أستراليا زعامة تيرنبول في "الموازنة"/ عباس علي مراد

تشغل الميزانية الفيدرالية القادمة والتي ستعرض على البرلمان في 9/5/2017 الحيز الاهم بين القضايا السياسية المتداولة ، بسبب جملة من القضايا المطروحة للمعالجة منها أسعار المنازل التي لم تعد بمتناول المواطن العادي، النمو الاقتصادي، قضايا التعليم والصحة، البنى التحتية، البيئة، معاشات المتقاعدين، العلاقات الصناعية الى جانب القضايا الامنية واللاجئين وعودة اليمين المتطرف الاطلال برأسه وإحتلال حيز من الساحة السياسية في البلاد. لكن البند الاهم والاساسي والذي لا يدخل في ارقام الميزانية ولكنه يعتمد عليها من حيث حسابات الربح والخسارة السياسية التي تتأتى من هذه الميزانية وردود الفعل عليها من قبل الناخبين  والتي تعتبر الاهم للحكومة ورئيسها على وجه الخصوص.
عادة تلجأ الحكومات الى أسلوب التسريبات لبعض بنود الميزانية قبل يومين أو ثلاثة من عرض الميزانية المقررة على البرلمان  للتخفيف من حدة ردود الفعل وأستيعابها بعد تقديم الميزانية للبرلمان، لكن الشيئ الملفت للنظر في ميزانية هذا العام هو تسريب النوايا وخلق وأصطناع إشتباك سياسي سواء بين إعضاء الحكومة والحزب الحاكم أو مع المعارضة ولجس نبض المواطنين الذين تظهر ردودهم عبر برامج البث المباشر أو وسائل التواصل ألاجتماعي، يظهر هذا الامرمثلاً من خلال بعض الاقتراحات لمعالجة مشكلة الاسكان فالحكومة ومن أجل تفادي إقرار أي بند في الميزانية يكون مردوده سلبي على الحكومة في أستطلاعات الرأي والتي تظهر جميعها تراجع شعبية الحكومة ورئيسها منذ أوائل العام الماضي والتي كان آخرها الشهر الماضي (45% للحكومة مقابل55% للمعارضة) وخير دليل على ذلك نتائج الانتخابات التي جرت تموز 2016 والتي فازت فيها الحكومة بالكاد بأكثرية مقعد واحد في مجلس النواب وتراجع عدد مقاعدها في مجليس السيوخ لصالح المستقلين والاحزاب الصغيرة.
رمت الحكومة بقنبلة إستعمال معاش الادخار التقاعدي(السوبر) والذي تبناه وزير الخزينة سكوت موريسن لمساعدة مشتري المنزل الاول من حيث السماح لهم بأستعمال هذا الادخار لتأمين الحصول على قرض أسكان، يلقى هذا الاقتراح معارضة من شريحة واسعة من نواب ووزراء الحكومة ويأتي في مقدمتهم وزير المالية ماثيوس كورمن وقد  اصطف معه في ما بعد رئيس الوزراء والذي دعى الى إخراج الفكرة من التداول، علماً ان المعارضة الفيدرالية تعارض بالمطلق أي أستعمال للسوبر قبل سن التقاعد لانها مخصصة لعدم لجوء المتقاعدين للحصول على معاشات التقاعد من الحكومة والتي تزيد العبء على الميزانية. والجدير ذكره ان الحكومة قد استبعدت كلياً من خطتها لتأمين المساعدة لمشتري المنزل الاول أي تغيير على ضريبة الاستثمار السلبي (نيغاتيف كيرنغ)وضريبة الارباح على رأس المال والتي تعتبر إحدى أهم الاسباب في ارتفاع أسعار المنازل خصوصاً في سدني (19% هذا العام) وملبورن (16%) حتى أن حاكم البنك المركزي فيليب لوي دعى الى الغاء هذه التسهيلات الضريبية والتي يستفيد منها المستثمرون، وتتحجج الحكومة إن تخيفض أو الغاء هذه الضريبة سوف يؤدي الى ارتفاع الايجارات. والمعلوم ان حزب العمال يتبنى سياسة خاصة به في هذا المجال وهي منح تخفيضات الاستثمار السلبي لمشتري المنازل الجديدة وتخفيض نسبة ضريبة الارباح على رأس المال الى 25% بدل من 50%المعمول بها حالياً.
إذن، لا شك ان رئيس الوزراء يدرك ماهية الازمة التي تواجهه بأبعادها الاقتصادية والمالية والسياسية .
أقتصادياً، إستطاعت الحكومة تمرير مشروع تخفيض الضرائب للشركات التي تصل مداولاتها المالية الى 50 مليون دولار من 30% الى 27.5% لثلاث سنوات بعد الاتفاق مع كتلة النائب المستقل نيك زينافون علماً ان المشروع الاساسي كان يقضي بتخفيض الضرائب الى 25% خلال 10 سنوات لجميع الشركات وذلك قبل إرفضاض الدورة البرلمانية الصيفية وكذلك إستطاعت الحكومة تمرير مشروع قانون رعاية الاطفال الذي يوفر على الخزينة مبلغ مليار و600 مليون دولار.
الحكومة اعتبرت تمرير هذين المشروعين نجاح لسياستها من أجل النمو الاقتصادي وتأمين الوظائف، في الوقت الذي تواجه الحكومة تحدي إقتصادي أكثر أهمية وهو ارتفاع اسعار الطاقة الكهربائية وتأمينها بانتظام بما لا يؤثر على عجلة الاقتصاد خصوصاً بعد انقطاع الكهربا لعدة مرات في ولاية جنوب أستراليا الصيف الماضي يشار الى أن الحكومة الفيدرالية رصدت مؤخراً مبالغ ضخمة لزيادة أنتاج الطاقة الكهربائية من خلال مضاعفة أنتاج معمل تذي سنوي ماونتن لتوليد الكهرباء بالأضافة الى أن الحكومة قررت بناء محطة طاقة تعمل على الفحم الحجري النظيف في السنوات القادمة.
مالياً، لا تزال الحكومة بحاجة إلى تأمين المزيد من الامول لاعادة الفائض للميزانية بحلول العام المالي 2020- 2021 بالبرغم من الاخبار السارة بارتفاع أسعار المواد الاولية الخام (الحديد والفحم) فإن الحكومة بحاجة الى المزيد من الاموال والتي ستؤمنها من خلال الاقتطاع من مصاريف الخدمات الحكومية كالتعليم والصحة ومعاشات الضمان الاجتماعي ومعاشات المتقاعدين أو زيادة الضرائب وللأمرين تداعيات سياسية قد لا تستطيع الحكومة تحملها وخصوصاً رئيس الوزراء، وتبقى عين الحكومة أيضاً على الحفاظ التصنيف الائتماني AAA حتى لا تزداد خدمة الديون.
سياسياً، لم يعد خافياً على أحد أن الحكومة وتحت ضغط  جناح اليمين تحاول استعادة الناخبين الذين تركوا الحزب الى حزب أمة واحدة والمستقلين خصوصاً بعد إستقالة السينتور كوري بارنبي من حزب الاحرار، والمعلوم ان الحكومة غضت الطرف وأعطت الضوء الاخضر لتبادل الاصوات التفضيلية مع حزب أمة في ولاية غرب أستراليا بعد أن أعتبر الوزير آرثرسينودينوس ان حزب أمة واحدة أصبح أكثر تطوراً في العام 2017 من عام 1996 والمعروف أن النتائج كانت كارثية على الحزبين واعتبرت الاسوأ في تاريخ الانتخابات الاسترالية لحزب الاحرار. 
يضاف الى ذلك الصفعة السياسية الثانية التي تلقتها الحكومة في مجلس الشيوخ الذي رفض مشروع تعديل المادة 18س من قانون الذم العنصري 31 صوتاً مقابل 28.
مما تقدم نخلص الى أستنتاج ان الحكومة ورئيسها خصوصاً في وضع لا يحسد عليه حيث المطلوب منه مقاربة مختلفة وإداء أفضل وإلا إذا ما أستمر بتجاهل الحقائق والعمل لحفظ منصبه ومجاراة جناح اليمين في الحزب من أجل ذلك فإنه يقوم بدق المسمار الأخير في نعش زعامته غير المستقرة، وهذا ما تظهره نتائج إستطلاعات الرأي من تراجع لدى الناخبين كما تقدم، هذه الاستطلاعات التي كانت السبب وراء الاطاحة بطوني أبوت أيلول عام 2015 من قبل مالكوم تيرنبول، وبهذا الصدد كان ملفتاً للنظر تصريح وزير الهجرة بيتر داتون والذي بدأ يظهر طموحه لتولي زعامة الحزب حيث يُذكِر بتصريحه رئيس الوزراء إن الاداء الضعيف في إستطلاعات الرأي كان السبب وراء الاطاحة بأبوت وانها قد تكون هي السبب في خسارة تيرنبول لزعامة الحزب (سدني مورننغ هيرالد11/4/2017 ص 14).
السيد تيرنبول الذي يدرك هذه الحقائق وغيرها يحاول إعادة التموضع السياسي وفي أول إشارة الى محاولة الابتعاد عن جناح اليمين قال أنه  يرفض السياسة الشعبوية كما قال لمجلس حزب الاحرار في ولاية فكتوريا أنه يجب على الحزب رفض السياسة الشعبوية (صحيفة ذي صن هيرالد 2/4/2017ص4).
إذن، من هنا حتى التاسع من شهر أيار القادم موعد تقديم الميزانية الفيدرالية علينا ألإنتظار لنرى ما إذا كان لدى الحكومة في ميزانيتها رؤيا شاملة إقتصادية مع إصلاح ضريبي وسياسات تربوية وصحية وخطة فعلية لمعالجة قضايا الاسكان وغيرها من القضايا وماهية ردود فعل الناخبين عليها نستطيع أن نقول ان زعامة تيرنبول في الموازنة!
وما يدعم هذا الفهم أن حكم الناخبين  على تيرنبول أصبح مبرماً وهذا ما يؤكده أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الوطنية إيان ماكليستربأن الناخبين أغلقوا آذانهم لتيرنبول وانهم ليسوا على إستعداد للأستماع له ويقارن ماكليستر وضع تيرنبول بوضع جواليا غيلارد ويضيف أن الثقة بالسياسيين بشكل عام في أدنى مستوياتها منذ عام 1969 (س م ه27/3/2017ص5).
وكمايقال إن غداً لناظره لقريب.

سدني
Email:abbasmorad@hotmail.com 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق