عن طريق الشمال الشرقي، وهـذه فـي الاغلب كانت متأثـرة بالكتابة البابلية الاشورية وكانت من الصعوبة بحيث لم تلبث ان حلت محلها حروف أخرى جاءتها من الجنوب والشمال معا ، وبقيت هذه الحروف زمانا طويلا فكانت الآرامية والمسند اليمني وسيلتين للكتابة في قلب شبه الجزيرة وقد تطورت هذه الحروف في أزمنة متأخرة الى الحروف الأخيرة المعروفة بالعربية . ويؤكد ذلك الطبري(3) حين يقول : 
( ظهر على ضهر الجماء ـ جبل بالعقيق قرب المدينة ـ فوجد حجرين وفيهما كتاب فحمل أحدهما فعرضه على أهل السريانية فلم يعرفوا كتابه وعرضه على من يكتب بالزبور من أهل اليمن ومن يكتب بالمسند فلم يعرفوه... والظاهر إنه كان في الاغلب اشوريا). الا أنه وكما قلنا أقدم ما وصلنا من الشعر العربي هو المعلقات التي تذهب أكثر الاراء انها كانت مكتوبة ومعلقة على باب الكعبة ، لذا سماها البعض الاخر بالمذَهبات . لكتابتها بالذهب أو بمائه وعُلقت على أستار الكعبة . وهذا يطرح عدة تساؤلات مشروعة : 
إن كانت قد كتبت وعلقت لماذا لم تصل الينا مكتوبة بالخط العربي بل وصلت من خلال الروي؟ هل حطم هذا الباب وما فيه من الكتابة حين فتح المسلمون المكة ؟ وطالما كانوا يجيدون الكتابة فلماذا لم تكتب هذه القصائد على الورق او رقم طينية او على أوراق البردي وجلد الغزال كما وصلتنا الكثير من الكتابات قبل ذلك اسوة بالسريانية والعبرية والفارسية و.. المعاصرة لهذه اللغة إضافة الى ما كتب على باب الكعبة ؟
يرجع تاريخ هذه القصائد كما قلنا الى فترة لا تتجاوز القرن ونصف القرن قبل الاسلام مما حذى بنا ان نتسائل : هل يعقل أن يكون الشعر الجاهلي وليد فترة لا تتجاوز القرنين قبل الإسلام ؟ وهل هي فترة كافية ليتكامل خلالها شعر يبهرنا ويبهر العالم بغناه وعذوبته وقدرته على الوصف والتعبير عن أدق العواطف ... ومن يقرأ قصيدة واحدة لأحد الجاهليين الكبار من أمثال أمرئ القيس ، طرفة بن عبد ، وزهير بن ابي سلمى و... وبعدهم المتنبي والبحتري والفرزدق يدرك أن هذا الشعر هو نتاج فترة لا تقل عن عدة قرون مرت بها العربية ليتمكن شعرائها من كتابة قصائد بهذا المستوى من التطور وهذا ينقلنا الى أن نقول لا بد من وجود حلقة مفقودة في تاريخ الشعر العربي لا تقل عن قرنين أو اكثر من ذلك ربما سنجد ما يساعدنا على ذلك في المخطوطات السريانية المدونة في هذه الفترة لذا علينا البحث عنها وحيث كانت ظاهرة الكرشوني ( نص عربي أو فارسي أو .. مدون بحرف سرياني ) متداولة في المنطقة كما هي في الكتابات الفارسية المدونة بالخط السرياني (الارامي) ومن أمثلتها الرسائل الآرامية التي نشرها دريفر في الوثائق الآرامية  ، وتتالف من عشر رسائل كتبت على جلد وجدت في محفظة جلدية ومصدرها بابل وشوشان ، وهي موجهة الى عامل الامبراطور الفارسي في مصر وهي فارسية بحرفها السرياني واكتشفت بعد إكتشاف أوراق البردي (احيقار). جميعها يرتقي تاريخها الى مطلع القرن الخامس قبل الميلاد (490 - 408 ق م ) ويمتد إلى حوالي سنة 300 ق م . واللغة المستخدمة في هذه الوثائق هي السريانية (الآرامية) المنتشرة في تلك الفترة في البلاد الفارسية . 
اما الشعر الكوردي كونه قد نشأ في العصور الوسطى (نهاية القرن العاشر)  عصر ازدهار وإنتشار العديد من اللغات في المنطقة فهو الآخر وصلنا البعض منه عن طريق الكتابة والقسم الاخر من خلال الروي وحيث لا تزال هذه الظاهرة ( أي الروي ) منتشرة في اقليم كوردستان وحتى يومنا من خلال سرد القصص والملاحم والفلكلور وترانيم واهازيج الاباء والامهات لدى شعوب المنطقة كما هي لدى السريان والكورد والتركمان من خلال ما كان الأجداد يسردونه للاطفال امام مواقد الشتاء او ترنمه الامهات امام مهود اطفالهن وزغاريدهن في الحفلات او نحيبهن في العزاء ويغنيه الاباء اثناء الحصاد وغير ذلك من الاعمال وحيث من خلالها إنتقل الادب ومن بينه الشعر شفاهيا عبر الاجيال مكونا المصدر الرئيسي لآداب الشعوب ومن بينها الشعب الكوردي الذي خيمت عليه الامية والترحل بين السهول والجبال لما عاناه في المنطقة وعلى مر الاجيال لذا كانت عملية الروي هي إحدى وسائل النشر والحفاظ على هذا الادب بكل صوره وبطولات ابناءه ونكساتهم وعلاقاتهم من خلال الملاحم والاقاصيص والأغاني وترانيم الامهات الى عامة الشعب من قبل راوي ، ولعل الشعر الكوردي المكتوب باللهجة الكورانية يشكل او يحدد بدايات الشعر الكوردي المدون حيث اقدم ما وصل الينا من الشعر الكوردي ( كما يذهب اليه البعض ) يعود الى نهاية القرن العاشر بدءاً من الشاعر بابا طاهر الهمداني (930-1010) م ، الذي اشتهر بما عرف عنه هو وضعه للرباعيات (دوبيت) المكتوبة بلغة عذبة سائغة وبإخلاص وروحانية نادرة تصبغها مسحة فلسفية باطنية وعميقة . واخرون من امثال بيرشاليار (1006-1098) وبابا ناووسىَ جاف (1084-1161 ) وسولتان سهاك ئيسحاق (1272-1388) واخرون... رغم وجود بعض الدراسات تذهب على ان هذا الجيل من الشعراء كان يكتب باللغة الفارسية وليس الكوردية لذا تراهم يصنفون الشاعر بابا طاهر الهمداني ضمن شعراء الفرس المشهورين بهذه الفترة اسوة بالشاعر الصوفى "أنصارى" و "أبو سعيد" و(غنائيات قطران) ....  وحجتهم انهم كانوا يكتبون باللورية  التي ينسبونها الى الفارسية وكذلك ان ولادة هذا الجيل من الشعراء ومن بينهم بابا طاهر الهمداني قد تمت على أرض تتبع لإيران الحالية ، فضلا على ورود بعض الألفاظ والتراكيب واللواحق الفارسية في شعرهم ، لذا يعتبروه أقدم شاعر لوري إيراني اكتشف حتى اليوم ويعدوه أول من كتب الشعـر في الأدب الإيراني المدوّن على مدى تاريخه ،  الا ان الطرف الثاني يقول ان اللور هي احدى اللهجات الكوردية وهي أقرب الكرد جغرافياً إلى الفرس ، ومن الطبيعي أن تقوم بين الشعبين المتجاورين علاقة إقراض واقتـراض لغوي اما ما ورد من الفاظ ولواحق فارسية فهذه ليست بالغريبة فهناك من يعتقد (د.عبد العزيز الاهواني ) بان الموشحات الاندلسية هي أعجمية لوجود ألفاظ أعجمية أي خرجات أعجمية فيها وهناك العديد من الالفاظ السريانية في الشعر العربي والكوردي والفارسي وعلى سبيل المثال ما اورده ابو فرج الاصفهاني ( تولد 306هـ - 936 م ) من خلال مقطع شعري من اربعة ابيات لابراهيم الموصلي يصف بها خمارا ختمها بالبيت الاتي :
فقال ( إزل بشينا ) حين ودعني       وقد لعمرك زلنا عنه بالشين
نجد ان الشاعر استخدم مفردات سريانية كعبارة ( إزل بشينا ) بمعنى اذهب بسلامة وكذلك (زِلنا) بمعنى ذهبنا و(بشينا او بالشين) بمعنى بالسلامة .
وهذا لا يعني ان ابراهيم الموصلي كان شاعرا سريانيا بمعنى كان يكتب بالسريانية ما لم نكتشف له قصائد بالسريانية . مقابل ذلك هناك العديد من الالفاظ اليونانية في السريانية ، ناهيك عن القـرابة العرقية واللغوية الأصيلة بين الكرد والفرس ضمن الرابطة الآرية لذا يصرون على انه شعر كوردي ولو سلّمنا بكردية بابا طاهر فهذا يعني أن الأدب الإيراني بصورة عامة والمقامات الفارسية  بدءاً من مقامات عمر الخيام ( ما بين 1038 و1048 م (،  وكذا المقامات العربية كمقامات بديع الزمان الهمذاني  (969 م - 1007 م) ، ومقامات الحريري ( محمد الحريري البصري 1004م - 1112م) ، تكون قد تاثرت كثيرا بالفن الشعري الكوردي ، أي انهم تاثروا بالشاعر الكوردي المعروف ببابا طاهر الهمداني وهذا بالطبع ما يستحيل على عامة المثقفين الفرس والعرب تقبله . رغم ان هذا الفن لم يكن غريبا على السريان مطلقا فالاسلوب المقطعي والغنائي وجد في الشعر السرياني منذ مار افرام (306- 373م) وان لم يكن في جميعه كل اربعة ابيات وبقافية موحدة ان لم اقل منذ برديصان (القرن الثاني ) . 
هذا من جانب ومن جانب اخر اذا وافقنا على تنسيب اللهجة اللورية ( وهي جزء من الفيلية) وربما غيرها من اللهجات الكوردية الى الفارسية ( كما يزعم الطرف الاخر) هذا يعني علينا التوقف والبحث عن اصل هذه الشريحة ونتسائل هل هم من اصل فارسي ؟ وهذا سينقلنا الى احتمالات اخرى لذا علينا دراسة اللغة الكوردية بلهجاتها وخصوصياتها ومخارجها الصوتية ومقارنتها بلغات المنطقة كون اللغة هي احدى اهم اركان القومية 
لذا علينا ان ندرس قصائد شعراء الفرس وبلغتها الفارسية في هذه الفترة ( فترة بابا طاهر ) وما قبلها .
 إن أول ما يمكن ملاحظته في شعر "بابا طاهر" من ناحية الشكل هو قيامه على نظام الدوبيت ، أي الرباعيات ، وهي تضمين الفكرة الواحدة التامة في أربعة أشطر على الوزن ذاته والقافية ذاتها ، وهذا الفن معروف عن العجم ومأخوذ عنهم . وبابا طاهر هو أول من ألف في هذا الضرب من الشعر. 
لذا علينا التوقف عند هذه الفترة وما قبلها في حالة كونهم ( شعراء المنطقة ) كانوا يكتبون بالكوردية أم بالفارسية ، فضلا عن وجود حلقة مفقودة ما بين الشاعر بابا طاهر الهمداني (930-1010 ) والشاعر ملا احمد الجزيريى ( 1407-1481) في باقي اطراف المنطقة الكوردية وبالاخص منطقة بادينان حيث لم نعثر على ولادة شاعر كوردي خلال هذه الفترة أي من القرن الحادي عشر وحتى القرن الخامس عشر وحيث شهدت الساحة الادبية الكوردية في هذه الفترة (القرن الخامس عشر وما بعدها ) ولادة وازدهار الشعر الكوردي وخصوصا في بادينان . 
وهكذا هناك حلقات مفقودة ايضا في الشعر الفارسي تبدأ من القرن الخامس قبل الميلاد وهي فترة وجود اللغة البهلوية التي كانت تستخدم حتى خلال عهد الساسانيين ( 389 م- 999 م ) ، وبالرغم من كونها فى يوم من الأيام لغة لأدب عظيم الا انه لم يبقى منها سوى حوالى مائة نص وأغلبها دينية ومكتوبة نثرًا . ومع ذلك فإن مجموعات الرومانسيات المكتوبة باللغة البهلوية ساهمت بالكثير فى مادة "شاه نامه" للفردوسى. وبالرغم من أن اللغة البهلوية استمرت لتكون لغة الكلام فى الحياة الخاصة إلا أن العربية كانت سائدة فى الدوائر الرسمية لمدة قرن ونصف القرن لأنها لم تكن فقط اللغة الوحيدة للحكام ودولتهم ولكنها لغة الدين الاسلامي الذى أحضروه معهم الحكام بعد الفتح العربى لبلاد الفرس لذا أصبحت معرفة اللغة العربية ضرورية في بلاد فارس... ومع ضعف السلطة المركزية ، ظهر شكل جديد معدّل من البهلوية بالتركيب النحوى ( كما يذهب الدارسون) وهى الفارسية المستخدمة الآن .
وعلى الرغم من الاعتقاد بأن التشظى فى الشعر الفارسى فى أغلب الظن بدأ فى القرن الثامن  للميلاد فالتاريخ الحقيقى للأدب الفارسى (كما يذهب الدارسون) يبدأ من أقل سلالات حاكمة فى القرنين التاسع والعاشر والذى اقترن بانحدار الخلافة . وأكثر هؤلاء أهمية هم السمنيديين الذين أقاموا فى ( بخارى) واحدة من أولى أكثر الجماعات المتميزة التى ترعى التعليم ومن بينهم أبو على سينا - المعروف فى الغرب بابن سينا ـ  وبالاخص في الجزء الشمالي الشرقي من إيران ، وأقدم الأسماء التي يطالعنا بها هذا الأدب هي أسماء الرُّودَكي الذي يُلقَّب بـ « أبي الشعر الفارسي» والشاعر الصوفى "أنصارى" و "أبو سعيد" و...
 وفي القرن العاشر للميلاد ـ أي فترة الشاعر "رضاكى" "شاعر السجع الفارسى الأول والذى مات عام 941 ( بعد ولادة بابا طاهر بـ 6 سنوات) والذي يعده الدارسون أول الشعراء الفرس العظام حيث كتب أعدادا كثيرة من الأبيات ولكن القليل منها قد نجا . وكما يقول عنه الدارسون ـ أسلوبه مباشر وبسيط وغير متكلف وغير مزخرف ... ـ والشاعر "دقيقي" وهو شاعر تركي كان يكتب بالفارسية لمع في بلاط نوح بن منصور الساماني سنة 976-997 م الذي نظم ملحمةً تغنّى فيها بمآثر أبطال الفرس الأسطوريين ، ووصل الأدب الفارسي إلى مرتبة أعلى شأناً في عصر السلاجقة . ويمتاز هذا العصر بظهور التصوف الفارسي ، والشعر التعليمي، وكان عدد من كتاب هذه الفترة يكتبون الشعر والنثر وكان ألمعهم "ناصر خسرو"، الذي كتب تقريبا خمسة عشرة قطعة نثرية وثلاثين ألف بيت شعرى، ولم يتبقى من هذا الا أقل من النصف  . وأشهر عمل نثرى له هو "سفر نامه" وهو عبارة عن روايه لرحلته لمصر. ومعظم قصائد "ناصر خسرو" غنائيات طويلة وموضوعاتها دينية وأخلاقية ، ويجب أن يقترن اسم "ناصر خسرو" بأسماء هؤلاء الشعراء الستة – الفردوسى ، الخيام ، الأنوارى ، الرومى، سعدى، حافظ  - حيث أجمع الدارسون تقريبا على إعتبارهم أعظم ست شعراء فرس كل فى عالمه الخاص . 
وفي عصر المغول، بدأ الادب الفارسي يزدهر بظهور طبقة من الشعراء لاتقلّ عنها شأناً وأثراً. ومن نجوم هذه الطبقة فريد الدين العطار، وكان شاعراً صوفياً، وجلال الدين الرومي الذي يُعتبر أعظم شعراء الحب الإلهي عند الفرس، وسعدي الشيرازي صاحب «البستان» و«كلستان» وهو من أكثر الشعراء الفرس شعبية، وحافظ شيرازي الذي يُعدّ أعظم شعراء الفرس الغنائيين وعمر الخيام الذي اشتهر برباعياته التي ترجمت إلى معظم لغات العالم ، ونظامي الذي يُعتبر أعظم الشعراء الرومانتيكيين في الأدب الفارسي . وتراث الفرس الأدبيّ كما هو واضح، شعريّ في المقام الأول ... وقد أثرت الفارسية بشدة فى لغة وأدب تركيا وقد اعتمد الشعر التركى على النماذج الفارسية فيما يتعلق بالشكل والأسلوب كما اقتبس مفردات كثيرة منها .
وهناك حلقات مفقودة ايضا في الشعر التركي لعدم وجود بين أيدي الباحثين شيء من نصوص أدب المرحلة الأولى (ما قبل الاسلام)، وغاية ما وصلنا من ذلك الأدب  ترجمات صينية من بعض الأشعار والملاحم ، بعضها بالخطوط “الأورهونية”  أي بلغة أورهاي ( أورفا الحالية ) ـ أي بالحرف السرياني ـ في الشمال ، وهي من أصول سريانية ، جرى تفكيك مدلولاتها في نهاية القرن التاسع عشر.  وهذه أكثر النصوص تمثيلاً لأدب تلك المرحلة. والبعض الآخر مما وصلنا من نماذج هذا الأدب وأغلبها أدب ديني، تطور بشرقي تركستان أو مقاطعة “سينكيانج” الصينية حالياً، مستخدماً الكتابة “الأويغورية”، عندما كانت أغلبية الأتراك تتبع البوذية ، وهي نفس الأبجدية التي تبنّاها المغول بعد ذلك وظلوا يستخدمونها لبعض الوقت بعد الإسلام ، الا انه لم يصلنا شئ من هذا الادب سوى ما ذكره الكاتب "محمود الكاشغري" في كتابه المؤلف عام 1074م ، حيث اورد بعض النماذج من هذا الادب . وأولى الأعمال الأدبية ( الشعرية) المدونة والتي وصلتنا من الادب التركي كما يقول د.  فاخر عز   ـ الأستاذ بجامعة اسطنبول وأحد المساهمين في تاريخ كامبردج للإسلام ـ هو كتاب ( المعرفة التي تجلب السعادة (  لمؤلفه يوسف عام 1069م قدمه لسلطان ،" كاشغر " فأنعم السلطان على الكاتب بمنصب حاجب البلاط الأول ، والكتاب ديوان شعر يحتوي على6000  بيت وموضوعه حوار سياسي بين ثلاثة اشخاص .
ويُعد الشاعر الكبير " نوائي" ( 1441-1501) أحد أعظم شعراء الأدب التركي الشرقي، وأحد أبرز أعلام المدرسة الأدبية التي رعاها بلاط السلطان ، وتميز شعره (كما يقول الباحثون عنه ) بأصالة وخصوبة متميزة ، وقد تأثر الشاعر بقوة بالأدب الفارسي وبخاصة الشعراء  ـ نظامي وأمير خسرو دلهي وجامي ..
 ويعد نوائي أحد أبرز وأعظم شعراء الأدب التركي الكلاسيكي ، إلى جانب ثلاثة آخرين مثل نديم وفضولي ويونس عمره.  وقد أبدع هذا الشاعر في مجال السير فوضع كتاباً سماه ( مجالس النفائس ) الذي يؤرخ لحياة الشعراء الأتراك ، وكتاب (ميزان الأوزان ) ، في علم العروض ربما يعتبر اول كتاب في هذا العلم باللغة التركية . أما في مناطق الشعوب التركية الغربية ، أي تركيا الحالية وأذربيجان لقد تأخر ظهور الآداب التركية المكتوبة في هذه المناطق ، عما في مناطق الشعوب الشرقية لمدة قرنين رغم انتشار الإسلام فيهما ( كما يذهب الدارسون) ، وكانت بداية ظهورها مع إنشاء الإمارات السلجوقية، والسبب في عدم نمو الآداب التركية بينهم استخدامهم الفارسية لغة رسمية واللغة العربية للمباحث العلمية والتأليف.  وسارت آداب الأتراك الغربيين ( أي مناطق الأناضول وأذربيجان ) في ثلاثة مسارات مستقلة   قد اتبع ( أدب الدواوين ) النماذج الفارسية وكان موجهاً للخاصة والنخبة والأدب الصوفي الذي ازدهر مع انتشار الطرق والجماعات الصوفية، والأدب الشعبي.
كل هذا يعني وجود حلقات مفقودة في الادب التركي ايضا تمتد الى القرن الرابع عشر وهي فترة ازدهار الادب التركي عامة والشعر خاصة أسوة بالشعر الكوردي وهي نفسها فترة ولادة الشعر السرياني بالسورث ( السريانية المعاصرة ) وولادة وازدهار الموشحات الاندلسية وغير ذلك . وهكذا في الشعر العبري الذي يرجعه البعض من بينهم المستشرق آدم سمث   الى ما قبل القرن الثامن قبل الميلاد فترة ظهور انبياء العهد القديم من أمثال عاموس وهوشع وميخا واشعيا .. ، الا ان هذا الشعر ( إسوة بالسريانية ) لم يصل الينا ، كل ما وصلنا منه هو بعض الاشارات لوجود مجاميع شعرية من بينها كتاب (هيشار ) و (حروب يهوة ) وربما كتاب الاغاني الا ان جميعها حسب رأي الدارسين قد فقدت واقدم اثر وصلنا من الشعر العبري هو انشودة ديبورة ومرثية داود . ويذهب الدارسون في عدم وجود أي نص من هذه النصوص التي تنسب الى العصور القديمة بين أيدينا ربما لم تدون بل كانت تنتقل من جيل لاخر شفاهيا أي من خلال الروي ( كما يعتقدون) ، لذا ماتت هذه النصوص بموت ذاكرة حافظيها ( راويها) كما الحال لدى العربية . الا اني اعتقد إن هذا العذر غير كافي لان العبرية التي هي إحدى الفروع الارامية كان بالامكان تدوينها ( إن كانت موجودة ) بالخط الارامي (السرياني القديم) اسوة بمراثي ايرميا وبعض المزامير العبرية الدينية وحكمة أحيقار السريانية لان اللغة الارامية ( السريانية القديمة ) كانت متداولة في هذه الفترة وقبلها لذا علينا ان نبحث عن سبب آخر كأن اتلفت من قبل رجال الدين كونها لا تنسجم مع تطلعاتهم الفكرية والايمانية او.. ويعتقد الباحث جارلز ليال من أن سبب إهتمام الباحثين في الشعر العبري هو لارتباطه الوثيق بالعهد القديم . على اية حال فبالرغم من وجود المزامير ونشيد الانشاد و... في الوسط الديني الا ان ما تمتاز به هذه النصوص من كونها تامة في نظام الوزن والايقاع واللغة و.. ينقلنا الى الاعتقاد بان هذه القصائد الراسخة في تقاليدها لا بد انها مرت بمراحل طويلة حتى وصلت الى ما عليه اسوة باللغات الاخرى .... 
الا ان ما وصل الينا من اشعار هذه الامم كان كامل البناء تام الموسيقى لهم لغة مهذبة واستقامة في الوزن مما يؤدي بنا الى ان نقول:
1- ان تاريخ الشعر لدى هذه الشعوب يرجع الى ما قبل ذلك بكثيــر وقد كان محقا اسحق ساكا حين قال(7)" ان السريان قرضوا الشعر قبل برديصان بعهد بعيد غير ان برديصان توسع في اوزانه وتفنن فيه " .  فمن يقرا هذه الاشعار سيصل الى نتيجة مفادها ان مثل هذه الامور لا تتهيا للامم طفرة واحدة بل نتيجة تطور في اصول بعيدة تبدأ صغيرة بسيطة ثم تتطور بعملية من عمليات النمو الطبيعي ، وهذا يقودنا الى احتمال ثان.
2- او ان اداب شعوب المنطقة كان نتيجة متواصلة لاداب الحضارة العراقية القديمة كالسومرية والبابلية ( من ضمنها الكلدانية ) والاشورية ... ولو حظي هذا العلم اهتمام الباحثين لوجدوا تشابها واواصر مشتركة بين تلك الاداب والتي تلتها كالسريانيـة والعربيـة والعبريـة والفارسية والكوردية و... وانا اتفق مع الاستاذ طـه باقـر(8) حين قال ( ليس عندي شك في ان اوزان الشعر البابلي واساليب تأليفه ونظمه قد اثرت كثيرا في اشعار الامم القديمة التي كان لها اتصالات مباشرة وغير مباشرة بحضارة وادي الرافدين اخص بالذكر منها الشعر العبراني والارامي والشعر الفارسي القديم " الاخميني" ) لا بل اصر على ان بعضها ان لم اقل جميعها هي تواصل لمسيرة هذا الادب ومن ضمنها الادب العربي سواء كانت بصورة مباشرة او بصورة غير مباشرة أعني من خلال الادب السرياني ولو توفرت لدينا هذه الحلقات المفقودة لاتضح ذلك أكثر ، 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق