القمم الثلاثة التي عقدت في الرياض (القمة السعودية - الأمريكية) و( القمة الخليجية - الأمريكية) و( القمة العربية الإسلامية - الأمريكية)،واضح بانها شكلت ربحاً صافياً لأمريكا وإسرائيل على كل الصعد الأمنية والعسكرية والإقتصادية والمالية والمواقف والرؤيا،فالشعار الذي رفعه ترامب في حملته الإنتخابية عن ان السعودية،هي بقرة حلوب،وعليها ان تدفع ثمن حمايتها،تحقق من خلال إستحلاب النظام السعودي بمئات المليارات من الدولارات على شكل صفقات أسلحة ضخمة تشتريها السعودية من الأمريكان ومشاريع استثمارية أمريكية في السعودية واستثمارات سعودية واسعة في الإقتصاد والشركات والبنى التحتية الأمريكية،وليس هذا فحسب،بل تحقق شعار نتنياهو بإدانة عربية- إسلامية للنضال الوطني الفلسطيني،بوصف هذا النضال الفلسطيني شكلاً من أشكال الإرهاب، حيث وصفت حماس الى جانب الحركات الإرهابية من القاعدة ومتفرعاتها من "داعش" و"النصرة" بأنها قوى إرهابية،وكذلك كان الهجوم والتوصيف اكثر حدة فيما يتعلق بحزب الله اللبناني،هذا الحزب المقاوم الذي حرر الجنوب اللبناني واطلق سراح أسراه،وشكل حجر رحى في حلف المقاومة المعترض على المشاريع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة،وهذه التوصيفات لم يعترض عليها أي من الزعماء العرب والمسلمين،على العكس من ذلك كانت تلك التصريحات والخطابات مثار ترحيب وموافقة هؤلاء الزعماء المستجلبين بمذكرات الجلب السعودية.....وزير خارجية السعودية الجبير في مؤتمره الصحفي مع وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون،قال بأن ايران أنشئت أكبر منظمة إرهابية في المنطقة ويقصد بذلك حزب الله اللبناني،وكذلك وصف ايران بأنها دولة إرهابية،وهي احد أسباب عدم الإستقرار وتهديد الأمن في المنطقة بتهديداتها وتدخلاتها في العديد من دول المنطقة من العراق الى سوريا فلبنان وحتى اليمن،في حين لم يأت على ذكر اسرائيل على انها دولة معادية ومحتلة للأراضي الفلسطينية والعربية،وتمارس كل أشكال الإرهاب بحق الشعب الفلسطيني وكل شعوب المنطقة،وهي جذر وأساس المشاكل في هذه المنطقة باهدافها العدوانية والتوسعية والإستعمارية،وحتى في الكلمات التي ألقيت لم ينل الملف الفلسطيني سوى عبارات مبهمة وسريعة ،ولم يتم التطرق الى الخطر الجدي المحدق بالأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام في سجون الإحتلال، ولذلك هذه القمم الثلاثة والنتائج المترتبة عليها سيكون لها تداعياتها الخطيرة في المنطقة،من حيث "صهرها" للوعي العربي والفلسطيني،عبر الخلط الكبير للأوراق، والتحوّل الخطير في النظر إلى جوهر التناقضات في المنطقة،وإلى أسباب الحروب،وتفشّي الإرهاب،والأزمات والمعانيات الناجمة عنها،والتي يقف في مقدمتها الدعم الأمريكي المتواصل وغير المحدود للكيان الصهيوني في إحتلاله لفلسطين وعدم الانصياع للشرعية الدولية وقراراتها، وفي السياسات العدوانية الأمريكية على شعوب الأمة العربية ومصالحها، وفي تأسيس الإدارة الأمريكية للإرهاب ورعايته في أكثر من بلد عربي وإسلامي منذ زمن طويل.
نجحت أمريكا بإمتياز في قلب وخلط الحقائق في تسويق "إسرائيل" بأنها ليست دولة عدوانية إحتلالية إستيطانية إقتلاعية في المنطقة،بل هي دولة يمكن ان تكون جزء من تحالف عربي- إسلامي فاعل يقود هذا التحالف ضد الخطر الداهم والرئيسي الذي يهدد أمن العرب وإستقرارهم وعروشهم بتهديداته وتدخلاته،والمقصود هنا ايران،وهنا الحرف الحقيقي للبوصلة والإتجاه وجوهر الصراع،فالصراع يجب أن يستمر على أساس أنه صراع مذهبي سني – شيعي بين الدول العربية الإسلامية ( السعودية ومروحة تحالفها الإسلامي السني ضد ايران وحزب الله ومحور تحالفهم من سوريا والعراق واليمن وحركات المقاومة الفلسطينية والعربية،و"إسرائيل" تنتقل من دولة معادية الى دولة "صديقة" تًشرع العلاقات معها بشكل علني وطبيعي ويتم التنسيق والتعاون والتحالف معها،دون ان يترتب على ذلك تطبيقها للمبادرة العربية للسلام،رغم الترحيل المستمر لها من قمة عربية لأخرى والهبوط بسقفها لتقبل بها اسرائيل وإنهاء إحتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة،والتطبيق لهذه المبادرة العرجاء هنا في إطار الشق التطبيعي للعلاقات معها،أما إنهاء إحتلالها،فواضح بان حالة الإنهيار والإنبطاح العربي والضعف الفلسطيني،جعلتهم يقبلون بالعودة للمفاوضات مع إسرائيل بدون شروط،بما فيها وقف الإستيطان،مفاوضات سيعودون اليها في ظل صلف وعنجهية إسرائيلية غير مسبوقة،بالقول بأن القدس ستبقى عاصمة أبدية لدولة الاحتلال وإسرائيل دولة يهودية ولن تقام دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية عام 1967.
ولذلك نحج ترامب في قلب الحقائق وتزويرها،من حيث جوهر واولويات الصراع والتناقضات في المنطقة،فهنا يجب ان تكون الألوية لمحاربة "الإرهاب" أي قوى المقاومة إقليمياً وعربياً وفلسطينياً وقوس ومحور تحالفاتها دولياً،وليس الإرهاب الحقيقي الذي رعته وخلقته أمريكيا عبر إحتضانها للجماعات الإرهابية والتكفيرية خدمة لأجنداتها وأهدافها، من القاعدة وجماعة طالبان في أفغانستان،حتى متفرعاتها من "داعش" و"النصرة" وملحقاتها وتفريخاتها من بقية الألوية والتشكيلات الإرهابية الأخرى في ليبيا والعراق وسوريا ومصر وغيرها من البلدان العربية الأخرى،فأي نظام او حزب او حركة سياسية تقف ضد إسرائيل وأهدافها وتطلعاتها العدوانية والتوسعية في المنطقة،هي "إرهابية" يجب العمل على محاربتها وإحتلال أرضها وتغيير أنظمتها وتفكيك جغرافيتها وإعادة تركيبها،بما يخدم المشاريع الأمري صهوينية – والإستعمارية الغربية في المنطقة.
والشي الخطر هنا تزييف وصهر الوعي العربي والفلسطيني،وإستدخال ثقافة الهزيمة،على انها ثقافة سلام ومحبة وتسامح،وبأن كلمة مقاومة من الماضي،وعلى الشباب من خلال المبادرات الاقتصادية والثقافية عبر حنفيات المال المشبوه الخليجي والأمريكي التي ستضخ عليها،ان تعيش وتقبل بواقعها،بعيداً عن لغة المقاومة والعداء لإسرائيل وامريكيا.
التحالف المزمع قيامه،حلف الرياض، لديه إمكانيات كبيرة مالية وعسكرية ومساحة واسعة من الأرض التي سيتحرك عليها،يضاف لذلك فضاءات إعلامية وثقافية تضليلية واسعة يجند لها كتبة ومرتزقة وقيادات سياسية ومجتمعية وثقافية وإعلامية باعداد كبيرة،ولكن كما أسقطت ثورة العراق حلف بغداد،فإن الإستعصاءات الناتجة على استدخال إسرائيل ككيان طبيعي في المنطقة على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه وقضيته،رغم عملية الطحن و"الصهر" الكبيرة التي يتعرض لها وعي الشعب الفلسطيني، ستسقط هذا الحلف،وكذلك هو الصمود السوري،وقوة الردع الإيرانية و صمود وتمرس حزب الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق