ضمن المخطط المرسوم لتصفية القضية الفلسطينية،ولفرض حل سياسي يتجاوز ويقفز عن حل الدولتين بكل مثالبه،يجري توظيف كل أشكال الضغوط من اجل تطويع السلطة الفلسطينية للموافقة على حلول سياسية مؤقتة مع وعود شكلية ولفظية بأن يكون حل الدولتين في المدى البعيد،تماماً كما جرى في اتفاق اوسلو الإنتقالي حيث ترك مصير القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات للمرحلة النهائية،وها نحن ندفع ثمن ذلك الإتفاق تقسيماً للشعب والأرض والمزيد من الإلتهام لها .
منذ تولي ترامب للحكم ولقائه بنتنياهو،وهناك معطيات واشارات بأن هناك مشروع سياسي يجري طبخه،وهذا المشروع يقبر حل الدولتين الى الأبد،ولا يمنح الفلسطينيين الحق المتساوي او المواطنة الكاملة في دولة واحدة في الخيار الآخر...حيث ان النخب السياسية الإسرائيلية الممثلة في الترويكا اليمينية الحاكمة (نتنياهو،بينت وليبرمان) ومعهم قادة الأجهزة الأمنية ومراكز البحث الإستراتيجي على قناعة التامة،بأن الفرصة والأوضاع تمكن من شطب خيار حل الدولتين،وتمكن من تحقيق مشروع السلام الإقتصادي،فالحالة الفلسطينية في مرحلة ضعف وانكسار وتحيط بها التحديات من كل الإتجاهات داخلية وخارجية،والحالة العربية تتجه نحو نسج حلف علني مع دولة الإحتلال،يقوم على أساس التنسيق والتعاون العلني في المجالات الأمنية والعسكرية،بما في ذلك المناورات العسكرية المشتركة.
وكذلك التحولات الدولية الحاصلة عالمياً من انتصار لقوى اليمين المتطرف في امريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من دول أوروبا الغربية،وتقاطع وتلاقي مصالحها مع اليمين الصهيوني المتطرف،تمكن من تحقيق مثل هذا الحل ووفق رؤيا الترويكا الإسرائيلية،فأمريكا تقول بأنها لن تتراجع عن نقل سفارتها من تل ابيب الى القدس،وتعين سفير لها أكثر تطرفاً من نتنياهو نفسه،فيما يخص الإستيطان وحقوق الشعب الفلسطيني " فريدمان"،وكذلك مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة "نيكي هايلي" قالت بشكل واضح بأن زمن تقريع اسرائيل في الأمم المتحدة قد ولى،وتطبيقاً لذلك اسقطت البند المتعلق بمناقشة حقوق الشعب الفلسطيني في مجلس الأمن،وسبق ذلك ضغط امريكي على الأمين العام للأمم المتحدة لسحب التقرير الذي اصدرته منظمة الشؤون الإقتصادية والإجتماعية (الأسكوا" عن الصفحة الإلكترونية للأمم المتحدة،الذي يصف دولة الإحتلال بأنها دولة "ابارتهيد" وتمارس التفتيت السياسي والجغرافي بحق الشعب الفلسطيني،مما اضطر المديرة التنفيذية للجنة السيدة ريما خلف للإستقالة من منصبها،وكذلك مارست ضغوط هائلة على مجلس حقوق الإنسان لمنعه من إدراج حقوق الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال كبند للنقاش،وانسحبت امريكا وعدد ليس بالقليل من الدول الأوروبية الغربية عند نقاشه.
ملامح الحل والمطالب الأمريكية للتسوية حملها المستشار الخاص جيسون غرينبلات في لقائه مع الرئيس عباس في المقاطعة،عودة للمفاوضات بدون شروط مسبقة وبدون وقف استيطان،والمفاوضات تجري بحضور " المحور السني" العربي " الناتو" العربي الأمريكي،اعتقال المقاومين ومرسليهم ومشغليهم،ووقف تمويل " الإرهابيين" الشهداء والجرحى،ووقف تحويل الأموال لقطاع غزة.
واضح بان تلك الضغوط والشروط الأمريكية يجري ترجمتها الى أفعال على أرض الواقع،تمهيداً للحل "التركيعي" القادم،مشروع لن يخرج عن واحد من اثنين،سلام اقتصادي يشرعن الإحتلال ويديمه عبر تحسين شروط وظروف حياة الشعب الفلسطيني باموال من الصناديق العربية والدولية،على غرار مشروع مارشال الإقتصادي،وهذا يعني تشكيل إطار اقتصادي اسرائيلي- فلسطيني – أردني،او البديل كونفدرالية فلسطينية – اردنية في إطار التقاسم الوظيفي للأرض الفلسطينية الزائدة عن حاجة الأمن الإسرائيلي،مشروع اقترحه خبراء ومختصين ومفاوضين مخضرمين في المنطقة،امريكان صهاينة في مقدمتهم دنيس روس وديفيد مايكوفسكي وآخرين،بأنه يجب التفاوض مع الفلسطينيين،ليس قاعدة كل شيء او شيء،بل يجب طرح مبادرة سياسية محدودة،والسير بها نحو التطبيق من خلال مشروع سياسي جديد يتجاوز حل الدولتين،وعبر إطار حل اقليمي عنوانه الرئيس المصالح والهواجس الأمنية المشتركة لما يسمى ب" المحور السني" العربي واسرائيل وامريكا،بإعتبار ايران هي العدو الرئيس للأمة العربية والخطر المباشر على امنهم القومي وليس اسرائيل،كما تصور لهم امريكا ذلك،وهذا المحور يتولى تطويع الحلقة الفلسطينية للحل المطلوب،وإلا فإن البديل جاهز.
بعد لقاء عباس- غرينبلات مباشرة،اتخذ ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلي قراراً بإعتبار الصندوق القومي الفلسطيني التابع للمنظمة،صندوقاً خارجاً عن القانون،لأنه يمول المنظمات "الإرهابية" قوى المقاومة من أسرى وأسر شهداء،رغم ان الصندوق هو تابع لمنظمة التحرير،ويعمل وفق اجراءات المهنية والكفاءة والشفافية،وبات واضحاً بان المستهدف من هذا القرار هو قادة النضال الوطني الفلسطيني من أسرى وشهداء وذويهم، وتطويعهم يعني قبولهم بالحل القادم مقابل استمرار حصولهم على الرواتب والمزيد من الإمتيازات،وإلا فلا رواتب وليتحملوا مسؤولية ذلك،وليستتبع ذلك بمشروع قرار قدمه عدد من اعضاء البرلمان" الكنيست" الصهيوني في مقدمتهم "اليعزر شطيرن" من حزب "يش عتيد" يوجد مستقبل،لمناقشته وإقراره بوقف تحويل مليار ومئة مليون شيكل من اموال عائدات الضرائب الفلسطينية،تحت حجج وذرائع بان هذا يساوي المبلغ الذي يدفع من السلطة كرواتب للأسرى وأسر الشهداء.
وترجمة لقاء المستشار الأمريكي غرينبلات مع الرئيس عباس في المقاطعة برام الله،هناك العديد من الدول العربية والغربية،اوقفت تحويل الأموال للسلطة الفلسطينية،من أجل تعميق ازمتها المالية،والضغط عليها من أجل قبول الحل الذي سيطرح،حيث عمدت السلطة الى خصم 30% من رواتب موظفيها في قطاع غزة بحجة تشكيل حماس لجنة خاصة لإدارة اوضاع القطاع،هذا القرار الذي من شأنه مفاقمة صعوبة اوضاع اهالي قطاع غزة،الذين يعتاشون اغلبهم على الإغاثات والمساعدات الخارجية،بالإضافة الى خلقه المزيد من الأعباء الإقتصادية والمشاكل الإجتماعية،في ظل ما يتعرض له القطاع من حصار دائم.
ناهيك تطبيق هذا القرار بهذا الشكل من الإنتقائية يعزز من حالة الفصل والإنقسام،وخلق نعرات جهوية.
وانا أرى هذا القرار انه ياتي في إطار الزبائنية والمصلحية التي تتعامل بها السلطة مع الشعب الفلسطيني،فهي تدرك بأن قاعدتها الجماهيرية جلها في الضفة الغربية،وهي تتجه نحو المزيد من التاكل،ولذلك أي خصومات على رواتب موظفيها في الضفة،قد يدفع نحو انتحارها والإنفضاض الجماهيري من حولها،ولذلك اهون الشرّيين لحفظ مصالحها وشرعيتها الخصم من رواتب موظفيها في القطاع وليس الضفة.
على السلطة ان تدرك تماماً بأن القادم خطير جداً،ويحمل مخاطر تصفية القضية الفلسطينية وتفكيك المشروع الوطني،ولذلك هي بموافقتها على ما سيتم طرحه،يعني بانها ستنتحر ذاتياً،وأن حماية ذاتها وشرعيتها يجب ان لا تكون على حساب المشروع الوطني الفلسطيني،وحيث تتضح ملامح المشروع المعادي في احسنها حكم ذاتي موسع،فلا مناص عن مواقف ترتقي الى مستوى المسؤولية والمخاطر الكبيرة،وليتوحد الجميع في خندق الدفاع عن حقوق شعبنا وثوابته ومشروعه الوطني،والجماهير التي اسقطت مشروع روابط القرى العميلة وغيره من المشاريع المشبوهة الأخرى،قادرة على وقف ومنع تصفية حقوقنا وثوابتنا وقضيتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق