واضح بان القمم الثلاثة التي عقدت في العشرين من الشهر الماضي في الرياض قد عبدت الطريق نحو "طوفان" التطبيع بين دولة الإحتلال الصهيوني والعالم العربي،بحيث لم تعد الأولوية لحل القضية الفلسطينية وإشتراط إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران /1967،كما نصت عليه ما يسمى بالمبادرة العربية للسلام،التي جرى ترحيلها من قمة بيروت التي أقرتها في عام/2002 وحتى قمة البحر الميت التي عقدت في عمان في آذار الماضي،وفي كل عملية ترحيل كان يجري الهبوط بسقفها حتى تقبل وتوافق عليها اسرائيل،لتستقر على ما أرادته اسرائيل التطبيع العلني والرسمي معها اولاً وحل القضية الفلسطينية من خلال إطار إقليمي،وبما يعني تحقيق الشروط الإسرائيلية كاملة،وفي قمم الرياض أبدت الدول الخليجية إستعداها لتطبيع العلاقات مع اسرائيل من خلال السماح بدخول بعثات اقتصادية ورياضية ورجال اعمال اسرائيليين الى أراضيها ،وكذلك الإستعداد لإقامة خطوط اتصال مباشرة ما بينها وبين دولة الإحتلال،والسماح لطائراتها بإستخدام الأجواء الخليجية العربية،وليترجم ذلك الى فعل عملي بالرحلة المباشرة التي استقلها الرئيس الأمريكي ترامب بعد القمة العربية - الإسلامية - الأمريكية في الرياض مباشرة من مطار الرياض الى مطار اللد.
نحن ندرك ونعرف بان هناك علاقات سياسية واقتصادية وتجارية وامنية وعسكرية بين العديد من الدول العربية والإسلامية مع اسرائيل في الإطار السري منذ زمن بعيد،ولكن اسرائيل كانت دائماً تصر وتلح دائماً بانها لن تقبل إلا بالزواج العلني وعلى رؤوس الأشهاد،وها هو الزواج يتحقق بشهادة "الإمام" الكبير ترامب وشهادة (56) زعيم ومسؤول عربي وإسلامي..هذا المؤتمر شكل نقلة نوعية نحو تطبيع العلاقات مع دولة الإحتلال،حيث يجري الحديث عن خطط ستخرج الى العلن لربط دول الخليج مع دولة الإحتلال بخطوط سكه حديدة تمر عبر الأردن،وكذلك جرى ويجري الحديث الان على نقل الحجاج الفلسطينيين مباشرة من مطار اللد الى مطار الرياض،ولتكشف صحيفة بريطانية "التايمز" عن اتصالات سعودية – اسرائيلية من اجل إقامة علاقات اقتصادية علنية بينهما.
التطور الخطر جداً هنا على طريق تصفية القضية الفلسطينية،هو القبول العربي والإسلامي بعلنية وشرعية التطبيع مع دولة الإحتلال دون إشتراط موافقتها على إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/1967،بل المطلوب من السلطة الفلسطينية،ان تعود للمفاوضات دون أي اشتراطات من نمط وقف الإستيطان أو تجميده او إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى،أسرى ما قبل أوسلو الذين جرى الإتفاق على إطلاق سراحهم في المفاوضات التي قادها وزير الخارجية الأمريكي السابق كيري بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.
اليوم يجري الحديث عن إستعداد مجموعة المحافظين الاصلاحيين في البرلمان الأوروبي في بروكسل لعقد مؤتمر تشجيع التطبيع مع اسرائيل.
وبان تلك المجموعة ستنظم اجتماعا للترويج لسياسات التطبيع مع اسرائيل، ويشارك في الاجتماع الذي بادرت به مجموعات الضغط المؤيدة لإسرائيل كل من مدير مركز عمان للدراسات الاسرائيلية ومدير مركز عمان للسلام والتنمية والمتطرف الاسرائيلي الياهو حزان مدير دائرة العلاقات الدولية في حزب الليكود.
كما وتحمل الدعوات الى الاجتماع كل من علم اسرائيل وشعار جامعة الدول العربية. بحسب ما نشر على الصفحة الرسمية للمجموعة على شبكة الانترنت.
هذه الهرولة نحو " السفور" و"الوقاحة" في التطبيع،ما كان لها ان تكون لو كانت هناك مواقف فلسطينية متماسكة،ولو مثلت السلطة الفلسطينية نموذجاً في مقاومة ومحاصرة نهج التطبيع والمطبيعين،بل شعبنا نظر لهذه السلطة على انها عراب للتطبيع وتفتح الباب على مصرعيه لمن يمارسونه،فكيف يمكن إقناع الجماهير الشعبية،بان حضور قيادي في المنظمة والسلطة لمؤتمر هرتسيليا الذي يرسم الإستراتيجيات للحركة الصهيونية ليس تطبيعاً ..؟؟،والحجيج الذي تقوم به العديد من الأحزاب الصهيونية للمقاطعة تحت يافطة صنع السلام...؟؟.
النتائج التي قادت اليها مثل هذه اللقاءات والمؤتمرات التطبيعية قادتنا الى ما هو اخطر،خطر التصفية للقضية والحقوق الوطنية.فجماعة الإصلاحيين المحافظين في البرلمان الأوروبي المؤيدة للحركة الصهيونية ودولة الإحتلال،والتي تشكل القوة الثالثة في البرلمان الأوروبي تقول بأن هذا المؤتمر المنوي عقده يندرج في إطار محاولات اسرائيل واللوبي المؤيد لها في اوروبا الترويج بان القضية الفلسطينية لم تعد الاولوية في العالم العربي ولم تعد تشكل عائق امام السلام والتطبيع المسبق بين الدول العربية واسرائيل".
الان اكثر من أي وقت مضى في ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها حقوق شعبنا الفلسطيني ونضالاته من مخاطر التصفية والتبديد والتجريم،حيث تمارس ضغوط هائلة على السلطة الفلسطينية أمريكية واسرائيلية وعربية من اجل وقف رواتب الأسرى والشهداء،ومصادقة " الكنيست" الصهيوني بالقراءة التمهيدية على اقتطاع مليار ومئة مليون شيكل من قيمة فاتورة مقاصة الضرائب والجمارك التي تحول للسلطة الفلسطينية،بإعتبار انها تعادل قيمة الرواتب التي تدفعها السلطة لأسر الشهداء والجرحى،وكذلك الهجمة الصهيونية والأمريكية على وكالة الغوث واللاجئين "الأونروا" بغرض وقف نشاطاتها وخدماتها لأكثر من (130) ألف لاجىء فلسطيني،وغيرها من الضغوط والهجمات المستهدفة طليعة نضالنا العادل والمشروع (الأسرى والشهداء) والمرتكز الأساسي للبرنامج الوطني الفلسطيني حق العودة،وشرعنة وعلنية التطبيع العربي مع المحتل على حساب حقوق شعبنا،يتطلب من كل شرفاء الأمة فلسطينيين وعرب ومسلمين التوحد في خندق واحد،من اجل التصدي للهجمة التطبيعية الواسعة،والتي أصبحت على شكل موجات" تسونامية" و"طوفانية" يقودها النظام الرسمي العربي مع الإحتلال الصهيوني،في ظل حالة عربية رديئة ومنهارة وحالة فلسطينية ضعيفة منقسمة ومنشطرة على ذاتها.
فليجري العمل بشكل سريع على تشكيل لجان شعبية وجماهيرية فاعلة في كل العواصم العربية والإسلامية لمقاومة والتصدي لنهج التطبيع ودعاته وقادته،وتبيان مخاطره على امتنا العربية والإسلامية وجوهرها القضية الفلسطينية،فالخطر داهم جدي وحقيقي....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق